الظروف المغصوبة في الوضوء وغيره 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5835


ــ[264]ــ

الظروف المغصوبة مطلقاً (1) والوضوء والغسل منها مع العلم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبدالله (عليه السلام) الميتة ينتفع بها بشيء ؟ قال: لا ...»(1) ونحوها من الأخبار، وهي مطلقة تشمل الميتات النجسة والطاهرة . ودعوى انصرافها إلى النجسة مما لا ينبغي التفوّه به ، فعلى القول بحرمة الانتفاع بالميتة لا وجه للتفصيل بين الميتة النجسة والطاهرة . والذي يهوّن الأمر ما قدّمناه في التكلّم على أحكام الميتة (2) من جواز الانتفاع بها مطلقاً نجسة كانت أم طاهرة لصحيحة البزنطي قال : «سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من إلياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال : نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها»(3) ونحوها ، لأنها صريحة الدلالة على جواز الانتفاع بالميتة النجسة فضلاً عن الميتات الطاهرة ، ومعه لا بدّ من حمل ما  دلّ على المنع عن الانتفاع بالميتة إما على حرمته فيما يشترط فيه الطهارة وإما على الكراهة جمعاً بين الأخبار .

   وعلى الجملة لا يمكننا التفصيل بين الميتة النجسة والطاهرة قلنا بحرمة الانتفاع بها أم قلنا بالجواز .

   (1) لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه فلا يسوغ التصرف في ماله إلاّ بطيبة نفسه كما في موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانّه لا  يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه» (4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 24 : 184 / أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 1 ، 3 : 502 / أبواب النجاسات ب 61 ح  2 .

(2) شرح العروة 2 : 473 ـ 474 .

(3) الوسائل 17 : 98 / أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 6 ، 24 : 72 / أبواب الذبائح ب 30 ح 4 .

(4) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلي ب 3 ح 1 ، 29 : 10 / أبواب القصاص في النفس ب 1 ح  3 .

ــ[265]ــ

باطل (1) مع الانحصار ، بل مطلقاً ((1)) . نعم لو صبّ الماء منها في ظرف مباح فتوضأ أو اغتسل صح ، وإن كان عاصياً من جهة تصرفه في المغصوب .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ظاهر لفظة «منها» في كلام الماتن (قدس سره) أن مراده الوضوء أو الغسل منها بالاغتراف لا بالارتماس والدخول فيها كما في الأواني الكبيرة فانّهما خارجان عن محط بحثه في المقام ، ولنتعرض لهما بعد بيان حكم التطهر بالاغتراف . والكلام في الوضوء والاغتسال منها بالاغتراف ـ  أي بأخذ الماء منها غرفة فغرفة  ـ يقع في موردين : أحدهما : ما إذا انحصر الماء بالماء الموجود في الأواني المغصوبة . وثانيهما : ما  إذا لم ينحصر لوجود ماء آخر مباح .

   أمّا المورد الأوّل : فلا إشكال ولا خلاف في أن المكلف يجوز أن يقتصر فيه بالتيمم بدلاً عن وضوئه أو غسله لأنه فاقد الماء ، لما بيّناه غير مرة من أن المراد بالفقدان ليس هو الفقدان الحقيقي ، وإنما المراد به عدم التمكن من استعماله وإن كان موجوداً عنده ، وهذا بقرينة ذكر المرضى في الآية المباركة في سياق المسافر وغيره ، إذ المريض يبعد عادة أن يكون فاقداً للماء حقيقة وإن كان المسافر يفتقده كثيراً ولا سيما في القفار ، وحيث إن المكلف لا يجوز أن يتوضأ من الاناء ولو بافراغ مائه إلى إناء آخر ، لأنه تصرف منهي عنه في الشريعة المقدّسة والممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً فهو غير متمكن من استعمال الماء في الوضوء والغسل وفاقد له ووظيفته التيمم حينئذ . وعلى الجملة لم يخالف أحد في جواز الاقتصار بالتيمم في مفروض المسألة ، وإنما الكلام فيما إذا أراد التوضؤ والاغتسال والتصرف في ماء الاناء باستعماله في أحدهما فهل يصحان وضعاً بعد ما كانا محرمين تكليفاً أو أنهما باطلان ؟

   قد يقال بصحّة الوضوء والغسل حينئذ ، نظراً إلى أنهما وإن لم يكونا مأموراً بهما بالفعل لحرمة ما يتوقفان عليه ، إلاّ أن الملاك موجود فيهما وهو كاف في الحكم بصحّة العمل وفي التمكّن من قصد التقرّب به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بالصحة مع عدم الانحصار بل مطلقاً هو الأظهر .

