3 ـ الشمس \ مطهِّريّة الشمس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 11734


   الثالث من المطهرات : الشمس (2) .

 ـــــــــــــــــــــــ
 مطهِّريّة الشمس

    (2) الكلام في مطهرية الشمس من جهات :

   الاُولى : أن الشمس هل هي كالماء مطهرة للأشياء المتنجسة ـ  ولو في الجملة  ـ أو أنها لا تؤثر إلاّ في العفو عن النجاسة في بعض آثارها كالتيمم والسجود على الموضع المتنجِّس الذي جففته الشمس من الأرض والحصر والبواري ؟

   الثانية : أن الشمس هل هي مطهرة للأرض بخصوصها أو أن مطهريتها غير مختصة بها ؟ وعلى الثاني هل هي مطهرة لجميع المتنجسات المنقولة وغير المنقولة أو أنها مختصة بالمتنجس غير المنقول ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ينبغي الجزم بعدم طهارتها حتى على القول بعدم الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي ، إذ المفروض نجاسة الوصلة قبل كونها جزءاً من النعل .

ــ[124]ــ

   الثالثة : أن مطهريتها خاصة بالبول أو يعم جميع النجاسات والمتنجسات ؟

   أمّا الجهة الاُولى : وهي التي أشار إليها الماتن بقوله : الشمس وهي تطهر ... فالمشهور بين أصحابنا أن الشمس من المطهرات في الجملة . بل عن بعضهم دعوى الاجماع في المسألة ، فجواز التيمم والسجود على ما جففته الشمس من المواضع المتنجسة مستند إلى طهارتها بذلك ، لا إلى أن الشمس تؤثر في العفو عنهما مع بقاء الموضع على نجاسته . وعن المفيد(1) وجماعة من القدماء والمتأخرين القول بالعفو دون الطهارة . واستدل للمشهور بجملة من الأخبار المستفيضة :

   منها : صحيحة زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه ، فقال : إذا جففته الشمس فصلِّ عليه فهو طاهر» (2) . وهذه الصحيحة أظهر ما يمكن أن يستدل به في المقام ، وقد دلت على أن السطح والمكان المتنجسين بالبول يطهران باشراق الشمس عليهما وتجفيفهما ، ومقتضى صريحها أن جواز الصلاة على المكان المتنجِّس بعد جفافه بالشمس مستند إلى طهارته بذلك لا إلى العفو عنه مع بقاء الموضع على نجاسته . وهذا لا لأن قوله (عليه السلام) «فصلِّ عليه» ظاهر في إرادة السجود على السطح أو المكان ، وجواز السجود عليهما يقتضي طهارتهما لعدم جواز السجدة على النجس ، ليمنع بعدم ظهوره في إرادة السجود ، بل لقوله (عليه السلام) «فهو طاهر» فانّه صريح في المدعى حتى بناء على حمل قوله : «فصلِّ عليه» على إرادة الصلاة فيه كما ربما يراد منه ذلك .

   ودعوى أن الطاهر لم يثبت كونه بالمعنى المصطلح عليه وإنما هو بمعنى النظيف مندفعة بأن الصحيحة إنما وردت عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وإطلاق الطاهر في ذلك العصر وإرادة معناه اللغوي بعيد غايته ، لأن الطهارة في تلك الأزمنة إنما كانت تستعمل لدى المتشرعة بالمعنى المرتكز منها في أذهانهم ، ولعمري إن الكف عن التعرض لأمثال هذه المناقشة أولى وأحسن .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ المقنعة : 71 .

(2) الوسائل 3 : 451 / أبواب النجاسات ب 29 ح 1 .

