طهارة العنب أو التمر المتنجِّس 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6289


ــ[163]ــ

   [ 363 ] مسألة 1 : العنب أو التمر المتنجِّس إذا صار خلاًّ لم يطهر (1) . وكذا إذا صار خمراً ثم انقلب خلاًّ ((1)) (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   بل الأمر كذلك حتى إذا قلنا بتنجس الخمر بالملاقاة ، وذلك لاطلاق الأخبار حيث دلّت على طهارة الخلّ المنقلب من الخمر مطلقاً ، سواء أصابتها نجاسة خارجية أم لم تصبها ، وذلك لأن ما دلّ على جواز أخذ الخمر لتخليلها غير مقيد بما إذا اُخذت من يد المسلم ، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين أن يؤخذ من يد المسلم أو الكافر ، ومن الواضح أن الكافر بل مطلق صانع الخمر لا يتحفظ عليها من سائر النجاسات، بل تصيبها النجاسة عنده ولو من جهة الأواني أو يده النجسة أو المتنجِّسة.

   نعم ، هذا فيما إذا لم تصب النجاسة الثانية الاناء ، وإلاّ فالاناء المتنجِّس يكفي في تنجّس الخلّ به بعد انقلابه من الخمر . وما قدمناه من أن مقتضى الأخبار عدم تنجس الخلّ بنجاسة الاناء إنما هو فيما إذا كانت النجاسة العارضة على الاناء مستندة إلى الخمر ، وأما إذا تنجس الاناء بنجاسة اُخرى غيرها فلا دلالة للأخبار على طهارة الخلّ حينئذ .

   (1) لما تقدّم من أنّ النجاسة في المتنجسات قائمة بالجسم وليست قائمة بعناوينها فلا ترتفع بصيرورة العنب خلاًّ ، ونصوص الانقلاب مختصة بالخمر فلا دليل على مطهريته في المتنجسات .

   (2) لأنّ الانقلاب حسبما يستفاد من رواياته إنما يوجب ارتفاع النجاسة الخمرية فحسب ، هذا .

   ولكن الصحيح أن العنب أو التمر أو غيرهما إذا صار خمراً ثم انقلب خلاًّ طهر، وذلك لما أشرنا إليه من أن النجاسة العرضية في مثل العنب ونظائره تتبدل بالنجاسة الذاتية عند صيرورته خمراً ، والخمر غير قابلة لأنّ تعرضها النجاسة العرضية كما أن نجاستها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أنه يطهر بذلك بشرط إخراجه حال خمريته عن ظرفه المتنجِّس سابقاً .

ــ[164]ــ

   [ 364 ] مسألة 2: إذا صبّ في الخمر ما يزيل سكره لم يطهر وبقي على حرمته(1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا تقبل الاشتداد . إذن ليست هناك نجاسة اُخرى غير النجاسة الخمرية ومع انقلاب الخمر خلاًّ يشملها الأخبار المتقدِّمة ، وبذلك يحكم بزوال نجاستها .

   بل ذكرنا أن مقتضى إطلاق الروايات هو الحكم بالطهارة مع الانقلاب وإن قلنا بتنجِّس الخمر بالملاقاة ، نعم يشترط في الحكم بالطهارة أن يفرغ بعد صيرورته خمراً من إنائه إلى إناء آخر ليتحقّق الانقلاب خلاًّ في ذلك الاناء ، لأنه لو بقي في انائه السابق لتنجس به بعد الانقلاب ، فان ذلك الاناء متنجِّس بالخلّ المتنجِّس قبل أن يصير خمراً ، وقد تقدم أن الأخبار الواردة في المقام ناظرة إلى ارتفاع النجاسة الخمرية بالانقلاب دون النجاسة المستندة إلى غيرها .

   (1) هنا مسألتان ربما تشتبه إحداهما بالاُخرى :

   المسألة الاُولى : أن مطهرية الانقلاب هل تختص بما إذا انقلبت الخمر خلاًّ أو تعم ما إذا انقلبت شيئاً آخر من الماء أو مائع طاهر آخر ؟

   الثاني هو الصحيح ، وذلك لموثقة عبيد بن زرارة : «إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به»(1) وصحيحة علي بن جعفر المروية عن كتابه: «إذا ذهب سكره فلا بأس»(2) لدلالتهما على أن المناط في الحكم بطهارة الخمر إنما هو زوال سكرها أو تحولها عن اسمها ، سواء استند ذلك إلى انقلابها خلاًّ أم استند إلى انقلابها شيئاً آخر ، هذا .

   وربّما يقال : إن الظاهر عدم عملهم بظاهر الروايتين وأن بناءهم على الاختصاص وهذا هو الذي يقتضي ظاهر كلامهم في المقام . ولا يمكن المساعدة على ذلك بوجه حيث لم يظهر أن المشهور ذهبوا إلى الاختصاص ، لأن ظاهر كلماتهم كظاهر عبارة الماتن هو التعميم ، ويشهد على ذلك أمران :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 371 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 5 ، والمتقدِّمة في ص 160 .

(2) الوسائل 25 : 371 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 31 ح 10 ، والمتقدِّمة في ص 160 .

