فصل العفو عن بعض النجاسات: دم الجروح والقروح 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌4   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7669

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌4، ص: 263

[فصل العفو عن بعض النجاسات]

______________________________
العفو عن بعض النجاسات في الصلاة‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 264‌

..........

______________________________
يعفى في الصلاة عن بعض النجاسات:

الأوّل: دم الجروح و القروح الثاني: الدم الأقل من الدرهم الثالث: نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة الرابع: المحمول المتنجس الخامس: نجاسة ثوب المربّية للصبيّ السادس: كل نجس حال الاضطرار

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 266‌

[الأول دم القروح و الجروح]

______________________________
«الأوّل» مما يعفى عنه في الصلاة:

دم الجروح و القروح ما لم تبرأ.

حكم الجروح الجزئية.

تعدى الدم إلى البدن و اللباس على الوجه المتعارف.

القيح، و الدواء، و العرق المتنجس بدم الجروح، الرطوبة الخارجية.

تلوث اليد في مقام العلاج.

دم البواسير.

القروح و الجروح الباطنية.

دم الرعاف.

الدم المشكوك.

القروح و الجروح المتعددة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 267‌

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة و هو أمور:

«الأوّل»: دم الجروح و القروح ما لم تبرأ (1)، في الثوب أو البدن.

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة دم الجروح و القروح

______________________________
(1) لا خلاف و لا إشكال في العفو عن دم الجروح و القروح في الصلاة في الجملة، و إنّما اختلفت كلماتهم في حدّ العفو و القيود المعتبرة فيه، و أنّه هل الحد فيه البرء؟ أو المشقة في الإزالة؟ أو سيلان الدم؟ أو الأخيران معا؟

نسب القول الأوّل- أعني التحديد بالبرء- إلى ظاهر الصدوق، و صريح جملة من المتأخرين، بل أكثرهم، و اختاره المصنف «قده». و هو الصحيح، كما ستعرف استظهاره من الأخبار الآتية.

و نسب القول الثاني- أعني التحديد بأحد القيدين- إلى جملة من الأصحاب.

و ذهب إلى القول الثالث- أعني اعتبار كلا القيدين المشقة في الإزالة، و دوام السيلان المراد به أن لا تكون هناك فترة تسع الصلاة- المحقق في الشرائع و غيره. بل عن كاشف الغطاء: نسبة اعتبارهما- تارة- إلى الأكثر، و- أخرى- إلى المشهور. فيكون حال من به القروح أو الجروح حال صاحب السلس، و البطن، و المستحاضة، و دائم النجاسة.

أقول: لو كان المدار في العفو على مشقة الإزالة كان العفو حينئذ مقتضى قاعدة نفي الحرج، من دون حاجة إلى دليل خاص. و لم تكن حينئذ أيّة خصوصيّة للدّمين تقتضي إفرادهما بالبحث، بل كان الحكم جاريا في جميع النجاسات، بل المتنجسات الّتي تشق إزالتها، و مقتضى القاعدة حينئذ و‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 268‌

..........

______________________________
إن كان سقوط الصلاة- لعدم التمكن من رفع النجاسة، فلا يتمكن المكلف من تحصيل الطهارة الخبثيّة الّتي هي شرط في الصلاة، فلا بدّ من سقوط التكليف بها، لانتقاذ المشروط بانتفاء شرطه- إلّا أنّه قام الإجماع- بل الضرورة- على أنّ الصلاة لا تسقط بحال، فيكون حال من في بدنه أو ثوبه الدمان حال المسلوس و المبطون و المستحاضة، في اقتضاء قاعدة نفي الحرج عدم اعتبار الطهارة فيهم. و إن أمكن الفرق بين الموردين، بأنّه لو لا الدليل الخاص لزم الحكم بعدم وجوب الصلاة على المسلوس و المبطون، لعدم تمكنهما من الطهارة الحدثيّة، و لا صلاة إلّا بطهور. و هذا بخلاف الفاقد للطهارة الخبثية، فإنّه متمكن من الطهارة من الحدث.

و على الجملة: لو كان حدّ العفو مشقة الإزالة أو السيلان الفعلي لم يكن وجه لأفراد هذين الدّمين بالذكر، عدا متابعة النصوص. مع أنّها ظاهرة فيما يعم قاعدة الحرج. فإذا لا بدّ من التصرف في كلمات الأصحاب، بحمل المشقة فيها على المشقة العرفية الحاصلة من احتياجها- في أغلب أوقات الصلاة- إلى التطهير، دون الحرج الرافع للتكليف. و بحمل السيلان في كلماتهم على ما كان له استعداد الجريان على نحو يكثر في الخارج و يتكرر تلبسه بالجريان الفعلي- كما هو الغالب في أفراد الجروح و القروح- لا ما كان جاريا بالفعل على نحو الاستمرار و الدوام، فإنّه من الأفراد النادرة فيها.

و كيف كان فالمتبع هو ما يفهم من أخبار الباب. و الذي يقوى في النظر هو ورودها في غير ما يكون سقوطه بمقتضى دليل نفي الحرج. و المستفاد منها ثبوت العفو إلى حد البرء، فلا يعتبر شي‌ء من القيدين. و هي أخبار مستفيضة:

منها: موثقة أبي بصير، قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو يصلّي،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 269‌

..........

______________________________
فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دما. فلما انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما. فقال لي: إنّ بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ»
«1».

و مقتضى التحديد بالبرء في الجواب هو عدم وجوب الغسل قبله، سواء أ كان فيه مشقة أم لا، و سواء أ كان الدّم سائلا أم لا.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي، كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي و إن كانت الدماء تسيل» «2».

و كلمة: «إن» الوصليّة تدل على أنّه على تقدير عدم السيلان أولى بالعفو. و كأنّه بيان للفرد الخفي، لأنّ المتعارف عدم سيلان الدم مستمرّا على نحو لا تكون هناك فترة ينقطع فيها الدّم، ففرض الاستمرار في السؤال بقوله:

«فلا تزال تدمي» لا ينافي إطلاق الجواب الّذي هو المعيار في الاستدلال.

