وجوب المسح بظاهر الكف إذا لم يمكن بباطنها - حكم تعذر المسح بظاهر الكف وباطنها 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5802


ــ[185]ــ

   [ 518 ] مسألة 28 : إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزئ المسح بظاهرها وإن لم يكن عليه رطوبة نقلها من سائر المواضع إليه((1)) ثم يمسح به ، وإن تعذّر بالظاهر أيضاً مسح بذراعه((2))، ومع عدم رطوبته يأخذ من سائر المواضع ، وإن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة وعدم إمكان الأخذ من سائر المواضع أعاد الوضوء ، وكذا بالنسبة إلى ظاهر الكف ، فانه إذا  كان عدم التمكّن من المسح به [ من جهة ] عدم الرطوبة وعدم إمكان أخذها من سائر المواضع لا ينتقل إلى الذراع ، بل عليه أن يعيد (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   إذا لم يمكن المسح بباطن الكف :

   (1) كما إذا  كانت على باطن الكف قرحة مانعـة عن المسح بالباطن وهناك مسألتان :

   إحداهما : أن المسح بباطن الكف إذا كان متعذراً أجزأه المسح بظاهرها ، فاذا لم يكن رطوبة على ظاهرها أخذها من سائر المواضع أو من خصوص اللحية ـ على الخلاف المتقدم ـ وهذه المسألة هي التي حكم فيها صاحب المدارك بلزوم المسح بظاهر الكف وكفايته عن المسح بالباطن ، وجعله حكماً قطعياً باتاً (3) .

   وثانيتهما : ما إذا تعذر المسح بظاهر الكف كباطنه ، إما لأنه فاقد اليد ولا يد له ، أو له يد إلاّ أن ظاهرها كباطنها في عدم التمكّن من المسح به ، لوجود قرحة أو غيرها من الموانع في كل منهما ، مسح بذراعه حينئذ ، وقد حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) أنه جعل الحكم بالمسح بالذراع أقوى (4) ولم يذكر في هذه المسألة أن الحكم مقطوع به كما ذكره في المسألة الاُولى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم أنه لابدّ من أخذها من خصوص بلّة اللحية الداخلة في حدّ الوجه ، وبذلك يظهر الحال في بقية المسألة .

(2) على الأحوط لزوماً .

(3) ، (4) المدارك 1 : 212 .

ــ[186]ــ

   وهناك مسألة ثالثة ، وهي ما إذا كان عدم التمكن من المسح بالباطن مستنداً إلى يبوسته وارتفاع الرطوبة عنه ولم يمكن نقلها إليه من سائر المواضع ، ولا بدّ حينئذ من الحكم ببطلان وضوئه ووجوب الاعادة في حقه فهذه مسائل ثلاث :

   أمّا المسألة الثالثة : فالوجه فيها في الحكم بالبطلان ووجوب الاعادة ، هو أن عجز المكلف عن المسح ببلّة الباطن إنما يختص بهذا الفرد الذي أتى به ، والمفروض أنه يتمكن من المسح ببلّة الباطن في غيره من أفراد الوضوء ، لعدم عجزه عن تحصيل ذلك في الطبيعي المأمور  به ، ومعه لا بدّ من الحكم ببطلان الفرد المأتي به ووجوب الاعادة في ضمن فرد آخر لا محالة .

   وأمّا المسألة الاُولى ، فالحق فيها هو الذي حكم به الماتن (قدس سره) وجعله في المدارك مقطوعاً به ، وذلك لا لأجل قاعدة الميسور التي ناقشنا في سندها ودلالتها في محله ، ولا لدعوى التسالم على جريان القاعدة في خصوص المقام ، لأن دون إثبات ذلك خرط القتاد ، ولا لأصالة الاحتياط ، لما مر غير مرة من أن الأصل عند الشك في اعتبار شيء زائد في الوضوء إنما هو البراءة دون الاحتياط ، بل الوجه في ذلك أن الحكم بوجوب كون المسح بباطن الكف لم يرد في شيء من الأخبار المتقدمة ، بل إن مقتضى إطلاق الآية المباركة والروايات عدم اعتبار كون المسح بالكف ، وإنما قلنا باعتباره من جهة ما استفدناه من الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية ، وحاصل ذلك :

