المانع الأوّل الكفر‌ 

الكتاب : محاضرات في المواريث   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6519

محاضرات في المواريث؛ ص: 123

الفصل الثاني: موانع الإرث

تقدّم الكلام في موجبات الإرث إجمالا و أن ما يوجب الإرث إمّا سبب و إمّا نسب.

و الآن يقع الكلام في موانع الإرث، يعني إذا كان الموجب للإرث موجودا من البنوّة أو الأبوّة أو الزّوجية للميت و كان هنا مانع من الإرث فإن الموجب لا يؤثر أثره فلا يرث الوارث عند وجود المانع، فالموجب إنّما يؤثر أثره فيما إذا لم يكن هناك مانع و إذا وجد المانع فلا أثر للموجب.

و الموانع عدّة أمور‌

محاضرات في المواريث، ص: 125‌

المانع الأوّل الكفر

و الكلام فيه يقع في مسائل:

فتارة يكون الميّت مسلما، و اخرى يكون كافرا، و على الثاني فإمّا أن يكون الكافر كافرا أصليا، و إمّا أن يكون مرتدا.

و المرتد إمّا أن يكون ملّيا، و إمّا أن يكون فطريا.

فهنا أربع مسائل:

المسألة الأولى: في إرث الكافر من المسلم.

إذا كان الميت مسلما فلا يرثه الكافر، و لو كان من الطبقة الاولى.

فلو فرضنا أن الميت مسلم و لكن ابنه كافر و للابن ابن مسلم، أو له أخ مسلم أو ابن عم مسلم في الطبقات المتأخرة فالمسلم الأبعد يرث و يحجب الكافر الذي هو أقرب منه إلى الميّت، و ذلك للنصوص [1] التي لا يبعد القول بتواترها في أن الكافر لا يرث، و في بعضها: «أهل ملّتين لا يتوارثان» [2] فالكافر لا يرث من مسلم‌

______________________________
[1] راجع الوسائل 26: 11 و ما بعدها باب 1 من أبواب موانع الإرث فالأحاديث مذكورة في ذلك الباب نذكر منها الحديث الثاني عن الحسن بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المسلم و لا يرثه» و غير ذلك من الروايات المتضافرة الدالة على ذلك.

[2] فعن جميل و هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال فيما روى الناس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «لا يتوارث أهل

محاضرات في المواريث، ص: 126‌

و لو كان قريبا منه و يرثه المسلم و لو كان بعيدا عنه.

و الحكم متفق عليه بين المسلمين من الخاصة و العامّة، لا خلاف في هذه المسألة.

فلو فرضنا أنّه لا يوجد وارث مسلم في جميع الطبقات ينتقل الإرث إلى الإمام عليه السّلام فيكون من ميراث من لا وارث له بالرغم من وجود القريب الكافر.

فهذه المسألة مما لا إشكال فيها و قد دلّت الروايات الكثيرة على ذلك.

المسألة الثانية: في إرث المسلم من الكافر.

و أمّا إذا كان الميت كافرا و الوارث مسلما فالمسألة محل خلاف بيننا و بين العامّة:

فذهب العامّة إلى أن المسلم أيضا لا يرث الكافر و استدلوا على ذلك بالنبويّ:

«أهل ملتين لا يتوارثان».

فالنتيجة على رأيهم أن الكافر لا يرث المسلم، و المسلم لا يرث الكافر، فليس هنا توارث من الجانبين [1].

و لكن رواياتنا مستفيضة في أن المسلم يرث الكافر و أنّ الإسلام لم يزده إلّا عزا و شرفا. [2]

______________________________
ملتين، قال: نرثهم و لا يرثونا إن الإسلام لم يزده في حقّه إلّا شدّة» و في رواية اخرى «إن الإسلام لم يزده إلّا عزّا في حقّه». نفس المصدر السابق، 26: 13 و 15، ح 6 و 14 و 17 كلّها بهذا المضمون».

[1] راجع المعاني البديعة 2: 177. و السنن الكبرى للنسائي 4: 80- 82. و الجامع الكبير للترمذي 3: 609- 611. و تحفة الأحوذي 6: ح 2189، و غيرها من الكتب الفقهيّة السنيّة.

[2] الوسائل 26: 13 باب 1 من أبواب موانع الإرث، فقد وردت في هذا الباب روايات بهذا المضمون نذكر منها ح 6: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يتوارث أهل ملتين نحن نرثهم و لا يرثونا إن اللّه عزّ و جلّ لم يزدنا بالإسلام إلّا عزّا».

محاضرات في المواريث، ص: 127‌

فهم ملتزمون بأنّ الكافر يرث من الكافر، و هنا قالوا: بأنّ المسلم لا يرث من الكافر، فيلزم من ذلك أن يكون الإسلام مانعا من الإرث و الحال أنّ الكفر ليس بمانع، و هو لازم فاسد، لأن الإسلام لم يزده إلّا عزّا و شرفا، و أمّا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أهل ملتين لا يتوارثان» فهو و إن كان نفي للتوارث من الجانبين إلّا أن الروايات المعتبرة دلّت على أن المراد منه نفي الإرث من جانب واحد لا نفي الإرث من كلّ جانب، فإرث المسلم من الكافر غير منفي، فلو مات الكافر يرثه المسلم و لو كان بعيدا، فلو كان له ابن كافر، و ابن ابن مسلم، أو أخ مسلم، أو ابن عمّ، أو عم مسلم، فهل يحجب المسلم الكافر فيكون الإرث للمسلم؟ أو أن الكافر يتقدّم عليه؟ صرح أصحابنا بأن المسلم يحجب فيكون الإرث له خاصة و إن كان بعيدا و كان الوارث الكافر قريبا.

و قد دلّت على ذلك غير واحد من الروايات: رواية حسن بن صالح «1»، و المرفوعة، و رواية عبد الرحمن بن أعين «2» التي يأتي الكلام فيها قريبا إن شاء اللّه تعالى.

لكن هذه الروايات كلّها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها و الاستدلال بها.

و العمدة في ذلك بعد الإجماع المحقّق- على ما ذكروه- ما دل من الروايات على أن الكافر إذا أسلم قبل القسمة فالميراث له، [1] و إن أسلم بعد القسمة فلا حق له.

______________________________
[1] الوسائل 26: 20 باب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1. عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مسلم مات و له أمّ نصرانية و له زوجة و ولد مسلمون، فقال: «إن أسلمت أمه قبل أن يقسّم ميراثه

______________________________
(1) الوسائل 26: 12 باب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 2.

(2) نفس المصدر 26: 12 باب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 4.

محاضرات في المواريث، ص: 128‌

و الروايات الواردة في الإسلام قبل القسمة على قسمين: فمنها ما دلّ على أنّه إذا أسلم قبل القسمة فله ميراثه، «1» فليس في هذا القسم من الروايات دلالة على الحجب، و لا على عدمه بل له ميراثه، يفرض أنّه وارث فيأخذ ميراثه، فإن كان معه شريك يأخذ حصته، و إن لم يكن معه شريك يأخذ تمام المال.

و القسم الآخر من هذه الروايات «2» قال فيها عليه السّلام: «إن أسلم قبل القسمة فله الميراث- الميراث كله له- و إن أسلم بعد القسمة فلا حق له».

فالمفروض في هذه الرواية أن الميت مسلم و كان له أولاد كفرة أو ولد واحد كافر و له أخوة مسلمون- و كلامنا كما ذكرنا في الكافر الأصلي- ففي مثل ذلك بما أن الكافر و هو ولد المسلم لا يرثه- كما تقدّم- فطبعا يكون الوارث هم الأخوة الذين هم في الطبقة الثانية، يعني الكافر في الطبقة الأولى و المسلمون في الطبقة الثانية، ففي مثل ذلك إذا أسلم الولد الكافر قبل القسمة فتمام المال له لأنّه في الطبقة الاولى فيحجب الأخوة، و إن أسلم بعد القسمة فليس له أي شي‌ء انتقل المال إلى أخوة الميت لأنّه عند قسمة المال كان باقيا على كفره.

و لكن هذا الفرض نادر جدا أي وجود كافر أصلي أسلم هو و أخوته، و ابنه لم‌

______________________________
اعطيت السدس»، قلت: فإن لم يكن له امراة و لا ولد و لا وارث له سهم في الكتاب مسلمين و له قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت أمه فإن ميراثه لها، و إن لم تسلم أمّه و أسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام».

______________________________
(1) الوسائل 26: 21 ب 3 من أبواب موانع الإرث ح 2 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسّم فله ميراثه، فإن أسلم و قد قسّم فلا ميراث له».

(2) الوسائل 26: 22 عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يسلم على الميراث قال: «إن كان قسّم فلا حقّ له، و إن كان لم يقسّم فله الميراث».

محاضرات في المواريث، ص: 129‌

يسلم و بقي على كفره، و هكذا كلّ ما كان المقدّم في الإرث كافرا و المؤخر مسلما، كما إذا فرضنا أن للميت ولدا كافرا و أولاد أولاد مسلمين. هذا الفرض لعله بعيد الوجود أو أنّه لم يتحقّق، و أمّا إذا كان الميت كافرا فهذا كثير الوجود يموت الكافر و جميع أقربائه كفرة من يتقرب إليه مع الواسطة أو بدون واسطة كلهم كفرة، ففي مثل هذه الصّورة إذا أسلم من في الطبقة المتأخرة كأخيه مثلا أو ابن ابنه إذا أسلم قبل القسمة فيكون تمام المال له، و إذا أسلم بعد القسمة ليس له أي شي‌ء، لأنه في الطبقة المتأخرة، و هذا كثير الوجود، و شمول الرواية المعتبرة لمثل هذا الفرض لعله هو المتيقن.

فإذا تدلنا هذه الصحيحة على أن من أسلم في الطبقة المتأخرة و كان الورثة في المرتبة السابقة كلّهم كفرة يكون الإرث بتمامه له، و إن لم يسلم حتّى قسم المال لم يكن له أي شي‌ء، فإذا كان الإسلام قبل القسمة أوجب أن يكون تمام المال له، فإذا فرضنا أنه كان مسلما من الأوّل فيكون تمام المال له بطريق أولى.

نعم إطلاق هذه الرواية يشمل ما إذا كان في طبقة قبله مسلم أيضا أو كان في طبقته أيضا مسلم فيكون المال مشتركا بينهما، أو يكون المال لمن تقدّم.

و هذا الإطلاق من هذه الجهة نقيده بأدلة اخرى و أن المسلم في طبقة سابقة يتقدّم على المسلم في طبقة لاحقة و يحجبه، و إذا كان مساويا له في الطبقة يقسم المال بينهما، فإطلاق الرواية من هذه الجهة لا بدّ من رفع اليد عنه.

و أمّا إذا كان السابق عليه في الطبقة كافرا نأخذ بإطلاقه، و مقتضى الإطلاق أن يحجب المسلم الكافر و يكون المسلم هو الوارث و إن كان بعيدا.

و هذا الحكم متسالم عليه بينهم و هو الصحيح.

محاضرات في المواريث، ص: 130‌

أمّا إذا فرضنا أن الكافر ليس له أي وارث مسلم لا قريب و لا بعيد و لم يسلم بعد موته أحد من ورثته قبل القسمة، فلمن يكون الميراث؟

لا شكّ في أن الميراث يكون لورثته الكفار فيقسم المال بين ورثته الكفار و لا ينتهي الأمر إلى الإمام عليه السّلام بدعوى أن الإمام وارث مسلم يحجب الورثة الكفار، فإن الوارث المسلم الذي يكون حاجبا هو غير الإمام، و أمّا الإمام فهو وارث من لا وارث له، فموضوعه (من لا وارث له) و هذا له وارث: أولاده، إخوانه، أبناء عمه، مقتضى الإطلاق في الآية المباركة أن الإنسان إذا مات فتركته تكون لأولي الأرحام و بعضهم أولى ببعض، للرجال نصيب و للنساء نصيب، إطلاق الآية المباركة شامل للكفار أيضا، فهو له وارث و لا تصل النوبة إلى الإمام.

على أنّه لو كان وارثه الإمام فأي مورد يوجد لإرث النصارى أو اليهود أو المجوس الوارد في الروايات؟!- و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى- بأن الإرث كيف يقسّم بين المجوس، و أن النصارى يرث بعضهم بعضا- كما في المعتبرة «1»- و أنّه لأولاده الكفار، فلو فرضنا أن الكافر لا يرث حتّى من الكافر، و أن الإرث ينتقل إلى الإمام فلا يبقى مورد لإرث الكفار مع أنّه موجود في الروايات صريحا.

و مع قطع النظر عن ذلك أيضا فإنّه يكفينا في ذلك السيرة القطعيّة من زمان الأئمّة عليهم السّلام إلى زماننا، فقد كان كثير من النصارى و اليهود و المجوس يعيشون في بلاد الإسلام في زمن الأئمّة عليهم السّلام و فيما بعد زمانهم فأي كافر أخذ ماله بعد موته و ألحق ببيت المال؟ أو أخذه الإمام عليه السّلام؟ لا يوجد ذلك أبدا.

______________________________
(1) الوسائل 26: 25 باب 5 من أبواب موانع الإرث ح 3: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في يهودي أو نصراني يموت و له أولاد غير مسلمين فقال: «هم على مواريثهم».

محاضرات في المواريث، ص: 131‌

فلا شكّ في أن الكافر إذا مات و ليس له وارث مسلم يقسّم ماله بين ورثته الكفار و لا تصل النوبة إلى الإمام.

نتيجة البحث:

1- أن الكافر بأقسامه لا يرث المسلم فلو مات مسلم يرثه المسلم و لو كان بعيدا، فإن لم يكن له وارث مسلم ينتقل إرثه إلى الإمام عليه السّلام لأنّه وارث من لا وارث له.

2- أن الكافر إذا مات و كان له وارث مسلم يكون الإرث للمسلم و يحجب من تقدّمه في الطبقة من الكفار، فابن الابن يتقدّم على الابن إذا كان ابن الابن مسلما و كان أبوه كافرا. و هذا أيضا ممّا لا إشكال فيه.

3- إذا لم يكن للكافر وارث مسلم من أي من الطبقات بعيدا أو قريبا كان إرثه لورثته الكفار على ما نطقت به الأخبار في كيفية تقسيم ميراث المجوس، أو النصارى فيرث بعضهم بعضا و قد جرت عليه السيرة في زمانهم عليهم السّلام- و هذا أيضا ممّا لا إشكال فيه- فلا ينتقل إرثه إلى الإمام بل ينتقل إلى ورثته الكفار.

محاضرات في المواريث، ص: 133‌

بحث عن المرتد و ما يترتّب على الارتداد من الأحكام

محاضرات في المواريث، ص: 135‌

أحكام المرتد إذا مات المرتد فهل يكون حكم إرثه كغيره من الكفار؟

أو أن المال ينتقل إلى الإمام عليه السّلام؟

الكافر إمّا أن يكون كافرا أصليا، أو أن يكون كفره بالارتداد بعد الإسلام:

أمّا الكافر الأصلي فقد تقدم الكلام فيه و بيّنا أحكامه.

و أمّا الكافر بالارتداد فهو على قسمين:

1- مرتد فطري.

2- مرتد ملّي.

فالأوّل: هو من تولد على الإسلام و بعد بلوغه ارتد إلى الكفر، و يسمّى (المرتد الفطري).