مضافا إلى إمكان حمله على الإدماء المتعارف.

و منها: صحيحة ليث المرادي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل تكون به الدّماميل و القروح، فجلده و ثيابه مملوة دما و قيحا، و ثيابه بمنزلة جلده؟ فقال: يصلّي في ثيابه و لا يغسلها، و لا شي‌ء عليه» «3».

و مقتضى ترك الاستفصال في الجواب بين السيلان و عدمه، أو كون الغسل حرجيا أم لا هو العفو ما دام لم يبرء.

و منها: موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الدّمل يكون‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 4.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 5.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 270‌

..........

______________________________
بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه، و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة»
«1».

و هي- أيضا- كسابقتها في الإطلاق.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه، فيسيل منه الدّم و القيح فيصيب ثوبي؟ فقال: دعه فلا يضرك أن لا تغسله» «2».

و هذه- أيضا- كسابقتها، لأنّ الظاهر من فرض السيلان في كلام السائل هو كونه مقدمة لإصابة الثوب كما هو المتعارف، لا خروج الدم مستمرا على نحو لا ينقطع أبدا، كما هو الفرد النادر. و عليه يكون عدم الاستفصال في الجواب بين المستمر و غيره دالا على إناطة الحكم بعدم البرء.

و أما الروايات الّتي يستدل بها على اعتبار السيلان الفعلي:

فمنها: مرسلة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدّم» «3».

بدعوى: دلالة مفهوم الشرط- في صدرها- على أنّه لو لم يكن دم الجرح سائلا يغسله. مضافا إلى تحديد عدم وجوب الغسل- في ذيلها- بانقطاع الدم، فلو كان الحدّ هو البرء كان ذكر انقطاع الدم مستدركا. و هذا يكون قرينة على أنّ المراد بالبرء فيها هو البرء عن سيلان الدم، لا البرء الحقيقي بمعنى الاندمال.

______________________________
(1) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 8.

(2) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

(3) وسائل الشيعة: ج 2 ص 1028 في الباب 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 7.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 271‌

..........

______________________________
و يدفعها أوّلا: أنّها ضعيفة بالإرسال، فإنّ في طريقها محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن سماعة. و لم يعلم من هو كما أنّه لم يثبت عدم رواية ابن أبي عمير إلّا عن الثقات بعد ما عثرنا عليه من روايته عن غير الثقة أيضا. فالرواية ضعيفة بالإرسال. فما في بعض الكلمات من التعبير عنها بالموثقة في غير محله.

و ثانيا: أنّها قاصرة الدلالة على تحديد العفو بالسيلان. و ذلك، أما بلحاظ مفهوم الصدر فلعدم وجود مفهوم للشرط، لأنّ السيلان لم يكن شرطا بل هو قيد للشرط، فيكون مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا كان بالرجل جرح سائل.» أنّه إذا لم يكن به جرح سائل فيغسله، فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع. و يكون المعنى: أنّه يجب الغسل إذا لم يكن به جرح رأسا. نعم لو كانت العبارة هكذا: إذا سال الجرح فلا يغسله، كان مفهومها أنّه إذا لم يسل يغسله. نعم لو كان هناك مفهوم لكان هو مفهوم الوصف و قد التزمنا بثبوته في الجملة في محله.

إلّا أنّ ذلك إنّما يتم فيما إذا لم يكن فائدة لذكر القيد إلّا دخله في الحكم بحيث لو لاه لكان ذكره لغوا، و إلّا فلا مفهوم له. و ذكر السيلان في المقام إنّما يكون لإفادة إصابة الدم للثوب الذي هو لباس المصلّي، لظهور الكلام في العناية إلى تفهيم ذلك دون نجاسة البدن بالدم الخارج من الجرح و إن لم يصب ثوبه. و أما بلحاظ التحديد بالانقطاع في ذيلها، فلأنّ الظاهر أنّ المراد الانقطاع عن برء أي الانقطاع بالمرة، و إلّا لكان ذكر البرء قبله لغوا. فيكون عطف انقطاع الدم على البرء من باب عطف التفسير و البيان.

و منها: مضمرة سماعة، قال: «سألته عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه؟ قال: يصلّي، و لا يغسل ثوبه كل يوم إلّا‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 272‌

..........

______________________________
مرّة، فإنّه لا يستطيع أنّ يغسل ثوبه كل ساعة»
«1».

بدعوى: أنّ قوله عليه السّلام: «فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة.»‌

علة لعدم وجوب غسل الثوب في اليوم إلّا مرة واحدة، و عدم استطاعة الغسل لا يكون إلّا مع استمرار الدم، و إلّا فمع الانقطاع يستطيع غسل الثوب في أوقات الصلوات، لأنّ المراد بكل ساعة إنّما هي ساعات الصلاة لا مطلق الساعات، إذ لا يحتمل وجوب غسله على هذا الوجه، لعدم كونه من الواجبات النفسيّة.

و يدفعها أوّلا: أنّ الرواية مضمرة لا يمكن الاعتماد عليها، إذ لم يثبت أن سماعة لا يضمر إلّا عن الإمام عليه السّلام.

و ثانيا: أنّها قاصرة الدلالة على اعتبار السيلان في العفو، لأنّه لو كان عدم استطاعة الغسل علة لعدم وجوبه- بحيث يدور الحكم مداره وجودا و عدما- للزم القول بوجوبه على من استطاعة من دون مشقة. أو بوجوب تبديل الثوب الذي هو بمنزلة الغسل لو تمكن منه، مع أنّ القائل باعتبار السيلان لم يلتزم بذلك.

بل لم يلتزم بوجوب غسل الثوب حتّى مرة واحدة في كل يوم لو استمر الدم، و حمل الأمر به- في هذه الرواية و غيرها- على الاستحباب.