   أن الرواة لم ينقلوا في رواياتهم خصوصية مسح الامام (عليه السلام) وأنه كان يمسح بغير باطن الكف ، مع أنهم (عليهم السلام) لو كانوا مسحوا بظاهر الكف لوجب على الرواة ونقلة الآثار أن ينقلوا تلك الخصوصية ، لأنها خصوصية زائدة غير متعارفة ، ومثلها يحتاج إلى عناية لا محالة ، ونقل ذلك أمر لازم على الرواة ، فمن سكوتهم عن نقل تلك الخصوصية يستكشف أن مسحهم (عليهم السلام) قد كان على النحو المتعارف الدارج عندنا ، وهو المسح بباطن الكف ، والأمر المتعارف العادي لا يحتاج إلى النقل .

ــ[187]ــ

   وعلى ذلك يندرج المقام في كبرى كلية تعرضنا لتفصيلها في بحث الاُصول ، وهي أنه إذا كان لدليل المطلق إطلاق ولم يكن لدليل التقييد ذلك ، كما إذا كان المقيد هو السيرة والاجماع ونحوهما من الاُمور اللبية التي لا إطلاق لها ، فعند الشك في سعة التقييد وضيقه لا بدّ من الأخذ باطلاق دليل المطلق(1) وبما أن الأخبار الآمرة بمسح الرأس والرجلين باليد مطلقة وغير مقيدة بأن يكون بباطن الكف ، ودليل التقييد بالباطن لبي لا إطلاق له لأنه أمر استفدناه من فعلهم (عليهم السلام) وهو كالسيرة والاجماع مما لا إطلاق له ، فلا مناص من الاقتصار في التقييد بالقدر المتيقن وهو صورة التمكن من المسح بباطن الكف ، وفي غير تلك الصورة يرجع إلى إطلاق الدليل الذي دلنا على لزوم كون المسح باليد كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ...» (2) ومقتضى إطلاقها كفاية المسح بكل من ظاهر الكف وباطنه ، لصحة إطلاق اليد عليهما حقيقة .

   وأمّا المسألة الثانية ، فالتحقيق فيها هو الذي ذكره الماتن (قدس سره) وجعله صاحب المدارك أقوى حسب ما ينقل عنه (قدس سره) والسر في ذلك هو أ نّا إنما قيدنا المطلقات الآمرة بمسح الرأس والرجلين بأن يكون المسح باليد أي بما دون الزند ، للأخبار الواردة في الوضوءات البيانية من أنه (عليه السلام) يمسح رأسه ورجليه بيده وذلك لوجوه ثلاثة :

   الأوّل : أن اليد وإن كان لها إطلاقات متعددة إلاّ أن الظاهر منها عند إطلاقها في مقابل الذراع إنما هو ما دون الزند ، وقد ذكرت كلمة اليد في الأخبار المذكورة في مقابل الذراع (3) وهو قرينة على إرادة ما دون الزند من اليد .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أشار إلى ذلك في موارد منها في مصباح الاُصول 2 : 463 .

(2) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 .

(3) كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) « ... ثم أخذ كفاً آخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن ، ثم أخذ كفاً آخر فغسل به ذراعه الأيسر ، ثم  مسح رأسه ورجليه بما بقي في يديه» المروية في الوسائل 1 : 391 / أبواب الوضوء ب 15 ح 7 .

ــ[188]ــ

   الثاني : ما ورد في بعض تلك الأخبار ـ وهو روايتان ـ أنه مسح بكفه رأسه ورجليه (1) ولا يطلق الكف إلاّ على ما دون الزند ، وحيث إن الروايات المذكورة كلها تحكي عن أمر واحد وهو فعله (عليه السلام) ووضوءه في الخارج ، فيعلم منها أن المراد باليد في بقية الروايات أيضاً هو ما دون الزند أعني الكف .

