الماء القليل 

الكتاب : فقه الشيعة - كتاب الطهارة ج‌5   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6272

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 48‌

[ (مسألة 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل]

(مسألة 4) يجب في تطهير الثوب أو البدن بالماء القليل من بول غير الرضيع الغسل مرّتين (1).

______________________________
مرّات إذا كان بالماء القليل
«1» فينبغي ان تعدّ هذه الموثقة من أدلة نجاسة الغسالة، لا عدم جواز استعمالها في التطهير، و ان كانت طاهرة، و اما المرة الثالثة فلان الإفراغ محقق لمفهوم الغسل، إذ بدون انفصال الغسالة عن المغسول لا يصدق عنوان الغسل، فالغسالة الثالثة- و هي التي يتعقبها طاهرة المحل لأنها الأخيرة في تطهير الأواني- و ان كانت طاهرة، و يمكن التطهير بها أيضا، الا ان الأمر بإفراغ الإناء منها انما يكون لتوقف صدق الغسل على افراغها من الإناء، لا لعدم جواز الانتفاع بها في شي‌ء، و عليه فلا يصغى الى ما عن المبسوط و الوسيلة من القول بالمنع.

من فروع اشتراط التعدد في الغسل اشتراطه في بول غير الرضيع

(1) نسب في الحدائق «2»- و المدارك الى المشهور: القول بوجوب الغسل مرّتين في إزالة نجاسة البول عن الثوب و البدن في بول غير الرضيع- كما في المتن- بل استظهر دعوى الإجماع على ذلك عن المحقق في المعتبر حيث يقول فيه: «و هذا مذهب علمائنا».

و في الجواهر «3» تقييد الشهرة بالمتأخرين.

و هناك أقوال أخر.

أحدها: القول: بكفاية المرة مطلقا.

نسب ذلك الى الشيخ في المبسوط «4»- نسبه اليه الشهيد في الذكرى- بعد ان اختار هو التثنية، الا انه تبع الشيخ في عدم اعتبار التعدد في‌

______________________________
(1) كما يأتي في (المسألة 5).

(2) ج 5 ص 356.

(3) ج 6 ص 185.

(4) ج 1 ص 37.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 49‌

..........

______________________________
البيان
«1» و استظهر ذلك عن العلامة أيضا في جملة من كتبه «2».

ثانيها، التفصيل بين جفاف البول (اى زوال عينه) فتكفي المرة، و الا فالتعدد، كما ذهب إليه العلامة في القواعد «3».

ثالثها: التفصيل بين الثوب و البدن فيجب التعدد في الأول دون الثاني كما عن صاحبي المدارك و المعالم «4» فمجموع الأقوال أربعة.

أقوى الأقوال ما عليه المشهور من اعتبار التعدد مطلقا للأخبار الكثيرة المستفيضة- التي فيها الصحاح و الموثقات- و يقيد بها إطلاقات أدلة طهوريّة الماء، و كذا إطلاق ما دل على وجوب الغسل من البول الصادق على المرّة «5».

منها: صحيحة ابن أبى يعفور قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرّتين» «6».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال:

سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: «اغسله مرّتين» «7».

و منها: صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرّتين، فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة) [1].

و منها: صحيح أبي إسحاق النحوي عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال: صب عليه الماء مرتين» «9».

______________________________
[1] وسائل الشيعة ح 2 ص 1002 باب 2 من أبواب النجاسات ح 1 (المركن) (بكسر الميم و إسكان الراء و فتح الكاف): الإجانة التي يغسل فيها الثياب.

______________________________
(1) بنقل من الحدائق ج 5 ص 357.

(2) بنقل الحدائق ج 5 ص 357.

(3) كتاب القواعد ص 8.

(4) بنقل الحدائق ج 5 ص 358.

(5) كصحيحة أو حسنة ابن سنان و موثقة سماعة المرويتان في الوسائل ج 2 ص 1007 باب 8 من أبواب النجاسات ح 3 و 1.

(6) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 2 و ح 1.

(7) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 2 و ح 1.

(9) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 3.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 50‌

..........

______________________________
و منها: حسنة حسين بن أبى العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرتين.»
«1».

و منها: ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر في الصحيح عن جامع البزنطي قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرّتين» «2».

و هذه هي روايات الباب و هي- كما ترى- صريحة في لزوم التعدد مطلقا، و بذلك يظهر النظر في سائر الأقوال المحكية في المقام، و لا بد من التعرض لها و لما استند اليه فيها، و بيان ضعفها.

الأقوال المزيّفة أما القول الأول- و هو الاكتفاء بالمرّة مطلقا كما عن ظاهر المبسوط و عن الشهيد في البيان و العلامة في جملة من كتبه- فلم يظهر له وجه سوى ما تقدم «3» الإشارة إليه من إطلاقات أدلة طهورية الماء، و إطلاق ما دل على لزوم الغسل من البول الصادق على المرّة التي.

منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل يبول بالليل، فيحسب ان البول أصابه، فلا يستيقن فهل يجزيه ان يصب على ذكره إذا بال، و لا يستنشف؟ قال: يغسل ما استبان أنه قد أصابه، و ينضح ما يشك فيه من جسده و ثيابه، و يتنشف قبل ان يتوضأ» [1].

______________________________
[1] وسائل الشيعة ج 2 ص 1053 في الباب 37 من أبواب النجاسات ح 2، قال في الوافي (ج 1 م 4 ص 23) في بيان الحديث: «و لا يتنشف يعنى لا يجفف ذكره، و الموضع الذي

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 4 و ص 1002 ح 7.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 4 و ص 1002 ح 7.

(3) صفحة: 49

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 51‌

..........

______________________________
بدعوى: ان الأمر بالغسل فيما استبان من البول يجزى فيه المرة.

و يدفعها: ان الصحيحة ليست في مقام بيان كيفية الغسل، و انه يكتفى فيها بالمرة أولا، بل هي في مقام بيان أمر آخر، و هو الفرق بين صورتي اليقين بالإصابة فيغسل، و الشك فيها، فينضح بالماء.

و هذه ايضا حال سائر الروايات «1» المطلقة، إذ هي في مقام بيان أصل وجوب الغسل، دون كيفيّته.

و على تقدير التسليم فلا بد من تقييدها بالروايات الصريحة في اعتبار التعدد.

فظهر: انه لا وجه يعتمد عليه في هذا القول و ان نسب الى بعض الاعلام- كالشيخ، و الشهيد، و العلامة- و لعلّ مرادهم جواز الاكتفاء بالمرّة في صورة الجفاف و زوال العين، لا مطلقا، فلا يكون القول بالمرّة قولا برأسه، بل يرجع الى:

القول الثاني- و هو التفصيل بين زوال العين بالجفاف و نحوه، فتكفي المرّة و بقائها، فيعتبر التعدد- كما ذكر العلامة في القواعد «2» قائلا «و يغسل الثوب من النجاسات العينية حتى يزول العين، اما الحكميّة كالبول اليابس في الثوب فيكفي غسله مرة».

و يمكن الاستدلال له بوجهين.

(الأول): دعوى أنّ المنساق الى الذهن من الأمر بصب الماء على البول أو غسله مرّتين- بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع- هو كون أوليهما لإزالة العين، و الثانية للتطهير، فالمرّة الاولى لا دخل لها في التطهير و انما تكون تمهيدا و أعدادا لطهارة المحل بالغسلة الثانية، فلا يعتبر فيها شرائط التطهير بالماء- من‌

______________________________
يحسبه أنه اصابه البول، و هو كناية عن عدم مبالاته بتلك الإصابة، و لا بتعديها الى موضع آخر، و يتنشف قبل ان يتوضأ يعني لا بد من تجفيف الذكر و الموضع قبل ان يغسل أو ينضح، ان كان يؤخر الغسل أو النضح كما كان دأبهم غالبا، لئلا يتعدى الى الثوب و غيره». جاء في متن الوسائل «يستنشف» و في الوافي (يتنشف) و لا فرق بينهما في المعنى.