فإذا لا بدّ من حمل التعليل المذكور على بيان الحكمة للعفو تقريبا للذهن، فلا يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، فيكون العفو ثابتا و لو تمكن من غسل ثوبه أو تبديله.

و لو سلم كونه علّة للعفو، بحيث يدور الحكم مداره وجودا و عدما،

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1028 في الباب: 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 273‌

..........

______________________________
لدلت الرواية على العفو ما لم يستطع الغسل عند أوقات الصلاة، سواء أ كان الجرح سائلا أم لا. لأنّ المراد من كل ساعة إنّما هي ساعات الصلاة التي يحتاج فيها إلى تطهير ثوبه دون مطلقها. و عليه فلو انقطع الدم في الأثناء و لكنّه خرج قبل الصلاة و كان في غسله مشقة على المصلّي، كان معفوا عنه و أين هذا من اعتبار السيلان المستمر في العفو، كما يقول به القائل المذكور؟

بل لا دلالة في الرواية على اختصاص العفو بصورة مشقة الغسل عند أوقات الصلاة أيضا، لأنّ الظاهر أنّ التعليل بعدم الاستطاعة يكون جاريا على طبق فرض السائل، فإنّ مفروض سؤاله عدم استطاعة ربط الجرح أو غسله، فجرى الإمام عليه السّلام في الجواب مجرى سؤال السائل في ذكر القيد المذكور. فإذا لا دلالة لها على اختصاص العفو بصورة مشقة الغسل عند أوقات الصلاة، بل غايته الدلالة على العفو في هذه الصورة، فلا تنافي ثبوته في غيرها أيضا بمناط آخر.

بل يمكن أنّ يقال: بعدم دلالتها حتّى على كونه علة للعفو في صورة المشقة عند أوقات الصلاة، لظهور التعليل المذكور في كونه تعليلا لعدم وجوب الغسل إلّا مرة واحدة- أي للمجموع من حيث المجموع- فيكون في الحقيقة علة للأمر بغسل الثوب مرة واحدة في كل يوم، و هذا أمر آخر غير أصل العفو. و حيث أنّه لم ينقل عن أحد القول بوجوب الغسل مرة واحدة في كل يوم حتّى في فرض السيلان، فلا بدّ من حمل الأمر به على الاستحباب، و تكون النتيجة حينئذ: أنّ التعليل بعدم الاستطاعة إنّما هو لحكم استحبابي، و هو استحباب الغسل مرة واحدة في كل يوم، و إلّا فالعفو عن أصل الدّم في الصلاة له علّة أخرى غير المشقة في الغسل.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، المروية في السرائر عن كتاب البزنطي،

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 274‌

..........

______________________________
قال: «قال: إنّ صاحب القرحة، التي لا يستطيع صاحبها ربطها، و لا حبس دمها، يصلّي، و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة»
«1».

بدعوى: دلالتها على اعتبار عدم استطاعة حبس الدم من جهة استمرار الجريان كما قيّد به في كلام الإمام عليه السّلام. و لا يضرها الإضمار- كما قيل «2»- لبعد إضمار محمّد بن مسلم- مع جلالة شأنه- عن غير الإمام عليه السّلام، فلا مجال للمناقشة في سندها.

نعم إنّما يناقش في دلالتها، أمّا أوّلا: فبأنّه لو قلنا بثبوت المفهوم للقيد المذكور لزم اعتبار عدم استطاعة ربط الجرح أيضا، و لم يلتزم به أحد حتّى القائلين باعتبار السيلان. و أمّا ثانيا: فبأنّ عدم استطاعة حبس الدّم لا يلازم استمرار السيلان- كما في الحائض و نحوها- بل يصدق حتّى مع الفترة في البين، كما لو أدمي الجرح كل أربع ساعات- مثلا- فالمراد من حبس الدم حبسه بالمرّة بحيث لا يصيب الثوب أصلا.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه، فيسيل منه الدّم و القيح فيصيب ثوبي؟ فقال: دعه، فلا يضرك أنّ لا تغسله» «3».

بدعوى: دلالتها على اعتبار السيلان المستمر في العفو.

و يدفعها: أنّ القيد المذكور مأخوذ في كلام السائل، فأجابه الإمام عليه السّلام في مفروض سؤاله: بأنّه يدعه و لا يضره أن لا يغسله، و مثله لا يدل على‌

______________________________
(1) كما في هامش الوسائل ج 2 ص 1029. و في السرائر ص 474.

(2) كالمحقق الهمداني في مصباح الفقيه، كتاب الطهارة ص 588.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1028 في الباب: 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 275‌

..........

______________________________
اعتبار القيد في موضوع الحكم دائما. بل لا دلالة للسؤال على الاستمرار، لأنّ ذكر سيلان الدم و القيح فيه لكونه مقدمة لإصابة الثوب، و هو مما يتحقق حتّى مع الفترة في الأثناء.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنّه لا دليل على اعتبار شي‌ء من القيدين- السيلان المستمر و المشقة في الغسل- في العفو عن دم الجروح و القروح، بل العبرة بعدم البرء كما ذكرناه، فما لم تبرأ يعفى عن دمها في الصلاة مطلقا. سواء أ كان فيها إدماء أم لا، و سواء أ كان في غسلها مشقة أم لا.

ثمّ إنّه بقي الكلام فيما دل عليه صحيحة محمّد بن مسلم و مضمرة سماعة المتقدمتين «1» من الأمر بغسل الثوب في كل يوم مرة، و ظاهر هما و إن كان الوجوب، فيقيد بهما إطلاق سائر الروايات. و لكن لا يمكن الأخذ بظاهرهما.

أما أوّلا: فلعدم إفتاء أحد من الأصحاب- فيما نعلم- بالوجوب و إن مال إليه صاحب الحدائق «2» «قده» معترفا بعدم وجدان القائل به و هذا أقوى شاهد على عدم الوجوب. لا بمعنى أنّ إعراض المشهور عن رواية معتبرة يوجب قدحها، فإنّا لم نلتزم بذلك فيه و لا في عكسه، كما مرّ غير مرة.