ــ[266]ــ

   ويرد عليه ما قدّمناه في بحث الترتب من أن الطريق لاستكشاف الملاك منحصر بالأمر والتكليف ، ومع ارتفاعهما لعدم التمكن من الامتثال يحتاج دعوى الاستكشاف إلى علم الغيب (1) .

   ودعوى : أن الأمر بهما ظاهره وجود الملاك ، مدفوعة بأن سعة المنكشف تتبع سعة الكاشف وهو الأمر وهو إنما يكشف عن الملاك ما دام موجوداً ولم يرتفع ، وأما بعد ارتفاعه فلا كاشف ولا منكشف . هذا ما قدمناه هناك .

   ونزيده في المقام أن المكلف مع العجز عن الماء مأمور بالتيمم كما عرفت وظاهر الأمر وإطلاقه التعيين ، وتعيّن التيمم حينئذ يدل على عدم الملاك في الوضوء أو الغسل . وهذا هو الذي ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) وإن قرره بتقريب آخر وحاصله : أن الأمر بالوضوء مقيد في الآية المباركة بالتمكن من استعمال الماء فاذا ارتفع التمكن ارتفع الأمر والملاك (2) . وبعبارة اُخرى : إن الآية قسّمت المكلفين إلى واجد الماء وفاقده لأن التفصيل قاطع للشركة ، وقيد الأمر بالوضوء بالوجدان كما قيد الأمر بالتيمم بالفقدان فاذا انتفى القيد وهو وجدان الماء انتفى المقيد والمشروط ومع ارتفاع الأمر يرتفع الملاك لا محالة . هذا على أن مجرد الشك في الملاك يكفينا في الحكم بعدم جواز الاكتفاء بالوضوء لاستلزامه الشك في تحقق الامتثال باتيان غير المأموربه بدلاً عن المأمور به ، ومع الشك في السقوط لا بدّ من إتيان التيمم لأنه مقتضى القاعدة تحصيلاً للقطع بالفراغ .

   وهذه المسألة لا تُقاس بما إذا أمر المولى بشيء على تقدير التمكن منه وبشيء آخر على تقدير العجز عنه ، كما إذا أمر عبده بشراء التفاح مثلاً إن تمكن وإلاّ فبشراء شيء آخر ، أو قال إذا جاءك زيد فقدّم له تمراً فان لم تجد فماء بارداً ونحو ذلك من الأمثلة فان مقتضى الفهم العرفي في أمثال ذلك أن الملاك في شراء التفاح أو تقديم التمر مطلق ولا يرتفع بالعجز عنه . والوجه في منع القياس أن إحراز بقاء الملاك في تلك الأمثلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 70 .

(2) أجود التقريرات 1 : 316 ـ 317 .

ــ[267]ــ

العرفية وعدم ارتفاعه بالعجز عنه إنما هو من جهة العلم الخارجي بالبقاء ، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية إذ لا علم ببقاء ملاكاتها بعد زوال القيود لاحتمال زوال الملاك في الوضوء بارتفاع التمكن من الماء .

   ومن الغريب في المقام ما صدر عن بعضهم من دعوى أن الأمر بالوضوء مطلق ولا يشترط فيه الوجدان مستشهداً عليه بالاجماع المحكي على حرمة إراقة الماء بعد الوقت . والوجه في غرابته أن الأمر بالوضوء لمن لا يتمكن من استعمال الماء تكليف بما لا يطاق فلا مناص من تقييده بالوجدان ، ومن هنا لم يدّع أحد الاطلاق في وجوب الوضوء وإن ادعى بعضهم الاطلاق في الملاك إلاّ أنهما دعويان متغايرتان والاُولى غير ممكنة والثانية أمر ممكن وإن كانت باطلة .

