عدم ناقضيّة المذي والوذي والودي 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8338


ــ[451]ــ

   [ 464 ] مسألة 3 : القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض وكذا الدم الخارج منهما (1) إلاّ إذا علم أن بوله أو غائطه صار دماً وكذا المذي (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حيث قال : «لا حتى يستيقن أنه قد نام .... وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ، ولا تنقض اليقين أبداً بالشك وإنما تنقضه بيقين آخر» (1) فان موردها وإن كان هو الشك في النوم إلاّ أن تعليلها أقوى شاهد على عدم اختصاص الحكم به ، ومن ذلك يظهر عدم اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الوجود ، وجريانه عند الشك في ناقضية الموجود أيضاً للتعليل .

   نعم ، إذا تردد البلل الخارج المشكوك فيه بين البول والمذي مثلاً ، وكان ذلك قبل الاستبراء من البول حكم بناقضيته ونجاسته ، وهذا لا من ناحية عدم جريان الاستصحاب فيه ، بل للأخبار الدالّة على ذلك تقديماً للظاهر على الأصل وقد تقدمت في محلِّها (2) . ومما ذكرناه في هذه المسألة ظهر الحال في المسألة الآتية فلا نطيل .

   (1) لأدلة حصر النواقض في البول والغائط والريح والمني والنوم ، فالقيح والدم الخارجان من مخرج البول أو الغائط غير مؤثرين في الانتقاض ، اللّهمّ إلاّ أن يكون خروجه بحيث يصدق عليه أنه يبول أو يتغوّط دماً ، لا أنه لا يبول ولا يتغوّط وإنما يخرج الدم من أسفليه ، وذلك لأنه على الثاني لا يصدق عليه انّه يبول أو يتغوّط كما لا  يصدق على الخارج منه أنه بول أو غائط .

   (2) الأخبار الواردة في المذي على طوائف أربع :

   الاُولى : ما دلّ على عدم ناقضية المذي مطلقاً كحسنة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك ، فانّما ذلك بمنزلة النخامة ...» (3) وبهذا المضمون عدة من الأخبار ، وهي وإن لم تكن متواترة بالمعنى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 245 / أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

(2) في ص 391 وما بعدها .

(3) الوسائل 1 : 276 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2 .

ــ[452]ــ

المصطلح عليه إلاّ أن دعوى القطع بصدور بعضها عنهم (عليهم السلام) غير بعيدة جدّاً .

   الثانية : ما دلّ على أن المذي ينقض الوضوء مطلقاً سواء أ كان عن شهوة أم لم يكن ، وذلك كما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه في سنة اُخرى فأمرني بالوضوء منه وقال : إن علياً (عليه السلام) أمر المقداد بن الأسود أن يسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واستحيى أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء» (1) وبالاطلاق صرح في صحيحة يعقوب بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يمذي فهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال: المذي منه الوضوء»(2) .

   الثالثة : الأخبار الدالّة على التفصيل بين المذي الخارج بشهوة وبين الخارج لا عن شهوة ، بالنقض في الأول دون الأخير ، وذلك كرواية أبي بصير قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) المذي يخرج من الرجل ، قال : أحد لك فيه حداً ؟ قال قلت : نعم جعلت فداك ، قال فقال : إن خرج منك على شهوة فتوضأ وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه الوضوء» (3) وصحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : إن كان من شهوة نقض»(4)  وغيرهما من الأخبار .

   الرابعة : ما ورد في عدم ناقضية المذي الخارج بشهوة ، وذلك كصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد» (5) . والوجه في عدم إلحاقها بالمراسيل ما  ذكرناه غير مرة من أن التعبير بـ «غير واحد» إنما يصح فيما إذا كانت الواسطة جماعة من الرّواة ، ولا نحتمل أن يكون الجميع غير موثقين ، بل لا أقل من أن يوجد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) ، (4) الوسائل 1 : 279 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 9 ، 16 ، 10 ، 11 .

(5) الوسائل 1 : 270 / أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 2 .

ــ[453]ــ

فيهم ثقات لو لم يكن جلهم كذلك ، بل التعبير بذلك ظاهر في كون الرواية مسلمة عنده ومن هنا أرسلها إرسال المسلمات ، وهذا هو الحال في تعبيراتنا اليوم .