بل بمعنى أنّ عدم إفتائهم بالوجوب في مسألة يكثر الابتلاء بها لعامة الناس يكون شاهدا على عدمه، و إلّا لظهر و بان. نظير ما ذكرناه في الإقامة من أنّها لو كانت واجبة لم تكن ليخفى وجوبها على أحد، لكثرة الابتلاء بها يوميا، فالأمر الوارد فيها و في المقام محمول على الاستحباب لا محالة.

______________________________
(1) في الصفحة: 271 و 273.

(2) ج 5 ص 304.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 276‌

قليلا كان أو كثيرا، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقة أم لا (1).

نعم يعتبر أنّ يكون مما فيه مشقة نوعية (2)، فإن كان مما لا مشقة في تطهيره، أو تبديله على نوع الناس فالأحوط إزالته أو تبديل الثوب. و كذا

______________________________
و أما ثانيا: فلإباء بعض المطلقات المتقدمة عن التقييد بذلك كموثقة أبي بصير.

فإنّ قوله عليه السّلام فيها: «و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» «1» يأبى عن التقييد المذكور، لبعد عدم تمكن الإمام عليه السّلام من غسل ثوبه في اليوم و لو مرة واحدة. و نحوه قوله عليه السّلام في مرسلة سماعة: «لا يغسله حتّى يبرء و ينقطع الدّم» «2». و هذه قرينة أخرى على الحمل على الاستحباب، كما عن جمع التصريح به «3».

(1) لإطلاق الروايات المتقدمة. و عدم صلاحية ما توهم دلالته على التقيد بالسيلان و المشقة في الإزالة لذلك، كما تقدم آنفا.

(2) الوجه في اعتبار المشقة النوعية- و كذا فيما ذكره بعد ذلك من كون الجرح مما يعتد به و له ثبات و استقرار- هو اختصاص نصوص العفو بذلك، أي بما كان فيه الأمران، فإنّ قوله عليه السّلام في موثقة أبي بصير: «إنّ بي دماميل» «4». و كذا فرض السائل في قوله في صحيحة محمّد بن مسلم:

«سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي» «5»، و قوله في صحيح ليث المرادي: «الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوة دما‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 269.

(2) المتقدمة في الصفحة: 270.

(3) كما في الحدائق ج 5 ص 304.

(4) تقدم في الصفحة: 268- 269.

(5) تقدم في الصفحة: 269.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 277‌

يعتبر أنّ يكون الجرح مما يعتد به و له ثبات و استقرار (1). فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها، و لا يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس (2) نعم يجب شده إذا كان في موضع يتعارف شده (3).

______________________________
و قيحا»
«1» و غير ذلك من المضامين الواردة في روايات الباب، ظاهرة- بل صريحة- فيما يكون في تطهيره أو تبديله أوقات الصلاة مشقة نوعيّة، و إن فرض عدم المشقة على شخص خاص لموجب خارجي، كحرارة الهواء، أو تعدد ثيابه الّتي يراد تبديلها.

كما أنّ موردها ليست من القروح و الجروح الخفيّة التي تزول بالغسل بسهولة فمثلها باق تحت إطلاق أدلة المنع.

(1) فما لا ثبات له و لا استقرار- كالجروح، أو القروح الجزئية- يجب إزالتها، لإطلاق أدلّة المنع، و عدم شمول نصوص العفو لها. لما ذكرناه آنفا من اختصاصها بما لها ثبات و استقرار، و يكون في إزالتها مشقة نوعيّة.

(2) لإطلاق روايات «2» العفو. مع أنّها في مقام بيان وظيفة المصلّي الذي يكون به قروح و جروح دامية، فلو كان المنع عن التنجيس معتبرا في العفو لزم بيانه.

(3) حكي «3» القول بوجوب تعصيب الجرح عن بعضهم. و لكن عن الشيخ «قده» دعوى الإجماع على عدم وجوبه. و كذا تقليل الدم، بل يصلّي كيف كان و إن سال الدم و تفاحش إلى أن يبرء. و هو الصحيح، لعدم دليل يمكن الاعتماد عليه في وجوب الشدّ. و لم يظهر الفرق بينه و بين المنع عن‌

______________________________
(1) تقدم في الصفحة: 269.

(2) وسائل الشيعة الباب: 22 من أبواب النجاسات، الحديث: 1، 3، 4، 5، 7، 8.

(3) الجواهر ج 6 ص 105.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 278‌

..........

______________________________
التنجيس، حيث قال المصنف «قده» بعدم وجوبه و وجوب الشدّ، مع أنّه أحد مصاديق المنع، فإنّه- تارة- يحصل به،- و أخرى- يحصل برفع الثوب عن البدن و نحو ذلك حال خروج الدم.

و كيف كان فلم يتضح لنا دليل على وجوب الشدّ، سوى مفهوم صحيحة محمّد بن مسلم عن البزنطي. لقوله عليه السّلام فيها: «إنّ صاحب القرحة- الّتي لا يستطيع صاحبها ربطها، و لا حبس دمها- يصلّي، و لا يغسل ثوبه.» «1».

فإنّ مفهوم التقييد بعدم استطاعة ربط القرحة هو عدم العفو لو استطاع ربطها. و هذا معنى ما ذكرناه في محله من ثبوت المفهوم للقيد فيما لم يكن هناك فائدة أخرى للتقييد به تنافي ظهورها في المفهوم و عدم كفاية مجرد الطبيعة في ثبوت الحكم، لظهور القيد في كونه احترازيا، كما هو الأصل في القيود الكلاميّة.

