ما يمكن أن يستدل به لمذهب ابن الجنيد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7501


ــ[111]ــ

   وأمّا ما نسب إلى ابن الجنيد من تجويز المسح بالماء الجديد فيمكن الاستدلال عليه بطائفتين من الأخبار :

   الطائفة الاُولى : ما دلت على أن المسح بالماء الجديد هو المتعيّن ، بحيث لا يجزئ عنه المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، وهي عدة روايات وإليك نصّها :

   منها : صحيحة أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسح الرأس قلت : أمسح بما على يدي من الندى رأسي ؟ قال : لا ، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح» (1) .

   ومنها : صحيحة معمر بن خلاد قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه ؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : أبماء جديد ؟ قال برأسه : نعم» (2) .

   ومنها : رواية جعفر بن أبي عمارة الحارثي قال : «سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) أمسح رأسي ببلل يدي ؟ قال : خذ لرأسك ماء جديداً» (3) .

   ولكن هذه الطائفة بما أنها مخالفة للضرورة عند الشيعة ومعارضة للأخبار المتواترة ، أعني الأخبار البيانية الحاكية عن وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والوصي (عليه السلام) الدالة على وجوب كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، ولا أقل من استحباب كون المسح بتلك البلة أو جوازه بحيث لم يوجد قائل بمضمون تلك الطائفة حتى ابن الجنيد (قدس سره) إذ لم ينقل منه وجوب كون المسح بالماء الجديد ، بل إنما ينسب إليه جواز ذلك فحسب ، فلا مناص من حملها على التقيّة ، هذا .

   وقد يشكل الحمل على التقيّة في صحيحة معمر بن خلاد ، لأجل اشتمالها على الأمر بمسح الرجلين على ما هو الدارج عند الشيعة الامامية ، والعامة يرون وجوب غسلهما ، ومعه كيف يمكن حملها على التقيّة ، لأنها مخالفة للعامة وقتئذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 1 : 409 / أبواب الوضوء  ب 21 ح 4 ، 5 .

(3) الوسائل 1 : 409 / أبواب الوضوء ب 21 ح 6 .

ــ[112]ــ

   والجواب عن ذلك بأحد وجوه :

   الأوّل : أن المسح فيها محمول على الغسل ، فان العامة يرون صحة إطلاق المسح على الغسل .

   الثاني : أن المسح محمول على الموارد التي يجوز فيها المسح عند العامة ، كالمسح على الخفين لمن في رجله خف ولا يريد أن ينزعه للتوضؤ .

   الثالث : أن العامة بأجمعهم لم يفتوا بوجوب الغسل في الرجلين ، بل الكثير منهم (1) ذهبوا الى التخيير بين المسح والغسل فيهما ، نعم أئمتهم قائلون بتعيّن الغسل (2) ما عدا الشافعي (3) وأما سائر علمائهم الذين قد عاصروا الأئمة (عليهم السلام) أو كانوا بعدهم فكثير منهم قائلون بالتخيير . إذن لا تكون الرواية مخالفة للعامة فلا مانع من حملها على التقيّة ولا سيما في الخبر الأخير ، لأنه في الحمل على التقيّة أقرب من غيره وذلك لأن جملة من رواته عامى المذهب كما هو ظاهر .

   وكيف كان فهذه الطائفة ساقطة عن قابلية الاستدلال بها على ما ذهب إليه ابن الجنيد (قدس سره) .

   وأمّا الطائفة الثانية : فهي الأخبار الواردة في من نسي المسح وتذكّره في أثناء الصلاة ، وهي روايات ثلاث ، اثنتان منها مطلقتان وإحداهما مصرحة بجواز المسح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كالحسن البصري ، ومحمد بن جرير الطبري وأبي علي الجبائي وغيرهم ، حيث ذهبوا إلى التخيير بين المسح والغسل ، وأهل الظاهر ذهبوا إلى الجمع بينهما راجع عمدة القارئ 2 : 238 وفي تفسير الطبري 6 : 83 : الصواب عندنا أن الله تعالى أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم ، وإذا فعل ذلك المتوضئ فهو ماسح غاسل ، لأن غسلهما إمرار اليد عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقامها عليهما .

(2) كما في عمدة القارئ 2 : 238 وبداية المجتهد 1 : 12 ، 15 وفي المغني 1 : 150 / 175 : غسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم .

(3) ففي اختلاف الحديث على هامش الاُم (مختصر المزني) ص 488 وأحكام القرآن 1 : 50 وهما للشافعي : غسل الرجلين كمال والمسح رخصة وكمال ، أيّهما شاء فعل .