ــ[165]ــ

   أحدهما : أنهم ذكروا أن من أقسام المطهرات الانقلاب ثم مثّلوا له بقولهم : كالخمر ينقلب خلاًّ . وهذه قرينة على أن مطهرية الانقلاب غير مختصة عندهم بما إذا انقلبت الخمر خلاًّ وإنما هو مطهر على كبرويته وإطلاقه ، ومن موارد صغرياتها انقلاب الخمر خلاًّ ، فقولهم : كالخمر ينقلب خلاًّ تمثيل تبعي ، لوروده في الأخبار لأنه الغالب في انقلاب الخمر ، لا من جهة أن مطهرية الانقلاب مختصة بذلك ، بل يأتي أن الانقلاب مطهر في جميع الأعيان النجسة ولا تختص مطهريته بالنجاسة الخمرية فليلاحظ .

   وثانيهما : ملاحظة ذيل كلام الماتن (قدس سره) حيث قال : «الانقلاب غير الاستحالة» ، إذ لا تتبدل فيه الحقيقة النوعية بخلافها ، ولذا لا تطهر المتنجسات به وتطهر بها . حيث ظهر من تفريعه أن الانقلاب لا تترتب عليه الطهارة في المتنجسات لما سنذكره في المسألة الخامسة إن شاء الله(1) ، وإنما هو مطهر في الأعيان النجسة من دون أن تختص مطهريته بالنجاسة الخمرية فضلاً عن اختصاصها بانقلاب الخمر خلاًّ ، فالانقلاب على ذلك من أقسام المطهرات من دون حاجة في ذلك إلى الأخبار وإنما احتجنا إليها في خصوص انقلاب الخمر خلاًّ من جهة نجاسة إنائها حال خمريتها وهي موجبة لتنجسها بعد انقلابها خلاًّ ، هذا كله في هذه المسألة .

   المسألة الثانية : أن الخمر إذا صبّ فيها مقدار من الماء أو غيره حتى زال سكرها من دون أن تنقلب خلاًّ أو ماء أو غيرهما ـ  كما في المسألة المتقدِّمة  ـ بل استهلكت فيما صبّ فيها أو امتزجت معه وحصلت منهما طبيعة ثالثة ، فهل تطهر بذلك أو لا ؟

   حكم الماتن بنجاستها ، وهو كما أفاده (قدس سره) لأن ما اُلقي في الخمر من ماء أو غيره يتنجّس بمجرّد ملاقاتهما ، فإذا زال عن الخمر إسكارها فلا محالة يتنجّس به ، سواء بقي بحاله كما إذا استهلكت الخمر في الماء أم لم يبق كذلك كما إذا تبدّلا حقيقة ثالثة وذلك لأن النجاسة في الأشياء المتنجسة غير طارئة على عناوينها وإنما تترتّب على أجسامها كما مر وهي باقية بحالها بعد صيرورتهما طبيعة ثالثة ، فزوال العنوان في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 168 .

ــ[166]ــ

المتنجِّسات لا يؤثر في طهارتها ، ولم يقم دليل على أن الخمر إذا استهلكت فيما صبّ فيها أو امتزجت معه حتى حصلت منهما طبيعة ثالثة ارتفعت نجاستها ، فان الأخبار المتقدِّمة إنما تدل على طهارتها بالانقلاب إما بنفسها وإما بالعلاج ، والإستهلاك والامتزاج ليسا من انقلاب الخمر في نفسها ولا من الانقلاب بالعلاج .

   وتوضيح ذلك : أن الانقلاب إنما لم نلتزم بكونه موجباً للطهارة في نفسه نظراً إلى أن نجاسة الاناء الناشئة من الخمر ـ  الموجودة فيه قبل الانقلاب  ـ تقتضي نجاستها بعد انقلابها خلاًّ ، ومن هنا احتجنا إلى الروايات الواردة في المسألة وببركتها قلنا بطهارة الاناء وقتئذ بالتبع ، فلو لا نجاسة الإناء لم نحتج في الحكم بمطهرية الانقلاب إلى النصوص ، ومن هنا لو اكتفينا بحرمة الخمر ولم نلتزم بنجاستها كما هو أحد القولين في المسألة ، وفرضنا أنها تحوّلت إلى شيء آخر وإن لم تنقلب خلاًّ لم نتردد في الحكم بزوال حرمتها ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بنجاستها ـ  كما هو الصحيح  ـ حيث لا يمكننا الحكم بزوال نجاستها بالانقلاب إلاّ مع التشبث بذيل النصوص كما اتضح ، وهذه النصوص لا دلالة لها على طهارة الخمر وإنائها عند استهلاكها أو امتزاجها بما يصب فيها ، وإنما تختص بصورة الانقلاب .

   وعلى الجملة : إنّ القاعدة تقتضي الحكم بعدم طهارة الخمر في مفروض الكلام ويؤكِّدها عدّة روايات :

   منها : رواية عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره ؟ فقال : لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلاّ أهريق ذلك الحب» (1) لأن القطرة تستهلك في حب من الماء ، كما أن الماء المصبوب في قدح من المسكر يمتزج معه ، فلو كان استهلاكه أو امتزاجه بشيء آخر موجباً لطهارته لم يكن وجه للحكم باهراق الحب والمنع عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 341 / أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 1 ، 359 / أبواب الأشربة المحرمة ب  26 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net