   وما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد قال : «اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة ولبست أثوابي وتطيبت ، فمرت بي وصيفة ففخذت لها ، فأمذيت أنا وأمنت هي ، فدخلني من ذلك ضيق ، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذلك فقال : ليس عليك وضوء ولا عليها غسل» (1) ومحل الاستشهاد بها هو قوله : «ليس عليك وضوء» وأما نفيها الغسل عن الوصيفة فيأتي الكلام عليه في الكلام على غسل الجنابة إن شاء الله . وهذه الرواية واردة في المذي الخارج بشهوة ، بل موردها من أظهر موارد الخروج كذلك .

   هذه هي الأخبار الواردة في المقام ، والطائفة الاُولى الدالّة على عدم انتقاض الوضوء بالمذي مطلقاً ، والطائفة الثانية الدالّة على انتقاض الوضوء به متعارضتان والنسبة بينهما هو التباين والترجيح مع الطائفة الاُولى من جهات :

   الاُولى : أنها مشهورة وهي تقتضي ترجيحها على الطائفة الثانية بناء على أن الشهرة من المرجحات .

   الثانية : أنها توافق العام الفوق ، وهي الأخبار الحاصرة للنواقض في البول والغائط والريح والمني والنوم ، لاقتضائها عدم انتقاض الوضوء بغيرها من الأسباب ، وموافقة السنّة من المرجحات .

   الثالثة : أنها موافقة للكتاب ، لأن مقتضى اطلاق قوله عزّ من قائل : (إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ... وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطَّهَّرُوا ) (2) أن من قام من النوم أو غيره من الأحداث الصغيرة إلى الصلاة فتوضأ أو كان جنباً فاغتسل ، له أن يدخل في الصلاة مطلقاً ، أي خرج منه المذي بعد الغسل أو الوضوء أم لم يخرج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 280 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 13 ، 2 : 191 / أبواب الجنابة ب 7 ح  20 .

(2) المائدة 5 : 6 .

ــ[454]ــ

فمقتضى اطلاق الآية عدم انتقاض الوضوء بالمذي ، وقد ذكرنا في محله أن الرواية المخالفة لاطلاق الكتاب إذا كانت معارضة بما يوافق الكتاب سقطت عن الحجية ، وموافقة الكتاب من المرجحات .

   الرابعة : أنها مخالفة للعامّة ، لأن أكثرهم ـ لولا كلهم ـ  مطبقون على النقض به(1) فالطائفة الثانية ساقطة عن الاعتبار .

   وأمّا الطائفة الثالثة الدالّة على انتقاض الوضوء بالمذي الخارج عن شهوة ، فهي غير صالحة لتقييد الطائفة الاُولى في نفسها ، مضافاً إلى أنها مبتلاة بالمعارض الراجح . أمّا عدم صلاحيتها للتقييد في نفسها ، فلأن المذي إذا كان هو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل ونحوهما ، والجامع هو الشهوة كما في بعض اللّغات(2) بل هو المصرح به في مرسلة ابن رباط ، حيث فسرت المذي بما يخرج من شهوة (3) ومن هنا كان يستحيي علي (عليه السلام) أن يسأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن حكم المذي كما في بعض الأخبار (4) كانت الطائفة الثالثة والاُولى متعارضتان بالتباين لدلالة الثالثة على أن المذي وهو الماء الخارج عند الشهوة ناقض للوضوء ، وتدل الاُولى على أن المذي بهذا المعنى غير ناقض له ، وقد تقدم أن الترجيح مع الطائفة الاُولى من جهات .

   وإذا كان المذي أعم مما يخرج عند الشهوة أو لا معها ، فلا إشكال في أن الظاهر المنصرف إليه والفرد الغالب من المذي خصوص ما يخرج عند الشهوة ، ولا يمكن معه الجمع بين الطائفتين بحمل الاُولى على الثالثة ، لاستلزامه تخصيص الطائفة الاُولى مع ما هي عليه من الكثرة والتواتر الاجمالي على الفرد النادر ـ  لندرة المذي الخارج من دون شهوة  ـ ولا يعد هذا من الجمع العرفي بين المتعارضين ، فالطائفتان متعارضتان بالتباين والترجيح مع الطائفة الاُولى كما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المغني 1 : 191 المسألة 234 ، 194  المسألة 238 ، والبدائع 1 : 24 ، والبداية 1 : 34 .

