نجاسة الرّطوبة المشتبهة مع ترك الاستبراء ولو اضطراراً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5795


ــ[398]ــ

   [ 452 ] مسألة 2 : مع ترك الاستبراء يحكم على الرطوبة المشتبهة بالنجاسة والناقضية (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يدل باطلاقه على اعتبار جذب البول ثلاثاً بالاضافة إلى سليم الذكر ومقطوعه .

   (1) تقدم الوجه في ذلك آنفاً فلا نطيل باعادته ، وقد تعجب صاحب الحدائق (قدس سره) من حكمهم بنجاسة البلل المشتبه ـ على مسلكهم ـ وقال في الكلام على الماء الطاهر المشتبه بالنجس : إن العجب منهم (نوّر الله مراقدهم) فيما ذهبوا إليه هنا من الحكم بطهارة ما تعدّى إليه هذا الماء ، مع اتفاقهم ظاهراً في مسألة البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء على نجاسة ذلك البلل ووجوب غسله ، إلى أن قال : والمسألتان من باب واحد كما لا يخفى (1) .

   وإلى ما ذكره (قدس سره) من المناقشة أشرنا سابقاً بقولنا : ومن هنا قد يتوقف في الحكم بنجاسة البلل المشتبه لعدم دلالة دليل على نجاسته (2) وقد تعرّض شيخنا الأنصاري (قدس سره) لكلام صاحب الحدائق في الاُصول ، وذكر أن نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء إنما استفيدت من أمر الشارع بالطهارة عقبه ، من جهة استظهار أن الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الأصل ـ  لما مرّ من أن الظاهر تخلف شيء من الرطوبات البولية في الطريق ، وهي قد تجتمع وتخرج بعد البول بحركة ونحوها  ـ فحكم بكون الخارج بولاً ، لا أنه أوجب خصوص الوضوء بخروجه ، وقال : إن بذلك يندفع تعجب صاحب الحدائق من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيه ـ  أي في ملاقي بعض أطراف الشبهة  ـ وحكمهم بها في البلل ، مع كون كل منهما مشتبهاً ... انتهى .

   ونزيد عليه أن ظاهر قوله (عليه السلام) «ويستنجي» في موثقة سماعة المتقدِّمة (3)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 1 : 514 .

(2) شرح العروة  3 : 149 .

(3) في ص 395 .

ــ[399]ــ

وإن كان تركه من الاضطرار وعدم التمكن منه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الشارع إنما حكم بذلك لأجل أن البلل الخارج وقتئذ بول ناقض للوضوء ، إذ لو لا كونه بولاً نجساً لم يكن وجه لأمره (عليه السلام) بعده بالاستنجاء ، لوضوح أن مجرّد غسل الذّكر من غير بول لا يسمّي استنجاء بوجه ، هذا .

   مضافاً إلى أن نواقض الوضوء محصورة ، فاذا حكمنا على البلل بالناقضية استكشف من ذلك أنه بول لا محالة ، إذ لا ينطبق شيء منها على البلل سوى البول ، فالبولية والناقضية متلازمتان في البلل ، وهذا بخلاف البلل الخارج بعد الاستبراء لأنه محكوم بالطهارة وعدم انتقاض الوضوء به ، كما دلت عليه النصوص ، ومن هنا قيدنا صحيحة محمّد بن مسلم وموثقة سماعة المتقدِّمتين (1) الدالتين على انتقاض الغسل بالبلل ، بما إذا خرج قبل الاستبراء من البول .

   فالمتحصل : أن الأخبار الواردة في المقام وإن لم تشتمل على أن البلل المشتبه بول أو نجس ، وإنما دلت على انتقاض الوضوء به إذا خرج قبل الاستبراء من البول ، إلاّ أن الصحيح كما أفاده الماتن هو الحكم ببوليته وناقضيته كما عرفت .

   (1) كما إذا كانت يداه مغلولتين أو غير ذلك من الوجوه ، والوجه فيما أفاده أن المستفاد من الأدلّة الدالّة على نجاسة البلل الخارج قبل الاستبراء من البول وانتقاض الطهارة به ، أن طهارة البلل وعدم انتقاض الوضوء به من الآثار المترتبة على العملية الخاصة المتقدم تفصيلها ، فاذا انتفت ـ  ولو للاضطرار  ـ ترتبت عليه النجاسة والانتقاض لأنه مقتضى إطلاقها .

   ودعوى أن الاضطرار مرفوع في الشريعة المقدسة لحديث رفع الاضطرار ، وحيث إن ترك الاستبراء في مفروض المسألة مستند إليه ، فهذا الترك كلا ترك وكأنه قد استبرأ بمقتضى الحديث ، وبذلك يحكم على البلل بالطهارة وعدم الانتقاض به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 395 .

ــ[400]ــ

   مندفعة بوجوه تعرضنا لها في التكلم على الحديث عمدتها : أن الرفع فيما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ ونحوها قد تعلق بالتكاليف الالزامية المتوجهة إلى المكلف بسبب الفعل الصادر منه بالاختيار ، كالافطار في نهار رمضان إذا صدر عن علم واختيار ، لأنه موضوع لجملة من الآثار منها وجوب الكفارة والحرمة والعقاب وإذا ارتكبه بالاضطرار أو الاكراه ونحوهما ارتفعت عنه الحرمة ووجوب الكفارة بحديث رفع الاضطرار ، وأما الأحكام الالزامية المتوجهة إلى المكلف بسبب أمر غير اختياري له فلا يرتفع عنه بالحديث ، وقد مثلنا لذلك بالنجاسة ووجوب الغسل المترتبين على إصابة النجس وملاقاته ، لأنهما حكمان مترتبان على إصابة البول ونحوه ، والإصابة ليست من الأفعال الاختيارية له وإن كانت قد تصدر عنه بالاختيار ويكون فعلاً من أفعاله ، إلاّ أن نجاسة الملاقي مترتبة على الاصابة بما أنها إصابة لا بما أنها فعل اختياري للمكلف ، فالنجاسة تترتب على إصابة النجس سواء أ كانت باختياره أم لم تكن ، ولا مجال في مثل ذلك للقول بأنها صدرت بالاضطرار ، ومقتضى حديث الرفع عدم نجاسة الملاقي حينئذ .

   والأمر في المقام كذلك ، لأن النجاسة والانتقاض قد ترتبا على خروج البلل بعد البول وقبل الاستبراء منه ، ومن الواضح أن خروجه ليس من الأفعال الاختيارية للمكلف ، وإن كان قد يستند إلى اختياره إلاّ أنه إنما اُخذ في موضوعيهما بما أنه خروج البلل لا بما أنه فعل اختياري للمكلف ، فمتى تحقق ترتب عليه أثره وإن كان مستنداً إلى الاضطرار أو الاكراه .

   على أن معنى الحديث إنما هو رفع الحكم عن المضطر إليه ـ  كترك الاستبراء في مفروض الكلام  ـ  لا ترتيب أثر الفعل على الترك المستند إلى الاضطرار أو الاكراه مثلاً إذا اُكره أحد أو اضطر إلى ترك البيع في مورد لم يحكم بحصول الملكية المترتبة على البيع ، نظراً إلى أن تركه مستند إلى الاكراه أو الاضطرار ، وإنما حكم بارتفاع الحكم المترتب على ترك البيع ، لأن الترك هو المضطر إليه أو المكره عليه فلاحظ .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net