هذا و لكن لا يمكن العمل بالمفهوم في هذه الصحيحة، أما أوّلا فلاستلزامه العمل بالقيد الآخر أيضا، و هو حبس الدم. و هذا مما لم يلتزم به أحد حتّى المصنف «قده»، حيث أنّه يقل بالمنع عن التنجيس- كما عرفت- فإنّ حبس الدم لا يراد به إلّا ذلك، لأنّ الغرض منه ليس هو إلّا عدم سراية الدم إلى الثوب أو الأطراف، حيث لا يحتمل وجوبه تعبدا و عليه فلا وجه للتفرقة بين القيدين:- الشدّ و الحبس- بعد ذكرهما معا في الصحيحة.

و أما ثانيا فلأنّ الأخذ بالمفهوم إنّما يتم لو لم يكن هناك قرينة على الخلاف، و ذهاب المشهور- المدّعى عليه الإجماع- إلى عدم وجوب تعصيب الجرح- كما تقدم عن الشيخ «قده»- يكون أقوى قرينة على عدم إرادة‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 273- 274.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 279‌

..........

______________________________
المفهوم في هذه الصحيحة، فإنّ موردها دم القروح الّتي يبتلى بها أكثر الناس بحيث لو كان تعصيبها و شدّها واجبا لم يكن ليخفى ذلك على الفقهاء، بل على أحد من الناس. و لم يكن دليله منحصرا برواية واحدة. أو مما يلتزم به بعض الأصحاب- على ما قيل- حتّى يدعي الشيخ «قده» تحقق الإجماع على خلافه. و عليه فلا يمكن العمل بظاهر الصحيحة، لا لإعراض المشهور عنها كي يقال: إنّ اعراضهم لا يكون مانعا عن العمل بها بعد كونها صحيحة السند، كما هو خيرتنا في العمل بالروايات المعتبرة، بل لما أشرنا إليه آنفا من معلومية عدم الوجوب عند الأصحاب، بحيث أنّه لو كان الحكم بخلاف ذلك لم يكن ليخفي ذلك في مثل هذه المسألة مما يكثر ابتلاء عامة النّاس بها فإذا لا بدّ و إن يكون لذكر القيد في الصحيحة فائدة أخرى غير المفهوم، ككونه سببا لوصول الدّم إلى الثوب، فإنّه إذا لم يتمكن من شدّ القرحة و حبس دمها يسري الدم إلى الثوب الذي يصيبها لا محالة: و لكن مع ذلك لا يجب غسله، و يكون مثل هذا الدم معفوّا عنه تسهيلا على العباد في عباداتهم. فيكون ذكر القيد لبيان تحقيق الموضوع لا للتنويع فيه. هذا كله في هذه الصحيحة.

و أما موثقة عبد الرحمن الّتي ورد السؤال فيها: «عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه، فيسيل منه الدم و القيح، فيصيب ثوبي؟ فقال:

دعه فلا يضرك أنّ لا تغسله» «1».

و كذا مضمرة سماعة قال: «سألته عن الرجل به الجرح و القرح فلا يستطيع أنّ يربطه و لا يغسل دمه؟ قال: يصلّي. و لا يغسل ثوبه.» «2».

______________________________
(1) المتقدمتان في الصفحة: 270، 274.

(2) المتقدمة في الصفحة: 271.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 280‌

و لا يختص العفو بما في محل الجرح، فلو تعدى عن البدن إلى اللباس أو إلى أطراف المحل كان معفوا، لكن بالمقدار المتعارف في مثل ذلك الجرح (1). و يختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر و الصغر، و من حيث المحل. فقد يكون في محل لازمه- بحسب المتعارف- التعدي إلى الأطراف كثيرا، أو في محل لا يمكن شده. فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح.

______________________________
فالجواب عنهما ظاهر، لورود القيد فيهما في كلام السائل دون الإمام عليه السّلام، فلا يمكن تخصيص الحكم بموردهما مع وجود المطلقات
«1».

الواردة عنهم عليه السّلام.

(1) و هذا ظاهر، لأنّ المتعارف هو تعدي الدّم عن محل القروح و الجروح إلى الأطراف و اللباس. بل في بعض الروايات المتقدمة- كموثقة أبي بصير «2»- التصريح بإصابة الدم للثوب. و ظاهرها التوسعة في أمره، فلا موجب للاقتصار على موارد الضرورة، كما عن بعض الأصحاب «3» إذ مقتضى إطلاق الأخبار و خلوها عن الأمر بالتحفظ عن مثل هذا الدم هو العفو عما تعدي إلى الأطراف و اللباس بالمقدار المتعارف في مثل ذاك الجرح المعين، من دون اقتصار على مورد الضرورة.

و ما خرج عن المتعارف لا يشمله الأخبار. فلو كانت القرحة في رجله- مثلا- و أصاب دمها رأسه لا يكون مثله معفوّا عنه. و هكذا لا بدّ من تخصيص العفو بما إذا تعدي الدم بنفسه دون ما إذا عدّاه المكلف اختيارا- كما إذا وضع طرف ثوبه الطاهر عليه- لعدم وجود إطلاق في الروايات من هذه الجهة.

______________________________
(1) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة: 277.

(2) المتقدمة في الصفحة: 268- 269.

(3) الحدائق ج 5 ص 305 و الجواهر ج 6 ص 105- 106.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 281‌

..........

______________________________
نعم ربما يتوهّم دلالة موثقة عمار على عدم اعتبار شي‌ء من الأمرين- التحديد بالمتعارف و كون الإصابة لا عن عمد- فيسري العفو إلى ما خرج عن المتعارف أيضا- كالمثال المتقدم- و إن كان التنجيس به اختياريا.

موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سأله عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه، و يمسح يده بالحائط أو بالأرض، و لا يقطع الصلاة» «1».

حيث استظهر في الحدائق «2» دلالتها على التعميم المذكور، بتقريب:

أنّ مقتضى جواز مسح الدم باليد هو أمران، أحدهما: جواز التنجيس به اختيارا.

الثاني: عدم التخصيص بالمتعارف، حيث لم يتعارف إصابة دم القروح الّتي تكون في البدن اليد.

