4 ـ ناقضيّة النّوم 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9996


ــ[437]ــ

   الرابع : النوم مطلقاً وإن كان في حال المشي إذا غلب على القلب والسمع والبصر ، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى الحد المذكور (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الكلام في هذه المسألة يقع من جهات :

   الاُولى : أن ناقضية النوم للوضوء في الجملة مما لا شبهة فيه ، ويدل عليه من الكتاب قوله عزّ من قائل : (إِذا قُمْتُم إِلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... )(1) وذلك بأحد وجهين :

   أحدهما : أن المراد بالقيام في الآية المباركة هو القيام من النوم ، وذلك لموثقة ابن بكير قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) قوله تعالى (إِذا قُمْتُم إِلى الصَّلاةِ... ) ما  يعني بذلك ؟ قال : إذا قمتم من النوم ، قلت : ينقض الوضوء ؟ فقال : نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت»(2) وقد نقل عن العلاّمة في المنتهى(3) والشيخ في التبيان(4) إجماع المفسِّرين عليه ، فالآية المباركة ببركة الموثقة والاجماع قد دلت على أن النوم ينقض الوضوء وأنه سبب في ايجابه .

   وثانيهما : أن الآية المباركة في نفسها مع قطع النظر عن الاجماع والموثقة تدل على وجوب الوضوء عند مطلق القيام ، سواء اُريد به القيام من النوم أو من غيره ، وإنما خرجنا عن إطلاقها في المتطهر بالاجماع والضرورة القائمين على أن المتطهر لا يجب عليه التوضؤ ثانياً ، سواء قام أم لم يقم ، فالآية المباركة باطلاقها دلت على وجوب التوضؤ عند القيام من النوم .

   وأمّا ما دلّ عليه من السنة فهو جملة كثيرة من الأخبار قد وردت من طرقنا وطريق العامّة (5) تقدمت جملة من رواياتنا في التكلم على ناقضية البول والغائط

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 1 : 253 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 7 .

(3) المنتهى 1 : 195 .

(4) لاحظ التبيان 3 : 448 .

(5) سنن البيهقي ج 1 ص 118 باب الوضوء من النوم عن عبدالرحمن بن عائذ الأزدي عن    علي بن أبي طالب عن رسول الله قال : إنما العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ . السه ـ  بفتح السين المهملة وضمها ثم الهاء المخفّفة  ـ  العجز وقد يراد به حلقة الدبر . وقد أخرجه أبو داود في سننه ج 1 ص  52 وابن ماجة في سننه ج 1 ص 161 ورواه ابن تيمية في المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ج 1 ص  241 وفي كنز العمال ج 9 ح 342 إلى غير ذلك من الروايات .

ــ[438]ــ

والريح ، وستطلع على جملة اُخرى منها في التكلم على جهات المسألة وخصوصياتها إن شاء الله . وبالجملة إن المسألة متفق عليها بين الفريقين ، نعم نسب الخلاف في ذلك إلى الأوزاعي من العامة وإلى الصدوق ووالده (قدس سرهما) (1) .

   أما صحّة النسبة إلى الأوزاعي وعدمها فلا سبيل لنا إلى استكشافها (2) .

   وأما ما نسب إلى الصدوق ووالده فهو من البعد بمكان ، كيف وقد دلت على ذلك الآية المباركة ووردت فيه أخبار متضافرة قابلة للاعتماد عليها في الأحكام ، منها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنهما في المختلف 1 : 89 المسألة 48 .

(2) لأنّ نسبة الخلاف إليه وإن كانت موجودة في المحلى ج 1 ص 224 حيث قال : وذهب الأوزاعي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء كيف كان ، إلاّ أن المصرح به في شرح صحيح مسلم على هامش إرشاد الساري في شرح البخاري ج 2 ص 454 أن الأوزاعي كالزهري وربيعة ومالك ذهب إلى أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال ، حيث قال : اختلف العلماء في هذه المسألة على ثمانية أقوال : الأول : أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء على أي حال كان ، حكى ذلك عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز (مجاز) وحميد الأعرج وشعبة . الثاني : أن النوم ينقض الوضوء بكل حال ، وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبو عبيد والقاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه ، وهو قول غريب للشافعي قال ابن المنذر وبه أقول وروى معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة . الثالث : أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال ، وهو مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه . الرابع : إذا نام على هيئة من هيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوءه سواء كان في الصلاة أو لم يكن ، وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض ، وهذا مذهب أبي حنيفة وداود وقول للشافعي غريب . الخامس : لا ينقض إلاّ نوم الراكع والساجد ، روي هذا عن أحمد بن حنبل . السادس : لا ينقض إلاّ نوم الساجد ، روي أيضاً عن أحمد . السابع : لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة ، وهو قول ضعيف للشافعي . الثامن : إذا نام جالساً ممكناً مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلاّ انتقض سواء قل أو كثر وسواء كان في الصلاة أو خارجها ، وهو مذهب الشافعي .