ــ[125]ــ

   ومنها : صحيحة زرارة وحديد بن الحكيم قالا : «قلنا لأبي عبدالله (عليه السلام) : السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلى في ذلك المكان ؟ فقال : إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس به ، إلاّ أن يتخذ مبالاً» (1) واستدلوا بهذه الصحيحة أيضاً في المقام لنفيها البأس عن الصلاة في المكان المتنجِّس بعد إصابة الشمس وجفافه وظاهرها أن ذلك من جهة طهارة المكان بالشمس ، لا أنه من جهة العفو مع بقائه على نجاسته ـ  كما قيل  ـ والوجه في الظهور أن زرارة وصاحبه إنما سألا عن الصلاة في المكان المتنجِّس لاعتقادهما عدم جواز الصلاة في الأرض النجسة وعدم ثبوت العفو عنه ، وهو (عليه السلام) لم يردعهما عن هذا الاعتقاد ، فقوله : «إن كان تصيبه الشمس ... فلا بأس به» ـ  بعد تقريرهما على ما اعتقداه  ـ ظاهر في طهارة الأرض المتنجسة باصابة الشمس وتجفيفها . وأما قوله : «والريح» ـ  مع عدم مدخليتها في الحكم بالطهارة  ـ فلا بد من حمله على بيان أمر عادي ، حيث إن جفاف الأرض كما أنه يستند إلى إشراق الشمس وإصابتها يستند أيضاً ـ  ولو بمقدار قليل  ـ إلى هبوب الريح وجريان الهواء كما يأتى تفصيله ، فلا إشكال في الصحيحة من تلك الجهة .

   نعم ، يمكن المناقشة في دلالتها بأن غاية ما هناك أنها دلت على جواز الصلاة في السطح المتنجِّس بعد جفافه بالشمس ، وهذا يجتمع مع القول بعدم طهارة المكان لجواز أن يكون ذلك مستنداً إلى العفو عنه ، ولا تقرير في الصحيحة بوجه بل هي رادعة عن اعتقادهما حقيقة . نعم لو كانت متضمنة لجواز الصلاة على السطح المتنجِّس بعد إصابة الشمس لم تكن خالية عن الاشعار للمدعى لعدم جواز السجدة على النجس ، وبين العبارتين من الفرق ما لا يخفى ، حيث إن الصلاة على الشيء قد يستعمل بمعنى السجدة عليه ، وهذا بخلاف الصلاة فيه لأنه يصح أن يقال : صلى زيد في المسجد مع سجوده على غير المسجد من الترب والقرطاس ونحوهما ولا يصح استعماله بمعنى السجدة عليه .

   ثم إن إطلاق قوله : «وكان جافاً» إما أن نقيده بما ذكر قبله ، ليكون معناه اعتبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 451 / أبواب النجاسات ب 29 ح 2 .

ــ[126]ــ

جفاف المتنجِّس بكل من الشمس والريح ، وإما أن يبقى بحاله ليكون معناه اعتبار مطلق الجفاف فيه بحمل ذكر الشمس والريح على بيان أمر عادي غالبي لأنه على الغالب يستند إلى إصابة الشمس أو إلى الرياح . والمتلخص : أن هذه الصحيحة ـ  على خلاف الصحيحة المتقدِّمة  ـ لا يمكن الاستدلال بها على مطهرية الشمس للأرض .

   بل يمكن أن يقال : إن ظاهرها يقتضي اعتبار الجفاف حال الصلاة لقوله : «وكان جافاً» فالجفاف الحاصل قبلها لا اعتبار به حتى إذا كان مستنداً إلى إشراق الشمس وإصابتها ، كما إذا جففت الأرض باشراق الشمس أوّلاً ثم ترطبت حال الصلاة . وعلى ذلك فالصحيحة كما لا دلالة لها على مطهرية الشمس كذلك لا دلالة لها على ثبوت العفو عن نجاسة الأرض بعد إصابة الشمس إلاّ فيما إذا كانت يابسة حال الصلاة .

   والانصاف أن الصحيحة إما أنها ظاهرة في ذلك وإما أنها مجملة لترددها بين المعنيين المتقدمين ، فلا يمكن الاستدلال بها على كل حال .

   ومنها : موثقة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس الموضع القذر قال : لا يصلى عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله . وعن الشمس هل تطهِّر الأرض ؟ قال : إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس ، وإن كانت رجلك وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس ، وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فانّه لا يجوز ذلك» (1) . حيث إن قوله (عليه السلام) «فالصلاة على الموضع جائزة» يدلنا على طهارة الموضع المتنجِّس بالشمس وذلك بقرينة أن السؤال في الرواية إنما هو عن طهارة الموضع ونجاسته لقوله : «وعن الشمس هل تطهر الأرض» فبذلك يظهر أن جواز الصلاة حينئذ من أجل طهارة المكان لا للعفو عن نجاسته حال الصلاة ، وإلاّ لم يتطابق السؤال والجواب ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 452 / أبواب النجاسات ب 29 ح 4 .

