آياتها، غاياتها - خلاصة السورة 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4190

آياتها:
المعروف بين المسلمين: أن عدد آياتها سبع، بل لا خلاف في ذلك وروي عن حسين الجعفي: أنها ست، وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان، وكلا القولين شاذ مخالف لما اتفقت عليه روايات الطريقين من أنها سبع آيات. وقد مر أنها المراد من السبع المثاني في الآية المتقدمة، فمن عد البسملة آية ذهب إلى أن قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} إلى آخر السورة آية واحدة. ومن لم يعدها آية ذهب إلى أن قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} آية مستقلة.
غاياتها:
الغاية من السورة المباركة بيان حصر العبادة في الله سبحانه، والإيمان بالمعاد والحشر. وهذه هي الغاية القصوى من إرسال الرسول الأكرم وإنزال القرآن، فإن

ــ[423]ــ

دين الإسلام قد دعا جميع البشر إلى الإيمان بالله وإلى توحيده:
{قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوآءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلآ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللّهِ}(3: 64).
وإنه لا يستحق غيره لأن يُعبَد، فالبشر - وكل موجود مدرك - يجب أن يكون خضوعه وتوجهه لله وحده. وبرهان ذلك - في هذه السورة الكريمة - هو أن العاقل إنما يخضع لمن سواه ويعبده، ويتوجه إليه بحوائجه، إما لكمال في ذلك المعبود المستعان - والناقص مجبول على الخضوع للكامل - وإما لإحسانه وإنعامه عليه وإما لاحتياج الناقص في جلب منفعة أو دفع مضرَّة، وإما لقهر الكامل وسلطانه فيخضع له خوفاً من مخالفته وعصيانه.
هذه هي الأسباب الموجبة للعبادة والخضوع. وأيها ينظر فيه العاقل يراه منحصراً في الله سبحانه. فالله هو المستحق للحمد، فانه المستجمع لجميع صفات الكمال، بحيث لا يتطرَّق إلى ساحة قدسه شائبة نقص. والله هو المنعم على جميع العوالم الظاهرية والباطنية المجتمعة والمتدرجة، وهو مربّيها تكويناً وتشريعاً. والله هو المتصف بالرحمة الواسعة غير القابلة للزوال. والله هو المالك المطلق، والسلطان على الخلق بلا شريك ولا منازع. فهو المعبود بالحق لكماله وإنعامه ورحمته وسلطانه، فلا يتوجه الإنسان العاقل إلا إليه، ولا يعبد إلا إياه، ولا يستعين إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، لأن ما سوى الله ممكن، والممكن محتاج في ذاته. والاستعانة والعبادة لا تكونان إلا للغني:
{يا أَيُّهَا النّاسُ أنتم الْفُقَراءُ إلى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(35: 15).
وبعد أن أثبت تبارك وتعالى أنه هو المستحق للحمد والثناء بقوله: {الحمدُ لله رَبِّ العالمبنَ. الرحمنِ الرحيمِ. مالكِ يومِ الدِّينِ} لقَّن عباده أن يقولوا بألسنتهم

ــ[424]ــ

وقلوبهم: {إِيَّاكَ نَعْبدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}.
ثم أشار تعالى إلى أحوال البشر بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وإتمام الحجة عليهم، وأنهم قد انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من شملته العناية الإلهية والنعم القدسية، فاهتدى إلى الصراط المستقيم، فسلكه إلى مقصده المطلوب وغايته القصوى، ولم ينحرف عنه يميناً ولا شمالاً.
الثاني: من ضل الطريق فانحرف يمنة ويسرة إلا أنه لم يعاند الحق، وإن ضلَّ عنه لتقصيره، وزعم أن ما اتبعه هو الدين، وما سلكه هو الصراط السوي.
الثالث: من دعاه حب المال والجاه إلى العناد فعاند الحق ونابذه، سواء أعرف الحق ثم جحده أم لم يعرفه. ومثل هذا
- في الحقيقة - قد عبد هواه، كما أشار سبحانه إليه بقوله:
{أَفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلههُ هَواهُ}(45: 22).
وهذا الفريق أشد كفراً من سابقه، فهو يستحق الغضب الإلهي بعناده زائداً على ما يستحقه بضلاله.
وبما أن البشر لا يخلو من حب الجاه والمال، ولا يؤمن عليه من الوقوع في الضلال، وغلبة الهوى ما لم تشمله الهداية الربانية، كما أُشير إلى هذا في قوله تعالى:
{وَلَوْلأ فَضْلُ اللّهُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاء ُوَاللّهُ سَميعٌ عَلِيمٌ}(24: 21).
لقَّن الله عبيده أن يطلبوا منه الهداية، وأن يقولوا: {اهْدِنَا الصّرَاطَ المستقيم (6) صِرَاطَ الذين أنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اَلمغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ} فالعبد يطلب من ربه الهداية المختصة بالمؤمنين، وقد قال تعالى:

ــ[425]ــ

{وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مسْتَقِيمٍ} (2: 213).
ويسأله أن يدخله في زمرة من أنعم عليهم وفي السالكين طريقتهم، كما أشير إليه بقوله تعالى:
{أولئِكَ الَّذِينَ اَنْعَمَ اللّه عَلَيْهمْ مِّنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمَّمِنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبراهِيمَ وَ إِسرائِيلَ وَمَّمِنْ هَدَينا وَاجْتَبَينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}
(19 :85).
وأن لا يسلك طريق الطائفتين الزائغتين عن الهدى: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
خلاصة السورة:
إنه تعالى مجَّد نفسه بما يرجع إلى كمال ذاته، ومجدها بما يرجع إلى أفعاله من تربيته العوالم كلها، ورحمته العامة غير المنفكة عنه، وسلطانه يوم الحشر وهو يوم الجزاء، وهذا هو هدف السورة الأولى.
ثم حصر به العبادة والاستعانة، فلا يستحق غيره أن يعبد أو يستعان، وهذا هو هدفها الثاني.
ثم لقَّن عبيده أن يطلبوا منه الهداية إلى الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى الحياة الدائمة، والنعيم الذي لا زوال له، والنور الذي لا ظلمة بعده، وهذا هو هدفها الثالث.
ثم بيَّن أن هذا الصراط خاص بمن أنعم الله عليهم برحمته وفضله، وهو يغاير صراط من غضب عليهم وصراط الآخرين الذين ضلوا الهدى، وهذا هو هدفها الرابع.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net