ــ[439]ــ

ما  رواه هو (قدس سره) بنفسه عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) حيث سألهما عما ينقض الوضوء ؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين : الذكر والدبر من غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى يذهب العقل .... (1) وهي صحيحة السند ومع روايته هذه وملاحظته الآية المباركة كيف يذهب إلى عدم ناقضية النوم للوضوء .

   فلعلّ نظرهما ـ فيما ذكراه في الرسالة والمقنع من حصر نواقض الوضوء في البول والغائط والمني والريح كما ذكره صاحب الحدائق(2) ـ  إلى أن النواقض الخارجة من الانسان منحصرة في الأربعة في مقابل القيء والقلس والقبلة والحجامة والمذي والوذي والرعاف وغيرها مما يخرج أو يصدر من الانسان ، لأنها ليست ناقضة للوضوء خلافاً للعامة القائلين بالانتقاض بها (3) لا أن مرادهما أن الناقض مطلقاً منحصر في الأربعة .

   الجهة الثانية : النوم الناقض للوضوء هو النوم المستولي على القلب والمستتبع لذهاب العقل وتعطيل الحواس عن احساساتها ، وإن شئت قلت : الناقض إنما هو حقيقة النوم فاذا تحققت انتقض بها الوضوء ، ويستكشف حصول تلك الحقيقة ـ  أعني الاستيلاء على القلب  ـ من النوم الغالب على الحاستين : السمع والبصر ، فانّه أمارة على تحقّق الحقيقة الناقضة للوضوء ، لا أن نومهما موضوع للحكم بالانتقاض كي يتوهّم عدم انتقاض الوضوء في فاقد الحاستين بالنوم ، إذ لا عين له ليبصر وينام ولا اُذن له ليسمع وينام .

   ويدلّ على ذلك ما رواه زيد الشحام قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفقة والخفقتين ؟ فقال : ما أدري ما الخفقة والخفقتين إن الله تعالى يقول : (بَل الإِنْسان عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَة ) إن علياً (عليه السلام) كان يقول : من وجد طعم النوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 37 / 137 ، الوسائل 1 : 249 / أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 2 .

(2) الحدائق 2 : 94 .

(3) راجع الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 78 ـ 88 .

ــ[440]ــ

فانّما أوجب عليه الوضوء» (1) . وما رواه عبدالرحمن بن الحجاج ، وهي بمضمون الصحيحة المتقدِّمة إلاّ أنه قال : «من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب عليه الوضوء» (2) . وما رواه عبدالله بن المغيرة ومحمد بن عبدالله في الحسن عن الرضا (عليه السلام) قالا : «سألناه عن الرجل ينام على دابته ؟ فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» (3) .

   وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من أن العين قد تنام وأن المعتبر هو استيلاء النوم على السمع والبصر أو هما مع القلب ، كما في صحيحة زرارة حيث قال (عليه السلام) : «يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء ...» (4) ورواية سعد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «اُذنان وعينان ، تنام العينان ولا تنام الاُذنان ، وذلك لا ينقض الوضوء ، فاذا نامت العينان والاُذنان انتقض الوضوء» (5) فالظاهر أنه ناظر إلى بعض الأشخاص ممن لا يغمض عينيه في المنام ، فانّه إذا لم يبصر وعيناه منفتحتان قد يشك في نومه ، ولا نظر له إلى جميع الأفراد لوضوح أن الانسان قد يغمض عينيه قبل المنام ، ومجرد عدم الابصار لا  يوجب انتقاض الوضوء فلا عبرة بنوم العين أبداً . وبما سردناه في المقام تتّحد الأخبار بحسب المفاد وتدل بأجمعها على أن الناقض حقيقة النوم ، والخفقة والخفقتان لا أثر لهما في الانتقاض .

   الجهة الثالثة : مقتضى إطلاق الآية المباركة والأخبار الواردة في المقام أن النوم باطلاقه ناقض للوضوء ، سواء أ كان ذلك في حال الاضطجاع أم في حال الجلوس أو القيام ، إلاّ أن المتسالم عليه عند الحنابلة والمالكية عدم انتقاض الطهارة بالنوم اليسير بلا فرق بين الجلوس والقيام (6) بل عن بعضهم أن النوم في حال الجلوس أو غيره من الحالات التي لا يخرج فيها الحدث عادة غير موجب للانتقاض سواء قل أم كثر (7) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) الوسائل 1 : 254 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 8 ، 9 ، 2 .