   والاستشهاد على الدعوى المذكورة بالاجماع على حرمة إراقة الماء بعد الوقت أجنبي عما نحن فيه ، وذلك لأن الأمر بالوضوء مع التمكن من الماء بعد الوقت فعلي منجز ، وتعجيز النفس من امتثال الواجب الفعلي كالعصيان محرم حسبما يقتضيه الفهم العرفي في أمثال المقام ، لأن السيد إذا أمر عبده باتيان الماء مثلاً على تقدير التمكن منه وإتيان شيء آخر على تقدير العجز عنه ، لم يجز له أن يفوت قدرته على المأمور به بأن يعجّز نفسه عن إتيان الماء في المثال حتى يدخل بذلك في من لا يتمكن من المأمور به ويترتب عليه وجوب الاتيان بالشيء الآخر ، وأين هذا مما نحن فيه ، فدعوى الاطلاق في الأمر بالوضوء مما لا تمكن المساعدة عليه والاستشهاد في غير محله ، هذا كله فيما إذا اشترطنا في القدرة المعتبرة في التكليف القدرة على مجموع الواجب المركب من الابتداء ، بأن يعتبر في مثل وجوب الوضوء أن يكون عند المكلف قبل الشروع في التوضؤ ماء بمقدار يكفي لغسل تمام أعضاء الوضوء ولنعبّر عنها بالقدرة الفعلية على المركب .

   وأما إذا لم نعتبر ذلك ولم نقل باعتبار القدرة الفعلية على مجموع العمل قبل الشروع فيه ، واكتفينا بالقدرة التدريجية في الأمر بالواجب المركب ولو على نحو الشرط المتأخر ، بأن تكون القدرة على الأجزاء التالية شرطاً في وجوب الأجزاء السابقة

ــ[268]ــ

بحيث لو لم يتمكن من القيام والركوع وسائر الأجزاء الصلاتية سوى التكبيرة مثلاً لمرض ونحوه ولكنه علم بطروء التمكن منها شيئاً فشيئاً بعد ما كبر بحيث لو كبر لتمكن من القراءة والقيام ولو أتى بهما تمكن من غيرهما من أجزاء الصلاة ، لبرء مرضه أو حل شدّه لو كان مشدوداً مثلاً وجبت عليه الصلاة قائماً .

   أو إذا لم يكن له من الماء إلاّ بمقدار يفي بغسل الوجه فحسب ، إلاّ أنه يعلم بنزول المطر وتمكنه من غسل بقية الأعضاء به بعد ما غسل وجهه وجب عليه الوضوء ، أو إذا كان عنده ثلج يذوب شيئاً فشيئاً ولا إناء عنده ليجمعه ولا يتمكن من الماء إلاّ بمقدار غرفة يسعها كفه وهو لا يفي إلاّ بغسل الوجه فحسب ولا يتمكن من غسل سائر الأعضاء بالفعل ، إلاّ أنه يتمكن من غسلها بعد ما غسل وجهه لتمكنه من الغرفة الثانية والثالثة بعد ذلك على التدريج .

   أو أن الماء كان لغيره ولم يأذن له في التصرف إلاّ بمقدار غرفة ، ولكنه علم أن المالك يبدو له فيرضى بالغرفة الثانية والثالثة بعد ما غسل وجهه وجب عليه الوضوء في تلك الموارد ولا يسوغ التيمم في حقه لتمكنه من الماء متدرجاً ، وقد بيّنا كفاية القدرة التدريجية في الأمر بالمركب فلا بأس بالتوضؤ من الأواني المغصوبة لامكان تصحيحه بالترتب ، حيث إن المكلف بعد ما ارتكب المحرم واغترف من الاناء يتمكن من الوضوء بمقدار غسل الوجه فحسب ، إلاّ أنه يعلم بطروء التمكن له من غسل بقية أعضائه لعلمه بأنه سيعصي ويغترف ثانياً وثالثاً ـ  وإن لم يتوضأ ولم يغتسل  ـ فعلى ذلك فهو متمكن من الوضوء بالتدريج فلا بد من الحكم بوجوبه ، إلاّ أنه بالترتب لترتب الأمر به على عصيانه ومخالفته النهي عن الغصب بالتصرف في الاناء ، لتوقف قدرته على الوضوء على معصيته بحيث إن طالت المعصية طالت القدرة وإن قصرت قصرت ، فهو وإن كان مأموراً بالتجنب عن التصرف فيه لأنه غصب محرم ويجب عليه التيمم لفقدانه الماء إلاّ أنه لو عصى النهي وجب الوضوء في حقه لصيرورته واجداً له بالعصيان .