______________________________
(1) كالروايات التي مرت الإشارة إليها في تعليقة صفحة: 50.

(2) كتاب القواعد ص 8.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 52‌

..........

______________________________
الورود و الانفصال و نحوهما- بل و لا كونها بالماء المطلق، فعليه إذا فرض زوال العين بالجفاف بالشمس أو الهواء و نحوه لكفت المرّة، فيختص التعدد بصورة بقاء العين و الحاصل: ان المرّة الأولى ليست جزء للمطهّر، بل تكون للإزالة، فإذا زالت العين بالجفاف و نحوه تكفى الغسل مرّة واحدة.

و فيه، أولا: ان هذا و ان كان محتملا في نفسه ثبوتا، و يساعده الاعتبار و الاستحسان العقلي، الا انه مخالف لظواهر النصوص الدّالة على اعتبار التعدد مطلقا، زالت العين أم لا، و لا يبتنى الفقه على الاستحسانات العقلية، و لو سلم لكان غاية ما هناك استظهار كون الحكمة في تشريع الغسلة الأولى إزالة العين، لا العلة التامة، إذ من المحتمل ان يكون للماء خصوصية في إزالة العين لا نعرفها، فلا يمكن التعدي إلى مطلق المزيل حتى لو كان بتجفيف الشمس.

و بعبارة أخرى: لو سلم ظهور الروايات في اختصاص المطهّر بالغسلة الثانية، و أن الاولى لا تكون الا لمجرد زوال العين لا لتخفيف النجاسة، لما أمكن رفع اليد عن ظهورها في اختصاص المزيل بالماء، لقوة احتمال خصوصية فيه تكون أبلغ في إزالة العين، كما هو المشاهد.

و ثانيا: ان الغالب في المتنجس بالبول زوال العين قبل التطهير بالجفاف و المسح و نحوهما، فحمل روايات التعدد، مع كثرتها، على صورة بقاء العين يشبه الحمل على الفرد النادر، و لا أقل من اختصاصها بغير الغالب، و هذا خلاف الظاهر.

(الوجه الثاني): ما رواه الشهيد في الذكرى «1» عن الصادق (عليه السلام) في الثوب يصيبه البول؟ اغسله مرتين: الأولى للإزالة، و الثانية للإنقاء».

و قد سبقه في ذلك المحقق في المعتبر «2» و ذكر هذه الزيادة في‌

______________________________
(1) في أحكام النجاسات ص: 15 رواها خالية عن السند و الصدر- كما أشرنا- و عنه كذلك في الحدائق ج 5 ص 359.

(2) كتاب المعتبر في مسائل أحكام النجاسات ص: 121 و عنه في الحدائق ج 5 ص 359.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 53‌

..........

______________________________
رواية حسين بن ابى العلاء المتقدمة
«1» فقال بعد قوله: (و عن الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله مرتين، الأولى للإزالة، و الثانية للإنقاء).

فتكون هذه الرواية مفسرة لجميع الروايات الدالة على التعدد، و شارحه لها.

و فيه: أولا: ان كتب الحديث خالية عن هذه الزيادة- كما اعترف به في الحدائق «2» و حكى التصريح بذلك عن المعالم و انه قال بعد نقلها عن الذكرى و المعتبر: «و لم أر لهذه الزيادة أثرا في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفح بقدر الوسع، و لكنها موجودة في المعتبر، و أحسبها من كلامه».

و من هنا يقوى في النظر ان تكون هذه الزيادة دراية من المحقق في المعتبر حسب اجتهاده و تفسيره للخبر، لا انها رواية منه للحديث و تبعه الشهيد في الذكرى ظنا منه: انها من أصل الخبر.

و ثانيا: لو سلم ان نقل المعتبر لها كان بعنوان الرواية، لا الدراية لما كان حجة، ايضا للاطمئنان بخطاءه في النقل، لما ذكرناه من خلو كتب الحديث عن هذه الزيادة، فلا يشمله دليل حجية الخبر.

و ثالثا: لو أغمضنا عما ذكر لكان غاية ما هناك انها رواية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها، فإن الرواية المسندة التي ذكرت في كتب الحديث لا تشتمل على هذه الزيادة، فلا بد ان تكون رواية المعتبر المشتملة عليها غير هذه، و هي مرسلة.

و رابعا: ان لازم الأخذ برواية المعتبر، حمل الروايات الكثيرة الدالة على اعتبار التعدد مطلقا على الفرد النادر، أو غير الغالب- و هو فرض بقاء العين- و لا يخفى بعده- كما- تقدم- فلا بد من حمل الإزالة في الرواية المذكورة،

______________________________
(1) صفحة 50 و في الوسائل ج 2 ص 1001 باب 1 من النجاسات ح 4 و ص 1002 ح 7.

(2) ج 5 ص 359- 360 و المستمسك ج 2 ص 13.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 54‌

..........

______________________________
ان تمت، على إزالة المرتبة الشديدة، و حمل الإنقاء على إزالة المرتبة الضعيفة، فتحصل الطهارة التامة بمجموعهما، فترتفع المعارضة.

و أما القول الثالث: و هو التفصيل بين الثوب و البدن، فيعتبر التعدد في الأول، دون الثاني، كما في المدارك [1] و محكي المعالم.

فالوجه فيه هو استضعافهما الأخبار الدالة على اعتبار التعدد في البدن بناء على اصطلاحهما [2] في حجية الخبر فيرجع الى الأصل أو إطلاق الأمر بالغسل الشامل للمرة الواحدة.

و لكنّ الأقوى قوة الاخبار المذكورة- كما أشار في الحدائق «1» إذ هي ثلاث روايات كما تقدم «2»- (أحدها) ما عن جامع البزنطي «3» و لا ينبغي الشك في صحتها لجلالة شأن الناقل، و هو ابن إدريس، و ظاهره النقل عن نفس الجامع المذكور بلا واسطة، و هو من الأصول المعتبرة (ثانيها) رواية أبي إسحاق النحوي «4» و هو ثعلبة بن ميمون «5» و هو ثقة إمامي (ثالثها) رواية حسين بن أبى العلاء «6» و هي أيضا صحيحة أو حسنة «7» و بالجملة: ان الروايات الدالة على اعتبار التعدد في غسل البدن من البول كلها معتبرة متنا و سندا، فلا وجه للتأمل فيها، فهذا التفصيل يتلو سابقه في الضعف.

______________________________
[1] قال في المدارك (ص 108- الطبع الحجري): «لو قيل باختصاص المرّتين بالثوب و الاكتفاء في غيره بالمرّة المزيلة للعين كان وجها قويا، للأصل، و حصول الغرض من الإزالة، و إطلاق الأمر بالغسل المتناول للمرّة، و ضعف الأخبار المتضمنة للمرّتين في غير الثوب».

[2] و هو حجّية خصوص الخبر الصحيح الاعلائى و هو ما كان كل من رواته عدلا مزكى بعدلين.

______________________________
(1) في الصفحة: 358: ج 5.

(2) في الصفحة: 49- 50.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1002 في الباب 1 من النجاسات، ح 7.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 في الباب 1 من النجاسات ح 3.

(5) راجع معجم رجال الحديث ج 3 ص 408- 409.

(6) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 في الباب 1 من النجاسات ح- 4.

(7) و هو من رجال كامل الزيارات ايضا- معجم رجال الحديث ج 5 ص 182.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 55‌

..........

