الرحمن - الرحيم 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4873

الرحمن:
مأخوذ من الرحمة، ومعناها معروف، وهي ضد القسوة والشدة. قال الله تعالى:
{أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحماءُ بَيْنَهُمْ 48: 29. اعْلَموا أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ

ــ[430]ــ

الله غَفُورٌ رَحيمٌ } (5: 98).
وهي من الصفات الفعلية، وليست رقَّة القلب مأخوذة في مفهومها، بل هي من لوازمها في البشر. فالرحمة - دون تجرّد عن معناها الحقيقي - من صفات الله الفعلية كالخلق والرزق، يوجدها حيث يشاء. قال عزوجل:
{رَبُّكُمْ أعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ 17: 54. يُعَذِّبُ مَنْ يَشآءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشآءُ وَإليه تُقْلَبونَ 29: 21}.
حسب ما تقتضيه حكمته البالغة. وقد ورد في الآيات طلب الرحمة من الله سبحانه.
{وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}(23: 118).
وقال غير واحد من المفسرين وبعض اللغويين: إن صيغة الرحمن مبالغة في الرحمة، وهو كذلك في خصوص هذه الكلمة، سواء أكانت هيئة فعلان مستعملة في المبالغة أم لم تكن، فان كلمة (الرحمن) في جميع موارد استعمالها محذوفة المتعلق، فيستفاد منها العموم وأن رحمته وسعت كل شيء. ومما يدلنا على ذلك أنه لا يقال: إن الله بالناس أو بالمؤمنين لرحمن، كما يقال: إن الله بالناس أو بالمؤمنين لرحيم.
وكلمة "الرحمن" بمنزلة اللقب من الله سبحانه، فلا تطلق على غيره تعالى، ومن أجل ذلك استعملت في كثير من الآيات الكريمة من دون لحاظ مادتها قال سبحانه:
{قَالُوا مَا أَنْتم إِلا بَشَرٌ مثْلُنا وَمَا أَنْزَلَ الرّحمن مِنْ شَيْءٍ 36: 15. إِنْ يرِدْنِ الرّحمنُ بضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ: 23. هذَا مَا وَعَد الرّحمنُ وَصَدَقَ المرْسَلُونَ: 52. مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحمنِ مِنْ تَفاوُتٍ 67: 3}.

ــ[431]ــ

ومما يقرب اختصاص هذا اللفظ به قوله تعالى:
{رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَه سَميّا}(19: 65).
فان الملحوظ أن الله تعالى قد اعتنى بكلمة "الرحمن" في هذه السورة "مريم" حتى كررها فيها ست عشرة مرة. وهذا يقرّب أن المراد بالآية الكريمة أنه ليس لله سميّ بتلك الكلمة.
الرحيم:
صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة. ومن خصائص هذه الصيغة أنها تستعمل غالباً في الغرائز واللوازم غير المنفكة عن الذات: كالعليم والقدير والشريف، والوضيع والسخي والبخيل والعلي والدَّني. فالفارق بين الصفتين: أن الرحيم يدل على لزوم الرحمة للذات وعدم انفكاكها عنها، والرحمن يدل على ثبوت الرحمة فقط. ومما يدل على أن الرحمة في كلمة "رحيم" غريزة وسجية: أن هذه الكلمة لم ترد في القرآن عند ذكر متعلقها إلا متعدية بالباء، فقد قال تعالى:
{إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ 2: 143. وكَانَ بِالمؤمِنِينَ رَحِيما} (33: 43).
فكأنها عند ذكر متعلقها انسلخت عن التعدية إلى اللزوم. وذهب الالوسي إلى أن الكلمتين ليستا من الصفات المشبهة، بقرينة إضافتها إلى المفعول في جملة: "رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما". والصفة المشبهة لابد من أن تؤخذ من اللازم (1).
وهذا الاستدلال غريب، لأن الإضافة في الجملة المذكورة ليست من الإضافة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الالوسي: 1 / 59.

ــ[432]ــ

إلى المفعول بل هي من الإضافة إلى المكان أو الزمان. ولا يفرق فيها بين اللازم والمتعدي.
ثم إنه قد ورد في بعض الروايات: أن (الرحمن) اسم خاص ومعناه عام وأما لفظ (الرحيم) فهو اسم عام، ومعناه خاص ومختص بالآخرة أو بالمؤمنين (1) إلا أنه لا مناص من تأويل هذه الروايات أو طرحها، لمخالفتها الكتاب العزيز، فانه قد استعمل فيه لفظ (الرحيم) من غير اختصاص بالمؤمنين أو بالآخرة ففي الكتاب العزيز:
{فَمن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 14: 36. نَبِّئ عِبادِي اَنِّي أَنَا الْغَفُوز الرَّحِيمُ 15 : 49. إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ 22: 65. رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً 17 : 66. وَيُعَذِّبَ المنافِقِينَ إنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً 33: 24}.
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، وفي بعض الأدعية والروايات: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما(2).
ويمكن أن يوجه هذا الاختصاص بأن الرحمة الإلهية إذا لم تنته إلى الرحمة في الآخرة، فكأنها لم تكن رحمة(3). وما جدوى رحمة تكون عاقبتها العذاب والخسران. فان الرحمة الزائلة تندك أمام العذاب الدائم لا محالة، وبلحاظ ذلك صح أن يقال: الرحمة مختصة بالمؤمنين أو بالآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الطبري: 1 / 43، وتفسير البرهان: 1 / 28.
(2) الصحيفة السجادية في دعائه (عليه السلام) في استكشاف الهموم، وبحار الأنوار: 89 / 383، باب 4، الحديث: 68 في الدعاء بعد صلاة الأعرابي، ومستدرك الحاكم: 1 / 155.
(3) اشير إلى ذلك في بعض الأدعية المأْثورة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net