   ونظير ذلك ما إذا ابتلى المكلف بالنجاسة في المسجد لأن وجوب الصلاة في حقه

ــ[269]ــ

مترتِّب على عصيانه الأمر بالازالة ، بل هو بعينه مما نحن فيه لوجوب الازالة في جميع آنات الصلاة ، فالمكلف غير قادر عليها بوجه إلاّ أنه بعد الآن الأول من ترك الإزالة يتمكّن من تكبيرة الصلاة ، وهو في هذا الحال وإن لم يتمكن من بقية أجزاء الصلاة ـ  لوجوب الازالة في حقه  ـ إلاّ أنه يعلم بتمكنه منها لعلمه بأنه يعصي الأمر بالازالة في الآن الثاني أيضاً فيقدر على الجزء الثاني من الصلاة وفي الآن الثالث فيتمكن من الجزء الثالث وهكذا . وحيث إن الترتب على طبق القاعدة ولا يحتاج في وقوعه إلى دليل في كل مورد فلا مناص من الالتزام به في الوضوء أيضاً .

   وأمّا ما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أن الترتب يتوقف على أن يكون المهم واجداً للملاك مطلقاً حتى حال المزاحمة أعني حال وجود الأمر بالأهم ، وهو إنما يحرز فيما إذا كانت القدرة المأخوذة في المهم عقلية ، وأما إذا كانت شرعية بأن اُخذت قيداً للمهم في لسان الدليل كما هو الحال في الوضوء فبانتفاء القدرة في ظرف الأمر بالأهم لا يبقى ملاك للأمر بالمهم لارتفاعه بارتفاع قيده وشرطه ومعه لا يجري فيه الترتب بوجه ، على ما أفاده (قدس سره) في التنبيه الذي عقده لذلك في بحث الاُصول (1) .

   فقد أجبنا عنه في محله بأن الترتب لا يتوقف على إحراز الملاك في المهم لأنه مما لا  سبيل له سوى الأمر ومع سقوطه لا يبقى طريق لاستكشافه ، سواء أكانت القدرة المأخوذة فيه عقلية أم كانت شرعية ، لأن في كل منهما يحتمل زوال الملاك بالعجز (2) .

   والمتلخص أن في هذه الصورة يمكن أن يصحح الغسل والوضوء بالترتب هذا كله في صورة الانحصار .

   وأمّا المورد الثاني : أعني صورة عدم الانحصار : فالاغتراف من الأواني المغصوبة وإن كان عصياناً محرماً إلاّ أن الوضوء أو الغسل الواقع بعده صحيح لا محالة ، وذلك لبقاء الأمر بالوضوء في حقه إذ المفروض تمكنه من الماء في غير الأواني المغصوبة ، وما يأخذه من الاناء المغصوب أيضاً مباح بعد الاغتراف ـ  لأنه ملكه وإن كان في اناء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فوائد الاُصول 1 : 367 التنبيه الأول .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 95 .

ــ[270]ــ

مغصوب  ـ ولا فرق بينه وبين الماء الموجود في غيره بحيث لو توضأ أو اغتسل منه لصح وإن ارتكب أمراً محرماً .

   نعم ، لو قلنا إن ما يأخذه من الأواني المغصوبة وإن كان ملكاً له إلاّ أن الوضوء به تصرف في الاناء ، لأن التصرف في الأواني ليس إلاّ بأخذ الماء منها وصرفه في الأكل والشرب والصب والوضوء وغيرها ، وعليه فالوضوء أو الغسل في أنفسهما معدودان من التصرف في الأواني المغصوبة بمعنى أن الوضوء بالماء المأخوذ من الاناء المغصوب بنفسه مصداق للغصب والتصرّف الحرام وكذلك الحال في الاغتسال به ، فهما باطلان إذ لا معنى للتقرّب بما هو مبغوض في نفسه ، ولو تمت هذه الدعوى لم يكن فرق بين صورتي الانحصار وعدمه لأنّ الوضوء في كليهما تصرّف حرام والتقرّب بالمبغوض أمر لا معنى له فلا مناص من الحكم ببطلانه .

   ولعلّ الماتن وغيره ممن حكم بالبطلان في كلتا الصورتين قد نظروا إلى ذلك ، هذا .