و الثاني: هو من يولد على الكفر، ثمّ يسلم و بعد إسلامه يرتدّ إلى الكفر، و يسمّى (المرتد الملّي).

ذكر غير واحد الإجماع على أن المرتد الفطري لا يرثه ورثته الكفّار، فإن كان له وارث مسلم ورثه و إلّا فينتقل إرثه إلى الإمام عليه السّلام فهو يفترق في هذا عن سائر الكفّار.

و كذلك الحال في المرتد الملّي على ما هو المشهور بينهم شهرة عظيمة- على ما‌

محاضرات في المواريث، ص: 136‌

ذكره في الجواهر و غيره «1» أن الشهرة عظيمة- بأن المرتد الملّي أيضا لا يرثه الكافر، فإن كان مسلم في ورثته فهو، و إلّا فتنتقل تركته إلى الإمام عليه السّلام.

و نتكلّم في كلّ منهما مفصلا:

الكلام في إرث المرتد الملّي المسألة الثالثة: في إرث المرتد الملّي.

ذهب المشهور إلى أن المرتد الملّي مستثنى من بقية الكفار، فلا يرثه وارثه الكافر بل ينتقل ماله بعد موته إلى الإمام عليه السّلام إن لم يكن له وارث مسلم و لو بعيدا، بل ادعي الإجماع على أنّه ينتقل ماله إلى الإمام بخلاف الكافر الأصلي.

نسب الخلاف في هذه المسألة إلى الشيخ الصدوق قدّس سرّه في (المقنع). «2» و في (من لا يحضره الفقيه)، «3» و إلى الشيخ قدّس سرّه في كتابيه، «4» و أختاره بعض المتأخرين- و هو‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 17.

(2) راجع المقنع: 179، قال قدّس سرّه: (و النصراني إذا أسلم ثمّ رجع إلى النصرانية ثمّ مات فميراثه لولده النصراني).

(3) فقد روى الصدوق في الفقيه 4: 299، باب 171 ميراث أهل الملل، ح 14، عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: قلت لأبي عبد اللّه عبد اللّه عليه السّلام: نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة، ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى، و مسلم تنصّر ثمّ مات، قال: ميراثه لولده المسلمين».

(4) الشيخ الطوسي قدّس سرّه روى الحديث الذي ذكرناه في الهامش 3 في كتابيه إلّا أنّه مع الواسطة قال: «عن إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام» و قد علق عليه في الاستبصار بقوله:

(فالوجه في هذا الخبر أن ميراث النصراني إنّما يكون لولده النصارى إذا لم يكن له ولد مسلمون ..) و قد رواه في التهذيب بعينه بدون تعليق راجع الاستبصار 4: 266 باب 110، ح 19، و التهذيب 9:

320، باب 40، ح 15.

محاضرات في المواريث، ص: 137‌

صاحب المستند- اختار أنّه يرثه ورثته الكفار و لا ينتقل إرثه إلى الإمام، قال: (إن ما ذهب إليه في المقنع هو الأقوى). «1»

الظاهر أن هذا القول هو الصحيح إذ لا دليل على استثناء المرتد عن سائر الكفار، و الإجماع المدعى لم يثبت، فلا بدّ من أن يكون إرثه لورثته الكفار تمسكا بإطلاق الآية المباركة و أن تركة الميت تقسم بين ورثته، فالآية المباركة بإطلاقها شاملة لكل ميت سواء كان مسلما أم كان كافرا، و الكافر مطلق أعم من أن يكون كفره أصليّا أم بالارتداد، خرجنا من ذلك بما إذا كان للكافر وارث مسلم فقدّمناه على غيره للنصوص- كما تقدّم- و قلنا إن المسلم يتقدّم على من في طبقته و من هو في طبقة سابقة عليه، فلو كان أخوان أحدهما مسلم و الآخر كافر فالمسلم يرث أباه و الكافر لا يرث أباه، و كذا إذا كان المسلم في مرتبة متأخرة.

فخرجنا عن إطلاق الآية المباركة بالروايات المقيّدة الدالة على تقديم المسلم على غيره.

و أمّا غير ذلك كما إذا لم يكن له وارث مسلم فمقتضى إطلاق الآية المباركة أن الإرث للأقربين الأقرب فالأقرب بلا فرق بين أن يكون الميت مسلما أو كافرا، فإطلاق الآية يدلّ على إرث الكافر مرتدا كان أم غيره و لا بدّ للخروج عن الإطلاق من دليل، و ليس لدينا أي نصّ قوي أو ضعيف مسند أو مرسل يدلّ على خروج المرتد عن ذلك.

______________________________
(1) قال في مستند الشيعة: 19: 26 و 29، (و صريح المقنع كظاهر الفقيه و الاستبصار أن ميراثه للكافر إن ارتد عن ملّة .. ثمّ بعد كلام طويل قال: و قول المقنع لا يخلو عندي من قوّة و اللّه العالم. ثمّ قال: و مع ذلك مظنّة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة و اللّه العالم) و هو إنّما يدلّ على تردده لا أنّه اختار هذا الرأى كما ذكر سيّدنا الأستاذ.

محاضرات في المواريث، ص: 138‌

مضافا إلى ما قدّمناه من عدم ثبوت الإجماع، بل لعلّ ظاهر الحدائق أنّه أيضا لم يلتزم به.

و قد استدلّوا على التقييد و الخروج عن الإطلاق بوجوه ضعيفة و بعضها من الضعف بمرحلة غير قابلة للذكر، و نتعرض لبعضها:

منها: ما ذكره في الجواهر من أن المرتد متحرّم بالإسلام و لذا لا يجوز استرقاقه و لا يجوز نكاحه. «1»

و هذا الوجه لا يخرج عن القياس، فلو فرضنا أن الأمر ثابت كما ذكر من عدم جواز نكاح المرتد و استرقاقه فإن هذا لم يثبت من جهة التحرّم بالإسلام، بل هو قياس على تقدير الثبوت مع أنّه قياس مع الفارق، فإن مسألة الاسترقاق أو مسألة النكاح إنّما تكون في مورد قابل للبقاء و المرتد محكوم بالقتل فورا- إذا كان فطريا- و بالاستتابة ثلاثة أيام- إذا كان ملّيا- فإذا فرضنا أنّه لا يجوز نكاحه أو استرقاقه كيف نتعدّى إلى الإرث فنقول إنّه لا يرثه الكافر لتحرّمه بالإسلام، فالفارق في المقام موجود.

و أمّا عدم جواز نكاح المسلم للمرتدّة، و عدم جواز نكاح المرتد للمسلمة فوجهه واضح:

فإن نكاح الكافرة ممنوع قال تعالى وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «2» فلا يجوز نكاح الكافرة على الإطلاق بحسب هذه الآية المباركة خرجنا عن ذلك في الكتابيات و قلنا إنّه يجوز نكاحهنّ متعة، بل دواما أيضا على الأظهر- و إن كان خلاف المشهور- و أمّا غير الكتابيات فلا يجوز نكاحهن لأن نكاح الكافرة ممنوع‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 17.

(2) الممتحنة: 10.

محاضرات في المواريث، ص: 139‌

كما دلّت عليه الآية المباركة.

و المرتد أيضا لا يجوز أن ينكح المسلمة لأن نكاح المسلمة من الكافر غير جائز على الإطلاق، فعدم جواز تزويجه بالمسلمة لا ربط له بالمقام إذ أنّه لا يختص بالمرتد، بل لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر مطلقا.

و أمّا عدم جواز تزويجه بالكتابية متعة أو دواما فلا يظهر له أي وجه، فإن المسلم يجوز له أن يتزوج بالكتابية متعة أو دواما فلا يظهر له أي وجه، فإن المسلم يجوز له أن يتزوج بالكتابية متعة بلا إشكال، و دواما على خلاف و الأظهر عندنا الجواز، فإذا كان المسلم يجوز له التزويج بالكتابية فكيف لا يجوز للمرتد لتحرّمه بالإسلام؟!.

و أمّا غير الكتابية كالوثنية و المشركة و غيرهما فلم يدلّ دليل على عدم الجواز، فحال المرتد حال سائر الكفرة.

و أمّا مسألة عدم جواز الاسترقاق فإنّه ليس لتحرمه بالإسلام بل لأنّ الاسترقاق على خلاف الأصل، فمالكية إنسان لإنسان، بل مالكيته لغير الإنسان أيضا يحتاج إلى دليل، فالأصل في الإنسان هو الحريّة و العبوديّة و الاسترقاق تحتاج إلى دليل، و أدلّة الاسترقاق كلّها في الكافر الأصلي و لم يدلّ دليل على استرقاق غير الكافر الأصلي، فعدم جواز الاسترقاق لعدم المقتضي- على كلام في محله.

إذا ليس لدينا دليل يدلّ على أن المرتد ينتقل إرثه إلى الإمام عليه السّلام، بل إن كان له وارث مسلم فالإرث له، و إلّا فالإرث لورثته الكفار.

فكيف كان هذا قياس و نحن لا نقول به مع وجود الفارق أيضا.

و قد تمسّك بوجوه أضعف من هذا الوجه بكثير فهي غير قابلة للذكر:

منها: التمسّك بالاستصحاب، الأصل أن الوارث الكافر لا يرث من المرتد.

محاضرات في المواريث، ص: 140‌

فلنفرض أن هذا الأصل جار في نفسه كيف يمكن التمسّك به في مقابل الدليل؟

إطلاق الآية المباركة المؤيد بالروايات أيضا أن الكافر يرث الكافر، فهو شامل للمرتد أيضا كيف يمكن الخروج عن الإطلاق بالاستصحاب.

و منها: أن المرتد إذا تاب بعد ذلك يجب عليه قضاء صلاته و صيامه ممّا فاته حال الردّة، فحاله حال المسلم إذا فاتته الصلاة، فيكون ملحقا بالمسلم و لا يلحق بالكافر.

و هذا عجيب منه قدّس سرّه فإن القاعدة تقتضي قضاء ما فات من أي شخص كان كلّ صلاة صلاها إنسان بغير طهور أو لم يصلها أصلا يجب عليه قضاؤها، ورد المخصّص بالنسبة إلى الكافر إذا أسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته حال كفره، و هذا مختصّ بالكافر الأصلي و لا يشمل المرتد، أمّا المشرك أو الكتابي إذا أسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصيام و الصلاة حال كفره، و المرتد غير داخل في هذا المخصّص فيبقى مشمولا للإطلاق.

كيف يمكن التعدّي من هذا الحكم إلى مسألة الإرث مع أنّه خلاف إطلاق الآية المباركة.

و منها: دعوى أن قولهم عليهم السّلام لا يرث الكافر المسلم يشمل المرتد أيضا لأن المرتد كان مسلما- و يصح إطلاق المشتق على ما انقضى عنه المبدأ و لو مجازا- فيصح أن يقال إنه مسلم في حال ارتداده- و إن كان الإطلاق مجازا.

و هذا أيضا غير قابل للذكر، فإن قولهم عليهم السّلام لا يرث الكافر المسلم المقصود المسلم بالفعل و من يكون حين موته مسلما حقيقة، و المرتد كافر حقيقة فلا يشمله مثل ذلك، فيرثه وارثه الكافر هذا.

إلى غير ذلك من الوجوه غير القابلة للذكر.

محاضرات في المواريث، ص: 141‌

فالصحيح: إن هذه الشهرة و إن كانت ثابتة إلّا أنّها لا أساس لها.

و عمدة الوجوه التي اعتمدوها ما ذكره في الجواهر من تحرّمه بالإسلام، و هذا جوابه ما ذكرناه.

النتيجة:

إذا الظاهر أن المرتد الملّي إذا مات و لم يكن له وارث مسلم يرثه ورثته الكفار لإطلاق الآية المباركة مضافا إلى دلالة صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد على ذلك صريحا: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ثمّ مات، قال:

ميراثه لولده النصارى» «1» فهذه الصحيحة واضحة الدلالة على أن أولاده الكفار يرثونه مع أنّه مرتد.

و قد أشكل على هذا غير واحد منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه بأن هذه الصحيحة بإطلاقها تشمل ما إذا كان له أولاد مسلمون أو ولد مسلم أو وارث آخر مسلم فإطلاق قوله «ميراثه لولده النصارى» مخالف للإجماع قطعا و للروايات المتقدّمة.

و الجواب:

أوّلا: نرفع اليد عن الإطلاق، بل يمكن القول أنّها لا إطلاق لها رأسا فلا نحتاج إلى التقييد، و ذلك لأن المفروض أنّه أسلم بعد كونه نصرانيّا فكان مدّة من الزمان نصرانيّا ثمّ أسلم فبطبيعة الحال له أولاد كفار، و لم يذكر أنّه بعد إسلامه ولد له ولد، فهو أسلم ثمّ ارتد يمكن أن يكون ذلك يوما واحدا أو يومين أو شهرا أو سنة واحدة، فلم يفرض أن له ولدا مسلما، فقوله عليه السّلام: «ميراثه لولده النصارى» باعتبار‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 25 باب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 142‌

أن المورد كان كذلك لم يكن له إلّا أولاد كفار، فالرواية في نفسها غير شاملة لما إذا كان له ولد مسلم، فلا إطلاق لها حتّى تقيّد.

فالصحيح: ما ذهب إليه الصدوق و الشيخ في كتابي الأخبار: من أن المرتد الملّي إذا لم يكن له وارث مسلم يرثه ورثته الكفّار و لا تصل النوبة إلى الإمام عليه السّلام لأن الإمام وارث من لا وارث له، و هذا له وارث.

و أمّا استدلالنا بهذه الرواية عن إبراهيم بن عبد الحميد فلم يثبت كونها مسندة إلى الإمام عليه السّلام- كما أشرنا إلى ذلك في المعجم «1»- ففي الرجال في ترجمة إبراهيم بن عبد الحميد موجودة على ما رواه في الفقيه: إبراهيم بن عبد الحميد عن الإمام عليه السّلام بلا واسطة، و على ما في التهذيب في موردين، و في الاستبصار في مورد واحد يرويها عن إبراهيم بن عبد الحميد عن رجل عن الإمام عليه السّلام فهي مرددة بين أن تكون مرسلة و بين أن تكون مسندة.

و لا حاجة لنا إلى الاستدلال بالرواية، فإن القاعدة تقتضي الانتقال إلى ورثته كسائر الكفار إذا لم يكن دليل في المقام على خلافه، و ليس في المقام أي دليل.

و الوجوه التي ذكروها في المقام قلنا إن أكثرها غير قابل للذكر لوضوح ضعفها فلا حاجة إلى الإعادة.

الكلام في إرث المرتد الفطري‌

المسألة الرابعة: في إرث المرتد الفطري.

أمّا المرتد الفطري فقد ادعى الإجماع غير واحد من الأعاظم منهم صاحب‌

______________________________
(1) معجم رجال الحديث 1: 223.

محاضرات في المواريث، ص: 143‌

الجواهر قدّس سرّه و أنّه لا خلاف في أنّه لا يرثه الكافر، فإن كان له وارث مسلم فهو يرثه، و إلّا انتقل إرثه إلى الإمام عليه السّلام. «1»

و هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب بلا خلاف.

الظاهر أن دعوى الإجماع في المقام- و إن صدرت من مثل صاحب الجواهر قدّس سرّه و غيره من الأعلام- فهي دعوى لا ترجع إلى أي محصّل، و لا يمكن دعوى الإجماع في مثل المقام.

