بيان معنى الكعبين والخلاف فيه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 13815


ــ[147]ــ

وهما قبّتا القدمين على المشهور ، والمفصل بين الساق والقدم على قول بعضهم وهو الأحوط (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وتقريب الاستدلال بها : أن الشراكين إنما يقعان فيما دون الكعبين ، وعدم وجوب استبطانهما حينئذ إما لأجل أن لهما خصوصية من بين أفراد الحائل وأقسامه كالدواء والحناء على ما ورد في الروايات ، حيث إن مسحه كمسح البشرة ، ولأجل ذلك لم يجب استبطانهما بادخال الاصبع تحتهما ، وإما لأجل عدم وجوب الاستيعاب في المسح من الأصابع إلى الكعبين وكفاية مسمّى المسح طولاً ، وهذا يحصل بالمسح إلى الشراكين ، وحيث إن الأوّل غير محتمل ، لأنه على خلاف الاجماع والضرورة كان الثاني متعيناً لا محالة .

   ويدفعه : أن الاستدلال بهذه الروايات إنما يتم بناء على تفسير الكعبين بمفصل الساق والقدم وملتقاهما كما عن العلاّمة (قدس سره) (1) وجمع ممن تأخّر عنه ، وعلى هذا يتم الاستدلال بها بالتقريب المتقدم كما عرفت .

   وأما بناء على ما سلكه المشهور من تفسير الكعبين بالعظم الناتئ فوق ظهر القدم وهو المختار ، فلا وجه للاستدلال المذكور أصلاً ، وذلك لأن الكعب وقتئذ إنما يقع فيما دون الشراك أو تحته على نحو يستر الشراك مقداراً من الكعبين ، إذن لا يكون عدم وجوب استبطان الشراك دليلاً على عدم وجوب الاستيعاب في مسح الرجلين طولاً لاستناده إلى خروج موضع الشراك عن مورد المسح وموضعه .

    بيان معنى الكعبين :

   (1) المشهور عند أصحابنا أن الكعبين هما العظمان الناتئان فوق ظهر القدم وهو المعبّر عنه بقبّة القدمين ، لأن كل عال يسمّى كعباً ومنه تسمية الكعبة كعبة . وخالفهم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المختلف 1 : 125 .

ــ[148]ــ

في ذلك العامّة وفسّروا الكعبين بالعظمين الناتئين من يمين الساق وشماله (1) .

   والتحقيق أنه لا يمكننا تشخيص مفهوم الكعبين بالرجوع إلى تفاسير أهل اللغة وكلمات أصحابنا (قدس سرهم) للاختلاف في تفسيرهما ، ومن الظاهر أن الرجوع إلى أهل اللغة إنما هو من جهة كونهم أهل الخبرة والاطلاع ، وكونهم من غير الشيعة لا يمنع عن الرجوع إليهم والأخذ بأقوالهم ، وحيث إن المفسرين لمفهومهما من الشيعة وغيرهم مختلفون في تفسيرهما فلا يمكننا الاعتماد على أقوالهم وآرائهم ، ولا يتعيّن أنه قبّة القدم أو العظمان الواقعان عن يمين الساق وشماله ، لاحتمال أن يكون كلاهما كعباً قد يطلق على هذا وقد يطلق على ذاك كما احتمله شيخنا البهائي (قدس سره) (2) .

   إذن لا بدّ من المراجعة إلى الروايات ، فان ظهر منها أن الكعب أي شيء فهو وإلاّ فتصل النوبة إلى الأصل العملي .

   والأخبار الواردة في تفسيرهما ظاهرة الدلالة على ما ذكره المشهور ، عدى صحيحة الأخوين
التي استدلّ بها العلاّمة (قدس سره) ومن تبعه من الأعلام على أن الكعب عبارة عن مفصل الساق والقدم (3) وإليك نصها :

   عن زرارة وبكير «أنهما سألا أبا جعفر (عليه السلام) عن وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه ـ إلى أن قال ـ : فاذا مسح بشيء من رأسه ، أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه ، قال : فقلنا أين الكعبان ؟ قال : ها هنا يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو ؟ فقال : هذا من عظم الساق والكعب أسفل من ذلك ...» الحديث (4) .