______________________________
فتحصل: ان الأقوى هو اعتبار التعدد في المتنجس بالبول إذا غسل بالماء القليل مطلقا- سواء كان العين باقية أم لا، و سواء كان المتنجس هو الثوب أو البدن.

ثم انه يقع الكلام في جهات (الأولى) هل يختص التعدد بالثوب و البدن أو يعم غيرهما؟ هل يختص وجوب التعدد في الغسل بالثوب و البدن الذين هما مورد النص، أو يعم مطلق ما اصابه البول من الأجسام؟ وجهان، بل قولان اختار أولهما في الحدائق «1» و محكي الذخيرة، اقتصارا على مورد النص، و عملا بإطلاق الأمر بالغسل فيما عداه، و عن ظاهر جمع و صريح آخرين التعميم، و قيل:

انه المشهور بين الأصحاب «2» و ان تخصيص بعضهم الثوب و البدن بالذكر لا يدل على ارادة اختصاص الحكم بهما، بل الظاهر جريهما مجرى التمثيل.

أقول: الأقوى عدم التعدي و الاقتصار على مورد النص (الثوب و البدن) و ذلك لوضوح الفرق بين بابي النجاسات و المطهّرات فيمكن التعميم في الأول دون الثاني، بيان ذلك: ان المستفاد من دليل نجاسة شي‌ء هو تنجس ملاقيه مطلقا، سواء كان مورد النص أم غيره، مثلا: إذا ورد في الحديث انه «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» لا يفهم العرف من ذلك وجود خصوصية للثوب، توجب نجاسته بالبول، بل يرى ان ذكره يكون من باب المثال، للارتكاز العرفي على سراية النجاسة من نجس العين الى مطلق ملاقيه ثوبا كان أو غيره. و هذا بخلاف مزيلها، و ذلك لاختلاف الأشياء المتنجسة في عناية تطهيرها، و ازالة القذارة عنها، إذ رب شي‌ء يهتم العرف و الشرع بنظافته و طهارته بما لا يهتم به في غيره، كأواني الأكل‌

______________________________
(1) ج 5 ص 363.

(2) الجواهر ج 6 ص 190 و مصباح الفقيه ص 611.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 56‌

..........

______________________________
و الشرب، فان العرف يعتنى اعتناء تامّا بغسلها و تنظيفها أعدادا للأكل و الشرب فيها، و الشارع ايضا يهتم بها، و من هنا أوجب غسلها ثلاثا إذا كان بالماء القليل، بحيث لو فرض تغيّر هيئة الإناء إلى هيئة أخرى يكتفى فيها بالغسل مرة واحدة، أو مرتين، و ربما ينعكس الأمر فلا يهتم العرف و لا الشرع بكيفية تطهير شي‌ء، بحيث يكتفى فيه بأقل مراتب التطهير، كما في الاستنجاء، فإنه يجتزى في تطهير محل النجو بإزالة العين بكل جسم قالع يوجب زوال العين. فقط، و لا يعتبر في طهارته الغسل بالماء و لا يطّرد ذلك في غيره، بل لا يجتزى في نفس المورد بالاستنجاء إذا تنجس المحل بغير الغائط، كالدم و نحوه، و بالجملة لا يصح قياس أحد البابين بالآخر، فان البول و ان كان مؤثرا في نجاسة مطلق ملاقيه- أعم من الثوب و البدن و غيرهما- الا انه من الممكن اختلاف بعضه مع بعض في كيفية التطهير، فالثوب و البدن يعتبر فيهما التعدد في الغسل، لشدة الاهتمام بهما في النظافة من جهة وقوع الصلاة فيهما و نحوه، بخلاف غيرهما فيكتفى فيه بالمرة تمسكا بإطلاق أدلة الغسل، لعدم وجود العناية المذكورة فيه، فلا وجه للتعدي عن مورد النص لعدم العلم بعدم وجود الخصوصية فيه، هذا كله في التطهير بالماء القليل.

الثانية هل يختص التعدد بالماء القليل؟ هل يختص التعدد بالقليل [1] أو يعم المياه العاصمة ايضا؟ [2]

______________________________
[1] كما عن جماعة منهم الشهيدين و العلامة في التذكرة و النهاية و الشيخ على، و صاحب المدارك حيث قالوا بعدم وجوب التعدد في الجاري و الكر و استجوده في الحدائق- الحدائق- ج 5 ص 362 و الجواهر ج 6 ص 196.

[2] كما عن العلامة في المنتهى في أحكام الأواني و المحقق في المعتبر و هو مقتضى إطلاق عبارته في الشرائع حيث قال: (و يغسل الثوب و البدن من البول مرتين) فإنه بإطلاقه يقتضي اعتبار التعدد في قليل كان أو كثير راكد أو جار.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 57‌

..........

______________________________
و على الثاني هل يعم جميعها، أو يختص بغير الجاري [1] و على الثاني هل يجب التعدد في خصوص الثوب [2] أو يعم البدن ايضا الظاهر عدم الاختصاص بالماء القليل، فيجب التعدد حتى في الكثير، دون الجاري، نعم يختص ذلك بالثوب دون البدن، و ذلك لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن ابى يعفور و غيرها
«3»: «اغسله مرتين» في جواب السؤال عن كيفية تطهير الثوب الذي أصاب البول، فإنه بإطلاقه يشمل القليل و الكثير. و أما الروايات «4» الواردة في الغسل بالماء القليل- الّتي أمر فيها بصب الماء على البدن، أو غسل الثوب في المركن- فلا تنافي الإطلاق المذكور.

نعم لا يجب التعدد في الثوب المغسول في الجاري، لما في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «5» من الاكتفاء بالمرة فيه.

الا انه قد يتوهم التعميم لمطلق المياه العاصمة، كالكر و المطر، و ذلك لما فيها من التقابل بين الغسل في المركن، فمرتين، و الغسل في الماء الجاري، فمرة واحدة.

قال (عليه السلام): «اغسله في المركن مرّتين، فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» «6».

بدعوى: ان قوله (عليه السلام) «فان غسلته في ماء جار فمرة» بيان لمفهوم قوله (عليه السلام) أولا «اغسله في المركن مرّتين» بذكر أحد مصاديقه‌

______________________________
[1] كما عن الشيخ نجيب الدين في الجامع حيث يقول بوجوب التعدد في الراكد دون الجاري- بنقل الحدائق ج 5 ص 362 و 363.

[2] كما هو الصحيح، لان ما دل بإطلاقه على وجوب التعدد في المتنجس بالبول مختص بالثوب كقوله (ع) (اغسله مرتين) في جواب السؤال عن كيفية تطهير الثوب المتنجس بالبول، فيعم جميع المياه الا انه خرج عنها الجاري بدليل خاص، فيجب فيه التعدد إذا غسل في الكر، و أما البدن فدليل التعدد فيه يختص بالقليل، لما فيه من الأمر بصب الماء عليه المختص به فلا يجب التعدد فيه سواء غسل في الكر أو الجاري.

______________________________
(3) تقدمت في الصفحة 49 و بعدها.

(4) تقدمت في الصفحة 49 و بعدها.

(5) في الصفحة: 37.

(6) في الصفحة: 37.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 58‌

..........

______________________________
الذي يكثر الابتلاء به (و هو الجاري) فإن مفهوم قوله (عليه السلام) «اغسله في المركن مرتين» هو عدم وجوب المرّتين في غير القليل و هو يعم مطلق ما ليس بقليل سواء الجاري أو الكر و المطر، اى مطلق المياه العاصمة و ذكر الجاري انما هو من جهة بيان أحد المصاديق، لا لاختصاص الحكم بكفاية المرة به.