و يندفع: بعدم دلالتها على شي‌ء من الأمرين، لأنّ أصابه دم القروح و الجروح اليد لم تكن خارجة عن المتعارف، للزوم المباشرة بها في وضع الدواء على القرحة و شدّها و نحو ذلك لا سيما في حال الضرورة الّتي هي مورد الموثقة، فإنّه كان في حال الصلاة، و لم يكن عنده شي‌ء يمسح الدم به، إذ مسحه بالثوب يوجب تنجيسه اختيارا من دون موجب لذلك. و بما ذكرنا ظهر عدم دلالتها على العفو في التنجيس الاختياري، لاختصاص موردها بالاضطرار، و التعدي عنه إلى الاختيار يحتاج إلى دليل.

فتحصل: أنّ الصحيح هو ما ذكره في المتن، من العفو عما يتعارف فيه التعدي إلى الأطراف و اللباس في القروح و الجروح، من حيث محلها في‌

______________________________
(1) المتقدمة في الصفحة: 269- 270.

(2) ج 5 ص 305.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 282‌

[ (مسألة 1): كما يعفى عن دم الجرح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج مع‍]

(مسألة 1): كما يعفى عن دم الجرح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه، و الدواء المتنجس الموضوع عليه، و العرق المتصل به في المتعارف. أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت إليه و تعدت إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل، فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج (1).

______________________________
البدن، و من حيث الكبر و الصغر. فالقولان الآخران، و هما الاقتصار في العفو على موارد الضرورة- كما عن بعضهم- و في مقابله القول بالعفو عن مطلق دمها و لو كانت الإصابة بغير المتعارف و كان مع التعمد في التنجيس- كما مال إليه في الحدائق- هما على طرفي الإفراط و التفريط، لا دليل على شي‌ء منهما أصلا.

(1) القيح المتنجس أما القيح فقد صرح بالعفو عنه في صحيحة ليث المرادي و صحيحة عبد الرحمن المتقدمتين «1». هذا مضافا إلى كفاية إطلاق النصوص في العفو عنه، للملازمة الغالبيّة بين الدم و القيح في القروح و الجروح. و ندرة خلوّها عنه، فتدل على العفو عنه بالالتزام لا محالة.

و أما الدواء المتنجس الموضوع عليه، و العرق المتصل به في المتعارف، فقد ظهر وجه العفو عنهما مما ذكرناه آنفا، لتحقق الملازمة الغالبية فيهما أيضا. و حمل النصوص على القروح و الجروح التي لا دواء عليها. أو الّتي لا تصلها عرق من بدن المبتلى بها. أو البلاد الباردة. أو فصل الشتاء، كلّ ذلك حمل على الفرد النادر لا يصار إليه.

______________________________
(1) في الصفحة: 269 و 274.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 283‌

[ (مسألة 2): إذا تلوث يده في مقام العلاج]

(مسألة 2): إذا تلوث يده في مقام العلاج يجب غسلها و لا عفو (1) كما أنّه كذلك إذا كان الجرح مما لا يعتدى، فتلوث أطرافه بالمسح عليها بيده، أو بالخرقة الملوّثتين على خلاف المتعارف.

______________________________
و أما الرطوبة الخارجية- كالماء إذا لاقى الجرح و سال إلى الأطراف- فقد يتوهم أولويّة العفو عنها، لعدم زيادة الفرع على الأصل، فإنّ الدم إذا كان معفوا عنه فالرطوبة المتنجسة به يعفى عنه بطريق أولى.

و يندفع: بأنّ هذا مجرد استحسان لا يوجب القطع بالحكم. فالمتبع في الأحكام الشرعيّة إنّما هو شمول الدليل أو دلالته بالالتزام، و لم يثبت شي‌ء منهما في الرطوبة الخارجيّة، كما هو واضح. فإذا يرجع إلى إطلاقات أدلة المنع عن الصلاة في النجس، فيجب غسل مثل هذه الرطوبة. إلّا إذا كان فيه حرج شخصي، فلا يجب لذلك، لا لأدلة العفو.

(1) تلوث اليد في مقام العلاج قد ظهر حكم هذه المسألة مما تقدم، فإنّا قد ذكرنا أنّ دليل العفو إنّما يشمل ما يتعارف إصابة الدم إيّاه بحسب الطبع، بحيث تكون من لوازمه العادية. فاليد مما لا يشملها العفو إذا تلوثت في مقام العلاج. و كذلك أطراف الجرح مما لا يتعدى دمه إليها في المتعارف و لكن إصابتها الدم بواسطة اليد أو الخرقة الملوثة به و هذا لا ينافي ما أسلفناه من دلالة موثقة عمّار المتقدمة «1» على العفو عن نجاسة اليد الملوثة بدم الدّمل، لاختصاصها- كما عرفت- بمورد الاضطرار، و هو حال الصلاة، فيما إذا انفجر الدّمل أثنائها.

______________________________
(1) في الصفحة: 281.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 284‌

[ (مسألة 3): يعفى عن دم البواسير]

(مسألة 3): يعفى عن دم البواسير (1) خارجة كانت أو داخلة. و كذا كلّ قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر.

______________________________
دم البواسير‌

(1) لإطلاق الروايات، فإنّ البواسير قروح داخلية تكون في أطراف المخرج، قد تنفجر و يسيل دمها إلى الخارج، و يتعارف إصابته اليد و اللباس. و في مقابلها النواسير الّتي هي قروح خارجية في أطراف المخرج. و لا مانع عن شمول الروايات لمطلق القروح و إن كانت باطنيّة، و لا موجب لتخصيصها بالخارجية منها. و دعوى الانصراف غير مسموعة، لأنّ من كان به البواسير يصدق عليه حقيقة: أنّ به قرحة، فيشمله أدلة العفو فيما يتعارف إصابته الثوب و البدن من الدم فالصحيح هو ما في المتن من العفو عن دمها.