بيان ذلك:

إن المرتد الفطري تارة يفرض الكلام في انتقال ماله إلى ورثته قبل موته- فبارتداده يحكم عليه بالموت و هو بمنزلة الميت- فينتقل ماله إلى ورثته، و تبين عنه زوجته، و تعتد عدّة الوفاة، و يقتل و لا تقبل توبته، فلو فرضنا أنّه تاب لا بدّ من قتله.

فبالنسبة إلى أمواله التي ملكها قبل ارتداده حال كونه مسلما قليلة كانت أم كثيرة حكمها كما تقدّم تنتقل إلى ورثته المسلمين لأن الارتداد نزّله منزلة الميت، فهو في نظر الشرع ميت فتنتقل أمواله إلى ورثته المسلمين، لأنّه مسلم قد ارتد و ارتداده بمنزلة الموت فيرثه المسلمون إن كان في ورثته مسلم، و إلّا فإرثه ينتقل إلى الإمام عليه السّلام و لا يرثه أي وارث كافر.

و هذا واضح دلّت عليه النصوص من دون حاجة إلى دعوى الإجماع. فهو خارج عن محل الكلام، لأن مفروض هذا الكلام أن المرتد بعد حيّ لم يمت. و كلامنا‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 17.

محاضرات في المواريث، ص: 144‌

إنّما هو في فرض موت المرتد حقيقة- على ما صرح به في الجواهر و غير الجواهر- يعني بعد موت المرتد من يرثه؟ و ليس الكلام في من يرثه حال حياته، فإن إرثه حال حياته حكمه واضح و خارج عن محل الكلام.

أمّا لو فرضنا أن المرتد الفطري بقي و لم يقتل إمّا لفراره أو لغير ذلك من الموانع- كما في زماننا هذا حيث لا يمكن قتله- فبقي حيّا و اكتسب أموالا ثمّ مات بعد ذلك فمن يرثه بعد موته؟

المشهور بينهم على ما نسب إليهم أن توبته لا تقبل حتّى في غير ما ذكر من الأحكام المتقدّمة، فلا يحكم بطهارته بعد التوبة، و لا يجوز تزويجه بامرأة مسلمة سواء زوجته الاولى أو غيرها من النساء، و لا يملك أي شي‌ء، لأنّه ميّت ليس له أن يتملك ملكا جديدا. هذا ما نسب إلى المشهور.

و خالف في ذلك جماعة فقالوا بأن توبته تقبل في غير الأحكام المذكورة واقعا بينه و بين اللّه تعالى، بل ظاهرا أيضا و يترتب على توبته كلّ ما يترتب على المسلم من الأحكام و إن كان يجب قتله و تبين زوجته، و توزع على الورثة تركته، أمّا غير ذلك من الأحكام فهي تترتب على توبته.

اختار ذلك جماعة من المحققين منهم صاحب العروة قدّس سرّه- على ما تقدّم في كتاب الطهارة- فحكم بأن توبته تقبل واقعا بل ظاهرا، فيترتب على ذلك طهارة بدنه و ملكه لكسبه الجديد و غير ذلك من الأحكام. «1»

و ممن صرح بذلك الشهيد قدّس سرّه في (الروضة) في باب الحدود، فذكر أن الأقوى قبول توبته و أنّه يملك بعد ذلك ملكا جديدا و يحكم بصحة معاملاته، و صحة‌

______________________________
(1) العروة الوثقى: الثامن من فصل المطهرات: 48.

محاضرات في المواريث، ص: 145‌

تزويجه من المسلمة. «1»

و ممن صرح بذلك أيضا المحقّق القمّي في جامع الشتات في موضعين: في الحدود، و في الميراث، ذكر أن الأقوى قبول توبته، و أنّه يملك مالا جديدا و تترتب عليه أحكام الإسلام. «2»

و قد تقدّم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة.

و المقصود هنا التعرض لما نسب إلى المشهور من عدم قبول توبته، و رتبوا على ذلك عدم تملكه لأي شي‌ء و أنّه بحكم الميت، فعلى هذا أي شي‌ء يملك المرتد الفطري ليقال إنّه لا ينتقل إلى ورثته الكفار بل يرثه المسلم، فإن لم يكن في ورثته مسلم انتقل إرثه إلى الإمام عليه السّلام؟! كيف يتحقّق ذلك و المفروض على رأيهم أنّه لا يملك أي شي‌ء و ليس له أن يتملك أي شي‌ء لعدم قبول توبته؟

كيف يمكن دعوى الإجماع على أنّه بعد موته يرثه المسلم و عند عدم وجود مسلم فإرثه للإمام عليه السّلام؟! لا موضوع لهذه الدعوى، و الإجماع التقديري بعيد جدا بأن يقال: لو فرضنا محالا أنّه يملك لا ينتقل إرثه، هذه الدعوى لا تسمع.

فالظاهر- و اللّه العالم- أن مدعي الإجماع قد اشتبه عليه الأمر بين ما يرثه المسلم من المرتد حال ارتداده، و ما يرثه منه بعد موته.

فالذي هو مورد الإجماع و لا خلاف فيه- و هو الصحيح- و الروايات أيضا دالة عليه هو انتقال ماله إلى ورثته حال حياته عند ارتداده فجميع ما يملكه ينتقل‌

______________________________
(1) الروضة 9: 337 و ما بعدها.

(2) جامع الشتات 2: 616 في باب المواريث، و أمّا في الحدود فلم نعثر على شي‌ء دال على ذلك.

محاضرات في المواريث، ص: 146‌

إلى ورثته المسلمين فإن لم يكن له وارث مسلم فإلى الإمام عليه السّلام و لا يرثه كافر، لأن الكافر لا يرث المسلم، و هذا مسلم مات موتا تنزيليّا فصار بحكم الميت الحقيقي.

هذا هو الصحيح المجمع عليه و لا خلاف فيه.

و أمّا بعد تقسيم تركته و جريان أحكام الردّة عليه نفرض أنّه فرّ إلى بلاد الكفار، أو بقي في بلاد المسلمين و لا يمكن قتله، و بعد ذلك تاب و اكتسب مالا جديدا بعد توبته ثمّ مات، فبعد موته من يرثه؟

لا يمكن أن يكون هذا موردا للإجماع، لأنّهم ملتزمون بعدم ملكيته لأي شي‌ء، فكيف يمكن أن يجمعوا على أن ماله ينتقل إلى وارثه المسلم دون الكافر، و إلّا فإلى الإمام عليه السّلام؟! هذا لا موضوع له أصلا لأن ملكيته موقوفة على قبول توبته على ما يراه الجماعة، و إن ناقشنا في ذلك في كتاب الطهارة و قلنا الظاهر أنّه يملك حتّى بعد الارتداد، و لكن المشهور لم يلتزموا بذلك لقولهم بعدم قبول توبته، فمن قال بقبول توبته التزم بأنّه يملك، و أمّا على القول بعدم قبول توبته فما ذا يملك المرتد الفطري حتّى يدّعى بأنّه ينتقل إلى ورثته المسلمين و إلّا فإلى الإمام؟! فالظاهر أن دعوى الإجماع في المقام فيه اشتباه و خلط بين إرثه بعد موته و إرثه حال حياته، و اللّه العالم.

محاضرات في المواريث، ص: 147‌

الكلام في إسلام الوارث قبل القسمة أو بعدها أو حال القسمة

تقدّم الكلام في أنّ الكفر مانع من الإرث، فيكون الإرث للمسلم سواء كان متقدّما في الطبقة على الكافر أم كان مساويا له أم متأخرا عنه.

و قد يفرض أن الوارث المسلم واحدا و قد يفرض أنّه متعدّد.

فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: إذا تعدّد الوارث المسلم

إذا فرضنا أن الوارث المسلم متعدّد و هناك وارث كافر فإن الكفر إنّما يكون مانعا من الإرث بقاء، فإذا فرضنا أنّه حين الموت كان كافرا و لكنه أسلم بعد ذلك قبل القسمة، فيكون تمام المال له إذا كان متقدّما في الطبقة على الورثة المسلمين، و شريكا معهم إذا كان في مرتبتهم.

فلو فرضنا أن الميت المسلم له ولد كافر و له أخوة مسلمون، أو أولاد ابن مسلمون، و قبل أن يقسم المال بين الأخوة، أو بين أولاد الابن أسلم الولد، فبما أنّه متقدّم عليهم رتبة يكون تمام المال له.

محاضرات في المواريث، ص: 148‌

و إذا كان في طبقتهم كما إذا كان للميت أولاد أحدهم كافر و اثنان منهم مسلمون، فالكافر لا يرث إلّا إذا أسلم قبل القسمة، فإذا أسلم قبل القسمة اشترك مع أخويه المسلمين في الإرث.

فالكفر إنّما يكون مانعا من الإرث ببقائه، فلو فرضنا أنّه أسلم بعد موت مورثه قبل قسمة المال بين الورثة المسلمين فإمّا أن يكون المال مختصّا به في فرض تقدّم طبقته عليهم، و إمّا أن يكون مشتركا معهم في فرض مساواته لهم في الطبقة، و قد دلّت على ذلك غير واحد من الروايات من أن الإسلام قبل القسمة بحكم الإسلام حين الموت. «1»

و يتفرع على هذا الكلام في غير ما تركه الميت، كما إذا كان فصل زماني بين موت الميت و قسمة التركة و قد حصل في هذا الفاصل الزماني نماء جديد، فلنفرض بستانا لم يكن فيه ثمر عند موت المورث- مثلا مات في فصل الشتاء- و تأخرت القسمة إلى الصيف فحصل النماء و الثمر ثمّ أسلم الوارث قبل القسمة في طبقتهم أو متقدّما عليهم في الطبقة، فلمن يكون هذا النماء؟ فهل للذي أسلم حقّ في النماء؟ أم أن النماء ملك للورثة الآخرين؟

فقد يقال إن النماء كان قبل إسلام هذا الوارث فقد دخل في ملك الورثة المسلمين حين كفره، و بعد إسلامه لا يستحق شيئا من النماء، و إن كانت التركة بعد لم تقسّم فليس له حقّ في النماء الحاصل قبل إسلامه.

و لكن المعروف و المشهور على ما في الجواهر «2» أن النماء تابع للأصل، فكما أن‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 21 باب 3 من أبواب موانع الإرث، ففي حديث 2 عبد اللّه ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه، و إن أسلم و قد قسم فلا ميراث له».

(2) الجواهر 39: 18- 19.

محاضرات في المواريث، ص: 149‌

من أسلم قبل القسمة يأخذ حصته من أصل التركة كذلك يأخذ حصته من النماء أيضا- و إن لم يكن النماء ملكا للميت و لم يكن من التركة- خلافا للإيضاح حيث اختار أن النماء لبقية الورثة إذ أنّه ليس من التركة و قد حصل قبل إسلام هذا الوارث، فلا حقّ له فيه. «1»

الظاهر أن ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح، فإن المال إنّما ينتقل إلى من أسلم بعنوان الميراث و بعنوان ما تركه الميت.

و بعبارة اخرى: الكفر المانع من الإرث إنّما هو الكفر المستمر، و أمّا الكفر المنقطع فليس بمانع، فهو بعد إسلامه يأخذ المال من الميت بعنوان الإرث لا أنّه يأخذه من الورثة، فإذا كان يأخذه بعنوان الميراث فينكشف أنّه انتقل إليه من الأوّل، فالنماء يكون تابعا له، و الروايات صريحة في أن الميراث له، أو يأخذ ميراثه، أو حصته من الميراث «2»، فالأخذ أخذ بعنوان الإرث و أخذ من الميت، فتكون هذه الروايات مخصصة لما دلّ على أن الكافر لا يرث المسلم، الكافر الذي لا يرث المسلم هو من يستمر كفره، و أمّا الذي لا يستمر كفره فليس لدينا دليل على عدم إرثه، بل هذه الروايات دالة على توريثه، فكما ينتقل المال إليه بعنوان الميراث كذلك ينتقل نماؤه أيضا إليه.

فلو فرضنا أن الورثة قد تصرفوا في النماء قبل ذلك لا بدّ لهم من ردّ بدله إليه، لأنّه تصرف في مال الغير بغير إذنه انكشف بالشرط المتأخر- و هو الإسلام- أنّه ملك لمن أسلم، لأن شرط الإرث هو الإسلام في الجملة- و لو قبل القسمة- و لا‌

______________________________
(1) الإيضاح 4: 174.

(2) راجع الوسائل 26: 20 و ما بعدها باب 3 من أبواب موانع الإرث.

محاضرات في المواريث، ص: 150‌

يعتبر الإسلام حال الموت.

إذا يكون حال هذا حال من كان مسلما قبل موت المورث فالمانع إنّما هو الكفر المستمر لا المنقطع.

ثمّ إن إسلام الوارث الكافر إمّا أن يكون قبل القسمة، أو أن يكون بعد القسمة، أو أن يكون حال القسمة.

فهنا صور ثلاث:

1- إذا كان إسلامه قبل القسمة فقد تقدّم الكلام فيه و لا إشكال فيه بمقتضى الروايات ينتقل المال إليه تماما أو بمقدار حصته.

2- و أمّا إذا كان إسلامه بعد القسمة فلا أثر له وجوده كعدمه.

3- إذا كان إسلامه حال القسمة فكان الورثة مشغولين بتقسيم المال و أسلم في الأثناء و هو في طبقتهم أو طبقة متقدّمة عليهم، فهل يجري عليه حكم من أسلم قبل القسمة؟ أم أنّه يجري عليه حكم من أسلم بعد القسمة؟

إرث من أسلم حال القسمة

ذكر صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه أن الرواية الصحيحة الدالة على أنّه إذا أسلم قبل القسمة فالميراث له، و إذا أسلم بعد القسمة فلا حق له، يقع التعارض بين مفهومي الجملتين: فمقتضى مفهوم الاولى أنه لا يرث، و مقتضى مفهوم الثانية- إذا أسلم بعد‌

______________________________
(1) الجواهر 39: 19.

محاضرات في المواريث، ص: 151‌

القسمة لا يرث- فإذا كان غير ذلك يرث، «1» فيقع التعارض بين المفهومين، فيرجع إلى عموم مانعية الكفر و أن الكافر لا يرث المسلم، أو أن الكافر لا يرث الكافر أيضا إذا كان له وارث مسلم، فالمرجع هو العمومات فيحكم بأنّه لا أثر لهذا الإسلام و أنّه لا بدّ من أن يكون الإسلام مقدّما على القسمة.

ما ذكره قدّس سرّه صحيح بحسب المدّعى، و أمّا بحسب الدليل فلا يتم ما ذكره قدّس سرّه، إذ ليس هنا للشرطية الثانية مفهوم ليعارض الشرطية الاولى. فالشرطية الاولى أنّه إذا أسلم قبل أن يقسّم المال فهو يرث، أو الميراث له، أو له حصته من المال، طبعا لهذه الشرطية مفهوم و هو أنّه إذا لم يسلم قبل القسمة فليس له حقّ.

و أمّا الشرطية الثانية: و إن أسلم بعد القسمة فلا حقّ له ليس لها أي مفهوم، لأن الإسلام بعد القسمة غير مقتض للإرث لا أنّه مانع من الإرث بعد القسمة سواء أسلم أم لم يسلم ليس له مفهوم.