   الثالث : مناسبة الحكم والموضوع ، لأن لفظة اليد وإن صح إطلاقها على ما دون الزند تارة وعلى ما دون المرفق ثانياً وعلى ما دون المنكب ثالثاً ، غير أن المحمولات المترتبة عليها ربما تعيّن المراد منها بحسب المناسبات وهي تختلف باختلاف ما يحمل عليها لا محالة ، فاذا قيل : قطعت يد فلان فلا يظهر من ذلك أنها قطعت من أي موضع منها ، فهل إنها قطعت مما دون الزند أو ما دون المرفق أو ما دون المنكب ، إذ القطع يناسب الجميع ، إذن فهي مجملة كحالها قبل حمل القطع عليها . ولكن إذا قيل : كتبت بيدي أو ضربت أو مسحت بها ، يتعيّن أن يكون المراد بها خصوص ما دون الزند ، لعدم مناسبة المحمولات المذكورة لغيره من معاني اليد ، وهذا ظاهر .

   فبهذه الوجوه الثلاثة قيدنا الاطلاقات الآمرة بمسح الرأس والرجلين ، غير أنها إنما تقتضي تقييدها بما دون الزند فيما إذا أمكن المسح باليد أي بما دون الزند ، ولا دلالة لها على القيدية المطلقة في كلتا حالتي التمكن والاضطرار حتى يوجب سقوط الأمر بالمسح عند عدم التمكّن من المسح بما دون الزند . وعلى الجملة أنها إنما تقتضي القيدية في حالة التمكّن من المسح بما دون الزند فحسب، وذلك لأن الأخبار البيانية إنما تحكي عن فعل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعني مسحه بما دون الزند ، ولكنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان واجد اليد ـ أي ما دون الزند ـ ومتمكناً من المسح به ، ولا إشكال في أن المسح به هو المتعيّن وقتئذ ، ولا دلالة لفعله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحتي زرارة وبكير المرويتين في الوسائل 1 : 388 / أبواب الوضوء ب 15 ح 3 ، 11 .

ــ[189]ــ

على أنه قيد معتبر مطلقاً ولو عند عدم التمكن من المسح بما دون الزند ، لعدم اليد أصلاً أو لوجود قرحة فيها أو لمانع آخر .

   وحمل المسح عليها وإن كان يقتضي إرادة ما دون الزند منها ، إلاّ أنه يختص بمن كان له ما دون الزند وكان متمكناً من المسح بها ، وأما من لا يدله أعني ما دون الزند فقوله : مسحت بيدي لا يناسب إرادة ما دون الزند بوجه . وعليه فاطلاق الأخبار والآية المباركة في حق من لا يد له ، أو له يد ولا يتمكّن من المسح بما دون زنده باق بحاله ، فيدلنا على إرادة المسح بذراعه حينئذ ، فالتقييد بخصوص ما دون الزند إنما هو فيما إذا تمكن من المسح به .

   وعليه فما جعله صاحب المدارك أقوى وذهب إليه الماتن (قدس سره) من تعيّن المسح بالذراع عند عدم التمكن من المسح بما دون الزند هو الصحيح ، إلاّ أن ظهور الحكم في هذه المسألة ليس بمثابة ظهوره في المسألة الاُولى المتقدمة ، ومن هنا ذكر (قدس سره) أن الحكم هناك مقطوع به وأما هنا فقد جعله أقوى حسبما حكي عنه .