سائر القروح و الجروح الباطنية و أما سائر القروح و الجروح الباطنيّة كالقروح الرئويّة في المسلولين أو ما تكون منها في المعدة أو الكبد أو نحو ذلك- إذا خرج دمها من الفم أو المخرج- فهل يعفى عنه أم لا؟ لا ننكر أنّه يصدق في حقهم: أنّ بهم قروحا أو جروحا- كما هو مورد نصوص الباب- فلا مانع من شمول الروايات لهم من هذه الجهة. و دعوى منع العموم، و اختصاص الروايات بالقرح أو الجرح الظاهر، قد عرفت منعها.

نعم يمكن دعوى عدم العفو عنها، بلحاظ اختصاص الروايات بالقروح و الجروح الّتي يتعارف إصابة دمها البدن و اللباس، كما في القروح أو الجروح الخارجيّة أو الباطنيّة الّتي يتعارف فيها ذلك، كدم البواسير. و أما غيرها مما لا يتعارف فيها ذلك- كالأمثلة المتقدمة- فلا يشملها أدلة العفو من هذه الجهة، لعدم تعارف إصابة دمها للبدن و اللباس بحسب الطبع فلو‌

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 285‌

[ (مسألة 4): لا يعفى عن دم الرعاف]

(مسألة 4): لا يعفى عن دم الرعاف (1) و لا يكون من الجروح.

______________________________
خرج دمها إلى الظاهر لا يعفى عنه، خلافا للمتن.

(1) دم الرعاف لا يخفى: أنّ دم الرعاف يكون على نحوين، أحدهما: أنّ يخرج بسبب انفجار العروق الشعريّة في الأنف، لحرارة الهواء. أو أكل شي‌ء حار. أو ضغط الدم و نحو ذلك. و هذا غير مشمول لأدلة العفو، لعدم صدق الجرح على العرق المنفجر. و على تقديره لا يكون من الجروح المستقرة، لاندماله بسرعة.

و قد تقدم «1» اختصاص العفو بها، فعدم العفو عن هذا النوع من دم الرعاف إنّما يكون بمقتضى القاعدة. لعدم شمول نصوص العفو له، فتشمله أدلة المانعيّة.

هذا مضافا إلى دلالة جملة كثيرة من الأخبار «2» على عدم جواز الصلاة معه، فإذا أمكن التطهير في الأثناء فهو، و إلّا يقطع الصلاة و يستأنفها بعد التطهير.

و على الجملة لا يعفى عن هذا النحو من دم الرعاف- و هو المتعارف فيه- إما تخصصا أو تخصيصا.

و أما النحو الثاني- هو أنّ يكون خروجه لجرح أو قرح مستقر داخل الأنف- فهل تشمله أدلة العفو- لصدق الجرح أو القرح عليه- أو لا؟

الظاهر عدمه، لما عرفت «3» من اختصاص أدلة العفو بما إذا كانت إصابة دمها البدن أو الثوب من المتعارف، كالقرحة في الرجل أو اليد أو نحو ذلك. و أما ما لا يتعارف فيه الإصابة- كدم الأنف- فلا تشمله الأدلة، فإنّ الأنف‌

______________________________
(1) في الصفحة: 277.

(2) وسائل الشيعة ج 4 ص 1244 في الباب: 2 من أبواب قواطع الصلاة. و ج 1 ص 187 في الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء. و ج 2 ص 1063 في الباب 42 من أبواب النجاسات.

(3) في الصفحة: 281.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 286‌

[ (مسألة 5): يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما]

(مسألة 5): يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرة (1).

[ (مسألة 6): إذا شك في دم أنّه من الجروح أو القروح أم لا]

(مسألة 6): إذا شك في دم أنّه من الجروح أو القروح أم لا، فالأحوط عدم العفو عنه (2).

______________________________
واقع في الطرف الأعلى متقدما على البدن، و مقتضى الطبع عدم إصابة دمه البدن و اللباس. هذا مضافا إلى أنّ مقتضى إطلاق الأخبار الآمرة بتطهير دمه- المشار إليها آنفا- هو عدم العفو عن ذلك.

(1) كما هو مقتضى الجمع بين الأخبار الآمرة به و غيرها، الدالة على عدم وجوبه، كما تقدّم «1». فالقول بوجوبه- كما في الحدائق «2»- خلافا للمشهور، ضعيف.

(2) الدم المشكوك إذا شك فيما يراه من الدم على ثوبه أو بدنه أنّه من القروح أو الجروح أم لا، فالظاهر عدم العفو عنه، لما سلكناه في محله من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة. ففي المقام يستصحب عدم كونه منهما أزلا.

نظير استصحاب عدم كون المرأة قرشيّة قبل وجودها، فإنّها حين وجودها إما أن تكون قرشية أو لا، و كذلك الدم الخارج، فإنّه من حين وجوده إما أن يكون دم قرح أو جرح أو لا، و حينئذ فيرجع إلى عموم المنع، لأنّ الخارج إنّما هو دم القرح أو الجرح، فيكون الباقي تحت العموم- بعد خروجهما- هو كل ما ليس بدم القرح أو الجرح، و هو عنوان عدمي يحرز بضم الوجدان إلى الأصل. فإنّ المشكوك فيه دم بالوجدان، و ليس من القرح أو الجرح‌

______________________________
(1) في الصفحة: 275.

(2) ج 5 ص 304 طبع النجف الأشرف.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 287‌

..........

______________________________
بالأصل. و لعل عدم جزم المصنف «قده» بعدم العفو هو عدم وضوح جريان الاستصحاب في العدم الأزلي عنده.

