ــ[250]ــ
[ 28 ] مسألة 28 : يجب تعلّم مسائل الشك والسهو (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصادر عنه إلاّ أن يفحص عنه في مظانّه فلا مجال للبراءة العقلية مع الاحتمال .
وأما البراءة الشرعية فمقتضى إطلاق أدلتها وإن كان جريانها في أمثال المقام لقوله (عليه السّلام) : «رفع ما لا يعلمون» (1) ومنه ما نحن بصدده ، إلاّ أن الأدلة القائمة على وجوب التعلم واستحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي فيما إذا استند تركه إلى ترك التعلم ، مانعة عن جريان البراءة في تلك الموارد لدلالتها على وجوب الفحص والتعلم حينئذ ، لاستناد ترك الواجب إلى ترك الفحص والتعلم على الفرض فلا سبيل إلى شيء من البرائتين ، فمقتضى إطلاق الأدلة وجوب التعلم قبل دخول الوقت أو تحقق الشرط مطلقاً سواء علم بابتلائه بالواجب في المستقبل أم احتمله .
(1) قد اتضح الحال في هذه المسألة مما سردناه في المسألة المتقدمة ، وحاصل الكلام فيها : أن المكلف إذا تمكن من الامتثال الاجمالي والاحتياط بأن أحرز امتثاله للتكليف المتوجه إليه بالاحتياط كما إذا أتم صلاته مثلاً بالبناء على أحد طرفي الشك ثمّ أتى بها ثانياً ، أو قطع صلاته فاستأنفها من الابتداء ، لم يجب عليه تحصيل العلم بمسائل الشك والسهو ، لجواز الامتثال الاجمالي ولو مع التمكن من الامتثال التفصيلي على ما أسلفناه في الاحتياط .
وإذا لم يتمكن من إحراز الامتثال بالاحتياط ، وجب تعلّم المسائل المذكورة بعد دخول وقت الصلاة أو قبله على التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ، وذلك لعلمه بالابتلاء أو احتماله على الأقل ، فعلى ذلك يبتني وجوب تعلم مسائل الشك والسهو وعدمه على جواز إبطال الصلاة وقطعها عمداً وحرمته ، إذ لو جاز قطعها وإبطالها كذلك يتمكن المكلف من إحراز امتثال الأمر بها على سبيل الاحتياط فلا يجب معه تعلّم المسائل عليه كما عرفت . وهذا بخلاف ما لو قلنا بعدم جواز قطعها وإبطالها ، لأن إحراز الامتثال حينئذ يتوقف على تعلم المسائل الراجعة إلى الشك لعدم تمكنه من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة 23 : 237 / أبواب الايمان ب 16 ح 3 ، وقد بيّنا ما يرجع إلى الاستدلال بها في المسألة [ 416 ] .
ــ[251]ــ
قطع الصلاة واستينافها ، وعدم جواز البناء على أحد طرفي الشك وإتمامها مع الاعادة لاحتمال أن يكون المتيقن في حقه هو البناء على الطرف الآخر ، وقد قطعها بالبناء على عكس ذلك ، وهذا لاحتمال أن يكون ما أتى به ناقصاً عن الواجب أو زائداً عليه ويكون مع الاتيان به قد نقص عن صلاته أو زاد فيها متعمداً وهو موجب لبطلانها .
فعلى ما سلكه المشهور في تلك المسألة من حرمة قطع الصلاة وإبطالها يجب على كل مكلف أن يتعلّم المسائل الراجعة إلى الشك والسهو ، لأنه لا سبيل إلى إحراز امتثال الأمر بالصلاة سوى التعلم كما مرّ . هذا إذا علم بابتلائه بمسائل الشك والسهو .