إذا أسلم بعد القسمة فلا حقّ له ليس مفهومه أن إسلامه إذا كان قبل ذلك فيرث، بل مفهومه هو لم يسلم، أيضا لا حقّ له، فالشرطية الثانية بيان لمفهوم الشرطية الاولى و ليست شرطية جديدة، لأن الإسلام المتأخر لا يقتضي الإرث لا أنّه يمنع من الإرث.

فالمستفاد من هذه الصحيحة أن الإسلام إذا وقع قبل القسمة فهو يرث، و إذا لم يقع فلا يرث، فقد صرح بذلك إذا كان بعد القسمة و لم يتعرض للإسلام حال القسمة، فمقتضى مفهوم الشرطية الاولى أن الذي يقتضي الإرث هو الإسلام قبل‌

______________________________
(1) أي أنّه إذا لم يكن إسلامه بعد القسمة فهو يرث، و هذا إسلامه لا هو قبل القسمة و لا بعد القسمة فأحد المفهومين ينفي الإرث و الثاني يثبته.

محاضرات في المواريث، ص: 152‌

القسمة، و أمّا الإسلام بعد القسمة لا أثر له فهو لا يرث لا لإسلامه بل لكفره السابق و هذا الإسلام بلا أثر.

إذا يكفينا الشرطية الاولى في الدلالة على عدم الإرث و أنّه يعتبر في الإرث أن يكون الإسلام سابقا، و بهذا يقيّد ما في بعض الروايات الاخر أنّه إن قسّم المال فلا يرث و إن لم يقسّم فهو يرث، لم يقسم و قسم ليس بينهما واسطة وجود و عدم، فلم يقسّم يشمل حال القسمة أيضا، فمقتضى هذا الإطلاق أنّه يرث إذا كان إسلامه حال القسمة باعتبار أن المال لم يقسم بعد لأنّهم مشغولون بالتقسيم فعلا، و لكن يقيّد ذلك بقوله عليه السّلام: إن أسلم قبل أن يقسم المال فهذا يقيده و ينحصر الحكم بالإسلام المتقدّم.

فرع: و يتفرع على ذلك ما إذا علم قسمة الإرث و إسلام الوارث و شكّ في السابق منهما، فنحن نعلم أنّه قد تحقق أحدهما يوم الجمعة و تحقق الآخر يوم السبت إلّا أنّه لا نعلم أيّهما كان يوم الجمعة و أيهما يوم السبت ففي مثل ذلك أيضا يحكم بعدم الإرث، و ذلك لأصالة عدم تحقّق الإسلام إلى زمان القسمة، فالأصل أنّه لم يسلم إلى أن قسم المال فلا إرث له.

و لا يعارضه استصحاب عدم قسمة المال إلى أن أسلم لأنّه من الأصل المثبت، فاستصحاب عدم القسمة إلى زمن الإسلام لازمه كون (الإسلام قبل القسمة) و الاستصحاب لا يثبت لوازمه، فلا يثبت لنا أن الإسلام كان متقدّما، فيحكم بعدم الإرث في فرض الشك لعدم معارضة الأصلين.

بقي في المقام فرع آخر:

و هو ما إذا فرضنا أن للميت أموالا كثيرة له نقود و له عقارات و فرش و كتب

محاضرات في المواريث، ص: 153‌

و مواشي و غير ذلك، فقسّموا النقود أمّا بقية الأموال بعد لم تقسّم، فبعض التركة قسم و البعض الآخر لم يقسم، فما هو الحكم هنا؟ فهل يحكم بأن التركة قسمت و لو باعتبار بعضها، فهذا الوارث لا يرث لأن إسلامه بعد القسمة؟

أو أن العبرة بمجموع التركة و أن هذا إسلام قبل تقسيم المجموع فيرث حتّى من المقدار الذي قسم لأنّه إسلام قبل القسمة؟

أو أنّه يفصّل: فبالنسبة إلى المقدار الذي قسّم لا يرث و بالنسبة إلى غير المقسّم يرث؟

و الجواب:

هو أن التفصيل الأخير هو الصحيح، لأن القضية قضية حقيقية: (إذا أسلم الوارث قبل أن تقسم التركة) النقود تركة، و العقار تركة، و الكتب تركة و هكذا.

فبالنسبة إلى النقود يصح أن يقال: هذه تركة الميت و قد قسمت قبل إسلام الوارث فلا حق له فيها.

أمّا بالنسبة إلى المواشي و العقارات و الكتب يقال: إنّها تركة بعد لم تقسم، فيشملها قوله عليه السّلام أسلم قبل قسمة المال.

فالظاهر أن هذا الحكم ينحل حسب ما تركه الميت من الأفراد و من الأنواع، فكل شي‌ء وقع عليه التقسيم لا يرث منه لأنّه إسلام بعد القسمة.

و ما لم يقسم يرث منه فيحكم باختصاصه به أو اشتراكه معهم لأنّه إسلام قبل القسمة.

المقام الثاني إذا اتحد الوارث المسلم

و أمّا إذا كان الوارث المسلم واحدا و بعد موت المورّث أسلم الوارث الكافر،

محاضرات في المواريث، ص: 154‌

كما إذا كان للميت أخوان مثلا أو ابن و أخ و كان الولد كافرا أو كان أحد الأخوين مسلما و الآخر كافرا، فينتقل المال للمسلم بمجرد موت المورث لا محالة و لا يكون للكافر شي‌ء سواء كان في طبقة سابقة على المسلم أم كان من طبقته، ففي مثل ذلك إذا أسلم لا أثر لإسلامه.

و الوجه في ذلك: أن الروايات قد صرحت بأن الكفر مانع عن الإرث و أن الإرث يختص بالمسلم دون الكافر و استثني من ذلك ما إذا أسلم الكافر قبل القسمة، يعني كان المانع هو الكفر المستمر إلى حين القسمة، و أمّا إذا أسلم و ارتفع الكفر لا يكون هذا الكفر مانعا، فهذا دليل خارجي خرجنا به عن عموم مانعية الكفر.

أمّا في المقام فليس لدينا دليل للخروج عن عموم القاعدة فإطلاقات أن الكافر لا يرث تكون محكّمة و في مثل ذلك يختص الإرث بأحد الأخوين و لا أثر لإسلام الأخ الآخر، أو يكون الإرث للأخ و لا أثر لإسلام الابن، إذ ليس هنا قسمة ليقال إنّه أسلم قبل القسمة، فالخارج إنّما هو صورة واحدة، و أمّا غير ذلك فباق تحت الإطلاق و أنّه ليس للكافر حقّ في الإرث مع المسلم بل يختص الإرث بالمسلم.

هذا فيما إذا كان تمام المال لهذا المسلم الواحد- كما في المثال المذكور.

و أمّا إذا كان الوارث المسلم واحدا و لم يكن تمام المال له بل بعض المال يبقى بلا وارث، كما إذا فرضنا أن الميت ترك زوجة مسلمة فقط و ليس له أي وارث مسلم فالوارث المسلم منحصر بالزوجة، و له وارث كافر من أخ أو ابن أو ابن عمّ أو غير ذلك.

محاضرات في المواريث، ص: 155‌

فالزوجة ترث الربع لا محالة لأن الزوج لا ولد له و يبقى ثلاثة أرباع التركة تنتقل إلى الإمام عليه السّلام لا محالة لأنّه وارث من لا وارث له، فالمال يحتاج إلى القسمة بين الزوجة و بين الإمام و إن كان الوارث واحدا كما هو المفروض حيث أن الإمام ليس من أحد الورثة و إنّما هو يرث باعتبار عدم الوارث للميت فطبقته متأخرة و المال مشترك بين الزوجة و الإمام عليه السّلام، فإذا أسلم الوارث قبل أن يقسم المال بين الزوجة و الإمام يصدق أنّه أسلم قبل القسمة فيرث و لا تصل النوبة إلى الإمام، لأن الإمام وارث من لا وارث له، و المفروض أنّه قد وجد للميت وارث بعد الموت فيدخل هذا تحت إطلاق تلك الأدلّة.

و على هذا لا بدّ من التفصيل بين الزوج و الزوجة: إذا مات و ليس له وارث مسلم غير زوجته، و بقية الورثة كلّهم كفار يأتي فيه ما ذكرناه.

و أمّا إذا ماتت المرأة و انحصر الوارث المسلم بالزوج فقط ففي هذا الفرض يكون تمام المال للزوج- على ما سيجي‌ء الكلام فيه إن شاء اللّه من أن المال لا ينتقل إلى الإمام بل يكون المال كلّه للزوج- فيكون داخلا تحت القسم الأوّل، يعني للميت وارث مسلم واحد و تمام المال لهذا الوارث، فلا تصل النوبة إلى القسمة ليقال إنّه أسلم قبل القسمة أو بعدها.

هذا كلّه فيما إذا كان وارثا بعنوان أنّه وارث.

و أمّا إذا كان وارثا بعنوان أنّه وارث من لا وارث له كالإمام عليه السّلام، فالإمام يرث و ليس هو وارثا ابتدائيا بل لأن الميت مسلم و ليس له أي قريب مسلم يرثه الإمام فهل يجري عليه ما ذكرناه أو لا؟

فهو له وارث واحد و لا يحتاج إلى القسمة بل جميع المال ينتقل إلى الإمام عليه السّلام و ليس للإمام شريك فهل نقول في هذه الحال إذا أسلم الوارث الكافر لا أثر‌

محاضرات في المواريث، ص: 156‌

لإسلامه؟ أم أن هذا يختص بالورثة الأصليين، و أمّا من ليس بوارث بل يرث بعنوان وارث من لا وارث له لا يجري هذا الحكم فيه؟ فإذا أسلم وارثه الكافر يأخذ جميع المال و لا يكون للإمام حقّ فيه؟

لو كنا نحن و لم تكن في البين رواية صحيحة لكان الأمر كما تقدم فإن المستثنى هو الإسلام قبل القسمة، و مع وحدة الوارث لا معنى للإسلام قبل القسمة، فلا أثر لإسلامه و ينتقل المال لهذا الواحد سواء كان هو الإمام أو غيره.

إلّا أن صحيحة أبي بصير الواردة في خصوص هذه الصورة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مسلم مات و له أم نصرانية و له زوجة و ولد مسلمون، فقال:

«إن أسلمت أمّه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس. قلت: فإن لم يكن له امرأة و لا ولد و لا وارث له سهم في الكتاب مسلمين، و له قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: إن أسلمت أمّه فإن ميراثه لها، و إن لم تسلم أمّه و أسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام» «1» فهذه الصحيحة تامة سندا و دلالة دلتنا على أن الإمام عليه السّلام لا يجري فيه ما جرى في غيره من الوارث الواحد، بل إنّ الانتقال إليه فرع أن لا يكون هنا إسلام قبل إرثه و قبل أن يتملك، و إلّا كان المال لمن أسلم فإن كانت أمّا فهي في الطبقة الاولى يكون تمام المال لها، و إن كان غيرها فيأخذ حصته كما يقتضيه الميراث.

يبقى هنا سؤال:

و هو أنّه هل يعتبر أن يعرض الإمام عليه السّلام الإسلام عليهم فإن أبوا ورثه و إلّا‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 20 باب 3 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 157‌

فليس له أن يرث قبل أن يعرض الإسلام على الوارث؟

أو أنّه لا يحتاج إلى عرض الإسلام عليهم بل يصبر إلى أن يظهر حالهم نفرض أن الإمام يصبر يوما أو يومين أو أقل أو أكثر، فإن أسلم أحد منهم فالإرث له، و إلّا فللإمام و لا يتوقف إرث الإمام على أن يعرض الإسلام عليهم؟

احتمل صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه اعتبار ذلك في إرث الإمام قال: و إن لم نر من اعتبر ذلك إلّا أن المحقّق في نكت النهاية أشار إلى ذلك.

و يستدل على ذلك بصحيحة أبي ولاد التي وردت في مسلم قتل و ليس في قرابته مسلم لأنّ المنتسبين إليه كلّهم كفرة، قال عليه السّلام: «الإمام يعرض الإسلام على قرابته، فإن أسلموا أو أسلم أحدهم يسلّم القاتل إليه، فله أن يقتص و له أن يأخذ الدية، و له أن يعفو فهو مخير في ذلك». «2»

و إن أبوا جميعا و لم يسلموا فولي الأمر و هو الإمام عليه السّلام له أن يقتل و له أن يأخذ الدية و يجعلها في بيت مال المسلمين فإن جنايته كانت في بيت المال فديته أيضا تكون في بيت المال.

استدل صاحب الجواهر بهذه الرواية على اعتبار عرض الإسلام على الورثة في إرث الإمام.

و الظاهر أن الرواية أجنبية عن محل الكلام و قد تعرضنا لهذه الرواية في (مباني تكملة المنهاج) «3» في باب القصاص، و أن هذا من جهة حقّ القصاص،

______________________________
(1) الجواهر 39: 20.

(2) الوسائل 29: 124 باب 60 من أبواب قصاص النفس، ح 1.

(3) مباني تكملة المنهاج 2: 132.

محاضرات في المواريث، ص: 158‌

و حقّ القصاص أمر آخر غير ما نحن فيه، يعني ليس للإمام أن يقتص أو أن يأخذ الدية قبل أن يعرض الإسلام على قرابة المقتول، فإن هذا حقّ لهم فيعرض فإن قبلوا الإسلام كان هذا الحقّ لهم، و إلّا فينتقل الحقّ إلى الإمام عليه السّلام.

فأين هذا من محل كلامنا من إرث الإمام للمال، فالتعدي من مورد هذه الرواية إلى محل كلامنا بلا وجه.

فالصحيح: أنّه لا يعتبر أي شي‌ء بل يتملك الإمام المال و لكن مشروطا بأن لا يسلم أحد من ورثة الميت المسلم بطيب نفسه، لا بأن يعرض الإمام عليه السّلام الإسلام عليه فإن لم يقبل ينتقل إلى الإمام.

محاضرات في المواريث، ص: 159‌

الكلام فيما إذا كان للكافر ولد صغار و كان له وارث مسلم بعيد

تقدّم الكلام في أن الكافر إذا أسلم قبل القسمة فيشترك مع الباقين إن كانوا في طبقته، و يختص به الإرث إن كان في طبقة سابقة عليهم.

و أن إسلامه إذا كان متأخرا عن القسمة فلا أثر له فيكون في حكم العدم.

استثنى المشهور من المتقدّمين- على ما نسب إليهم- صورة واحدة، و خالفهم في ذلك المشهور بين المتأخرين فقالوا: إنّه إذا مات نصراني و له أولاد صغار و هم محكومون بالكفر تبعا- على ما تقدّم الكلام فيه في باب الطهارة «1» و قلنا: إن الأولاد في حكم الآباء و الأمهات، فيحكم بكفرهم، فكما أن الكافر البالغ لا يرث، ولد الكافر أيضا لا يرث و هو في حكم أبويه- فإذا مات نصراني و له أولاد صغار، و كان للميت ابن أخ مسلم و ابن أخت مسلم ينتقل المال إليهما فيكون ثلثان لابن الأخ و ثلث لابن الأخت، و عليهما أن ينفقا بنسبة ما أخذا من التركة على الأولاد الصغار إلى أن يكبروا فيقطع عنهم الإنفاق. و إذا فرضنا أن الصغار أسلموا قبل أن يبلغوا تكون التركة لهم فتبقى عند الإمام، فإن بقوا على إسلامهم بعد بلوغهم‌

______________________________
(1) راجع التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 64، و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 160‌

فيعطى المال لهم، و إلّا فيعطى إلى ابن الأخ و ابن الأخت، هكذا نسب إليهم.