ــ[127]ــ

   وقد يقال : إن الرواية لا يستفاد منها أزيد من سببية تجفيف الشمس لجواز الصلاة فلا دلالة لها على الطهارة ، بل ربما يستشعر من عدول الإمام (عليه السلام) إلى الجواب بجواز الصلاة، عدم الطهارة فيكون الرواية حينئذ شـاهدة للقائلين بالعفو وكذا ظاهر قوله (عليه السلام) «وإن كانت رجلك رطبة ...» بناء على رجوع الضمير في ييبس إلى الجبهة والرجل لا إلى الموضع حتى يلزم التكرار . مؤكداً ذلك بما عن الوافي(1) وحبل المتين(2) من قوله (عليه السلام) : «وإن كان عين الشمس» بالعين المهملة والنون بدلاً عن «غير الشمس» لأنها على ذلك صريحة في عدم طهارة الموضع باصابة الشمس وإشراقها عليه . وكلمة «إن» على تلك النسخة وصلية ، كما أن قوله : «فانّه لا يجوز ذلك» تأكيد لعدم جواز الصلاة على ذلك الموضع حتى ييبس .

   وهذه الدعوى يبعّدها اُمور :

   الأوّل : ما تقدّم من أن الرواية بقرينة السؤال فيها ظاهرة في طهارة الموضع .

   الثاني : أن الضمير في «ييبس» غير راجع إلى الجبهة أو الرجل بل الظاهر رجوعه إلى «الموضع» لقربه ، ولأن مرجع الضمير لو كان هو الجبهة أو الرجل لكان الأولى أن يقول «حتى تيبس» بدلاً عن «ييبس» وذلك لأن الجبهة والرجل مؤنثتان إحداهما لفظية والاُخرى معنوية .

   الثالث : أن كلمة «إن» لو كانت وصلية لكان المتعيّن أن يقول : وإن كان عين الشمس أصابته حتى يبس بدلاً عن «ييبس» لأن «إن» الوصلية إنما يؤتى بها في الاُمور مفروضة التحقق والوجود ، وهي مدلول الافعال الماضية دون المستقبلة . ومعنى الجملة حينئذ أن عين الشمس لا توجب طهارة الموضع وإن كانت أصابته وجففته ، ولا يصح في مثله أن يقال ولو كانت تجففه بعد ذلك بصيغة المضارع ، لأنه ينافي مفروضية التحقق بل استعمالها غلط أو شبه الغلط . نعم في كلمة «إن» الشرطية لا يفرق الحال بين الماضي والمضارع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوافي 6 : 232 / 4179 .

(2) حبل المتين : 125 .

ــ[128]ــ

   الرابع : أن النسخة لو كانت هي «عين الشمس» وجب تأنيث الضمير في «أصابه» لأن الضمير المتأخر في المؤنثات المعنوية لا بدّ من تأنيثه ، وإن كان الضمير المتقدم جائز الوجهين كما في قولنا : طلع الشمس أو طلعت .

   الخامس : أنه لا معنى محصل لاصابة عين الشمس شيئاً ، لأن عينها بمعنى شخصها ونفسها لا تصيب شيئاً أبداً ، وإنما يصيب نورها وشعاعها ، فاستعمال العين في مورد الرواية من الأغلاط . وبعبارة اُخرى أن العين والنفس إنما يؤتى بهما للتأكيد ولدفع توهم الاشتباه ، فيقال مثلاً رأيت زيداً بعينه حتى لا يشتبه على السامع أنه رأى أباه أو ابنه ، وهذا لا معنى له في إصابة الشمس وغيرها مما لا يحتمل فيه إرادة عين الشيء ونفسه ، فلا مسوغ لاتيان كلمة «العين» في الرواية حتى يوجب التأكيد ، فالصحيح هو غير الشمس . ويؤكد المدعى أن الرواية إنما أوردها الشيخ (قدس سره) واستدل بها على مطهرية الشمس للأرض (1) ومع كون الرواية «عين الشمس» كيف صح له الاستدلال بها على الطهارة ، فان الرواية حينئذ صريحة في عدمها .

   ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(2) أو «كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(3) وهي على إحدى الروايتين عامّة وعلى الاُخرى مطلقة . ودلالتها على المدعى غير قابلة للمناقشة . نعم هي مطلقة من جهتين لا بدّ من تقييدهما :

   إحداهما : إطلاقها من جهة اليبوسة وعدمها ، حيث إنها تقتضي طهارة كل ما  أشرقت عليه الشمس سواء يبس باشراقها أم لم ييبس ، فلا مناص من تقييدها بصورة الجفاف بالاشراق ، لصحيحة زرارة المتقدِّمة الدالّة على اعتبار الجفاف بالشمس في مطهريتها .

   وثانيتهما : إطلاقها من جهة كون المتنجِّس مما ينقل أو من غيره ، مع أنهم لم يلتزموا بمطهِّرية الشمس في مثل اليد وغيرها من المتنجسات القابلة للانتقال ، فلا بدّ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستبصار 1 : 193 / 675 .

(2) ، (3) الوسائل 3 : 452 / أبواب النجاسات ب 29 ح 5 ، 6 .

ــ[129]ــ

تقييدها بغير الأشياء القابلة له ، وذلك للأمر الوارد بغسل البدن والثياب أو غيرهما من المتنجِّسات ، حيث يدلنا على عدم حصول الطهارة بغير الغسل بالماء ، إذ الأمر في الأخبار المشتملة عليه وإن كان للارشاد إلاّ أن ظاهره التعيين وأن الغسل بالماء متعيّن في التطهير ، فالتخيير بين الغسل بالماء وغيره يحتاج إلى دليل وهو يختص بالأشياء غير القابلة للانتقال ، فلا يكتفى باشراق الشمس في تطهير الاُمور القابلة له .

   ويؤيده ما ورد في الفقه الرضوي من قوله (عليه السلام) «ما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شيء من النجاسة مثل البول وغيره طهّرتها . وأما الثياب فلا  تطهر إلاّ بالغسل» (1) حيث خص مطهرية الشمس بالأشياء غير القابلة للانتقال وبعد هذين التقييدين لا يبقى مجال للمناقشة في دلالة الرواية بوجه . وإنما الكلام في سندها وهو ضعيف وغير قابل للاستناد إليه ، لاشتماله على عثمان بن عبدالله وأبي بكر الحضرمي والأول مجهول والثاني غير ثابت الوثاقة ، فان قلنا بأن اعتماد جماعة من المتقدمين والمتأخرين وعملهم على طبق رواية ضعيفة جابر لضعفها فهو ، وإلاّ لم يصح الاعتماد عليها في الاستدلال .

   وربما يقال من أن في رواية الأساطين لها كالمفيد والشيخ والقميين كأحمد بن محمد ابن عيسى وغيره نوع شهادة بوثاقة رواتها لأنهم لا ينقلون عن الضعفاء ، بل كانوا يخرجون الراوي من البلد لنقله الرواية عن الضعيف ، فان قضية أحمد بن محمد ونفيه البرقي وإبعاده من بلدة قم معروفة في كتب الرجال ، ومع هذا كيف يصح أن ينقل هو بنفسه عن الضعيف ، ومعه لا مناص من الاعتماد على الرواية في المقام .

   ولكن لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، لأن نقل هؤلاء الأعاظم من غير الثقة كثير وقد ذكرنا في محلِّه أن مثل ابن أبي عمير قد ينقل عن الضعيف ولو في مورد ، فلا يمكن الاعتماد على مجرّد روايتهم فانّها لا تستلزم توثيق المخبر بوجه(2) .

   وأمّا حديث نفي البرقي من بلدة قم فهو مستند إلى إكثاره الرواية عن الضعفاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 2 : 574 / أبواب النجاسات ب 22 ح 5 ، فقه الرضا : 303 .

(2) معجم رجال الحديث 1 : 60 .