   ولكن دعوى أن التصرّفات الواقعة بعد أخذ الماء تصرف في نفس الاناء دون إثباتها خرط القتاد ولا يمكن تتميمها بدليل ، لأن التصرف في الاناء بحسب الفهم العرفي إنما هو الاغتراف وأخذ الماء منه ، وأما سقيه بعد ذلك للحيوان أو صبّه على الأرض أو شربه فكل ذلك تصرفات خارجية إنما تقع في ملكه وهو الماء ولا يقع شيء من ذلك في الاناء ، فهل يقال إن سقي الحيوان بالماء الموجود في الكف تصرف في الاناء .

   نعم ، يحرم الأكل في أواني الذهب والفضة وفي الأواني المغصوبة إلاّ أنها ليست مستندة إلى أن الأكل تصرّف في الأواني وإنما هي من جهة الدليل الذي دلّ على حرمة الأكل في الأواني المذكورة ، فان الأكل في الاناء بطبعه يقتضي أخذ الطعام أو غيره منه ووضعه في الفم ، ولم يرد دليل على حرمة التوضؤ من الأواني المغصوبة حتى نلتزم بحرمة نفس التوضؤ بعد أخذ الماء منها ، وإنما قلنا بحرمة الوضوء منها من أجل أنه تصرف في مال الغير من غير رضاه ، وهو يختص بالأخذ والاغتراف دون التوضؤ أو الاغتسال أو غيرهما من التصرّفات ، هذا كله فيما إذا كان التوضؤ بالاغتراف .

ــ[271]ــ

   وأمّا لو أخذ الماء من الاناء المغصوب دفعة واحدة بمقدار يفي بالوضوء كما إذا فرغ ماءه في إناء آخر ثم توضأ أو اغتسل به صحّ وضوءه أو غسله لأنه ماء مباح وإن ارتكب معصية بأخذ الماء منها ، ولا فرق في ذلك بين صورتي الانحصار وعدمه .

   وأمّا لو توضّأ منها بالارتماس كما إذا أدخل يده فيها مرّة أو مرّتين فالظاهر البطلان ، لأنّ إدخال اليد في الاناء للوضوء أو لغيره تصرف فيه عرفاً بلا فرق في ذلك بين استلزامه تموج الماء على السطح الداخل للاناء كما هو الغالب أو الدائم وبين عدم استلزامه ـ على فرض غير محقّق ـ وذلك لصدق التصرف على الارتماس وإن لم يستلزم التموج في الماء . ومع فرض كون الوضوء تصرّفاً محرّماً لا يمكن التقرّب به ولا يكفي في الامتثال ، لأن الحرام لا يكون مصداقاً للواجب .

   بقي شيء لا بأس بالاشارة إليه ، وهو أن المالك لو أذن له في الإفراغ فحسب فهل يصح التوضؤ منها بالاغتراف أو لا يصح ؟

   بناء على بطلانه على تقدير عدم الاذن في الإفراغ الظاهر عدم صحّة الوضوء وهذا لا لأن وجوب المقدمة مشروط بقصد التوصل بها إلى ذيها حتى يجاب بأن المقدمة ـ بناء على وجوبها ـ واجبة في ذاتها وإن لم يقصد بها التوصل إلى ذيها ، بل من جهة أن الترخص في الافراغ قد يراد به جواز الإفراغ ولو في بعض الإناء بأن يفرغ بعض الماء دون بعض ، ولا إشكال حينئذ في صحة الوضوء منه بالاغتراف لأنه إفراغ لبعض مائه ، إلاّ أن هذه الصورة خارجة عن مورد الكلام . وقد يراد به جعل الاناء خالياً من الماء كما هو معنى الافراغ وحينئذ لو توضأ منه بالإغتراف بطل وضـوءه لأنه إفراغ لبعض مائه لعدم صيرورة الاناء خالياً بذلك عن الماء فالوضوء منه بالاغتراف مما لم يأذن به المالك فيبطل .

   وعلى الجملة مورد الاذن إنما هو الافراغ فيسوغ جعل الاناء خالياً عن الماء دفعة واحدة أو متدرجاً بأن يفرغ بعض مائه مشروطاً بانضمامه إلى افراغ البعض الآخر وأما الافراغ لا بشرط أو بشرط لا فهما خارجان عن مورد الاذن والترخيص ، وبما أن الاغتراف للوضوء تخلية لبعض الاناء عن الماء بشرط لا فهو خارج عن مورد الإذن المالكي ، اللّهمّ إلاّ أن نصححه بالترتب كما تقدم في الصورة السابقة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net