استندوا في ذلك إلى ما روي عن أبي جعفر عليه السّلام «1» في هذا الموضوع، و وصف العلّامة و الشهيد قدّس سرّه- على ما في الجواهر «2»- هذه الرواية بالصحة، فتكون هذه الصورة مستثناة مما تقدّم.

و نتكلم في هذه الرواية دلالة و سندا:

أمّا بحسب الدلالة فهي مشتملة على ثلاثة أحكام:

أولها: أن المسلم و إن كان بعيدا في الطبقات يحجب غير المسلم القريب، ففي مفروض الرواية أن ابني الأخ و الأخت المسلمين يحجبان الأولاد لأنهم محكومون بالكفر، و قد تقدّم الكلام في ذلك.

الثاني: أنه يجب عليهما الإنفاق على الصغار حتّى يكبروا و هذا حكم على خلاف القاعدة ابن أخ الميت طبعا يكون ابن عم هؤلاء الصغار، كما أن ابن أخته ابن عمتهم، و وجوب الإنفاق على ابن العم أو ابن العمّة على خلاف القاعدة فإنّه لا دليل على وجوب الإنفاق عليهم، فإن الوارد في الروايات سئل الإمام عليه السّلام عمن يجب الإنفاق عليه، قال عليه السّلام: «الأبوان و الأولاد» «3» غير الأبوين و الأولاد لا يجب الإنفاق عليهم، و هذه الرواية مشتملة على وجوب الإنفاق على ابني العم و العمة و هو خلاف القاعدة.

الثالث: أن الإسلام بعد القسمة- كما ذكرنا- لا أثر له، و هذه الرواية ظاهرها بل كالصريحة في أن الإسلام كان بعد القسمة و قد انتقل الثلثان إلى ابن الأخ و الثلث‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 18 باب 2 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

(2) الجواهر 39: 28.

(3) راجع الوسائل 21: 525 باب 11 من أبواب النفقات.

محاضرات في المواريث، ص: 161‌

إلى ابن الأخت و بعد ذلك إذا أسلموا و هم صغار- يعني قبل بلوغهم و لو بخمس سنين أو بعشر سنين أو بأكثر أو أقل- إذا أسلموا كانت التركة لهم بشرط أن يبقوا على إسلامهم إلى زمان البلوغ.

هذا أيضا على خلاف القاعدة، لأنّ الإسلام بعد القسمة لا أثر له على ما تقدّم.

و لكن لو كانت الرواية صحيحة معتبرة لأمكن الاعتماد عليها فتكون مخصصة لما دلّ على عدم وجوب الإنفاق على غير العمودين، و ما دل على أن الإسلام بعد القسمة لا أثر له، في خصوص المقام نلتزم بوجوب الانفاق، و أن الإسلام بعد القسمة يترتب عليه الأثر بشرط أن يبقى مستمرا إلى ما بعد البلوغ- كما هو مفروض الرواية.

و لكن الإشكال في سند هذه الرواية- و إن وصفت بالصحة كما ذكرناه.

و الوجه في ذلك أن الرواية مذكورة في الكافي و في التهذيب عن (مالك بن أعين) و لا يبعد أن يكون مالك بن أعين منصرفا إلى مالك بن أعين الجهني، و هو و إن لم يوثق في كتب الرجال لكنه ثقة عندنا، فكان يمكن الحكم بالصحة باعتبار وروده في أسناد كامل الزيارات «1» إلّا أن الشيخ الصدوق قدّس سرّه روى هذه الرواية بعينها بهذا السند بعينه يعني أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن (مالك بن أعين) كما في الكافي «2» و التهذيب «3»، و رواها الشيخ الصدوق بنفس السند عن (عبد الملك ابن أعين) أو (مالك بن أعين) على نحو الترديد لا يعلم أن‌

______________________________
(1) لا يخفى أن سيدنا الأستاذ قد عدل أخيرا عن هذا الرأي فتكون الرواية ضعيفة على جميع التقادير.

(2) الكافي 7: 143، ح 1.

(3) التهذيب 9: 368، ح 14.

محاضرات في المواريث، ص: 162‌

الراوي هو (عبد الملك) أو أنّه (مالك) فكأن الشيخ الصدوق قد نسي ذلك و اشتبه الأمر عليه فلم يدر أن الراوي الأخير هو عبد الملك أو مالك بن أعين.

و باعتبار أن الترديد بين هذين الرجلين فيطمأن بأن مالك بن أعين هو أخو زرارة- و إن لم يوجد له رواية في الكتب الأربعة يقينا، يعني لا نتيقن بأن الراوي مالك بن أعين هو أخو زرارة في غيرها من الروايات و لكن خصوص هذه الرواية- و قد أشرنا إلى هذا في المعجم «1»- باعتبار أن الشيخ الصدوق رواها مرددا، الترديد بين الأخوين أنّه أيهما روى هذه الرواية، ففي الكافي و التهذيب خصوص (مالك بن أعين) و في كلام الشيخ الصدوق أحدهما لم يعلم هذا أو ذاك، فعلى ذلك (مالك بن أعين) أخو زرارة ليس منا مخالف و هو غير مستقيم و لم يرد فيه توثيق أبدا.

فإذا تكون الرواية ضعيفة و لا يمكن الاعتماد عليها.

و لكن صاحب الوسائل قدّس سرّه روى هذه الرواية عن الشيخ الصدوق هكذا: أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الملك بن أعين و مالك بن أعين جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام بكلمة (جميعا) «2» و لم يعلم أن صاحب الوسائل يروي هذه الرواية عن أي نسخة، نسخ الفقيه كما ذكرناه و في الوافي نقل هذه الرواية عن الشيخ الصدوق كما في الكافي و التهذيب، كلمة (أو) أيضا غير موجودة في الوافي.

فعلى أي حال لم يثبت أن الراوي لهذه الرواية مجموع الأخوين مالك و عبد‌

______________________________
(1) معجم رجال الحديث 15: 160- 161.

(2) الوسائل 26: 18 باب 2 من أبواب موانع الإرث، ح 1.

محاضرات في المواريث، ص: 163‌

الملك ابنا أعين، و الظاهر أنّه اشتباه من قلم صاحب الوسائل قدّس سرّه.

و لو أغمضنا عن ذلك و فرضنا أن نسخ الفقيه كلّها كانت متفقة على ما ذكره صاحب الوسائل، و كان الراوي مالك و عبد الملك ابنا أعين (جميعا) على ذلك أيضا لا تثبت صحة الرواية، فإن رواة هذه الرواية متحدين في طريق الشيخ و الكليني و الصدوق قدّس سرّه يعني أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن مالك بن أعين كما في الكافي و التهذيب، و عن عبد الملك بن أعين و مالك بن أعين جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام على ما في الفقيه- لو قلنا بصحة نسخة الوسائل- لا يحتمل أن هؤلاء الرواة المتسلسلين إلى أن ينتهي إلى أحمد بن محمّد رووه في طريق الكافي عن خصوص مالك بن أعين و في طريق الصدوق عن مالك و عبد الملك ابنا أعين، بل إمّا أنّه اشتباه في طريق الصدوق أو أنّه اشتباه في طريق الكافي و التهذيب يعني لا نحتمل أن أحمد بن محمّد رواه مرتين، و ابن محبوب رواه مرتين، هشام ابن سالم رواه مرتين و في المرتبة الأخيرة أحمد بن محمّد في طريق الصدوق رواها عن مالك و عبد الملك جميعا، و في طريق الكافي و التهذيب عن مالك فقط لا يحتمل ذلك.

الرواية رواية واحدة و لا يعلم أن الراوي هو مجموع الأخوين أو أنّه أحدهما فقط، فتسقط الرواية عن الحجية و لا يمكن الاعتماد عليها، كما ذهب إليه المتأخرون منهم صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه فطرحوها من جهة الضعف.

و لم يظهر لنا وجه تصحيح العلّامة و الشهيد قدّس سرّهما، و لا سيما الشهيد الذي هو متضلع في علم الرجال لأي وجه صحح هذه الرواية لم يظهر لنا وجه ذلك.

______________________________
(1) الجواهر 39: 29- 30.

محاضرات في المواريث، ص: 164‌

إذا الصحيح ما ذهب إليه المتأخرون من أن المال ينتقل إلى ابن الأخ و ابن الأخت- كما ذكرنا- و لا يجب عليهم الإنفاق على الصغار، و لا أثر لإسلام الوارث بعد ذلك و لا يترتب عليه أي شي‌ء.

محاضرات في المواريث، ص: 165‌

المراد بالكفر و الإسلام في هذه المباحث؟

ثمّ إن ما ذكرناه من أن المسلم لا يرثه الكافر أبدا في أي طبقة كان فإن لم يكن للمسلم وارث مسلم في إحدى الطبقات فينتهي الأمر إلى الإمام عليه السّلام لأنّه وارث من لا وارث له، و الكافر يرثه المسلم في أي طبقة كان و يحجب الكافر عن الإرث، فإذا لم يكن وارث مسلم في جميع الطبقات يرثه ورثته الكفار و لا ينتهي الأمر إلى الإمام.

إذا ما هو المراد بالكفر هنا؟

المراد بالكفر هنا هو الكفر في مقابل الإسلام كما في الروايات: (أهل ملتين لا يتوارثان) فصّل عليه السّلام فقال: «نحن نرثهم و هم لا يرثوننا، لأن الإسلام لا يزيد إلّا عزّا، أو لا يزيد إلّا شدّة» «1».

فالمراد الإسلام في مقابل الكفر، و لا فرق في المسلم بين أنواعه و أصنافه على اختلاف مذاهبهم، كلّ من يعترف باللّه و بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بما أنزل إليه و بالآخرة يحكم بإسلامه و إن كان فاسد العقيدة من بقية الجهات.

و المراد بالكافر كلّ من لا يحكم بإسلامه و يكون منكرا لأحد هذه الأمور: إمّا‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 11 و ما بعدها، و ما في المتن هو مضمون روايات الباب 1 من أبواب موانع الإرث.

محاضرات في المواريث، ص: 166‌

الألوهية، أو الرسالة، أو الآخرة.

و أمّا الكفر في مقابل الطاعة كما في بعض الروايات أو في مقابل الإيمان كما في البعض الآخر من الروايات، فهو كفر بالولاية أو كفر بالنعمة إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً «1» من يكون كافرا بالسبيل و بالهداية كلّ ذلك لا يكون مانعا عن الإرث، فالكفر في مقابل الطاعة أو في مقابل الإيمان أو النعمة و إن أطلق عليه الكافر كتارك الصلاة و تارك الحجّ و تارك الولاية كلّ أولئك أطلق عليه الكافر إلّا أنّ هذا لا يمنع من الإرث، و إنّما المانع هو الكفر في مقابل الإسلام.

و قد دلّت على ذلك غير واحد من الروايات المعتبرة و قد ذكرت في (الكافي) في باب الفرق بين الإسلام و الإيمان، ففي هذه الروايات صرح بأن الإسلام ما عليه الناس و عليه جرت المناكح و المواريث [1] و في مقابله الإيمان و له حكم آخر.

فالمواريث و المناكح إنّما يترتبان على ما عليه الناس يعني الاعتراف باللّه و برسوله، فلا أثر للانحراف في العقيدة إذا كان محكوما بالإسلام [2].

______________________________
[1] قال سماعة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الإسلام و الإيمان أ هما مختلفان؟ فقال: «إن الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت: فصفهما لي، فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل به، و الإيمان أرفع من الإسلام بدرجة، إن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر، و الإسلام يشارك الإيمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة» أصول الكافي 2: 25.

[2] ففي حديث سفيان بن السمط: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإسلام و الإيمان ما الفرق بينهما؟ فقال:

«الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أن محمّدا عبده و رسوله و إقام الصلاة و ايتاء الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان، فهذا الإسلام و قال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا» نفس المصدر السابق.

______________________________
(1) الإنسان: 3.

محاضرات في المواريث، ص: 167‌

نعم إذا فرضنا أنّه محكوم بالكفر حتّى مع اعترافه باللّه و برسوله و باليوم الآخر، فهو محكوم بالكفر تعبدا، فهذا يمنع من الإرث كالنواصب على ما ذكرناه في كتاب الطهارة «1» من أنّهم محكومون بالكفر حتّى مع اعترافهم باللّه و برسوله و بالآخرة، بل هم أنجس من الكلب و الخنزير قال: «و الناصب لنا أهل البيت أنجس من الكلب و الخنزير» [1].

فهذا خارج بالدليل، و لذا نقول بعدم جواز مناكحتهم و لا تجري عليهم أحكام المواريث لأنهم محكومون بالكفر بمقتضى الأدلّة المتقدّمة.

و كذلك بعض الفرق المنتحلين للإسلام إذا كانت عقائدهم على نحو ترجع إلى إنكار الألوهية و الخلق، أو إنكار النبوّة أو المعاد، فيحكم بكفرهم كالقائلين بوحدة الوجود من الصوفية- على ما نسب إليهم- و يوجد كثيرا في أشعارهم و في بعض المتون أيضا ما يدلّ على كفرهم [2] كما في عبارة محيي الدين بن عربي: «الحمد للّه‌

______________________________
[1] الوسائل 1: 219 باب 11 من أبواب الماء المضاف، ح 4 و 5، إلّا أنّه لم يذكر الخنزير في روايات الوسائل. ففي موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: «و إياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فهو شرهم، فإن اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب و إنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه».

[2] الشي‌ء المسلّم به لدى المحققين من فقهائنا هو أن القول بوحدة الوجود قول باطل لاستلزامه للشرك باللّه تبارك و تعالى و الخروج عن الدين الحنيف فلا يصح للمسلم الذهاب إلى هذا القول.

إلّا أن الكلام في أن القائل بوحدة الوجود إذا كان مظهرا للشهادتين و مقرا بالمعاد و لم يظهر منه الالتزام باللوازم الفاسدة التى تترتب على عقيدته هل يحكم بكفره أم أنّه تجري عليه أحكام الإسلام؟

فقد ذهب الفقهاء في هذا المقام إلى الحكم بطهارتهم و إجراء أحكام الإسلام عليهم ما لم يظهر منهم الالتزام بما يترتب على قولهم من اللوازم الفاسدة، لأنّ الإسلام كما تقدّم هو عبارة عن إظهار الشهادتين

______________________________
(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 69، و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 168‌

الذي خلق الأشياء و هو عينها». [1]

فهم يعتقدون وحدة الوجود و أن وجود الخالق و المخلوق شي‌ء واحد، إذا لوحظت المراتب يكون خلقا، و إذا ألغيت المراتب فهو نفس الخالق، فالواجب و الممكن شي‌ء واحد موجود واحد و إنّما يختلف بالاعتبار، فهو باعتبار حدّه ممكن و مخلوق و إذا ألغي الحد يكون واجبا.

______________________________
و الإقرار بيوم الجزاء فإذا كانوا ملتزمين بذلك و لم يظهر منهم الكفر جرت عليهم أحكام الإسلام بالرغم من فساد عقيدتهم، فقد قال الفقيه العظيم السيّد اليزدي قدّس سرّه في العروة الوثقى: «و القائلين بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوى عدم نجاستهم إلّا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد» [العروة الوثقى: 1: 140، المسألة (2) من نجاسة الكافر].