(4) ، (5) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 ، 8  .

(6) ، (7) راجع المحلى ج 1 ص 224 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 80 ـ 81 .

 
 

ــ[441]ــ

وذلك لعدم خروج الحدث حينئذ . وقد نسب هذا إلى الصدوق أيضاً ، لا لأنه صرح بذلك في كلامه بل لأنه روى مرسلاً عن موسى بن جعفر (عليه السلام) «أنه سئل عن الرجل يرقد وهو قاعد هل عليه وضوء ؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعداً إن لم ينفرج» (1) وقد التزم في صدر كتابه أن لا يورد فيه إلاّ ما يفتي على طبقه ويراه حجة بينه وبين ربّه (2) . وهذه النسـبة صحت أم لم تصح لا يمكننا المساعدة عليه بوجه وذلك لأن ما يمكن أن يستدل به على هذا المدعى روايات أربع وهي إما قاصرة الدلالة أو السند :

   الاُولى : هي المرسلة المتقدِّمة ، وهي ضعيفة السند بارسالها ، نعم لا قصور في دلالتها على المدعى ، وإن لم يستبعد المحقق الهمداني (قدس سره) دعوى ظهور قوله (عليه السلام) «إن لم ينفرج» في كونه كناية عن عدم ذهاب شعوره بحيث يميل كل عضو من أعضائه إلى ما يقتضيه طبعها (3) .

   الثانية : موثقة سماعة بن مهران «أنه سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائماً أو راكعاً ؟ فقال : ليس عليه وضوء» (4) وهذه الرواية وإن كانت موثقة بحسب السند إلاّ أنها قاصرة الدلالة على المراد ، لأن خفق الرأس أعم من النوم فيحمل على الخفقة جمعاً بينها وبين الأخبار الدالّة على انتقاض الوضوء بالنوم .

   الثالثة : رواية عمران بن حمران أنه سمع عبداً صالحاً (عليه السلام) يقول : من نام وهو جالس لا يتعمد النوم ، فلا وضوء عليه (5) .

   الرابعة : رواية بكر بن أبي بكر الحضرمي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال : كان أبي يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء» (6) وهاتان الروايتان ضعيفتان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 38 / 144 ، الوسائل 1 : 254 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 11 .

(2) الفقيه 1 : 3 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) : 78 السطر 21 .

(4) ، (5) ، (6) الوسائل 1 : 255 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 12 ، 14 ، 15 .

ــ[442]ــ

بحسب السند لعدم توثيق عمران وبكر ، هذا .

   على أن الأخبار المتقدِّمة مضافاً إلى ما فيها من قصور الدلالة أو السند ، معارضة مع الأخبار الواردة في أن النوم مطلقاً ناقض للوضوء .

   منها ما قدّمناه من رواية زيد الشحام وغيرها . ومنها ما رواه عبدالحميد بن عواض عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أي الحالات فعليه الوضوء» (1) ومنها غير ذلك من الأخبار .

   والترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها إطلاق الكتاب ومخالفتها للعامة ، ولا مناص معه من حمل الأخبار المتقدِّمة على التقية . ويؤيده بل يدل عليه قوله (عليه السلام) «كان أبي يقول ...» لاشعاره بل ظهوره في أنه (عليه السلام) كان في مقام التقيّة وإلاّ لم يكن وجه لاسناده الحكم إلى أبيه لا إلى نفسه كما مر ، وعلى ذلك فالوضوء ينتقض مطلقاً بالنوم سواء كان في حال الجلوس أم في غيره من الحالات .

   الجهة الرابعة : هل النوم بما هو نوم ينقض الوضوء أو أن سببيته له من جهة أن النوم مظنة للحدث ، فالحكم بوجوب الوضوء مع النوم من باب تقديم الظاهر على الأصل ؟ والأول هو الصحيح ، وذلك لأن الظاهر من الروايات الواردة في المقام أن النوم ناقض في نفسه ، فهو بما أنه نوم من الأحداث ، وحملها على أن الناقض أمر آخر والنوم كاشف عنه وأمارة عليه خلاف الظاهر . ففي صحيحة إسحاق بن عبدالله الأشعري عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا ينقض الوضوء إلاّ حدث ، والنوم حدث» (2) وهي كما ترى كالصريح في أن النوم حدث بنفسه ، ومن ثمة طبق عليه كبرى الحدث ، فارادة أن الناقض أمر آخر والنوم أمارة عليه خلاف الظاهر بل الصريح .