(2) كما في مجمع البحرين [ 1 : 388 ] ولسان العرب [ 15 : 274 ] والثاني غير مشتمل على الماء الرقيق .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 278 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 6 ، 9 .

ــ[455]ــ

والوذي (1) والودي (2) والأوّل هو ما يخرج بعد الملاعبة ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأما معارضتها بالمعارض الراجح ، فلأجل أنها معارضة مع الطائفة الرابعة بالتباين ، وهي مرجحة على الطائفة الثالثة بالمرجحات الأربعة المتقدِّمة من الشهرة وموافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة .

   (1) اشتملت عليه مرسلة ابن رباط المتقدِّمة ، ومن المحتمل القريب أن يكون الوذي هو الودي ، وغاية الأمر أنه قد يعبّر عنه بالذال المعجمة ، واُخرى بالدال غير المعجمة ، ويدل على ما ذكرناه صحيحة ابن سنان الآتية (1) لدلالتها على حصر الخارج من الاحليل في المني والمذي والودي ، إذ لو كان هناك ماء آخر وهو الوذي لم يكن الحصر بحاصر . ويؤيده ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين من أن ذكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللّغة (2) ، ولم نعثر عليه في أقرب الموارد بعد الفحص عنه . وعلى الجملة الوذي هو الودي ويأتي في التعليقة الآتية أن الودي ليس من الأسباب الناقضة للوضوء .

   ثم لو قلنا بأنه غير الودي كما تقتضيه المرسلة المتقدِّمة ، فلا بد من الرجوع فيه إلى اطلاق الكتاب والأخبار الحاصرة للنواقض في الاُمور المتقدِّمة ، وهما يقتضيان عدم انتقاض الوضوء بالوذي .

   (2) وردت كلمة الودي في روايات ثلاث :

   إحداها : مرسلة ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «يخرج من الاحليل المني والوذي والمذي والودي ، فأما المني فهو الذي يسترخي له العظام ، ويفتر منه الجسد وفيه الغسل ، وأما المذي فيخرج من شهوة ولا شيء فيه ، أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، وأما الوذي فهو الذي يخرج من الادواء ولا شيء فيه» (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في التعليقة الآتية .

(2) مجمع البحرين 1 : 433 .

(3) الوسائل 1 : 278 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 6 .

ــ[456]ــ

والثاني ما يخرج بعد خروج المني ، والثالث ما يخرج بعد خروج البول .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وثانيتها : حسنة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة ، فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك ، فانّما ذلك بمنزلة النخامة ، وكل شيء خرج منك بعد الوضوء فانّه من الحبائل أو من البواسير وليس بشيء ، فلا تغسله من ثوبك إلاّ أن تقذره» (1) .

   وثالثتها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ثلاث يخرجن من الاحليل وهنّ المني وفيه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ، لأنه يخرج من دريرة البول ، قال : والمذي ليس فيه وضوء إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» (2) .

   أمّا المرسلة فهي إنما اشتملت على تفسير الودي ولم تتعرض لحكمه ، اللّهمّ إلاّ أن يستفاد ذلك مما ذكره (عليه السلام) في المذي بقرينة السياق .

   وأما الحسنة والصحيحة فهما متعارضتان ، لدلالة إحداهما على انتقاض الوضوء بالودي ودلالة الاُخرى على عدمه . وفي الوسائل أن الشيخ حمل الصحيحة على من ترك الاستبراء بعد البول ، لأنه إذا خرج منه شيء حينئذ فهو من بقية البول لا محالة . واستجوده في الحدائق (3) ولعل الشيخ (قدس سره) نظر في ذلك إلى رفع المعارضة بالجمع الدلالي ، للأخبار الواردة في البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء منه ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأن ترك الاستبراء من البول إنما يقتضي الحكم بناقضية البلل إذا اشتبه ودار أمره بين البول والمذي مثلاً ، وأما عند العلم بأن البلل الخارج وذي أو مذي أو غيرهما فلا موجب للحكم بانتقاض الوضوء به ، للعلم بعدم كونه بولاً . فالصحيح أن يقال : إن الروايتين متعارضتان ولا بدّ من علاج التعارض بينهما ، والترجيح مع الحسنة للوجوه المتقدِّمة في المذي من الشهرة وموافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 276 / أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2 ، 14 .

(3) الحدائق 2 : 119 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net