و يدفعه: ان هذا ليس بأولى من فرض عكسه [1] بان يقال ان قوله (عليه السلام) «اغسله في المركن مرتين» بيان لأحد مصاديق مفهوم قوله (عليه السلام) «فان غسلته في ماء جار فمرة» لان مفهومه يعم كل ما ليس بجار، سواء أ كان ماء قليلا أم كثيرا، و مفهوم الشرط أقوى من الوصف، فتدل على اختصاص عدم التعدد بالجاري، و أما غيره فيعتبر فيه العدد و ان كان كثيرا، و يكون ذكر خصوص القليل من جهة عدم الابتلاء بالكر في بلد السائل، لعدم تعارف صنع الحياض الكبار في البيوت يوم ذاك، الا ما يجتمع في الغدران من مياه الأمطار في الصحاري و خارج البلدان، و اما الجاري فقد يتعارف وجوده في البلد.

هذا، و لكن الظاهر عدم التعرض في الصحيحة لغير القليل و الجاري و السكوت عن حكم غيرهما منطوقا و مفهوما، لما أشرنا إليه من عدم الابتلاء بغيرهما غالبا في تلك العصور فان الحياض الكبار قد أنشأت في البيوت متأخرا، فيرجع في الكثير الى المطلقات الدالة على اعتبار التعدد في التطهير من البول كما تقدم. «2».

و ان نوقش في ذلك فلا أقل من إجمال الصحيحة لتكافؤ الاحتمالين الذين ذكرنا هما فيكون المرجع أيضا الإطلاقات المذكورة الدالة‌

______________________________
[1] لا يخفى ان مقتضى ظهور سياق الكلام ان تكون الجملة الثانية- و هي قوله (ع) «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة»- بيانا لمفهوم الجملة الاولى و هي قوله (ع) «اغسله في المركن مرتين» لا العكس، لان المتكلم يفسر الجمل المتقدمة بالمتأخرة و يلحق بكلامه ما شاء، و يكون تفسيرا لما أراد، فإن كان للجملة الاولى مفهوم فهو يعم مطلق المياه العاصمة سواء الجاري أم غيره، و ان كان الاحتياط هو التعدد في غير الجاري، و سيأتي بعض الكلام في (مسألة 13).

______________________________
(2) في الصفحة: 49.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 59‌

..........

______________________________
على التعدد في غسل الثوب من البول الشاملة للكثير أيضا إلا الجاري للصحيحة المذكورة [1] الدالة على كفاية المرة فيه هذا كله في الثوب.

و أما البدن فلا إطلاق في رواياته يشمل الكر لأنّ الأمر بالصب فيها مختص بالقليل، فيجوز فيه الاكتفاء بالمرة إذا غسل في الكر عملا بالإطلاقات فضلا عما إذا غسل في الجاري. و أما مرسلة الكاهلي «2» الدالة على أن كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر فلا يمكن الاعتماد عليها في شي‌ء لضعفها بالإرسال، بل يمكن المناقشة في دلالتها ايضا كما يأتي «3».

(الجهة الثالثة) هل يكفى التقدير في الغسلتين؟ هل يكفى التقدير في الغسلتين بان يصب الماء بقدرهما، أو يجب تحققهما بالفعل، بان ينفصل كل منهما عن الأخرى عرفا.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة؛ ج‌5، ص: 59

لا إشكال في أن مقتضى ظهور النصوص الآمرة بالغسل، أو الصب مرتين هو اعتبار التعدد الفعلي دون التقديري، فيجب اتباعها فما عن الشهيد في الذكرى [2] من كفاية صب الماء عليه بقدر الغسلتين ضعيف مخالف لظاهر النصوص و ان تبعه جماعة.

و قد يوجه القول المذكور «5» بأنّ الاتصال لو كان بقدر زمان الغسلتين و القطع، أمكن الاكتفاء بالمرة فيما لا يعتبر فيه تعدد العصر، فمثلا لو فرضنا ان زمان كل من الغسلتين يكون دقيقة واحدة، و زمان الفصل بينهما‌

______________________________
[1] و من هنا جاء في تعليقته- دام ظله- على قول المصنف (قده) في أول الفصل (كالمتنجس بالبول): (الظاهر اعتبار التعدد في الثوب المتنجس بالبول حتى فيما إذا غسل بالماء الكثير نعم لا يعتبر ذلك في الجاري).

[2] بنقل الحدائق ج 5 ص 361، و نسب الى غيره ايضا كجامع المقاصد، بل حكى عن جماعة- كما في الجواهر ج 6 ص 190.

______________________________
(2) وسائل الشيعة ج 1 ص 109 في الباب 6 من الماء المطلق ح: 5.

(3) في ذيل المسألة 13.

(5) كما عن المدارك بنقل الحدائق ج 5 ص 361 و الجواهر ج 6 ص 190.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 60‌

..........

______________________________
تكون أيضا دقيقة واحدة، فيكون زمان مجموع الغسلتين و الفصل بينهما ثلاث دقائق، فإذا صب الماء مستمرا على المغسول بمقدار ثلاث دقائق كفت، لان اتصال الماء في زمان القطع لا يكون أضعف حكما من عدمه، إذ وصل الماء لو لم يكن أقوى في التأثير فليس بأقل من القطع و الفصل.

و يندفع بأن الأحكام الشرعيّة لا تجري فيها الاستحسانات العقلية، فإنها تعبدية محضة لا نعلم ملاكاتها، بل يمكن ان يقال: ان العرف قد يرى ابلغيّة التعدد الفعلي المتوقف على انفصال الغسالة في تحقق النظافة، و هكذا نرى في الشرع الإلزام بالتعدد في أمور لا يمكن الاكتفاء فيها بالمرة، بلغ ما بلغ في الاستمرار، كالأمر بالسجدتين في الصلاة، و سجدتي السهو بعدها، فإنه لا تصح الصلاة مع سجدة واحدة في الركعة، و ان طال زمانها بمقدار سجدتين أو أكثر، و كذلك في الأوامر العرفيّة، فإن المولى العرفي لو أمر عبده برسم خطين طول كل واحد منها مترا واحدا- مثلا- لا يرى العرف جواز الاكتفاء برسم خط واحد طوله متران، و هكذا.

فتحصل: ان الأقوى هو القطع الحسّي بين الغسلتين أو الصبّتين لا التقديري، إذ لا يكفى مجرد مغايرة الماء الذي يلاقيه في الزمان الثاني مع ما يلاقيه في الزمان الأول، بل لا بد من صدق المرتين.

(الجهة الرابعة) هل يختص التعدد ببول الإنسان؟ هل يختص وجوب التعدد ببول الإنسان، أو يعم بول غيره مما لا يؤكل لحمه [1] (اى مطلق الأبوال النجسة) الظاهر من النصوص هو الأول لانصراف السؤال عن حكم البول فيها الى بول الآدمي، لأنه محل الابتلاء في الثوب و البدن، لان الغالب انهم كانوا يبولون على وجه الأرض فيصيب أبدانهم و ثيابهم من ترشحاته فسألوا الإمام عليه السلام عن حكمه، و من هنا‌

______________________________
[1] كما ذهب إليه في الجواهر ج 6 ص 188، بل هو مقتضى إطلاق الفتاوى و النصوص كما ذكر الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه ص 613.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 61‌

..........

______________________________
لم يستفصل في الجواب بين بول ما يؤكل لحمه و ما لا يؤكل، لطهارة الأول و نجاسة الثاني، إذ لا إطلاق في البول المسئول عنه في النصوص السائلة عن حكمه، لانصرافه الى خصوص بول الإنسان- كما ذكرنا- و عليه فيختص الحكم بالتعدد ببول الأدمي، و أما غيره من الأبوال النجسة فتكفي فيها المرّة، اعتمادا على إطلاق قوله عليه السلام «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»
«1» لصدق الطبيعة على المرة.