و هذا ليس بعزيز في الفقه، فقد حكم الفقهاء بطهارة كثير من أهل العقائد الفاسدة المستلزمة للشرك و الكفر كالأشاعرة القائلين بالجبر و أن اللّه يجبر العباد على المعاصي ثمّ يعذّبهم، و كذا المجسمة القائلين بأنّه تعالى جسم، فالفقهاء أجروا على هؤلاء أحكام الإسلام إذا لم يظهر منهم الالتزام باللوازم الفاسدة المترتبة على مذاهبهم.

فيجري هذا الكلام نفسه بالنسبة إلى القائلين بوحدة الوجود فإذا لم يظهروا الالتزام بما يترتب على مذهبهم من اللوازم الفاسدة جرت عليهم أحكام الإسلام، و أمّا إذا التزموا بذلك فهم محكومون بالكفر و قد ذهب إلى ذلك سيدنا الأستاذ كما في كتاب الطهارة من التنقيح [التنقيح في شرح العروة الوثقى 3:

74، و ما بعدها.]، و السيّد الحكيم في مستمسكه [مستمسك العروة الوثقى 1: 391]، و غير هؤلاء من المحشين و المعلقين على العروة الوثقى.

[1] فقد ذكر في الفتوحات المكيّة 2: 459: «فمن هنا تعرف العالم من هو و صورة الأمر فيه إن كنت ذا نظر صحيح وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلٰا تُبْصِرُونَ ما ثمّ إلّا النفس الناطقة و هي: العاقلة و المفكرة و المتخيلة و الحافظة و المصوّرة و المغذية و المنمّية و الجاذبة و الدافعة و الهاضمة و الماسكة و السامعة و الباصرة و الطاعمة و المستنشقة و اللامسة و المدركة لهذه الأمور و اختلاف هذه القوى و اختلاف الأسماء عليها و ليست بشي‌ء زائد عليها، بل هي عين كلّ صورة، و هكذا تجد في صور المعادن و النبات و الحيوان و الأفلاك و الأملاك «فسبحان من أظهر الأشياء و هو عينها».

فما نظرت عيني إلى غير وجهه

و ما سمعت أذني خلاف كلامه

فكل وجود كان فيه وجوده.

محاضرات في المواريث، ص: 169‌

و هذا يرجع في الحقيقة إلى إنكار خالق غير الموجودات الخارجية.

و يحتمل أن يكون هذا أيضا مراد مثنوي في قوله:

چون كه بى‌رنگى أسير رنگ شد

موسئي با موسئي در جنگ شد

چون به بى‌رنگى رسي كآن داشتى

موسى فرعون دارد آشتي [1]

______________________________
[1] و قد شرح هذين البيتين كريم زماني في كتابه «شرح جامع مثنوي معنوي»: 646، بالفارسية فقال:

چنان كه با سير و سلوك و تهذيب درون بمقام بى‌رنگى و وحدت برسى در آن مقام موسى و فرعون با هم در آشتى و سازگارى‌اند، شبسترى نيز همين معنا را بيان داشته است:

مسلمان گر بدانستى كه بت چيست

بدانستى كه دين در بت پرستي است

و گر مشرك ز بت آگاه گشتي

كجا در دين خود گمراه گشتى

و شيخ محمّد لاهيجى در شرح اين نكته گفته است: «اگر مسلمان كه قائل بتوحيد است و إنكار بت مى‌نمايد بدانستى و آگاه شدي كه في الحقيقة بت چيست؟ و مظهر كيست؟ و ظاهر بصورة بت چه كسى است؟ بدانستى كه البته دين حق در بت پرستي است، زيرا كه بت مظهر هستى مطلق است كه حق است، پس بت من حيث الحقيقة حق باشد و دين و عادة مسلمانى حق پرستى است، و بت پرستى عين حق پرستى است، پس هر آينه دين در بت پرستى باشد».

البيتان من الشعر مع الشرح لكبار الصوفيه القائلين بوحدة الوجود و هذا هو اللازم الفاسد للقول بوحدة الوجود حيث أنّهم يلتزمون بأن وجود الخالق هو عين وجود المخلوق و يشبّهون الخالق تعالى بالبحر و المخلوقات بأمواج البحر فباعتبار أنّه يتراءى للناظر أن الموج شي‌ء آخر غير البحر و الحال أنّه هو عين ماء البحر فكذلك المخلوق هو عين الخالق و عليه فإن وجود الصنم الذي هو مظهر من مظاهر الوجود هو عين وجود الحق تعالى و أنّه في الحقيقة قد ظهر الحق تعالى بمظهر الصنم، فإذا عبادة الصنم هي عين عبادة اللّه تعالى كما أن الإنسان أيضا هو مظهر من مظاهر الوجود المطلق فهو الحقّ تعالى قد ظهر بمظهر الإنسان فإذا لا فرق بين عبادة اللّه تعالى و عبادة فرعون لأن فرعون مظهر من مظاهر الحق ..

و هكذا.

محاضرات في المواريث، ص: 170‌

أي أنّه لا فرق بين موسى و فرعون إلّا بالحدّ فإذا ألغي الحد فموسى و فرعون شي‌ء واحد، فلو صح أن مراده هذا من هذا الكلام فهو يرجع إلى الكفر.

الكفّار يتوارثون على اختلاف أديانهم:

ثمّ إن الكفر ملّة واحدة لا فرق بين أفراده: اليهودي يرث من النصراني و النصراني يرث من اليهودي و المجوسي كذلك.

و أمّا الرواية الواردة في أن أهل ملّتين لا يتوارثان فقد فسّرت- كما ذكرنا- بأن المسلم لا يرثه الكافر و هو يرث من الكافر [1]، و أمّا الكافر من الكافر فبمقتضى إطلاق الآية المباركة الإرث مشترك بين الجميع.

______________________________
هذا هو اللازم الفاسد من القول بوحدة الوجود و هذه هي عقيدتهم الفاسدة و الضلال الذي هم عليه و إن كانوا يظهرون التوحيد إلّا أنّ واقعهم هو هذا و هذه العقيدة منافية لصريح القرآن الكريم و منافية لسيرة أنبياء اللّه تعالى فإنّه لو كان الصنم حقّا و فرعون حقّا و أن عبادتهم هي عين عبادة اللّه تعالى لما ذم اللّه تعالى عبّاد الأصنام و لما وقف الأنبياء موقفهم الحازم من محاربة الأصنام و محاربة فرعون و أدى ذلك إلى استفزاز الناس و مخالفتهم للأنبياء و لكان الأولى أن يقرّوهم على هذه العبادات لينقادوا إليهم و يطيعوهم.

[1] راجع الوسائل 26: 12 باب 1 من أبواب موانع الإرث فقد دلّت الروايات المستفيضة على ذلك، منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المسلم يحجب الكافر و يرثه، و الكافر لا يحجب المسلم و لا يرثه».

محاضرات في المواريث، ص: 171‌

أحكام المرتد من غير جهة الإرث

تقدّم الكلام في موت المرتد بقسميه و تحدثنا عن إرثه، و هذا الفصل عقدناه للتكلّم عن بقية أحكام المرتد من غير جهة الإرث إتماما للفائدة و لمناسبة المقام‌

محاضرات في المواريث، ص: 173‌

تقدّم الكلام في أن الكافر لا يرث من المسلم مطلقا فإن لم يكن للمسلم وارث مسلم ورثه الإمام عليه السّلام و لا ينتقل منه شي‌ء إلى الكافر.

كما أن الكافر إذا مات و له وارث مسلم يكون هو الوارث و يحجب الكافر و إن كان مقدّما عليه في الطبقة.

كما و قد تكلّمنا عن المرتد الملي و المرتد الفطري إذا ماتا.

فهذه الأحكام التي استفدناها من الروايات مطلقة لكلّ كافر و لكلّ مسلم من غير فرق بين من يكون مسلما بنفسه و بالأصالة، أو يكون مسلما بالتبعية، و كذلك في الكافر فكل مسلم لا يرثه الكافر من غير فرق بين أن يكون كفره بالتبعية أو بغير التبعية، و ذلك لإطلاق الأدلّة.

و قد تكلّمنا أيضا في الإسلام بالتبعية و كذا الكفر بالتبعية في كتاب الطهارة مفصلا و أنّ الأطفال يتبعون آباءهم و أمّهاتهم فيكون إسلامهم و كفرهم بالتبعية و تفصيل الكلام هناك «1».

يبقى الكلام في المرتد الملي و الفطري من غير جهة الإرث في بقية الأحكام، فيقع الكلام تارة في موضوعهما، و اخرى في حكمهما، أيضا وقع الكلام في ذلك في الجملة في كتاب الطهارة و نعيده ثانيا.

______________________________
(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى 3: 59 و 3: 238.

محاضرات في المواريث، ص: 174‌

1- الكلام في موضوع الارتداد:

الروايات الواردة في المقام بالنسبة إلى المرتد الفطري و بالنسبة إلى المرتد الملّي ذكر في بعض الروايات المعتبرة: «أن من كفر بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بما أنزل عليه فيقتل» «1» فهذه المعتبرة مطلقة بالنسبة إلى الفطري و الملّي.

كما أن بإزائها معتبرة أخرى دلت على أن من ارتد يستتاب فإن لم يتب يقتل «2». هذا أيضا مطلق للفطري و الملّي.

و هناك طائفة ثالثة فصّلت بين من كان مسلما ثمّ كفر و تنصّر، و بين من كان نصرانيا ثمّ أسلم ثمّ تنصّر: فإذا كان من الأوّل مسلما فيحكم بقتله، و إذا كان نصرانيا فأسلم ثمّ تنصّر يستتاب» «3». فهذه الصحيحة تكون مقيدة لكلتا الصحيحتين المتقدّمتين.

فتكون النتيجة:

أن من كان كافرا فأسلم ثمّ تنصّر فهذا مرتد ملّي لا يقتل بل يستتاب فإن تاب‌

______________________________
(1) الوسائل 26: 27 باب 6 من أبواب موانع الإرث ح 5، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله».

(2) الوسائل 28: 327 باب 3 من أبواب حد المرتد ح 2، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في المرتد يستتاب فإن تاب و إلّا قتل و ح 3، عن أحدهما عليهما السّلام في رجل رجع عن الإسلام فقال: «يستتاب فإن تاب و إلّا قتل».

(3) الوسائل 28: 325 باب 1 من أبواب حد المرتد ح 5، عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عن مسلم تنصّر، قال: «يقتل و لا يستتاب»، قلت: فنصراني أسلم ثمّ ارتد، قال: «يستتاب فإن رجع و إلّا قتل».

محاضرات في المواريث، ص: 175‌

و إلّا قتل.

و إذا كان مسلما من الأوّل ثمّ ارتد فلا تصل النوبة إلى الاستتابة بل يقتل ابتداء.

فالصحيحة الثالثة تقيّد الصحيحتين المتقدّمتين و تكون النتيجة ما ذكرناه.

ثمّ إنّه بما ذا يثبت الإسلام من الأوّل؟

المشهور المعروف بينهم، بل لا خلاف في المسألة أن من تولد مسلما يعني حينما ولد ولد مسلما ثمّ بعد ذلك كفر فيكون مرتدا فطريا، لأنّه لم يكن مسبوقا بالكفر في أي زمان.

و أمّا من ولد كافرا ثمّ بعد ذلك أسلم ثمّ تنصّر يكون مرتدا مليا فتقبل توبته.

و هذا الذي ذكروه يستفاد من عدّة روايات:

منها: ما دلّ على أن المسلم إذا مات و كانت زوجته حاملا يعزل ميراث الحمل فإن ولد حيا فهو، و إلّا فيعطى لبقية الورثة «1»- و سنتكلم فيه إن شاء اللّه تعالى- و الحكم متسالم عليه و الروايات دالة عليه، و هذه الروايات تدلّ على أن الحمل يرث و لكن مراعا بالولادة حيا، و هي مطلقة شاملة لما إذا كانت المرأة الحامل غير مسلمة- كما إذا كانت كتابية بعقد انقطاع أو بعقد دوام أو بملك يمين- فبمقتضى الإطلاق يحكم بالإرث حتّى إذا كانت الزوجة كافرة، فيكشف عن أن إسلام الأب يكفي في إسلام ولده لما دلّ على أن المسلم لا يرثه إلّا مسلم، فإذا حكم بإرثه يحكم بإسلامه بالملازمة.

و كذلك العكس لو فرضنا أن امرأة مسلمة حملت من كافر إمّا من جهة وطئ‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 302 باب 7 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبه.

محاضرات في المواريث، ص: 176‌

الشبهة مثلا، أو أنّها كانت كافرة فحملت من زوجها الكافر ثمّ أسلمت قبل أن تلد- يعني أن إسلامها كان أثناء الحمل- ثمّ ولدت ثمّ ماتت.

بمقتضى إطلاقات الأدلّة أنّها ماتت مسلمة و ولدها يرثها، فيحكم بإرث الولد من أمّه المسلمة مع أن والده كان كافرا، فإذا صدق الإرث صدق الإسلام بالملازمة، فحينئذ يدخل تحت قوله عليه السّلام: «من كان مسلما ثمّ كفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقتل» «1».

فهذا الولد يحكم بإسلامه فإذا ارتد تجري عليه أحكام المرتد الفطري.

و في بعض الروايات المعتبرة و هي رواية إسحاق بن عمار: «من ولد بين مسلمين ثمّ ارتد و كفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتل» «2» فقد ذكر في هذه الرواية أنّه ولد بين مسلمين، و لكن ليس لها مفهوم ينفي ما عدا ذلك، بل تحمل على الغالب لأن التولّد من كافر و مسلم قليل جدا، فالرواية الدالة على أن من ولد من مسلم واحد ولد مسلما يعمل بها، و هذه الرواية تحمل على الغالب، فلا يعتبر في المرتد الفطري أن يكون والداه مسلمين بل يكفي أن يكون أحد أبويه مسلما.

و يدلّ على ذلك أيضا غير ذلك من الروايات منها ما ورد في أن الطفل إذا كان أحد والديه نصرانيّا يضرب حتّى يسلم «3»، فيظهر من هذه الرواية أيضا أنّه مسلم.

فكيف كان فكل من حكم بإسلامه من أوّل ولادته ثمّ كفر بعد ذلك فهو مرتد‌

______________________________
(1) هذا مضمون رواية علي بن جعفر التي مرت في الهامش رقم 1 ص 174.

(2) الوسائل 28: 324 باب 1 من أبواب حد المرتد مضمون، ح 3، و الرواية عن عمار الساباطي و ليست عن اسحاق بن عمار و إليك نصّ الحديث: عن عمار الساباطي، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّدا صلى اللّه عليه و آله و سلّم نبوّته و كذّبه، فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه .. الخ».

(3) الوسائل 28: 326 باب 2 من أبواب حد المرتد ح 2.

محاضرات في المواريث، ص: 177‌

فطري.

بقي الكلام في أن من ولد على الفطرة هل يشترط في الحكم بكونه مرتدا فطريا أن يظهر الإسلام بعد البلوغ ثمّ يرتد؟ أو أنّه إذا لم يظهر الإسلام بل أظهر الكفر قبل البلوغ و بلغ كافرا أيضا يعدّ مرتدا فطريا باعتبار أنّه مولود بين مسلمين أو أن أحد أبويه مسلم؟

ذكر كاشف اللثام- على ما نسبه إليه صاحب الجواهر «1» قدّس سرّه- أنّه يعتبر في الارتداد الفطري أن يكون مسلما بعد بلوغه، فإذا كفر بعد ذلك يحكم عليه بأحكام المرتد الفطري «2».