   ويرد الاستدلال بها : أن الصحيحة غير ظاهرة في إرادة مفصل الساق والقدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط للسرخسي 1 : 90 ،  الاُم 1 : 27 ،  المغني 1 : 155 ،  وحكاه في التذكرة 1 : 170 .

(2) حبل المتين : 18 .

(3) المنتهى 2 : 72 ، المختلف 1 : 126 .

(4) الوسائل 1 : 388 / أبواب الوضوء ب 15 ح 3 .

ــ[149]ــ

لاحتمال أن يراد بالمفصل قبّة القدم ، لأنه قد يطلق عليه المفصل نظراً إلى أنه مفصل الأشاجع وسائر العظام ، والدليل عليه قوله (عليه السلام) «والكعب أسفل من ذلك» فان المفصل عبارة عن خط موهومي وليست فيه مسافة بعد أو قرب ، وقوله هذا يدلنا على أن بين المفصل والكعب مسافة ، ولا يستقيم هذا إلاّ بأن يكون الكعب هو المفصل الواقع في قبّة القدم ، فان بينه وبين مفصل الساق والقدم مسافة ، هذا كله .

   على أ نّا لو سلمنا ظهور الصحيحة فيما ادعاه العلاّمة وتابعوه فلا مناص من رفع اليد عن ظهورها بحملها على معنى آخر ، جمعاً بينها وبين الأخبار الآتية الدالة على ما سلكه المشهور في تفسير الكعب ، لأن الصحيحة لا تقاوم الأخبار الآتية في الظهور ، وإليك جملة من الأخبار الدالّة على ما ذكره المشهور .

   منها : موثقة ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم أخذ كفاً من ماء فصبها على وجهه ـ إلى أن قال ـ : ثم مسح رأسه وقدميه ، ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال : هذا هو الكعب وقال : وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال : إن هذا هو الظنبوب» (1) ودلالتها على ما ذهب إليه المشهور غير قابلّة للإنكار ، وقوله أخيراً : «إن هذا هو الظنبوب» ورد رداً على العامة المعتقدين أنه هو الكعب .

   ومنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : «سألته عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم» (2) فان ظاهر القدم إما عبارة عن أول الأصابع إلى الساق ، أو أنه عبارة عن خصوص العظم الناتي في قبّة القدم ، والأول غير محتمل في الرواية لمكان قوله : «إلى ظاهر القدم» فانه بيان لقوله : «إلى الكعبين» والمفروض أ نّه قد مسح رجله من أول أصابعه إلى ظاهر القدم ، فكيف يمكن معه إرادة أوّل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 391 / أبواب الوضوء ب 15 ح 9 .

(2) الوسائل 1 : 417 / أبواب الوضوء ب 24 ح 4 .

ــ[150]ــ

الأصابع إلى الساق ، فالمعنى الثاني هو المتعيّن في الرواية .

   ثم إن هذا على تقدير كون النسخة ظاهر القدم ، وأما بناء على أنها ظهر القدم فالأمر أوضح ، لأن ظهر القدم صحيح الاطلاق على قبّة القدم ، وإذا تمت دلالة الروايتين على ما سلكه المشهور في بيان المراد من الكعب أمكن الجمع بينهما وبين الصحيحة المتقدمة ، بأن الكعب عبارة عن العظم الناتئ في قبّة القدم إلى المفصل ، أعني مفصل الساق والقدم ، بأن تكون الصحيحة واردة لبيان منتهى الكعب والروايتان واردتين لبيان أوّله ، فلا تعارض بين الطائفتين .

    هل الغاية داخلة في المغيى ؟

   بقي الكلام في أن الغاية داخلة في المغيى حكماً أو غير داخلة فيه ؟

   قد نسب إلى العلاّمة (1) والمحقق الثاني (2) أن الكعبين داخلان في المغيى فيجب مسح الكعبين ـ أعني الغاية ـ كما يجب المسح فيما بينهما إلى الأصابع وهو المغيى .