(الجهة الخامسة) هل يختص التعدد بغير الاستنجاء؟ هل يختص التعدد في الغسل بغير محل الاستنجاء اعنى مخرج البول أو يعمه، ظاهر النصوص هو الأول، لأن موضوع السؤال و الجواب فيها هو عنوان «الإصابة» و هذا العنوان انما يختص بالملاقاة الاتفاقية و لا يعم المستمرة- كما في مخرج البول- فان خروج البول منه يكون على نحو الاستمرار لا الإصابة، فعليه لا يعمه النصوص، و يبقى تحت إطلاق أدلة الغسل من النجاسات، فان كان هناك دليل خاص يدل على اعتبار التعدد في مخرج البول أيضا فيؤخذ به، و الا فتكفي فيه المرة، و تفصيل الكلام في باب الاستنجاء.

(الجهة السادسة) هل تعتبر ازالة عين البول قبل الغسلتين؟ هل تعتبر ازالة عين البول قبل الغسلتين أو يكفي زوالها بالأولى و حصول الطهارة بالثانية، بمعنى ان تكون الأولى مزيلة و مؤثرة في الطهارة معا، و الثانية متممة لها، أو يكفي حصول الإزالة بأحدهما و لو كانت الثانية [1]

______________________________
[1] نسبه في الجواهر الى المعتبر و الذكرى و جامع المقاصد و غيره عملا بالإطلاق، لاحظ

______________________________
(1) الوسائل ج 2 ص 1008 باب 8 من أبواب النجاسات ح 2 حسنة عبد اللّٰه بن سنان.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 62‌

..........

______________________________
أو بمجموعهما [1] وجوه أو أقوال؟

ربما يقال [2] بالأول أي وجوب الإزالة قبل الغسلتين، بحيث لا تحسب الغسلة المزيلة من العدد، بدعوى: انه لا يمكن جعل المرّتين ضابطا للتطهير، لأن إزالة العين قد لا تحصل بهما، فضلا عن حصولها بالأولى، و لا يعقل الحكم بالكفاية مع بقاء العين، فلا بد من الإزالة قبلهما.

و يندفع: بان مقتضى إطلاق الأمر بالغسل أو الصب مرّتين في النصوص المتقدمة هو كفاية الغسل أو الصب مرّتين و ان زالت العين بالأولى، بل القدر المتيقّن من تلك الأخبار إنما هو ارادة الغسل مرّتين عند وجود العين في الثوب و البدن، و انما قلنا باعتبارهما حتى مع الجفاف و زوال العين عملا بأصالة الإطلاق، بل مقتضى تعليل كفاية صبّ الماء على الجسد مرّتين بقوله عليه السلام في بعض النصوص المتقدمة [3] بأنه (ماء) صريح في فرض وجود عين البول على الجسد و انه يزول بصب الماء عليه، لانه ماء ايضا، بل مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع مشعر بذلك أيضا، لأن المرتكز في الأذهان هو أن الأولى للإزالة و الثانية للطهارة، بل نقلنا «4» رواية ذلك عن المحقق في المعتبر و ان لم يتم سنده، و كيف كان فالمعتمد عندنا في كفاية الأولى للإزالة انما هو الإطلاق المذكور. و أما فرض عدم زوال العين بهما فهو فرض نادر ينصرف عنه الإطلاقات، و لو فرض تحققه كان باقيا تحت إطلاقات أدلة وجوب الغسل من البول مرّتين، كما يأتي توضيحه في الرد على القول بكفاية الإزالة بمجموعهما من انه ما دامت العين باقية يشمله دليل وجوب الغسل من البول و ان اجرى الماء عليه قبل ذلك. فان مجرد اجراء الماء على الشي‌ء القذر مع بقاء القذارة فيه لا يكون مصداقا للغسل.

______________________________
الجواهر ج 6 ص 190- 191 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 612.

[1] كما صرح بذلك في الجواهر (ج 6 ص 191) عملا بالإطلاق قائلا: بل هو- يعني الإطلاق- قاض بذلك ايضا فيما لو حصلت الإزالة بهما أيضا).

[2] نسبه في الجواهر (ج 6 ص 191) الى بعضهم و لم يسم قائله.

[3] في الصفحة: 50 كحسنة حسين بن ابى العلاء و صحيح البزنطي.

______________________________
(4) في الصفحة. 52.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 63‌

..........

______________________________
و ربما يقال [1] بالثالث: و هو كفاية الإزالة بمجموع الغسلتين، أو الثانية، تمسكا بإطلاق النصوص الدالة على حصول الطهارة بالغسل أو الصب مرّتين و ان زالت العين بهما أو بالثانية، عملا بالإطلاق.

و فيه: ان الإطلاق لا يشمل ذلك و ان شمل ما إذا زالت العين بالأولى، و ذلك لانصراف النصوص عنه، لانه من الفرد النادر [2] لا سيما بملاحظة ما ورد في نصوص الباب من تعليل الصب مرّتين بأنه (ماء) فإنه يدل على سرعة زواله بالصب عليه، كما يزول الماء، ففرض عدم زواله حتى بعد الصب الأول بعيد عن مساق التعليل المذكور، نعم: الزوال بأولى الغسلتين، أو الصبتين هو الغالب، و لا دليل على لزوم إزالة العين قبلهما.

و يمكن تقرير المنع بوجه آخر، و هو انه لو فرض بقاء العين بعد الغسلة الأولى، لصدق عليه بالفعل انه مصاب بالبول، فيشمله إطلاق ما دل على وجوب الغسل مرّتين من البول، فلا بد من ثلاث غسلات حينئذ الاولى و الثانية لإزالة العين و الثالثة للطهارة، و موضوع النصوص و ان كان إصابة البول للبدن أو الثوب و ظاهره الحدوث، لا الأعم من البقاء، الا انه من المقطوع به ان العبرة بوجود البول في المحل، حدوثا و بقاء و لا عبرة بمجرد حدوثه، فإذا فرض بقاء البول في الثوب فبنفسه يكون علّة لوجوب الغسل مرّتين، لانه يصدق عليه أنه شي‌ء اصابه البول، فيندرج في موضوع الأخبار الآمرة بغسله مرّتين، إذ مجرد إيصال الماء اليه ما لم يؤثر في إزالة عينه لا يخرجه عن موضوع تلك الأخبار، بل لا يصدق عليه اسم الغسل من البول، لان المفروض بقاؤه- كما ذكرنا- فظهر ان الأقوى هو القول الوسط، و هو كفاية الإزالة بالأولى دون الثانية، لا اعتبار الإزالة قبلهما، و لا كفاية الإزالة بمجموعهما، لظهور الأمر بالمرّتين في كونهما معا مطهّرين، فيعتبر فيهما شرائط‌

______________________________
[1] كما صرح بذلك في الجواهر ج 6 ص 191 قائلا (بل هو «يعني إطلاق الأدلة» قاض بذلك ايضا فيما لو حصلت الإزالة بهما ايضا).

[2] لا مانع من شمول الإطلاق للفرد النادر، فلا موجب للانصراف عنه، نعم لا يصح الانصراف إليه، أي لا يمكن انحصار الإطلاق فيه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 64‌

و اما بول الرضيع غير المتغذي بالطعام فيكفي صبّ الماء مرة (1).

______________________________
التطهير من الإطلاق، و الورود، و انفصال الغسالة و ان حصلت الإزالة بالأولى أيضا، فلا يتوهم سقوط شرائط التطهير فيها.

بول الرضيع

(1) يقع الكلام فيه من جهات [1].

(الأولى) كفاية الصبّ من غير غسل.

المشهور بل ادعى الإجماع [2] على كفاية صب الماء على المتنجس ببول الرضيع غير المتغذي بالطعام من دون حاجة الى الغسل، و يدل عليه.

