العبادة والتأله - العبادة والطاعة 

الكتاب : البيان في تفسـير القرآن - خطبـة الكتاب   ||   القسم : التفسير   ||   القرّاء : 4269


ــ[465]ــ


البحث الثاني

حول آيـة الحمد
 

ــ[466]ــ

* العبادة والتألُّه
* العبادة والطاعة.
* العبادة والخضوع.
* السجود لغير اللّه.
* دواعي العبادة.
* حصر الاستعانة باللّه.
* الشفاعة.

ــ[467]ــ

العبادة والتأله:
مما لا يرتاب فيه مسلم: ان العبادة بمعنى التأله تختص بالله سبحانه وحده، وقد قلنا: إن هذا المعنى هو الذي ينصرف إليه لفظ العبادة عند الإطلاق، وهذا هو التوحيد الذي ارسلت به الرسل و أُنزلت لأجله الكتب:
{قُلْ يا أَهْلَ ألْكِتابِ تعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَوآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نعبد إِلا اللّهَ وَلا نشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللهِ}(3:64).
فالإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع عبادة غيره، سواء أنشأت هذه العبادة عن اعتقاد التعدد في الخالق، وإنكار التوحيد في الذات أم نشأت عن الاعتقاد بأن الخلق معزولون عن الله فلا يصل إليه دعاؤهم، وهم محتاجون إلى إله أو آلهة أخرى تكون وسائط بينهم وبين الله يقربونهم إليه، وشأنه في ذلك شأن الملوك وحفدتهم، فإن الملك لما كان بعيداً عن الرعية احتاجت إلى وسائط يقضون حوائجهم، ويجيبون دعواتهم.

ــ[468]ــ

وقد أبطل الله سبحانه كلا الاعتقادين في كتابه العزيز، فقال تعالى في إبطال الاعتقاد بتعدد الآلهة:
{لَوْ كَانَ فِيهمِا آلِهَة إلا اللّهُ لَفَسَدَتا 21: 22. وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ آلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللّه عمّا يَصِفونَ 23: 91}.
وأما الاعتقاد الثاني ـ وهو إنما ينشأ عن مقايسته بالملوك والزعماء من البشر فقد أبطله اللّه بوجوه من البيان:
فتارة يطلب البرهان على هذه الدعوى، وأنها مما لم يدل عليه دليل، فقال:
{ءإلهٌ معَ اللّهِ قُلْ هَاتُوا بُرهْانكمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 27: 64. قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ 26: 71. قَالَ هَلْ يَسْمعونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ: 72. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضرُونَ: 73. قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذلِك يَفْعَلُونَ: 74}.
وأُخرى بإرشادهم إلى ما يدركونه بحواسهم من أن ما يعبدونه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، والذي لا يملك شيئاً من النفع والضر، والقبض والبسط، والإماتة والإحياء، لا يكون إلا مخلوقاً ضعيفاً، ولا ينبغي أن يُتخذ إلهاً معبوداً:
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يضُرُّكُمْ 21: 66. أُفٍّ لكمْ ولما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه أَفَلا تَعْقِلُونَ: 67. قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله ما لا يَملكُ لكم ضَرًّا وَلا نَفْعاً 5: 76. ألم يَرَوْا أَّنه لا يكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيِهمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ضَالِمينَ 7 : 148}.
وهذا الحكم عقلي فطري شاءت الحكمة أن تنبه العباد عليه في هذه الآيات المباركة، وهو سارٍ في كل موجود ممكن محتاج، وإن كان نبياً:

ــ[469]ــ

{وَإذْ قَالَ اللّهُ يا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ اِنَّكَ أنتَ علامُ الْغيُوبِ 5: 116 ما قُلْتُ لَهُمْ إلا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَ رَبَّكُمْ: 117}.
وأبطل هذا الاعتقاد مرة ثالثة، بأن الله القريب من عباده يسمع نجواهم ويجيب دعواهم، وأنه القائم بتدبيرهم وبتربيتهم، فقال تعالى:
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 50: 16. أَلَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ 39: 36. أُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكم 40 : 60. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحكيمُ الْخَبِيرُ 6: 18. قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ 3: 29. وَإِنْ يَمسسْكَ اللّهُ بضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَه إلا هُوَ وَإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ10: 107. وَإِنْ يَمسسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءْ قَدِيرٌ 6: 17. اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمن يَشاءُ وَيَقْدر13 : 26. إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُوالْقُوَّةِ المتِينُ 51 : 58. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11. ألأ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ محِيطٌ 41: 54}.
فالله سبحانه غير معزول عن خلقه، وأمورهم كلها بيده، ولا يفتقر العباد إلى وسائط تبلغه حوائجهم، ليكونوا شركاء له في العبادة، بل الناس كلهم شرع سواء في أن الله ربهم وهو القائم بشؤونهم:
{ما يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلاثَةٍ اِلا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خمسةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أدْنى

ــ[470]ــ

مِنْ ذلِكَ ولا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنما كَانُوا 58: 7. كَذلِكَ الله يَفْعَل ما يَشآءُ 3: 40. إنَّ اللّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ 5: 1}.
وعلى الجملة، لا شك لمسلم في ذلك. وهذا ما يمتاز به الموحد عن غيره، فمن عبد غير الله واتخذه رباً كان كافراً مشركاً.
العبادة والطاعة:
لا شك أيضاً في وجوب طاعة اللّه سبحانه، وفي استحقاقها العقاب عقلاً على مخالفته، وقد تكرر في القرآن وعد الله تعالى لمن أطاعه بالثواب ووعيده لمن عصاه بالعقاب.
وأما إطاعة غير الله تعالى فهي على أقسام:
الأول: أن تكون إطاعته بأمر من الله سبحانه و بإذنه كما في إطاعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه الطاهرين (عليه السلام) وهذا في الحقيقة إطاعة اللّه سبحانه، فهو واجب أيضاً بحكم العقل:
{مَنْ يُطعِ الرَّسولَ فَقَدْ أطَاعَ اللّهَ 4: 80. وَمَا أرْسَلنا مِنْ رَسُولٍ إلا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ 4 : 64}.
ومن أجل ذلك قرن الله طاعة رسوله بطاعته في كل مورد أمر فيه بطاعته:
{وَمَنْ يطعِ اللّهَ ورَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما 33: 71. يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمْرِ مِنْكُمْ 4: 59}.
الثاني: أن تكون إطاعة غير الله منهيا عنها، كإطاعة الشيطان وإطاعة كل من

ــ[471]ــ

يأمر بمعصية الله، ولا شك في حرمة هذا القسم شرعا، وقبحه عقلا، بل قد تكون كفرا او شركا، كما إذا أمر بالشرك أو الكفر:
{يا أيُّهَا النَّبيُّ اتَّقِ اللهَ لا تُطعِ الْكَافِرِينَ وَالمنافِقِن 33: 1. فَاصْبِرْ لِحكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطعْ مِنْهُمْ آثِماً أَو كَفُوراً 76: 24. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهما 31: 15}.
الثالث: أن تكون إطاعة غير الله مجردة لا أمر بها من الله ولا نهي، وهي حينئذ تكون جائزة لا واجبة ولا محرمة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net