و قد يتوهم: أنّ الأصل الجاري في المقام يكون من استصحاب العدم النعتي لا المحمولي كي يبتني على حجية الاستصحاب في الأعدام الأزليّة، بدعوى: أن كون الدم دم جرح أو قرح ليس هو من عوارض الوجود حال حدوثه، بل هو من عوارضه حال بقائه، فإنّ الدم الموجود في البدن قبل خروجه لا يكون بدم قرح أو جرح و لا غيرهما، فان خرج من الجرح أو القرح كان دم الجرح أو القرح المعفو عنه و إلّا فلا. فأصالة عدم الخروج منهما بلا مانع، لأنّه قبل خروجه من البدن لم يكن بدم قرح أو جرح، فإنّه قد كان في العروق و لم يتصف بشي‌ء منهما.

و يدفعه: أنّ موضوع الحكم بالعفو و عدمه ليس هو ذات الدم الموجود في الباطن، بشرط خروجه من القرح أو الجرح. أو بشرط الخروج من غيرهما، كي يجري استصحاب عدم خروجه منهما عدما نعتيا. فإنّ الدم الموجود داخل العروق ليس موضوعا للحكم بالعفو و عدمه، بل و لا لغيرهما من الأحكام و إن قلنا بنجاسته. بل المقسم للعفو و عدمه- على ما هو ظاهر الروايات- إنّما هو الدم الخارج، و هو الّذي يحكم بنجاسته و عدم العفو عنه إذا خرج من غير القرح أو الجرح، و بالعفو عنه إذا خرج منهما، فقبل الخروج ليس له حالة سابقة كما في المرأة القرشية.

فتحصل: أنّه لا يصح القول بجريان استصحاب العدم النعتي في المقام، و إنّما يجري فيه استصحاب العدم الأزلي لا غير، فإن قلنا به- كما هو المختار- حكم بعدم العفو. و إلّا كان مقتضى أصالة البراءة جواز الصلاة فيه، لأنّ التمسك بعموم المنع يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 288‌

[ (مسألة 7): إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة]

(مسألة 7): إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة بحيث تعدّ جرحا واحدا عرفا جرى عليه حكم الواحد، فلو برئ بعضها لم يجب غسله بل هو معفو عنه حتّى يبرأ الجميع (1). و إن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية فلكل حكم نفسه فلو بري‌ء البعض وجب غسله و لا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع.

______________________________
(1)
حكم تعدد القروح و الجروح إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة بحيث تعد جرحا أو قرحا واحدا بنظر العرف و لكن ذات شعب متعددة- كما يتفق ذلك في الدماميل- فلا إشكال في العفو حتّى يبرء الجميع، لوحدة الموضوع- عرفا- و أما إذا كانت غير متقاربة بحيث لم تعد جرحا واحدا، كما إذا كان بعضها في اليد و البعض الآخر في الرجل- مثلا- كان العفو مختصا بالباقي، و أما الّذي بري‌ء فلا يعفى عنه، لأنّ لكلّ جرح أو قرح حكم يختص به، كما أفاد المصنف «قده».

و قد يتوهم: دلالة رواية أبي بصير المتقدّمة «1» على العفو عن الجميع حتّى تبرأ و لو كانت متعددة متباعدة، حيث قال فيها: «دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و هو يصلّي، فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دما. فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما. فقال لي: إن بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ».

فإنّ «دماميل» صيغة جمع، و إطلاقها يشمل ما إذا كانت مجتمعة أو متفرقة. و قد جعل عليه السّلام الغاية لعدم الغسل برء الجميع.

و فيه أوّلا: أنّها ضعيفة السند بأبي بصير، فإنّه أبو بصير الأسدي‌

______________________________
(1) في الصفحة: 268- 269.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 289‌

..........

______________________________
الكوفي المكفوف و لم يثبت وثاقته
«1»، و هو غير أبي بصير ليث البختري الّذي هو من أصحاب الصادقين عليهما السّلام، و ممن أجمع الأصحاب على العمل بروايته.

و ثانيا: لو سلمت صحة السند فدلالتها ضعيفة، لأنّها تتضمن حكاية فعل عن الإمام عليه السّلام و لا إطلاق في مثله، إذ من الممكن أنّ دماميله عليه السّلام كانت مجتمعة، بحيث تعد واحدا. نعم لو كان السائل هو المبتلى بها، و قد كان سئل الإمام عليه السّلام عن حكمها فأجابه عليه السّلام بقوله: لا تغسل ثوبك حتّى يبرأ الجميع، لكان للتمسك بالإطلاق مجال، بلحاظ ترك الاستفصال بين المجتمعة و المتفرقة.

و ثالثا: لو سلمت تمامية دلالتها على العفو مطلقا، فهي معارضة بمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إذا كان بالرجل جرح سائل، فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم» «2».

و مراسيل ابن أبي عمير معتبرة عند المشهور كما أنّ دلالة المرسلة على وجوب غسل كلّ جرح في نفسه عند البرء واضحة، لصدق الجرح على كلّ واحد من الجروح المتفرقة في البدن، فيجب غسله إذا بري‌ء، سواء بري‌ء‌

______________________________
(1) و هو يحيى بن القاسم أو ابن أبي القاسم- الذي اتفقوا على أنّه المكفوف حيث ذكروا له قائدا و قد اختلفت كلماتهم فيه موضوعا و حكما من اسم أبيه و كنية نفسه و في وثاقته و عدمها- كما أوضح الكلام في ذلك المامقاني «قده» في تنقيح المقال ج 3 ص 308- إلّا أنّ صاحب قاموس الرجال قد استظهر وثاقته و جلالة شأنه في رسالته المختصة بالمكنين بأبي بصير، لاحظ جلد 11 من رجاله ص 150.

(2) المتقدمة في الصفحة: 270.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌4، ص: 290‌

..........

______________________________
الآخر أم لا. و حيث أنّ التعارض بينها و بين رواية أبي بصير يكون بالإطلاق، فيتساقطان و يرجع إلى عموم مانعيّة الدم أو مطلق النجس عن الصلاة، اقتصارا على القدر المتيقن في الخروج، و هو الجرح الواحد. فظهر أنّ الأقوى هو ما في المتن.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net