   والتحقيق أن هذا النزاع ـ بناء على أن الكعب هو مفصل الساق والقدم ـ لا يرجع إلى محصل ، فان المفصل خط موهومي غير قابل للتجزئة كالنقطة الموهومة ، فكيف يمكن مسحه ببعضه أو بتمامه . نعم لا بأس بهذا النزاع بناء على أن الكعب هو العظم الناتي في قبّة القدم .

   إلاّ أن الصحيح أنه مجرّد نزاع علمي من دون أن يترتب عليه أية ثمرة عملية، وذلك لأنه إن اُريد من دخول الغاية ـ أعني الكعبين ـ  في المغيى دخولها بتمامها ، بأن يجب مسح قبّة القدم بتمامها ، ففيه : أن لازم ذلك وجوب الاستيعاب في مسح القدم ، وقد عرفت أن مسح ظاهر القدم بتمامه غير معتبر في الوضوء ، وقد أبطلنا القول بذلك في المباحث السابقة بما لا مزيد عليه للأدلّة المتقدمة في محلِّها (3) ، ولا أقل من الأخبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المنتهى 2 : 76 .

(2) جامع المقاصد 1 : 221 .

(3) في ص 145 .

ــ[151]ــ

الدالّة على عدم وجوب الاسـتبطان تحت الشراكين الصريحـة في عدم وجـوب الاستيعاب في مسح تمام ظاهر القدم ، وإن اُريد منه إدخال شيء من العظم الناتئ في قبّة القدم في الممسوح ، بأن يمسح ما بين الأصابع إلى مقدار من الكعبين فهو مما لا  مناص من الالتزام به من باب المقدمة العلمية وتحصيل الجزم بالامتثال والاتيان بالمأمور به ، لعدم امكان المسح من الأصابع إلى الكعبين بحده على نحو لا يدخل شيء من المبدأ والمنتهى في المحدود على ما قدمناه في غسل الوجه واليدين . وبهذا تصبح المسألة خالية عن الثمرة العملية ويتمحض النزاع في البحث العلمي الصرف .

   وعلى أي تقدير قد اتضح مما سردناه عدم امكان الاستدلال على وجوب مسح الكعبين بقوله عزّ من قائل : (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) بدعوى أن (إلى ) بمعنى مع في الآية المباركة وأن معنى الآية وجوب مسح الأرجل مع الكعبين ، والوجه في عدم تمامية هذا الاستدلال أنه على تقدير تسليم أن (إلى ) بمعنى مع ، إن اُريد بذلك وجوب مسح الكعبين من أوّلهما إلى آخرهما فهو باطل جزماً ، لعدم وجوب الاستيعاب في مسح الرجلين كما مرّ . وإن اُريد به وجوب المسح بشيء منهما فقد عرفت أنه مما لا مناص من الالتزام به من باب المقدمة العلمية ، سواء أ كانت الغاية داخلة في المغيّى أم كانت خارجة .

   كما أن الاستدلال على دخولهما فيما يجب مسحه بأن الغاية داخلة في المغيى مما لا  وجه له ، والوجه فيه عدم كون ذلك من القواعد المسلمة حتى يمكننا الاعتماد عليه في محل الكلام ، لضرورة أنها بعد أول الكلام .

   على أ نّا لو أغمضنا عن ذلك فلا إشكال في أن الغاية لو كانت داخلة في المغيى فانما يدخل فيه شيء من أجزائها ، ولم يتوهم أحد كونها داخلة في المغيى بتمامها ، مثلاً إذا قيل : صم من أول النهار إلى الليل ، لم يكن معنى ذلك : صم من أول النهار إلى آخر الليل ، بل معناه ـ بناء على أن الغاية داخلة في المغيى ـ صم من أول النهار إلى مقدار من الليل ، وهذا مما لا مناص من الالتزام به في جميع موارد التحديد من باب المقدمة العلمية كما تقدّم .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net