نسبة فسق تارك تعلّم الأحكام إلى الأنصاري (قدِّس سرِّه) 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7562


ــ[253]ــ

    بقى شيء :

   وهو أن المنسوب إلى شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في رسالته العملية الحكم بفسق من ترك تعلّم مسائل الشك والسهو ، وهذه الفتيا منه (قدّس سرّه) يحتمل أن يستند إلى أحد اُمور :

   الأوّل : أن يقال : إن الوجه في ذلك أن ترك تعلّم المسائل المذكورة مع العلم بالابتلاء أو احتماله ، من أظهر مصاديق التجري على المولى سبحانه لكشفه عن أنه غير معتن بأحكام الله وتكاليفه ولا مبال بأوامره ونواهيه ، والتجري مضافاً إلى أنه موجب لاستحقاق العقاب عليه ، من المحرمات في الشريعة المقدسة ، ولا شبهة في أن ارتكاب المحرّم موجب للفسق والانحراف .

   وفيه : أن هذا الوجه مما لا يلتزم به الشيخ (قدّس سرّه) ولا ينبغي الالتزام به لعدم قيام الدليل على حرمة التجري وإن كان موجباً لاستحقاق العقاب عليه ، والفسق إنما يتحقق بارتكاب المعاصي والمحرمات ، وقد عرفت أنه مفقود في المقام .

   والثاني : أن التجري وإن لم يكن محرّماً في نفسه إلاّ أنه يكشف عن عدم ملكة العدالة لا محالة ، لأنه مع وجودها لا يقدم المكلف على ما فيه احتمال المخالفة والمعصية ، فبالتجري يستكشف أن المتجري على نحو يقدم على معصية الله ومخالفته ولا رادع نفساني له عن ارتكابها ، وقد اعتبر هو (قدّس سرّه) وجماعة كثيرين وجود الملكة النفسانية في العدالة كما مرّ وقالوا إن من لا ملكة له لا عدالة له ومن لم يكن بعادل فهو فاسق لا محالة .

   وهذا الاحتمال يبعّده أمران :

   أحدهما : ما قدّمناه (1) من أن العدالة ليست إلاّ الاستقامة العملية في جادّة الشرع وأنه لم يدلّنا دليل على اعتبار شيء آخر في العدالة وراء الاتيان بالواجبات وترك المحرمات ليسمى بالملكة النفسانية .

   وثانيهما : أن القول باعتبار الملكة لا يستلزم إنكار الواسطة بين الفسق والعدالة ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 215  .

ــ[254]ــ

يستتبع الحكم بأن من ليس بعادل فهو فاسق ، وذلك لوضوح أن من لم يرتكب بعد بلوغه شيئاً من المعاصي والمحرمات ، ولم يحصل له أيضاً ملكة العدالة فهو ليس بعادل ولا بفاسق . أما أنه ليس بعادل فلأجل عدم تحصيله الملكة على الفرض ، وأما عدم كونه فاسقاً فلأن الفسق يتوقف على ارتكاب المعصية ، بل اشترط بعضهم أن تكون المعصية من الكبائر ولو كانت هي الاصرار على الصغائر ، ومع عدم ارتكاب شيء من المعاصي لا موجب للفسق أبداً ، وعليه فهب أن المتجري ليست له ملكة العدالة وأنه ليس بعادل فرضاً ، إلاّ أنه لا مقتضي للحكم بفسقه مع عدم صدور فسق منه على الفرض .

   الثالث : أن الوجه في ذلك أن التعلّم واجب نفسي فتركه يستلزم الفسق وإن لم يبتل المكلف بمسائل الشك والسهو أصلاً .

   ويندفع بأن الشيخ (قدّس سرّه) لا يلتزم بالوجوب النفسي في التعلّم ، وإنما يراه واجباً بالوجوب الطريقي الّذي لا يترتب على مخالفته إلاّ التجري لا الفسق .

   الرابع : وهو أنسب الوجوه المذكورة في المقام أن يقال : إن التجري وإن لم يكن محرّماً في الشريعة المقدسة ، إلاّ أن المتجري لا يمكن الحكم بعدالته لأن العدالة كما تقدمت هي الاستقامة في جادة الشرع ، وكون الحركة بإذن الشارع وترخيصه فالعادل هو الّذي لا يقدم على عمل لم يرخّص فيه الشارع . ومن الظاهر أن التجري بترك التعلّم وإن لم يكن محرّماً لعدم وجوبه النفسي على الفرض ، إلاّ أنه غير مرخّص فيه من قبله فالاقدام عليه إقدام على ما لم يرخّص فيه الشارع، ولا يطلق على المتجري والمرتكب لما لم يأذن به الله عنوان الصالح أو الخيّر، ولا يعدّ من الموثوقين بدينه وكيف يوثق بدينه وهو لا يبالي بالدين ولا يعتني باحتمال مخالفة الله وعصيانه كما لا يصدق عليه غير ذلك من العناوين الواردة في الروايات .

   وكذا الحال في غير المقام من موارد التجري وعدم كون الفعل مرخّصاً فيه من الله كما إذا ارتكب أحد الفعلين المعلومة حرمة أحدهما ، فإن شرب ما في أحد الانائين مع العلم الاجمالي بحرمته وإن لم يكن محرّماً شرعياً ، لاحتمال إباحته وكون المحرّم هو الآخر ، إلاّ أنه غير مرخّص فيه من قبل الشارع ، وكذا إذا علم بنجاسة أحد ثوبيه




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net