ــ[130]ــ

كجعل ذلك شغلاً لنفسه ، وليس من باب أن النقل عن الضعيف ولو في مورد واحد أو موردين مذموم وموجب للقدح عندهم ، كيف وقد عرفت أن الموثق قد ينقل عن الضعيف فلا يمكن عدّة قدحاً في حقه وإلاّ لزم القدح في أكثر الرواة الأجلاّء ، بل جلّهم حيث لا يكاد يوجد راو لم يرو عن الضعيف ولو في مورد ، ومعه لا مانع عن أن ينقل أحمد بن محمد عن عثمان أو أبي بكر الضعيفين من دون أن يكون لنقله دلالة على وثاقتهما . فالانصاف أن الرواية ساقطة سنداً .

   فالعمدة في المسألة صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين . ويعارضهما صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه هل تطهر الشمس من غير ماء ؟ قال : كيف يطهر من غير ماء» (1) .

   والصحيح أنه لا تعارض بينها وبين الصحيحة والموثقة ، وذلك أن السائل لما ارتكز في ذهنه أن الشمس سبب في تطهير المتنجِّس ـ في الجملة ـ ومن هنا قال : هل تطهر الشمس من غير ماء ، وشك في أنها سبب مستقل في طهارة الأرض أو السطح المتنجسين أو أن لها شرطاً ، سأله (عليه السلام) عن استقلال الشمس في المطهرية وعدمها ، والإمام (عليه السلام) بيّن أن الشمس باستقلالها غير كافية في التطهير بل هي محتاجة إلى قيد آخر وهو الماء ، فالصحيحة إنما تدل على اعتبار الماء في مطهرية الشمس ، لا أنها تنفي مطهريتها لتكون معارضة للصحيحة والموثقة المتقدمتين . ثم إنه لما لم يحتمل أن تمس الحاجة إلى الشمس وإصابتها بعد تطهير السطح أو الأرض بالماء تعيّن أن يراد به المقدار القليل غير الموجب للتطهير ، كما وأن الصحيحة يستفاد منها أن موردها الأرض اليابسة ، ومن هنا دلت على اعتبار وجود الماء في تطهيرها بالشمس . فتحصل : أن الصحيحة غير معارضة للروايتين المتقدِّمتين .

   وإن شئت قلت : إن مقتضى إطلاقها عدم المطهرية عند عدم الماء سواء أ كانت الأرض رطبة أم لم تكن ، ومقتضى صريح الصحيحة المتقدِّمة لزرارة طهارة الأرض الرطبة باشراق الشمس وتجفيفها ، والنسبة بينهما عموم مطلق ، فبها تخرج الأرض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 453 / أبواب النجاسات ب 29 ح 7 .

ــ[131]ــ

   وهي تطهّر الأرض وغيرها من كل ما لا ينقل ، كالأبنيـة ، والحـيطان ، وما يتصل بها ، من الأبواب ، والأخشاب ، والأوتاد ، والأشجار ، وما عليها من الأوراق ، والثمار والخضروات، والنباتات ما لم تقطع وإن بلغ أوان قطعها ، بل وإن صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار .

   وكذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط وكذا ما على الحائط والأبنية مما طلي عليها من جص وقير ونحوهما (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرطبة عن إطلاق صحيحة ابن بزيع وتبقى تحتها خصوص الأرض اليابسة، وهي التي دلّت الصحيحة على عدم مطهرية الشمس لها إلاّ مع الماء ، وظاهر أن اعتبار الماء بالمعنى المتقدم في الأرض اليابسة مما لا كلام فيه ، هذا .

   ثم لو سلمنا أنها ناظرة إلى نفي المطهرية عن الشمس وأنها معارضة للصحيحة والموثقة فالترجيح معهما ، لأنهما روايتان مشهورتان قد عمل المشهور على طبقهما ومخالفـتان للعامّة لذهاب أكثرهم إلى عدم مطهِّرية الشمس (1) كما ذكره صاحب الوسائل(2) وغيره ، وصحيحة ابن بزيع موافقة لهم فلا بد من طرحها ، هذا تمام الكلام في الجهة الاُولى .

   (1) هذه هي الجهة الثانية من الجهات المتقدِّمة الثلاثة وهي أن الشمس هل هي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ففي الميزان للشعراني ج 1 ص 103 عند الأئمة الثلاثة أن الشمس والنار لا يؤثران في النجاسة تطهيراً ، وقال أبو حنيفة إذا تنجست الأرض فجفت بالشمس طهر موضعها وجاز الصلاة عليها .