حسنة الحلبي أو صحيحته [3] قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن بول الصبي؟ قال: تصب عليه الماء، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا، و الغلام و الجارية (في ذلك) شرع سواء» «4».

فإنها فصّلت بين بول الصبي غير المتغذي بالطعام، و المتغذي به، بكفاية مجرد صبّ الماء عليه في الأول و لزوم الغسل في الثاني، فلا يعتبر انفصال الغسالة بالعصر و نحوه، و لا جريان الماء على الموضع النجس في بول الرضيع و ان اعتبر في بول غيره تحقيقا لمفهوم الغسل، لان الصّب الذي يجزى‌

______________________________
[1] سيتعرض المصنف (قده) الى هذه الجهات في (مسألة 17).

[2] كما في الحدائق ج 5 ص 384 عن الشيخ في الخلاف، و كذا في الجواهر ج 6 ص 160 عنه و عن غيره و في مصباح الفقيه للفقيه الهمداني ص 606: (بلا خلاف فيه على الظاهر).

[3] وجه الترديد في التعبير انما هو وقوع (إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمي) في طريقها، لان على بن إبراهيم يرويها عن أبيه (إبراهيم) و الظاهر انه ثقة لا ينبغي التأمل فيه و ان تأمل فيه العلامة في الخلاصة، و لكن مع ذلك رجّح قبول روايته، و يعرف وثاقته مما افاده السيد الأستاذ دام ظله في معجم رجال الحديث ج 1 ص 332- 334، فراجع.

______________________________
(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1003 باب 3 من أبواب النجاسات ح 2، و التهذيب ج 1 ص 249 ح 715 و الكافي ج 3 ص 56 ح 6 و الاستبصار ج 1 ص 173 ح 602.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 65‌

..........

______________________________
في تطهير بول الرضيع قد يتخلف عن انفصال الغسالة و جريان الماء فيما إذا كان الشي‌ء كالأرض الرخوة أو الثوب المحشوّ بقطن و نحوه مما يرسب فيه الماء.

نعم قد يتوهم معارضتها بما في ذيل حسنة حسين ابن ابى العلاء المتقدمة من قوله: «و سألته عن الصبيّ يبول على الثوب؟ قال: تصبّ عليه الماء قليلا ثم تعصره» «1».

بدعوى دلالتها على لزوم العصر المقوّم لمفهوم الغسل، فلا فرق بين بول الرضيع و غيره من هذه الجهة أعني لزوم الغسل.

و يندفع: بأن صحيحة الحلبي تكون أقوى دلالة على كفاية الصب في بول الرضيع من دلالة الحسنة على عدمها، لما فيها من المقابلة بين بول الصبي غير المتغذي، و الآكل للطعام بكفاية الصب في الأول، و لزوم الغسل في الثاني، و التفصيل قاطع للشركة، فهي كالصريح في انه يكفى الصبّ في بول الرضيع من دون حاجة الى العصر المحقق لمفهوم الغسل، فعليه لا بد من حمل الأمر به في الحسنة على أحد أمرين، إما على الأمر بما هو متعارف عند التطهير من العصر إنقاء للمحل من الماء الملاقي للقذر، و ان كان قد غلب عليه الماء، و استهلكه، و إما على الاستحباب، فليس الأمر بالعصر فيها من أجل كونه مقوما لمفهوم الغسل، كما يؤيد ذلك ما في نفس الحسنة من العطف ب (ثم) المشعر بعدم إرادة الغسل المعتبر في سائر النجاسات، و الا لكفى العصر حين الصب ايضا.

و الحاصل: ان محتملات الأمر بالعصر في الحسنة تكون ثلاثة، لانه إما ان يكون لأجل كونه مقوما للغسل، أو لأجل إخراج الغسالة به دفعا للقذارة، أو لأجل الاستحباب، لا سبيل إلى الأول جزما، لصراحة الصحيحة في نفيه، فلا بد من حمله على أحد الأخيرين.

ثم انه قد يتوهم لزوم العصر في بول الرضيع لا من جهة كونه مقوما للغسل، بل جهة لزوم إخراج الغسالة المتنجسة بملاقاة المحل.

و يندفع: أولا بأن الغسالة المتعقبة لطهارة المحل، كما هو مفروض‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1002 في الباب 3 من أبواب النجاسات، ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 66‌

..........

______________________________
المقام، لا يحكم بنجاستها- كما هو المختار- فلا دليل على لزوم إخراجها.

و ثانيا بأنه لو صح القول بنجاستها مطلقا- كما عن المشهور- لم يجب إخراجها أيضا، لأنهم انما يقولون بنجاستها بعد الانفصال، و أما قبله فتكون تابعة للمحل بعدها فلو فرض طهارته بعدها كانت محكومة بالطهارة قبل انفصالها، فإذا لا موجب لإخراجها- بعصر و نحوه- من هذه الجهة أيضا. [1].

فتحصل: انه يكفى في بول الرضيع صب الماء عليه، و ان لم ينفصل غسالته بمقتضى الصحيحة المذكورة، و لا استبعاد في ذلك شرعا، لرقة بول الصبي المقتضية لغلبة الماء عليه بسرعة من دون فرق في ذلك بين ما يمكن عصره، كالثوب و نحوه، و ما لا يمكن فيه العصر، كما لا فرق بين ما ترسب فيه الغسالة- كالأرض و نحوه- و بين ما لا ترسب فيه.

(الجهة الثانية) هل يعتبر تعدد الصب في بول الرضيع؟ المعروف بين الأصحاب «2» هو كفاية الصب مرة واحدة، في بوله خلافا لما عن كاشف الغطاء (قده) «3» حيث انه اعتبر العدد فيه كما في‌

______________________________
[1] و قد يتوهم أيضا معارضة صحيحة الحلبي بموثقة سماعة المضمرة قال: «سالته عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال: اغسله، قلت: فان لم أجد مكانه؟ قال: اغسل الثوب كله»- الوسائل ج 2 ص 1003 ح 3- فإنها ظاهرة في وجوب الغسل لكن لا بد من الخروج عن هذا الظهور لأقوائية صحيحة الحلبي في كفاية الصب، فلا بد من حمل المضمرة إما على بيان أصل النجاسة فيكون المراد عن الغسل تطهيره، أو على ان المراد من الصبي من أكل الطعام، كما اوله بذلك الشيخ في الاستبصار (ج 1 ص 174 ح 604) أو على أنّ المراد ما يعمّه و الغسل، فيكفي في الرضيع مجرّد الصبّ فإذا أكل فيغسل أو أن المراد به خصوص الغسل المقابل للصب، و كان تعلق الأمر به بالخصوص بلحاظ كونه مجزيا مطلقا سواء كان الصبي رضيعا أو غير رضيع، أو يكون الأمر للوجوب التخييري، لا التعييني فيتخير بين أكمل الافراد و هو الغسل و ما دونه و هو الصب جمعا بين الأدلة، فتدبر.

______________________________
(2) الجواهر ج 6 ص 188.

(3) الجواهر ج 6 ص 189.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 67‌

..........

______________________________
بول الكبير، و ادعى ان الفرق بينهما انما هو في الصب و الغسل دون العدد، فيجب في بول الرضيع الصب مرّتين، و في بول الكبير الغسل مرتين، و في الجواهر
«1» انه لم يجد موافقا له.

أقول: الأقوى ما هو المعروف من كفاية الصبة الواحدة و ذلك:

لحسنة حسين بن أبى العلاء المتقدمة و قد أ قطعها في الوسائل في:

بابين «2»- و تمامها هكذا.

قال: (سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال:

صبّ عليه الماء مرتين، فإنما هو ماء، و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال:

اغسله مرتين، و سألته عن الصبي يبول على الثوب؟ قال: تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره) «3».