   وأمّا رواية الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ؟ فقال : إن كان لا يحفظ حدثاً منه ـ إن كان ـ فعليه الوضوء وإعادة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 253 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 3 ، 4 .

ــ[443]ــ

الصلاة ، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة» (1) فليست فيها أية دلالة على أن النائم إذا علم بعدم خروج الحدث منه حال المنام لم ينتقض وضوءه وذلك لأن الرواية بصدد التفصيل وبيان أن الخفقة إذا كانت بحيث لو خرج منه حدث في أثنائها لعلم به وحفظه فلا ينتقض وضوءه ، لأنها لم تبلغ مرتبة النوم المستولي على السمع والبصر ولم يصدر منه أي حدث ، وأما إذا كانت بحيث لو خرجت منه ريح حالئذ لم يشعر بها ، فهي نوم حقيقة فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، فالرواية مضافاً إلى إمكان الخدشة في سندها قاصرة الدلالة على المدعى كما عرفت .

   نعم ، روى الصدوق في العلل والعيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) أنه قال : «إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء ، لأن الطرفين هما طريق النجاسة ـ إلى أن قال ـ وأما النوم ، فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شيء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة» (2) .

   وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على أن العلّة في ناقضية النوم غلبة خروج الريح من النائم لاسترخاء مفاصله ، إلاّ أن الرواية لا دلالة لها على بقاء الطهارة عند العلم بعدم خروج الريح منه ، وذلك لأنها بصدد بيان الحكمة في الحكم بالانتقاض ، وأن العلة للجعل والتشريع غلبة خروج الريح حالة النوم ، لا أن الانتقاض يدور مدار خروج الريح وعدمه ، وهي نظير ما ورد من أن العلّة في تغسيل الميت هي أن الروح إذا خرجت من البدن خرجت النطفة التي خلق منها من فيه أو عينيه(3) إلاّ أن من الظاهر أن وجوب تغسيل الميت لا يدور مدار خروج المني منه ، بحيث لو علمنا بعدم خروج النطفة من الميت في مورد لم يجب علينا تغسيله ، فخروج المني منه ليس إلاّ حكمة في الحكم بوجوب تغسيله ، ولا يعتبر في الحِكَم الاطراد ، وكذلك الحال في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 253 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 6 .

(2) الوسائل 1 : 255 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13 .  علل الشرائع : 257 ، عيون أخبار الرضا 2  :  104 .

(3) الوسائل 2 : 486 / أبواب غسل الميت  ب 3 .

ــ[444]ــ

العدّة الواجبة للطلاق لأنها إنما شرعت صيانة للأنساب وتحصيناً لها عن الاختلاف مع أن العدّة واجبة على المرأة العقيم وغيرها ممن لا اختلاط في حقها ، فبهذا يستكشف أن العلة المذكورة ليست من العلل الحقيقية المعتبر فيها الاطراد ، وإنما هي حكمة الجعل والتشريع ومتدرجة تحت المصالح والمفاسد الداعيتين إلى جعل الأحكام ، مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة السند ، للضعف في طريق الصدوق إلى الفضل ابن شاذان فلاحظ .

   فتحصل : أنه لا فرق في النوم الناقض بين أن يخرج من النائم ريح أو بول أو غيرهما من الأحداث الناقضة للوضوء لاسترخاء مفاصله ، وبين أن لا يخرج شيء منه لبقاء التماسك المانع من استرخاء المفاصل .

   الجهة الخامسة : جاء في رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس ؟ قال : إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك أنه في حال ضرورة» (1) وحملها الشيخ (قدس سره) على صورة عدم التمكن من الوضوء ، قال : والوجه فيه أنه يتيمّم ويصلِّي فاذا انفض الجمع توضّأ وأعاد الصلاة ، لأنه ربما لا يقدر على الخروج من الزحمة (2) واستبعده في المنتقى واحتمل أن تكون صادرة لمراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال (3) . واعترض عليه بأن المورد ليس من موارد التقية بوجه ، لأن التقيّة بترك الخروج إنما يتحقّق فيما إذا كان سبب الوضوء منحصراً بالنوم عند من تتقى منه ، ولكن الحصر غير صحيح لجواز أن يكون السبب هو الحدث الذي قد لا يدركه غير صاحبه .

   وربما ترد الرواية بأنها شاذة ولم ينسب العمل بها إلى أحد ، هذا .

   والصحيح أن العمل بالرواية لو صح سندها مما لا مناص عنه ، وأن الحكم بعدم وجوب الوضوء في مفروضها من جهة التقية كما احتمله في المنتقى ، وذلك لأن الرجل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 256 / أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 16 .

(2) الاستبصار 1 : 81 / 253 .

(3) منتقى الجمان 1 : 125 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net