         وفي نيل الأوطار للشوكاني ج 1 ص 52 ـ أن عدم كفاية الشمس في التطهير ـ مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف هما مطهران لأنهما يحيلان الشيء .

         وفي كتاب الاُم ج 1 ص 52 إذا صبّ على الأرض شيئاً من الذائب كالبول والخمر والصديد وشبهه ، ثم ذهب أثره ولونه وريحه فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلاّ أن يصب عليه الماء . وذهب إلى ذلك الشيخ عبدالقادر الشيباني الحنبلي في نيل المآرب ج 1 ص 20 وابن مفلح الحنبلي في الفروع ج 1 ص 153 وغيرهم .

(2) الوسائل 3 : 453 / أبواب النجاسات ب 29 ذيل الحديث رقم 70 .

ــ[132]ــ

مطهّرة للأرض بخصوصها أو أنها مطهـرة للأعم منها ومن غيرها ؟ المشـهور أن الشمس تطهر الأرض وغيرها مما لا ينقل حتى الأوتاد على الجدار والأوراق على الأشجار . وذهب بعضهم إلى اختصاص الحكم من غير المنقول بالأرض مع التعدي إلى الحصر والبواري مما ينقل . وعن ثالث الاقتصار عليهما فحسب ، إلى غير ذلك مما يمكن أن يقف عليه المتتبع من الأقوال .

   واستدلّ للمشهور برواية أبي بكر الحضرمي لأن عمومها أو اطلاقها يشمل الجميع . نعم خرجنا عن عمومها أو إطلاقها في المنقول بالاجماع والضرورة وإطلاق ما دلّ على لزوم غسل المتنجسات بالماء فيبقى غير المنقول مشمولاً لهما . ودلالة الرواية وإن كانت ظاهرة كما ذكر إلاّ أنها غير قابلة للاستدلال بها لضعف سندها بعثمان وأبي بكر الحضرمي كما مر .

   والصحيح أن يستدل عليه بصحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدِّمتين (1) ، لاشتمال الاُولى على «المكان» والثانية على «الموضع» وهما أعم من الأرض ، فتشملان الألواح وغيرها من الأشياء المفروشة على الأرض إذا كان بمقدار يتيسر فيه الصلاة ، إذ يصدق على مثله الموضع والمكان ، فاذا قلنا بمطهرية الشمس لغير الأرض من الألواح أو الأخشاب المفروشة على الأرض ـ  وهما مما لا ينقل  ـ تعدينا إلى غير المفروشة منهما كالمثبتة في البناء أو المنصوبة على الجدار ـ  كالأبواب  ـ بعدم القول بالفصل .

   فاذن قد اعتمدنا في القول بمطهرية الشمس لغير الأرض في غير المنقول على إطلاق الصحيحة والموثقة ـ بنحو الموجبة الجزئية ـ كما أ نّا اعتمدنا فيها على الاجماع وعدم القول بالفصل بنحو الموجبة الكلية . فتحصل أنّ مطهِّرية الشمس وإن كانت غير مختصة بالأرض إلاّ أنها لا تعم المنقولات كما مر . نعم استثنوا عنها الحصر والبواري ، ويقع الكلام عليهما بعد التعليقة الآتية فانتظره .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 125 ـ 126 .

ــ[133]ــ

من نجاسة البول ، بل سائر النجاسات والمتنجسات (1) .

ــــــــــــــــــــــــ

   (1) هذه هي الجهة الثالثة من الجهات المتقدِّمة ويقع الكلام فيها في أن الشمس مطهّرة من خصوص نجاسة البول أو أنه لا فرق في مطهريتها بين البول وغيره من النجاسات والمتنجسات ؟ الصحيح كما في المتن هو الثاني ، لأن صحيحة زرارة وإن لم تشتمل على غير البول ، إلاّ أن الموثقة مطلقة تشمل النجاسة البولية وغيرها ، لأن المأخوذ فيها هو القذر وهو أعم بل هي مصرحة بالتعميم بقوله : «من البول أو غير ذلك» وكذا يستفاد ذلك من صحيحة ابن بزيع لاشتمالها على السؤال عن البول وما أشبهه . نعم هي مضمرة إلاّ أن الاضمار غير قادح في أمثال ابن بزيع وغيره من الأجلاء .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net