و أمّا إذا فرضنا أنّه بلغ كافرا، و لو فرضنا أنّه متولد من مسلمين أو من مسلم واحد إلّا أنّه كفر قبل بلوغه و بلغ كافرا و لم يظهر الإسلام بعد بلوغه لا يحكم عليه بأحكام المرتد الفطري.

و قوّاه صاحب الجواهر «3» قدّس سرّه باعتبار أنّه ليس هنا مطلق يشمل ما إذا بلغ الولد كافرا، فهذا غير مشمول ظاهرا للمرتد الفطري لعدم الإطلاق، فإن الموضوع هو (الرجل) أو (المسلم) الظاهر في كونه بالغا، فإذا كان مسلما و هو بالغ ثمّ رجع إلى الكفر فهذا هو المرتد الفطري.

و أمّا إذا كان حال بلوغه كافرا و لم يسبق كفره بالإسلام حال البلوغ فهذا ليس من المرتد الفطري.

______________________________
(1) الجواهر 39: 34.

(2) كشف اللثام 2: 437.

(3) الجواهر 39: 34.

محاضرات في المواريث، ص: 178‌

هذا الذي ذكره قدّس سرّه لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه لا إشكال في أن الارتداد لا بدّ أن يكون حال البلوغ و لا بدّ من أن يكون رجلا، و إلّا فلا اعتبار بارتداد الصبي على ما تقدّم، إلّا أنّ الإطلاق يشمل ما إذا بلغ كافرا أيضا.

فلو فرضنا أنّه مولود بين مسلمين و محكوم بالإسلام إلّا أنّه بعد ما كبر و صار صبيا مميزا كفر- و قلنا إنّه لا أثر لذلك لا يحكم بارتداده قبل بلوغه- و استمرّ كفره إلى أن بلغ، صحيحة الحسين بن سعيد «1» بل غيرها غير قاصرة الشمول لمثل ذلك، يصح أن يقال: إن هذا رجل مولود على الإسلام و قد كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حكمه القتل.

فالذي يعتبر هو أن يكون الكفر بعد البلوغ، و أمّا أن يكون قبل ذلك مسلما و هو بالغ لم يذكر في شي‌ء من هذه الأدلّة.

إذا اعتبار الإسلام بعد البلوغ ثمّ الكفر لم يدلّ عليه دليل، و الصحيح ما ذهب إليه المشهور من عدم اعتبار هذا القيد، فكلّ من كان محكوما بالإسلام من أوّل ولادته إذا كفر بعد بلوغه- و إن لم يسلم بعد البلوغ- يحكم بأنّه مرتد فطري.

و أمّا إذا فرضنا أنّه ولد كافرا كان أبواه كافرين فولد كافرا، فأسلم أبوه و هو طفل و بالتبعية حكم بإسلامه أيضا- و لكن بعد ولادته كافرا- ثمّ بلغ و اعترف بالإسلام بعد بلوغه، ثمّ كفر فما هو حكمه؟

نسب إلى كاشف اللثام- كما في الجواهر «2»- أنّه قال: هو أيضا مرتد فطري «3»،

______________________________
(1) الوسائل 28: 325 باب 1 من أبواب حد المرتد، ح 6.

(2) الجواهر 39: 33.

(3) كشف اللثام 2: 437.

محاضرات في المواريث، ص: 179‌

و لا نعلم وجه ذلك، لما ذا يكون هذا مرتدا فطريا مع أنّه مسبوق بالكفر و إسلامه بعد الكفر؟! الظاهر أنّه مرتد ملّي فهو كان كافرا بالولادة، ثمّ أسلم أبوه حال طفولته فتبعه، ثمّ أسلم هو بعد البلوغ، ثمّ كفر فهو مرتد ملّي لأنّه مسبوق بالكفر.

النتيجة:

تحصّل من مجموع ما تقدّم: أنّه من كان محكوما بالإسلام من الأوّل و لم يسبق منه كفر إذا ارتد بعد ذلك فهو مرتد فطري.

و كلّ من كان كافرا ثمّ أسلم ثمّ كفر فكان إسلامه بين كفرين كفر سابق و كفر لاحق فهذا مرتدّ ملّي.

2- الكلام في حكم المرتد:

أمّا المرتد الفطري فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في أنّه بمجرّد ارتداده ينتقل جميع ما يملكه إلى ورثته المسلمين، فارتداده بمنزلة الموت، يعني يحكم بانتقال ماله تعبدا و إن كان في حال الحياة.

و يقتل بلا استتابة و لا أثر لتوبته، فإذا تاب لم يرفع عنه القتل.

و تبين عنه زوجته و تعتد منه عدّة الوفاة، فلا تسقط عنه هذه الأحكام الثلاثة حتّى لو تاب.

و أمّا المرتد الملّي فهو ليس كذلك لا يقتل بل يستتاب فإن تاب فهو كأحد المسلمين و تجري عليه أحكام الإسلام.

و زوجته تبين عنه بالارتداد، و لكن تعتد عدّة الطلاق، فإن لم يتب يقتل- كما‌

محاضرات في المواريث، ص: 180‌

نتكلم فيه فيما بعد.

يبقى الكلام بالنسبة إلى المرتد الفطري:

فقد قلنا إنّه لا تنفع توبته بالنسبة إلى ما مرّ من الأحكام الثلاثة و هي:

تقسيم ماله بين ورثته. و بينونة زوجته منه. و وجوب قتله بلا استتابة.

هذه الأحكام الثلاثة لا إشكال في أنّها تترتب و لا يرتفع منها شي‌ء بالتوبة كما دلت على ذلك بعض الروايات «1».

و أمّا بالنسبة إلى غير ذلك من الأحكام فهل تقبل توبته واقعا بينه و بين اللّه تعالى؟ أو أن توبته لا تقبل و لا أثر لإسلامه و توبته بعد ذلك؟

و على تقدير قبول توبته واقعا فهل تقبل ظاهرا؟ فهل يحكم بطهارة بدنه؟ و هل له أن يتزوج بزوجة مسلمة زوجته الاولى أو غيرها من المسلمات؟ أم ليس له ذلك؟

فيه خلاف:

أمّا بالنسبة إلى قبول توبته واقعا فهذا مما لا ينبغي الشكّ فيه و أنّه مسلم واقعا، و أن اللّه تبارك و تعالى يتوب على من تاب إليه، و قد ورد في الآية المباركة التقييد بالموت كافرا وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ «2» فالآية المباركة قيّدت كون الإنسان ممن حبطت أعماله في الدنيا و الآخرة و هو من أصحاب النار بما إذا مات و هو كافر فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ، و أمّا إذا رجع عن كفره‌

______________________________
(1) راجع الوسائل 26: 27 باب 6 من أبواب موانع الإرث ح 5.

(2) البقرة: 217.

محاضرات في المواريث، ص: 181‌

و مات لا يكون داخلا في الآية المباركة، فلا شكّ في قبول توبته إذا كانت توبته صحيحة، بل و كذا بالنسبة إلى قبول التوبة ظاهرا، و ذلك لإطلاق أدلّة التوبة و بعضها عامّة: «التائب من ذنبه كمن لا ذنب له» «1» و لا فرق في ذلك بين المرتد و غيره، وجوب القتل لا ينافي كونه مسلما، في كثير من الموارد صدق ذلك أنّه مسلم و يجوز قتله، مثل سابّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سابّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام «2» يقتل مع أنّه غير محكوم بكفره، الزاني يقتل في بعض الموارد و هو غير محكوم بكفره، فلا منافاة بين أن يكون الإنسان مسلما و يحكم بجواز أو وجوب قتله من جهة المصلحة العامّة.

فأدلّة التوبة من الكتاب و السنّة شاملة لمثل ذلك، و كذلك ما دلّ على أن من أقرّ بالشهادتين تجري عليه أحكام الإسلام «3» له ما للمسلمين و عليه ما عليهم فذلك يشمل المرتد الفطري إذا تاب و شهد الشهادتين بمقتضى تلك الروايتين يحكم بإسلامه فيحكم بطهارته، و جواز تزويجه من مسلمة سواء كانت زوجته الاولى أو غيرها.

و يدلّ على ذلك أيضا القطع الوجداني بأنّه مكلّف بالأحكام العبادية بعد ما أقرّ بالإسلام و شهد الشهادتين فلا يكون مهملا كأنّه غير موجود كالأنعام، بل هو مكلّف لا محالة و من الظاهر أنّه يعتبر في الصلاة و الصيام الإسلام و لا تصح من‌

______________________________
(1) أصول الكافي 2: 435.

(2) الوسائل 28: 323 باب 1 من أبواب حد المرتد، ح 1.

(3) سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الإسلام و الإيمان .. فقال: «الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس:

شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و إقام الصلاة و إتيان الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان فهذا الإسلام، و قال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإذا أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا» الكافي 2: 24.

محاضرات في المواريث، ص: 182‌

الكافر، فإذا لم يحكم بإسلامه كيف يمكنه الصلاة و الصوم؟! فثبوت التكليف بالصلاة و الصيام يقتضي الحكم بإسلامه، و إلّا يكون تكليفا بما لا يطاق و هو غير ممكن.

هذا أيضا يؤكد ما ذكرناه من أن توبته مقبولة ظاهرا كما هي مقبولة واقعا فيعامل معه معاملة المسلم إن لم يقتل لمانع من الموانع.

يبقى الكلام فيما يكتسبه حال ردّته و قبل توبته، أو بعد توبته- إن قلنا بعدم قبول توبته.

قد تقدّم الكلام في ذلك في الجملة في كتاب الطهارة فقد ذكر صاحب العروة «1» قدّس سرّه هناك أنّه تصح معاملاته بعد توبته بعد ما اختار قبول توبة المرتد الفطري واقعا و ظاهرا.

قلنا و يستفاد ذلك من عبارة المحقّق القمّي قدّس سرّه في (جامع الشتات) «2» في موردين جعل قبول معاملاته و صحة تصرفاته متفرعة على قبول توبته. و كذلك الشهيد قدّس سرّه في (الروضة) «3» و قد ذكر صاحب (الجواهر) «4» قدّس سرّه عبارة الشهيد و لم يعلّق عليها من هذه الجهة أي من جهة توقف صحة التكسب على التوبة فكأنّه متسالم عليه عندهم بأنّه لا يصح تكسّب المرتد حال كونه مرتدا، أو بعد ارتداده- إن قلنا بعدم قبول توبته ظاهرا.

و لكن لا يمكن المساعدة على ذلك بوجه، فإن المطلقات و العمومات شاملة‌

______________________________
(1) التنقيح في شرح العروة الوثقى 4: 198 و ما بعدها.

(2) جامع الشتات 2: 616، باب المواريث، و أمّا في الحدود فلم نعثر على شي‌ء دالّ على ذلك، و قد نبّهنا على ذلك في تعليقتنا رقم (2) ص 145 عند الكلام عن المرتدّ الفطري.

(3) شرح اللمعة 9: 337، و ما بعدها.

(4) الجواهر 6: 296، و ما بعدها.

محاضرات في المواريث، ص: 183‌

لمثل ذلك، فلو فرضنا أنّه حاز شيئا و استولى على شي‌ء من المباحات الأصلية صاد سمكة أو طيرا أو صاد ظبيا أو قطع شجرة من البر، أو نحو ذلك كيف لا يكون مالكا مع أنّه استولى عليه؟! فهو له كسائر المسلمين، و كذا إذا آجر نفسه لعمل من بناء دار أو نقل متاع و غير ذلك، كيف لا يكون مالكا للأجرة مع أنّه مسلط على نفسه تشمله العمومات و المطلقات في أبواب المعاملات؟! فالقول بأنّه لا يملك شيئا بعد ارتداده لا ينبغي أن يقال أصلا و ليس له أي دليل.

فالصحيح أنّه لا فرق بين ما قبل التوبة و ما بعدها بناء على أن التوبة تقبل أو لا تقبل كلّ ذلك على حد سواء، فهو يملك كسائر البشر حاله حال سائر الكفرة.

و أمّا الكلام بالنسبة إلى المرتد الملّي:

فلا شكّ في أنّه لا يقتل ابتداء و إنّما يستتاب فإن تاب و إلّا قتل. و قد دلّت على ذلك صحيحة علي بن جعفر «1» و غيرها من أن القتل إنّما يكون بعد الاستتابة، فإن قتل أو مات انتقلت تركته إلى ورثته، فإن كان فيهم مسلم فهو له، و إلّا فعلى الخلاف المتقدّم في أنّ تركته لورثته الكفار أو أنّها للإمام عليه السّلام و قد تقدّم الكلام فيه مفصلا.

أمّا بالنسبة إلى زوجته فتبين عنه بمجرد ارتداده و تعتد منه عدّة الطلاق على ما صرح به في معتبرة أبي بكر الحضرمي «2»، فيختلف هذا عن الفطري حيث قلنا أن زوجته تعتد عدّة الوفاة.

______________________________
(1) الوسائل 28: 325 باب 1 من أبواب حد المرتد، ح 5.

(2) الوسائل 26: 27 باب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 4.

محاضرات في المواريث، ص: 184‌

و هذه العدّة عدّة بائنة بمعنى أنّه لو تاب في أثناء العدّة ليس له أن يرجع، بل هو خاطب من الخطاب و لا بدّ له من عقد جديد.

نعم لا تعتبر العدّة بالنسبة إلى الزوج بل إنّما تكون بالنسبة إلى غير الزوج، فله أن يتزوجها في أيام عدّتها منه، و قد تقدّم الكلام في ذلك في كتاب النكاح و قلنا إنّه يجوز للزوج أن يتزوج زوجته المعتدة منه عدّة بائنة، كما في الخلع و المبارأة فالطلاق بائن و ليس للزوج الرجوع و لكن إذا أراد أن يتزوج بعقد جديد في أثناء العدّة لا بأس به.

يبقى الكلام في المدة المعتبرة في الاستتابة:

فقد ورد في معتبرة السكوني «1» أن مدة التوبة ثلاثة أيام و القتل يكون في اليوم الرابع إذا لم يتب، و لم يرد تحديد بزمان معين في غير هذه المعتبرة بل يستتاب- كما في صحيحة على بن جعفر «2»- فإن لم يتب يقتل و لو مقدار ساعة واحدة أو أقل أو أكثر.

يبقى الكلام فيما إذا تاب و رجع إلى الإسلام فرفع عنه القتل، ثمّ ارتد بعد ذلك ثانيا، فالحكم هو الحكم الأوّل أيضا لشمول الأدلّة له: مرتد ملّي يستتاب فإن تاب و إلّا قتل، فلو فرضنا أنّه تاب ثمّ ارتد ثالثا، فهل يقتل في الثالثة بلا استتابة، أو أنّه يستتاب فإذا ارتد رابعا يقتل في المرة الرابعة بدون استتابة؟ أو أنّه لا يقتل بل يستتاب و إن تكرر منه كثيرا إذا تاب يقبل منه و لا يقتل؟

ادعى الشيخ قدّس سرّه- على ما نسب إليه في الخلاف «3»- أنّه يقتل في المرة الرابعة بلا‌

______________________________
(1) الوسائل 28: 328 باب 3 من أبواب حد المرتد، ح 5.

(2) الوسائل 28: 327 باب 3 من أبواب حد المرتد، ح 1.

