الثالث : مسح الرأس \ وجوب كون المسح بنداوة ماء الوضوء خلافاً لابن الجنيد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6912


ــ[108]ــ

   الثالث : مسح الرأس (1) بما بقي من البلة في اليد (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الثالث من واجبات الوضوء :  مسح الرأس

   (1) لا إشكال ولا خلاف في وجوب المسح واعتباره في الوضوء بين المسلمين ، بل هو من الضروريات عندهم ، وقد دلّ عليه الكتاب والسنة وأمر به سبحانه بقوله : (فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم )(1) وإنما الكلام والخلاف في بعض خصوصياته على ما يأتي عليها الكلام .

   (2) المعروف بين الإمامية وجوب كون المسح بنداوة ماء الوضوء ، وعدم جواز المسح بالماء الجديد ، ولم ينقل في ذلك خلاف إلاّ من ابن الجنيد ، حيث نسب إليه القول بجوازه بالماء الجديد ، ولكن العبارة المحكية عنه غير مساعدة على ذلك، فانّ ظاهرها أنه قد رخص في المسح بالماء الجديد فيما إذا لم تبق من بلة الوضوء شيء في يده أو في غيرها ـ مع الاختيار أو بلا اختيار ـ ولم يجوّز المسح بالماء الجديد عند وجود البلة من ماء الوضوء (2) .

   وكيف كان يدل على ما سلكه المشهور اُمور :

   منها : الروايات الحاكية لوضوء النبي أو الوصي ، حيث صرحت بأنه (عليه السلام) مسح رأسه ورجليه بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، ففي صحيحة زرارة « ... ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة يساره وبقية بلة يمناه» (3) وفي صحيحة زرارة وبكير « ... ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً» (4) إلى غير ذلك من الروايات البيانية . وقد ذكرنا سابقاً أن هذه الروايات إنما وردت لبيان ما يجب في الوضوء وما هو وظيفة المتوضئ في الشريعة المقدسة ، وعلى ذلك فكلّ ما ذكر فيها من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) وعبارته المحكية في المختلف [ 1 : 128 / 80 ] كما يلي : إذا كان بيد المتطهر نداوة يستبقيها من غسل يديه ، مسح بيمينه رأسه ورجله اليمنى وبنداوة اليسرى رجله اليسرى ، وإن لم يستبق ذلك أخذ ماء جديداً لرأسه ورجليه . وفي الحدائق 2 : 280 .

(3) ، (4) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 ، 3 .

ــ[109]ــ

القيود والخصوصيات فهو محكوم بالوجوب ما لم يقم على خلافه دليل .

   ومنها : اهتمام الرواة بنقل هذه الخصوصية ، أعني عدم تمسحهم (عليهم السلام) بالماء الجديد في رواياتهم ، ففي بعضها «أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يعدهما أي اليدين في الاناء» (1) وفي آخر : «لم يجدد ماءً» (2) وفي ثالث : «لم يحدث لهما ماء جديداً» (3) وهذا يكشف عن إهتمام الأئمة (عليهم السلام) لهذه الخصوصية في وضوءاتهم .

   وحيث إن الأفعال الصادرة منهم (عليهم السلام) في وضوءاتهم كانت كثيرة كنظرهم (عليهم السلام) إلى السماء في أثناء الوضوء أو إلى اليمين أو اليسار ، أو تكلمهم بكلام أو غير ذلك مما كان يصدر منهم (عليهم السلام) ولم يتصد الرواة لنقل شيء من هذه الخصوصيات والأفعال غير هذه الخصوصية ، فنستكشف من ذلك كشفاً قطعياً أن لهذه الخصوصية مدخلية في صحة الوضوء في الشريعة المقدسة لا محالة .

   ومنها : صحيحة عمر بن اُذينة عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث طويل «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لما اُسري بي إلى السماء أوحى الله إليَّ يا محمّد اُدن من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها ـ إلى أن قال ـ ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك ...» (4) فانها ظاهرة في أن كلّ ما صنعه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر الله سبحانه في تلك الصحيحة اُمور واجبة المراعاة على جميع المسلمين في وضوءاتهم ، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك من خصائص النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد قدّمنا أن الأخبار البيانية تدلنا على أن ما وجب على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وضوءاته قد وجب على غيره من المسلمين أيضاً ، وأن متابعته في ذلك لازمة ، فان الله سبحانه لا يقبل وضوءاً غيره . إذن هذه الصحيحة تدلنا على أن المسلمين يجب أن يمسحوا رؤوسهم وأرجلهم بنداوة ماء الوضوء ، لأن الله سبحانه قد أوجب ذلك على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) ، (3) ، (4) الوسائل 1 : 390 / أبواب الوضوء ب 15 ح 6 ، 10 ، 11 ، 3 .

ــ[110]ــ

   ومنها : صحيحة زرارة قال «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إن الله وتر يحب الوتر فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (1) لأن جملة «وتمسح» وإن كانت خبرية إلاّ أنها مستعملة في مقام الانشاء ، فتدلّنا على وجوب كون المسح ببلة اليد ، هذا .

   وقد يناقش في دلالتها باحتمال أن تكون جملة «وتمسح» معطوفة على فاعل يجزئك ، وهو ثلاث غرفات ، أي ويجزئك المسح ببلة يمناك ، إذن تدلنا الصحيحة على أن المسح ببلة اليد مجزئ في مقام الامتثال ، لا أنه أمر واجب لا بدل له ، وهي على هذا موافقة لما ذهب إليه الاسكافي (قدس سره) من جواز المسح بكل من بلة اليد والماء الجديد ، ولا دلالة لها على تعين كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء كما هو مسلك المشهور .

   ويدفعه : أن الاضمار على خلاف الأصل والظهور ، وذلك لأنه لا يمكن جعل و «تمسح» معطوفة على فاعل يجزئك إلاّ بتأويلها بالمصدر أي ويجزئك المسح ، إذ لا  معنى لأن تكون الجملة الفعلية فاعلاً ، فبما أن الاضمار على خلاف الأصل والظاهر فلا يمكن المصير إليه ، ولا مناص من إبقاء الجملة الفعلية على حالها ، وحيث إنها في مقام الأمر والانشاء فلا محالة تدلنا على وجوب كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء .

   ومنها : الأخبار الواردة في من نسي المسح حتى دخل في الصلاة أو لم يدخل فيها ثم ذكر أنه لم يمسح في وضوئه ، حيث دلت على أنه يأخذ من بلة لحيته ـ أو حاجبيه أو أشفار عينه ـ  إن كانت ، وإن لم يكن في لحيته ونحوها بلل فلينصرف وليعد الوضوء (2) .

   وأمّا المسح بالماء الجديد فلم تدلنا عليه شيء من تلك الروايات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 436 / أبواب الوضوء ب 31 ح 2 .

(2) الوسائل 1 : 407 / أبواب الوضوء  ب 21 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net