فإنها تدل- بقرينة المقابلة- على اعتبار العدد في بول الكبير، دون الصبي، و التفصيل قاطع للشركة، كما أن صحيحة الحلبي المتقدمة دلت بقرينة المقابلة ايضا- على اعتبار- الغسل في المتغذي و كفاية الصب في الرضيع، فمقتضى الجمع بينهما هو كفاية صبة واحدة في بول الصبي إذا كان رضيعا لا يأكل الطعام، و أما إذا أكل فيغسل.

و أما كاشف الغطاء (قده) فالظاهر أنه قد استند في اعتبار التعدد حتى في بول الرضيع إلى إطلاق ما دل من الروايات [1] على اعتباره في البول مطلقا.

و بها يقيد إطلاق الصب في صحيحة الحلبي «5» المتقدمة بالنسبة‌

______________________________
[1] كصحيحة ابن ابى يعفور، و محمد بن مسلم، و ابى إسحاق النحوي، و البزنطي، لما في جميعها من الأمر بالصبّ أو الغسل مرتين في مطلق البول- الوسائل ج 2 ص 1001 في الباب 1 من النجاسات، ح 2 و 1 و 3 و 7.

______________________________
(1) ج 6 ص 189.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1001 باب 1 من أبواب النجاسات ح 4 و ص 1002 باب 3 منها ح 1.

(3) الكافي ج 3 ص 55 ح 1 و التهذيب ج 1 ص 249 باب 12 ح 1- 714.

(5) وسائل الشيعة ج 2 ص 1003 باب 3 من أبواب النجاسات ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 68‌

..........

______________________________
الى بول الرضيع. كما انه يقيد بها ايضا ما في ذيلها من إطلاق الغسل من بوله ان كان قد أكل الطعام، جمعا بين المطلق و المقيد، فان الروايات المذكورة تدل على انه لا بد في تطهير البول من التعدد سواء كان بالصب أو الغسل.

و فيه: ان هذا و ان كان صحيحا في نفسه، الا انه لا بد من تقييد المطلقات المذكورة بحسنة ابن أبى العلاء الدالة بالوضوح على كفاية المرة في بول الصبي- بقرينة المقابلة بين بوله و بول الكبير كما ذكرنا آنفا، فتدل على ان المراد بالبول الذي يعتبر فيه التعدد هو ما عدا بول الصبي و أما بوله فيكتفى فيه بصب الماء عليه مرة واحدة، فتكون شارحة للإطلاقات الدالة على اعتبار التعدد في مطلق البول. و من هنا ذهب المشهور الى القول بكفاية المرة في بول الرضيع استنادا إلى الحسنة المذكورة بل لم يعرف من وافق كاشف الغطاء في ما ذهب اليه من اعتبار العدد في بول الرضيع.

فتحصل: أن الأقوى هو الفرق بين بول الرضيع و غيره في أمرين (أحدهما) الصب دون الغسل (الثاني) الاكتفاء بالمرة، دون المرتين.

(الجهة الثالثة) هل يكفى النضح مكان الصب في بول الرضيع؟ المراد من الصب هو غلبة الماء و قاهريته على المحل دفعة [1] و أما الرش و النضح فهما بمعنى إصابة الماء للمحل من دون غلبة عليه، و ان نفذ الماء الى المحلّ التي رسب فيه البول، المعروف بل المقطوع به من قول الأصحاب «2» هو لزوم الصب في بول الصبي، و حكى العلامة في التذكرة [2] قولا لنا بالاكتفاء فيه بالرش، و لم يسم قائله.

______________________________
[1] عن الصحاح انه قال: (النضح: الرش) و عن القاموس: (نضح البيت رشه) و أما الصب- لغة- فهو بمعنى الإراقة و السكب قال اللّٰه تعالى (أَنّٰا صَبَبْنَا الْمٰاءَ صَبًّا)- عبس: 25- اى سكبناه سكبا إشارة إلى المطر، و يقال دم صبيب اى كثير- بنقل الحدائق ج 5 ص 389.

[1] قال في التذكرة (ج 1 ص 9) «الثالث بول الصبي قبل ان يطعم يكفى فيه صب

______________________________
(2) بنقل الحدائق ج 5 ص 389 و الجواهر ج 6 ص 162- 163.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 69‌

..........

______________________________
و الصحيح ما هو المشهور، لما في الروايات [1] من الأمر بالصب المغاير مع الرش مفهوما و لم يرد في رواياتنا عنوان نضح بول الصبي بالماء أو رشه به.

نعم قد ورد في روايات العامة الأمر بالنضح في بول الرضيع، لكن لا يمكن الاعتماد عليها لضعف إسنادها عندنا.

(منها): ما روى عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أنه قال: «بول الغلام ينضح عليه، و بول الجارية يغسل» قال قتادة: «هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسل بولهما» «2».

(و منها): ما عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ايضا، انه قال: «في الرضيع ينضح بول الغلام و يغسل بول الجارية» «3».

(و منها) ما عن أم الفضل [2] (في حديث) قالت: أتيت بالحسن عليه السلام- و هو طفل يرضع- الى رسول اللّٰه (ص) فأجلسه في حجره، فبال، فضربت بين كتفيه، فقال: ارفقي بابني رحمك اللّٰه، أو أصلحك اللّٰه، أوجعت ابني، قالت: قلت يا رسول اللّٰه (ص) اخلع إزارك و البس ثوبا غيره حتى اغسله، قال: انما يغسل بول الجارية، و ينضح بول الغلام «5».

______________________________
الماء عليه و لا يجب غسله (الى ان قال) و قال الشافعي و احمد: يكفي الرش، و هو قول لنا، فيجب فيه التعميم فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة، و أكثر الشافعية على اشتراط الغلبة، و لم يكتفوا بالبل». و حكى عن أبي حنيفة و مالك القول بوجوب غسل الثوب من البول مطلقا، فبذلك يظهر: ان العامة قد اختلفوا في كيفية تطهير بول الصبي، فذهب هذان الى القول بوجوب الغسل، و اكتفى الشافعي و احمد بمجرد الرش، و مستندهم الروايات التي وردت من طرقهم تدل على كفايته، لما فيها من الأمر بالنضح في بول الصبي، كما ذكرناه في الشرح.

[1] كصحيح الحلبي و حسنة حسين بن ابى العلاء الواردين في بول الصبي.

[2] «أم الفضل اسمها، لبابة، عدها الشيخ (ره) في رجاله بهذا العنوان من أصحاب رسول اللّٰه (ص) و هي لبابة بنت الحارث زوجة عباس بن عبد المطلب و والدة فضل و عبد اللّٰه و معبد و عبيد اللّٰه و قثم و عبد الرحمن و غيرهم من بنى العباس، و هي أخت ميمونة زوجة النبي (ص)»- تنقيح المقال للمامقانى ج 3 و في الكنى و الألقاب ص 73.

______________________________
(2) مسند احمد ج 1 ص 76 و 97 و 137.

(3) مسند احمد ج 1 ص 76 و 97 و 137.

(5) مسند احمد ج 6 ص 339.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 70‌

..........

______________________________
و نحوها غيرها [1].

(الجهة الرابعة) هل يكفى الصب في بول الصبيّة؟ ظاهر كلام الأكثر هو اختصاص الاكتفاء بالصب ببول الصبي، و أما الصبية فيجب فيه الغسل من بولها مرتين، كالإنسان الكبير، و ذهب صاحب الحدائق «2» و حكاه عن الصدوقين ايضا، الى القول بالتسوية بينهما في كفاية الصب مرة واحدة.