(3) الخلاف 5: 504، مسألة (6).

محاضرات في المواريث، ص: 185‌

استتابة.

و هذه الدعوى لا يمكن تصديقها من الشيخ قدّس سرّه، و ذلك لأن الشيخ سلم بأنّه يقتل في المرة الثالثة، بل الشيخ نفسه نسب ذلك إلى الأصحاب في غير هذا المقام أنّه يقتل في المرة الثالثة.

و على كلّ حال لا دليل على أنّه يقتل في المرة الرابعة.

و أمّا في المرة الثالثة: فقد ذهب جماعة إلى أنّه يقتل فيها، و ذلك لما ورد من أن أصحاب الكبائر يقتلون في المرة الثالثة إذا أجري عليهم الحدّ في المرتين الأوليتين «1»، فلو فرضنا أن رجلا ارتكب كبيرة فيها حد، فأجري عليه الحدّ، ثمّ ارتكبه ثانية أيضا أجري عليه الحد، فإذا ارتكبه ثالثة يقتل، فأصحاب الكبائر إذا أجري عليهم الحدّ مرتين في المرة الثالثة يقتلون.

إلّا أن الاستدلال بهذه الصحيحة لا يتم في المقام، إذ المفروض أنّه لم يجر عليه أي حد، حدّه القتل و لم يقتل، موضوع الصحيحة ما إذا أجري الحدّ مرتين ففي المرة الثالثة لا يجري الحدّ بل يقتل، و محل كلامنا عدم جريان الحدّ أوّلا و ثانيا لأنّه تاب و لم يقتل، فليس هنا أي دليل على وجوب القتل في المرة الثالثة أو المرة الرابعة لأنّ كلّ ذلك لم يحصل.

بل الظاهر أن الحكم جار و هو الاستتابة و لو فرضنا أنّه استتابه في المرة الخامسة و ما بعدها لا يقتل.

يبقى الكلام في روايتين ربّما يتمسك بهما في وجوب القتل في المرة الثالثة:

إحدى الروايتين: عن جميل «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه يستتاب فإذا تاب يرفع‌

______________________________
(1) الوسائل 28: 19 باب 5 من أبواب مقدّمات الحدود و أحكامها العامّة، ح 1.

(2) الكافي 7: 256، باب حدّ المرتد، ح 5.

محاضرات في المواريث، ص: 186‌

عنه القتل، و في المرة الثانية كذلك سئل جميل عن المرة الثالثة ما ذا يفعل به؟ فقال:

(إني لم أسمع فيه شي‌ء و لكن ورد في الزنا أنّه إذا أجري عليه الحدّ مرتين ففي الثالثة يقتل، فهذا أيضا كذلك) فقد قاس الارتداد بالزنا فكما أن الزاني يقتل في المرة الثالثة كذلك المرتد يقتل في المرة الثالثة، فيستدل بهذه الرواية على لزوم القتل في الثالثة بلا استتابة.

و لكن الرواية ضعيفة أوّلا فإن في سندها (علي بن حديد) و هو لا يعتمد على روايته، فهي ساقطة من جهة السند.

و ثانيا: إن ما ذكر في الرواية إنّما هو فتوى جميل قياسا للمقام بالزنا، فهو قد صرح بأنّه لم يسمع فيه شيئا، فقوله بالقتل في المرة الثالثة من جهة اجتهاده المستند إلى القياس.

فالرواية ساقطة سندا و دلالة و لا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء.

الرواية الثانية: ما رواه جابر في رواية الكليني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1»، و في رواية الشيخ عن أبي جعفر عليه السّلام «2»: أن نصرانيا أسلم ثمّ بعد ذلك رجع إلى النصرانية، فشهد عليه شهود عند أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه ارتد و رجع إلى الكفر فسأله الإمام عليه السّلام قال: «ما تقول فيما يقول هؤلاء»، فقال: صدقوا و لكنّي أرجع إلى الإسلام، فقال عليه السّلام: «أما أنّك لو كذّبت الشهود لضربت عنقك باعتبار أن الشهود عدول و قد شهدوا بارتدادك فلا يسمع إنكارك فكنت أضرب عنقك، و لكن بما أنّك صدقت و رجعت فليس عليك شي‌ء، و لكن إذا رجعت إلى الكفر قتلتك و لم‌

______________________________
(1) الكافي 7: 257، ح 9.

(2) التهذيب 10: 137، ح 6.

محاضرات في المواريث، ص: 187‌

اعف عنك» «1» هذا مضمون الرواية.

هذه الرواية أيضا غير قابلة للاستدلال بها على لزوم القتل في المرة الثالثة: أمّا أوّلا فلضعف السند و لا أقل من جهة (عمرو بن شمر) الذي هو في سند هذه الرواية و هو ضعيف، فالرواية غير قابلة للاستدلال بها.

و أمّا من جهة الدلالة فليس فيها دلالة على المرة الثالثة، بل الظاهر منها وجوب القتل في المرة الثانية قال عليه السّلام: «إذا رجعت قتلتك و لم اعف عنك»، فمعناه أنّه يقتل في المرة الثانية، مع العلم أنّه لا يقتل في المرة الثانية جزما.

على أن متن الرواية غير قابل للتصديق، فقوله عليه السّلام- لو صحت الرواية-: لو كذبت الشهود لضربت عنقك، فلنفرض أنّه كذب الشهود تكذيبه للشهود رجوع إلى الإسلام كتكذيب الزوج طلاق زوجته في العدّة الرجعية- على ما ذكر في محله- يكون إنكاره رجوعا، فإنكار هذا الرجل الرجوع إلى الكفر اعتراف منه بالإسلام فيكون توبة منه.

و لنفرض أنّه ليس بتوبة لما ذا يضرب عنقه؟! مرتد ملّي يستتاب فيأمره الإمام بالتوبة فإن لم يتب يضرب عنقه، و أمّا أنّه يضرب عنقه بلا استتابة هذا غير قابل للتصديق.

فالرواية ساقطة سندا و دلالة.

فالصحيح أنّه لا يقتل لا في المرة الثالثة و لا في الرابعة بل يستتاب إن تاب فهو و إلّا فيقتل في أي مرة كان.

هذا كلّه في المرتد الملّي و الفطري إذا كان رجلا.

______________________________
(1) الوسائل 28: 328 باب 3 من أبواب حد المرتد، ح 4.

محاضرات في المواريث، ص: 188‌

الكلام فيما إذا ارتدّت المرأة

أمّا إذا ارتدّت المرأة فلا تقتل بارتدادها و لو كان عن فطرة بلا خلاف بين الفقهاء.

و يدلنا عليه عدّة من الروايات الصحيحة، فقد دلّت الصحاح على أنّها لا تقتل و لكنها تستتاب و تضرب في أوقات الصلاة، و تلبس خشن الثياب، و يضيّق عليها، و تستخدم، و تستر أي لا يكون لها حرية بل تكون مستورة إلى أن تتوب، و الحكم مستفاد من عدّة روايات صحيحة «1» و لا إشكال فيه أبدا.

و لكن بإزاء ذلك صحيحة أحمد بن قيس «2» ففي هذه الصحيحة إن وليدة أسلمت فولدت لسيدها ولدا، ثمّ بعد ذلك مات سيدها، و تزوجت من نصراني و تنصّرت فولدت من النصراني ولدين و هي حامل بالثالث، ففي هذه الصحيحة ذكر أن أمير المؤمنين عليه السّلام قضى بأن الوليدين الذين ولدتهما بعد التنصّر هما عبدان للولد الأوّل، و هي تستتاب فإن تابت، و إلّا تنتظر إلى أن تضع ثمّ تقتل).

هذه الرواية رواية شاذة و لا عامل بها و لا يمكن العمل بها إذا لم يظهر أي وجه لأن يكون الولدان عبدين للولد الأوّل، ما هو الوجه في عبوديتهما للولد الأوّل؟!

______________________________
(1) راجع الوسائل 28: 330 باب 4 من أبواب حدّ المرتد.

(2) الوسائل 26: 26 باب 6 من أبواب موانع الإرث، ح 2.

محاضرات في المواريث، ص: 189‌

ليس هو بملك للأمّ و ليس له أي علاقة بالولدين.

ثمّ إن المفروض أن الارتداد هنا ارتداد ملّي، فالمرأة كانت نصرانية أوّلا، ثمّ بعد ذلك أسلمت فولدت، ثمّ تنصّرت فولدت ولدين و هي حامل بالثالث، و المرتد الملي حتّى إذا كان رجلا لا يقتل فكيف تقتل المرأة المرتدة عن ملّة لا عن فطرة؟! فالرواية شاذة لا بدّ من رد علمها إلى أهله.

و قد وجهها الشيخ قدّس سرّه بتوجيه بعيد جدا لا موجب له بل لا بدّ من طرحها ورد علمها إلى أهله.

فالحكم مما لا إشكال فيه و لا خلاف من أنّها تستتاب و يضيّق عليها، و تحبس و تضرب في أوقات الصلاة و تلبس خشن الثياب على ما دلّت عليه الروايات الصحيحة.

ثمّ إنّها تبين من زوجها بارتدادها، و ذلك لأن زوجة المسلم لا تكون كافرة لقوله سبحانه وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ «1» الكافرة لا تكون زوجة للمسلم، و بما أنّها بارتدادها تكون كافرة تبين عن زوجها المسلم.

نعم ثبت بدليل خارجي جواز تزويج المسلم بكتابية متعة بلا إشكال، و دواما على قول- و هو الصحيح يجوز التزويج من الكتابية- كما أن الزوجين إذا كانا كافرين و أسلم الزوج تبقى الزوجية و لا تزول بإسلام الزوج، أيضا ثبت هذا بالدليل. و أمّا غير ذلك فيحكم ببطلان الزوجية لأن الكافرة لا تكون زوجة للمسلم، لأنّ الإمساك بعصم الكوافر ممنوع. و هذا أيضا مما لا إشكال فيه.

و لا بدّ لها من العدّة، و ذلك لما دل من الإطلاقات على أن التقاء الختانين‌

______________________________
(1) الممتحنة: 10.

محاضرات في المواريث، ص: 190‌

يوجب الغسل، و يوجب العدّة و يوجب الحد، فإذا فرضنا أنّها كانت مدخولا بها لا بدّ لها من العدّة، و العدّة عدّة الطلاق كما هو المنصرف إليه من هذه اللفظة، عدة الوفات تحتاج إلى قرينة، كما كانت القرينة موجودة فيما إذا ارتد الزوج و كان ارتداده عن فطرة، قلنا: إن زوجته تعتد عدة الوفاة ثبت هذا بدليل، و إلّا فالعدة ظاهرة في عدة الطلاق كما في وطي الشبهة و غير وطي الشبهة، في أي مورد ثبتت العدة تنصرف إلى عدة الطلاق.

إذا يختلف الحال بين المرأة و بين الرجل.

كما أن المرأة إذا ارتدت عن فطرة لا تنتقل أموالها إلى ورثتها، بل لا بدّ من الموت و ما لم تمت أموالها باقية على حالها و هي تستتاب، فإذا تابت يرفع اليد عنها، و إلّا فيجري ما تقدّم. بخلاف الرجل فإنّه لا يستتاب و لا تقبل منه التوبة على ما في صحيحة محمّد بن مسلم إنّما تقبل التوبة من المرأة لا من الرجل.

اعتبار القصد في الارتداد:

ثمّ إن الارتداد و هو إظهار الكفر بعد الإسلام لا بدّ و أن يكون عن قصد، فلو سبق لسانه بالكفر مثلا لا يحكم بارتداده جزما، لأنّه غير مقصود، فلا يحكم بكفره من جهة سبق اللسان.

كما أنّه يعتبر فيه العقل فالمجنون رفع القلم عنه لا يؤخذ بشي‌ء من أقواله و أفعاله، فلو فرضنا أن مجنونا أظهر الكفر لا يحكم بارتداده بل هو باق على الإسلام.

و كذلك الصبي فهو أيضا رفع القلم عنه و لا يؤخذ بشي‌ء من أقواله و أفعاله،

محاضرات في المواريث، ص: 191‌

فلو أظهر الكفر لا يؤخذ بإقراره و لا يحكم بكفره بل تجري عليه أحكام الإسلام كما كان سابقا إلى أن يبلغ فيظهر الكفر بعد بلوغه، فالصبي أيضا حاله حال المجنون.

و كذلك المكره لو فرضنا أنّه أجبر على أن يتلفّظ بما هو موجب للكفر من إنكار الصانع أو النبوّة أو المعاد أو ما يرجع إلى شي‌ء من ذلك، فأظهر الكفر مكرها أو خوفا من القتل أو شبه القتل أيضا لا يحكم بكفره قال تعالى إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» فهذا لا بأس به بمقتضى الآية المباركة و بمقتضى ما دل على رفع ما استكرهوا عليه «2»، فلا يحكم بارتداده.

حكم من أظهر الكفر ثمّ ادّعى الإكراه:

بقي الكلام فيما إذا أظهر الكفر و ادعى أنّه كان مكرها على ذلك، فهل تسمع منه هذه الدعوى أو لا تسمع ما لم يثبت بقرينة أنّه كان مكرها؟ فلو لم تكن هناك قرينة دالة على الإكراه يحكم بأن الفعل صادر عن إرادة و عن اختيار فيحكم بكفره؟

فيه كلام:

نسب إلى المشهور أنّه يسقط عنه الحد إذا ادعى الإكراه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، و هذا من موارد الشبهة لا يعلم أن هذا الكلام صدر عنه عن إكراه أم أنّه صدر عن اختيار فهو من موارد الشبهة، و الحدود تدرأ بالشبهات فلا يقتل.

و لكن الصحيح أنّه لا أثر للدعوى ما لم تثبت بقرينة، و الوجه في ذلك أن ما ذكر من أن الحدود تدرأ بالشبهات ليس لهذه الرواية أصل، و إنّما هي مرسلة رواها‌

______________________________
(1) النحل: 19.

(2) راجع أصول الكافي 2: 462 باب ما رفع عن الامة.

محاضرات في المواريث، ص: 192‌

الشيخ الصدوق قدّس سرّه و لم تثبت بطريق معتبر.

و لو فرضنا أنّها كانت معتبرة لا يراد بالشبهات الاحتمال الواقعي، و ذلك لأن الاحتمال و الشبهة بالنسبة إلى الواقع محتملة في أكثر الحدود من الزنا و شرب الخمر و السرقة و غير ذلك احتمال أنّه كان معذورا موجود في الخارج، إذا رأينا أحدا يشرب الخمر مثلا أو يزني أو غير ذلك مما يجب فيه الحد فاحتملنا أنه معذور في الواقع، أ يكتفي بذلك و لا يحد؟ ففي أكثر موارد الحدود نجد أن الشبهة الواقعية موجودة.

فالمراد بالشبهة المشتبه واقعا و ظاهرا، و في مقامنا الشبهة الظاهرية غير موجودة، بل يحمل الفعل على أنّه اختياري، لأن الإكراه أمر حادث و الأصل عدمه، صدر منه الفعل بإرادته و نشك في الإكراه، الأصل أنّه غير مكره و يشمله ما دل على الارتداد بالكفر، فلا شبهة في المقام، و إنّما الشبهة تتحقق فيما إذا كان مشتبها واقعا و ظاهرا، ففي مثل ذلك لا يحكم بالحد فيدرأ الحد بالشبهة على فرض أن تكون هذه الرواية معتبرة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net