ــ[113]ــ

بالماء الجديد كما يجوز بالبلة الباقية من ماء الوضوء .

   أمّا المطلقتان ، فهما صحيحة منصور قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عمّن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : ينصرف ويمسح رأسه ورجليه» (1) وصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل توضأ ونسي أن يمسح رأسه حتى قام في صلاته ، قال : ينصرف ويمسح رأسه ثم يعيد» (2) ونظيرهما صحيحة أبي الصباح قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى قام في الصلاة ، قال : فلينصرف فليمسح على رأسه وليعد الصلاة» (3) وهما كما ترى مطلقتان ، لدلالتهما على الأمر بمسح الرأس من غير تقييده بأن يكون بالبلة الباقية من ماء الوضوء فتشملان المسح بالماء الجديد ، اللّهمّ إلاّ أن يدعى انصراف المطلق إلى المسح بالماء الجديد ، لأنه الغالب في مفروض الروايتين لغلبة الجفاف وذهاب البلة وقتئذ .

   وأمّا المصرحة بالجواز فهي ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل نسي أن يمسح على رأسه فذكر وهو في الصلاة ، فقال : إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه وعلى رجليه واستقبل الصلاة ، وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة وليمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناوله منه فليمسح به رأسه» (4) .

   وممّا يدل على ما سلكه ابن الجنيد (قدس سره) إطلاق الكتاب والسنّة ، لأن الله سبحانه قد أمر بمسح الرأس في قوله عزّ من قائل (فامسحوا برؤوسكم )(5) ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 451 / أبواب الوضوء ب 35 ح 3 .

(2) ، (3) الوسائل 1 : 370 / أبواب الوضوء ب 3 ح 1 ، 2 . ثم إن التعبير بالصحيحة فيما رواه أبو الصباح مبني على أن يكون المراد بمحمد بن الفضيل الواقع في سندها هو محمد بن القاسم ابن الفضيل الثقة فانه كثيراً ما يعبّر عنه بمحمد بن الفضيل ، بل هو الظاهر منه فيما إذا كان الراوي عنه هو الحسين بن سعيد ، لغلبة روايته عنه فليلاحظ .

(4) الوسائل 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 8 .

(5) المائدة 5 : 6 .

ــ[114]ــ

يقيد ذلك بأن يكون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، كما أن الأخبار الآمرة بالمسح مطلقة وغير مقيّدة بأن يكون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء .

   وهذه وجوه ثلاثة للاستدلال بها على ما سلكه ابن الجنيد (قدس سره) وشيء منها غير صالح للاستدلال به كما لا يخفي .

   أمّا دعوى إطلاق الكتاب والسنّة ، فلأن الأمر وإن كان كذلك إلاّ أن هناك روايات واضحة بحسب الدلالة والسند قد دلتنا على لزوم كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء ، وبها نرفع اليد عن تلك المطلقات على ما هو قانون حمل المطلق على المقيد في غير المقام . منها : صحيحة زرارة المتقدمة المشملة على قوله (عليه السلام) «تمسح ببلة يمناك ناصيتك» (1) ومنها : غيرها من النصوص فليراجع .

   وأما الطائفة الثانية ، أعني الأخبار الواردة في من نسي المسح وتذكره في أثناء الصلاة أو غيره ، فلأن المطلقتين منها لا بدّ من تقييدهما بما ورد في خصوص هذه المسألة من لزوم كون المسح بالبلة الباقية من ماء الوضوء كموثقة (2) زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة ، قال : إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصل» (3) فان مفهومها أنه إذا لم يكن في لحيته بلل يكفي لمسح رأسه ورجليه لم يجز له الاستمرار في الصلاة حتى يتوضأ وضوءاً ثانياً .

   وأمّا المصرحة بجواز المسـح بالماء الجديد كما يجوز بالبلة الباقية ، فيرد الاستدلال بها أنها وردت في مورد لا يجب على المكلف أن يتوضأ فيه ، فان موردها الشك في الوضوء بعد الفراغ وبعد الدخول في الصلاة ، وقد دلّ النص الصريح على عدم وجوب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 436 / أبواب الوضوء ب 31 ح 2 .

(2) عدّها موثقة يبتني على القول بوثاقة القاسم بن عروة الواقع في سندها ، أو يعدّ خبره صحيحاً نظراً إلى تصحيح العلاّمة (قدس سره) خبراً هو في طريقه [ كما في منتهى المقال 5  : 224 ] ، ولكن الأوّل لم يثبت والثاني غير مفيد .

(3) الوسائل 1 : 451 / أبواب الوضوء ب 35 ح 4 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net