   وليس مستند الحكم هنا وهناك قاعدة الميسور أو أصالة الاحتياط لتكون المسألتان من واد واحد ، ويستشكل على صاحب المدارك بعدم ظهور الفرق بين المسألتين ، فلماذا جعل الحكم في أحدهما مقطوعاً به دون الاُخرى ، وذلك لأن المستند في كلتا المسألتين وإن كان هو الرجوع إلى المطلقات والتمسك باطلاق دليل المطلق في غير المقدار المتيقن من دليل المقيد لعدم إطلاق دليل التقييد ، إلاّ أن بينهما فرقاً من جهة أن المطلقات في المسألة الاُولى مما لا خدشة فيه لقوله (عليه السلام) «وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك» (1) وغيرها من الأخبار الآمرة بالمسح باليد التي قيدناها بخصوص باطن الكف في صورة التمكن من المسح بالباطن ، وأما المطلقات في هذه المسألة أعني الآية المباركة والأخبار الآمرة بمسح الرأس والرجلين المقيدتين بما دون الزند بمقتضى الوجوه المتقدمة فهي محل إشكال وكلام ، ولم يثبت على وجه الجزم والتأكيد ، لما مر وعرفت من أن المطلقات المذكورة يدور أمرها بين احتمالات ثلاثة :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 387 / أبواب الوضوء ب 15 ح 2 .

ــ[190]ــ

   أحدها : أن يقال باهمالها وعدم كونها في مقام البيان من هذه الناحية .

   ثانيها : أن يقال إنها تنصرف إلى المسح المتعارف وهو المسح بما دون الزند .

   ثالثها : أن يقال إنها في مقام البيان فهي مطلقة وتدل على كفاية المسح ببلّة الوضوء ولو كان بواسطة الأجسام الخارجية ، كما إذا جعل الخشبة مبلّلة ببلّة الوضوء ومسح بها رأسه ورجليه ، فأمرها يدور بين تلك الاحتمالات ولا إطلاق لها على التقديرين الأوّلين ، وإنما يثبت لها الاطلاق على الاحتمال الثالث فقط ، ونحن وإن قوينا إطلاقها والتزمنا بكونها مطلقة ، إلاّ أنه محل الكلام والنزاع ، وهذا بخلاف الاطلاق في المسألة الاُولى ، لأنه مما لا كلام في ثبوته كما مر ، ومن هنا ذكرنا أن تعيين المسح بالذراع أقوى كما حكي عن صاحب المدارك (قدس سره) .

   وأما الحكم في المسألة الاُولى ، فهو كما قدّمـناه مقطوع به بحسب مقام الاثبات ولعل هذا هو الذي دعى صاحب المدارك (قدس سره) إلى جعل الحكم في المقام أقوى كما حكي ، أو أنه (قدس سره) لا يرى ثبوت الاطلاق لتلك المطلقات باختيار أحد المحتملين الأولين ويتمسك بقاعدة الاشتغال كما هو الحال عند عدم الاطلاق لدليلي المطلق والمقيد ، بناء على أن المقام من موارد التمسك بقاعدة الاشتغال دون البراءة ، وهذا بخلاف المسألة المتقدمة ، فان الاطلاقات فيها هي المحكمة ولا تصل النوبة فيها إلى الأصل العملي ليختار أصالة الاشتغال ، ونحن وإن قوينا الاطلاق في المقام أيضاً ولم نراجع أصالة الاشتغال ، لأن المورد من موارد البراءة ، إلاّ أن ظهور الحكم في هذه المسألة ليس بمثابة ظهوره في تلك المسألة ، فما نسب إلى صاحب المدارك (قدس سره) من ذهابه إلى الفرق بين المسألتين هو الصحيح .

   هذا كله بناء على صحة الحكاية المتقدمة عن صاحب المدارك (قدس سره) وأنه فصّل بين المسألتين المتقدمتين بجعل الحكم في الاُولى مقطوعاً به وفي الثانية أقوى ولكننا راجعنا المدارك في تلك المسألة وظهر أن ما حكي عنه في المسألة الاُولى من جعله وجوب المسح بظاهر اليد قطعياً صحيح ومطابق لما في المدارك ، وأما ما حكي عنه في المسألة الثانية من جعله المسح بالذراع أقوى فهو غير موجود في المدارك




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net