وأما لو احتمل الابتلاء بها يجب تعلّم مسائلهما أيضاً أو لا لمكان استصحاب عدم الابتلاء بها في الأزمنة المستقبلة ونتيجته عدم وجوب تعلم المسائل المذكورة عليه ؟
الصحيح أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في نفسه ، لأنه على ما بيّناه في محلّه(1)كما يجري في الاُمور الحالية يجري في الاُمور الاستقبالية ، ومع حكم الشارع بعدم ابتلاء المكلف بتلك المسائل وكونه كالعالم بعدم الابتلاء ، لا وجه لوجوب تعلمها وتحصيلها فإن المجعول في الاستصحاب إنما هو الطريقية والوسطية في الاحراز أعني جعل ما ليس بعلم علماً تعبداً كما هو الحال في جميع الطرق والأمارات ، لا الحكم المماثل ليرد أن عدم الابتلاء بتلك المسائل ليس أثراً شرعياً في نفسه ، ولا أنه ذا أثر شرعي كي يتعبد به لدى الشك ، فالاستصحاب تام في نفسه ولا مانع عن جريانه سوى الأدلة القائمة على وجوب التفقه والتعلم ، لأنها باطلاقها يقتضي عدم جريانه في المقام . لدلالتها على وجوب التعلم وجوباً طريقياً في كل مورد استند ترك الواجب في أوانه إلى ترك التعلم لدلالتها على أن المكلف يستحق العقاب بذلك على ترك الواجب وحيث إن المقام كذلك وأن ترك الواجب مستند إلى ترك التعلم ، فلا مناص من الحكم بوجوب تعلّم مسائل الشك والسهو حتى مع الاحتمال ، هذا إذا لم يكن هناك علم إجمالي بالابتلاء ببعض تلك المسائل . وأما معه فلا مجال للاستصحاب أبداً لعدم جريان الاُصول في أطراف العلم الاجمالي بالمعارضة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3 : 89 .
ــ[252]ــ
بالمقدار الّذي هو محل الابتلاء غالباً (1) نعم لو اطمأن من نفسه أنه لا يبتلي بالشك والسهو صحّ عمله ((1)) وان لم يحصل العلم بأحكامهما (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن لابدّ من تعلّم مسائل الشك والسهو لوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب.
(1) لا وجه لاعتبار الغلبة في الابتلاء ، فإن المدار في وجوب التعلّم هو العلم بالابتلاء أو احتماله ، بلا فرق في ذلك بين كون المسألة مورداً لابتلاء الناس غالباً وعدمه ، فالتقييد بذلك في غير محلّه . نعم ، لا يختص وجوب التعلّم بموارد العلم بالابتلاء لوجوبه مع الاحتمال أيضاً كما عرفت .
(2) قد اتضح مما ذكرناه في التعليقة المتقدمة أن تعلم المسائل الّتي يبتلي بها المكلف علماً أو احتمالاً أمر واجب بالوجوب الطريقي ، إما لوجوب دفع الضرر المحتمل أو لاطلاقات الأخبار كما مرّ ، إلاّ أن ذلك من حيث الوجوب وكون ترك التعلّم موجباً لاستحقاق العقاب على مخالفة الواقع . وأما من حيث الصحة والبطلان فالمدار فيهما على مطابقة الواقع ومخالفته، مثلاً إذا فرضنا أن المكلف ترك التعلّم قبل الوقت ولم يكن متمكناً منه بعد دخوله ولا من الامتثال الاجمالي والاحتياط ، وبالأخص إذا كان مطمئناً بعدم الابتلاء بالمسائل الّتي لم يتعلّم حكمها ، إلاّ أنه ابتلي بها في وقت العمل وبنى على أحد طرفي الشك والاحتمال وأتمّ صلاته رجاءً وكان عمله هذا مطابقاً للواقع ، حكمنا بصحة صلاته فإنه لا يعتبر في العبادة إلاّ الاتيان بها مضافاً إلى الله والمفروض أنها قد اُتيت كذلك فلا مجال لتوهّم بطلانها من جهة ترك التعلّم ، فلو ظنّ أنه قد ركع ولم يعلم أن الظن حجة في أفعال الصلاة كالركعات إلاّ أنه بنى على عدم الاعتبار وأتى بالركوع رجاءً وأتمّ صلاته ، وانكشف بعد هذا أن فتوى مقلّده أيضاً عدم الاعتناء بالظن في الأفعال صحّت صلاته كما مرّ .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل يصح مع احتمال الابتلاء أيضاً إذا لم يتحقق الابتلاء به خارجاً ، أو تحقق ولكنه قد أتى بوظيفة الشك أو السهو رجاءً .
|