أقول: الأقوى ما عليه المشهور من وجوب الغسل مرتين عملا بالإطلاقات الدالة على ذلك في مطلق البول و أما الروايات المتقدمة [2] الدالة على كفاية الصب مرة واحدة، فتختص بالصبي، و هو ظاهر في الغلام، و لا أقل من انه القدر المتيقن منه لو سلم إطلاقه على الأعم، لعدم ثبوت وضعه للجامع بينهما (الغلام و الجارية) فيبقى بول الصبيّة تحت إطلاقات ما دل على لزوم الصب أو الغسل مرتين في مطلق البول، لان القدر المتيقن في تخصيصها، انما هو بول الصبي.

نعم ورد في ذيل صحيحة الحلبي (الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء) [3]. و قد اعتمد عليها صاحب الحدائق (قده) «5» في القول‌

______________________________
[1] كما في سنن ابى داود ج 1 ص 102 (باب بول الصبي يصيب الثوب) رقم الحديث من أصل الكتاب 374 و 375 و 376 و 377 و 378. و كتاب التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، ج 1 ص 86- 87 في الباب الثاني في أحكام المياه.

[2] في الصفحات 64 و 65 كحسنة الحلبي و حسنة حسين بن ابى العلاء.

[3] الوسائل ج 2 ص 1003 في الباب 3 من النجاسات، ح 2 و في التهذيب ج 1 ص 249 باب 12 تطهير الثياب و غيرها من النجاسات 715- 2 «و الغلام و الجارية شرع سواء» و كذلك في الاستبصار ج 1 ص 173 باب 104 بول الصبي ح 2 الا انه في الكافي ج 3 ص 56 ح 6 كما في الوسائل «الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء».

______________________________
(2) ج 5 ص 385- 386.

(5) ج 5 ص 385.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 71‌

..........

______________________________
بالتسوية بينهما، و تعجب من الأصحاب حيث عدلوا عن ظاهر هذه الجملة، و ذهبوا الى التخصيص بالغلام، مع أنهم استندوا في أصل الحكم بكفاية الصب في بول الرضيع الى هذه الرواية.

و لا يخفى: أنه لا صراحة بل لا ظهور في عود الإشارة في هذه الجملة «الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» الى جميع ما تقدمها في الرواية المذكورة، لأن السابق عليها حكمان، أحدهما: «صب الماء على بول الصبي» ثانيهما «لزوم الغسل بالماء إذا أكل» و لم يثبت عود الإشارة بقوله عليه السلام (في ذلك) في الجملة المذكورة إلى كلا الحكمين، لاحتمال اختصاصها بالحكم الثاني الذي هو أقرب لفظا، اعنى لزوم الغسل بالماء إذا أكلا، و أما قبله فلا تعرض فيها لحكمه فيجري فيه ما ذكرناه من بقاء بول الصبية تحت إطلاق أدلة لزوم الصبّ أو الغسل مرتين، لإجمال المخصص الدائر بين الأقل و الأكثر.

و الحاصل: أن سند الرواية المذكورة و ان كان معتبرا، الا أن دلالتها مجملة، و لعله لذلك لم يعتمد عليه الأكثر، و خصّوا كفاية الصّب مرة واحدة بالغلام دون الجارية، فيجب فيها الغسل مرتين.

و يؤيد ما عليه المشهور من عدم التّسوية بينهما و أنه يجب الغسل في بول الجارية دون الغلام ما في بعض الروايات من التفصيل بينهما بوجوب الغسل من بول الجارية دون الغلام الا ان بعضها من طرق العامة «1» أو تكون ضعيفة السند [1] إذا كانت من طريقنا.

______________________________
[1] و هي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) ان عليّا (عليه السلام) قال: «لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم، لان لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم، لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين»- الوسائل ج 2 ص 1003 باب 3 من النجاسات، ح 4.

و ربما يناقش في سندها بان راويها (السكوني) و هو (إسماعيل بن ابى زياد) و هو عامي لم يصرح بوثاقته- كما عن العلامة في الخلاصة- و لكنّه مع ذلك ذكر الشيخ في العدة ان الأصحاب عملت برواياته، و هو من رجال كامل الزيارات الذين وثقهم جعفر بن محمد بن قولويه في أول

______________________________
(1) كما تقدم بعضها في الصفحة: 69- 70.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 72‌

..........

______________________________
(الجهة الخامسة) من هو المراد من الرضيع لا يخفى: أنه لم يرد في شي‌ء من الروايات المعتبرة عنوان (الرضيع)

______________________________
كتابه، و طريق الشيخ اليه صحيح- هذه خلاصة ما ذكر في ترجمته في كتاب معجم رجال الحديث ج 3 ص 105 الى 108 و قد صرح دام ظله فيه بان رواياته حجة بناء على عدم اعتبار العدالة في الراوي و انه يكفى وثاقته، و ان كان مخطئا في اعتقاده.

و قد يناقش في سندها ايضا ب (النوفلي) و هو (حسين بن يزيد) الذي يروى عن (السكوني) الا انه ايضا من رجال كامل الزيارات الذين وثقهم ابن قولويه- معجم رجال الحديث ج 6 ص 113- 114.

فلا ينبغي الإشكال في سندها من هذه الجهة، الا ان يناقش في شمول توثيقات ابن قولويه في كامل الزيارات لغير مشايخه، و اما طريق الشيخ إلى النوفلي و ان كان ضعيفا ب (ابن بطة) و هو (محمد بن جعفر بن احمد بن بطة) و ب (أبو المفضل الشيباني) و هو (محمد بن عبد اللّٰه بن المطلب)- كما في معجم رجال الحديث ج 6 ص 114- الا ان هذا طريقه إليه في الفهرست في بعض طرقه اليه- كما في ص 110 من الفهرست- و اما طريقه إليه في التهذيب صحيح- كما في جامع الرواة ج 2 ص 489- في بيان أسانيد الشيخ في كتابيه التهذيب و الاستبصار.

فالظاهر انه لا ينبغي الإشكال في سند هذه الرواية و ان ضعّفها في مصباح الفقيه كتاب الطهارة في آخر صفحة 606 و المستمسك ج 2 ص 47.

و اما دلالتها فقد يناقش فيها بأنها تدل على طهارة بول الصبي و نجاسة لبن الجارية و لم يقل بشي‌ء منهما أحد من أصحابنا.

و الجواب أما عن الأول فبان المنفي فيها وجوب الغسل، و لا ينافيه وجوب صب الماء عليه، جمعا بينها و بين صحيحة الحلبي الدالة على كيفية تطهيره بالصب، و اما عن الثاني فبإمكان حمل الأمر بغسل الثوب منه على الاستحباب و التنزيه، كما يناسبه التعليل بان لبن الجارية يخرج من مثانة أمها، فان تكون شي‌ء في المحل النجس بل من النجس لا يستلزم نجاسة ذاك الشي‌ء، فإن الإنسان نفسه متكون من الدم و المنى و يتكون في الرحم الذي هو محل لهما، و مع ذلك يكون طاهرا و عليه فلا ينبغي التأمل في دلالتها على وجوب الغسل من بول الجارية و بها يقيد إطلاق قوله (ع) في ذيل صحيحة الحلبي «و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء» لو قلنا بعدم الإجمال فيها و شمولها لما قبل الأكل و بعده، فان مقتضى التقييد المذكور هو التساوي بينهما بعد الأكل.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 73‌

و ان كان المرتان أحوط (1)

______________________________
و ان وقع ذلك في كلمات الأصحاب و في الفقه الرضوي [1] و عن الحلي في السرائر
«2» تحديده بمن لم يبلغ سنتين و لم يدل عليه دليل سوى توهم انهما حدّ للرضاع الشرعي.

و الصحيح أن يقال: أن المستفاد من حسنة الحلبي أو صحيحته هو ان الموضوع الصبي الذي لم يتغذ بالطعام في مقابل المتغذي به، لقوله عليه السلام فيها «فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا» حيث أن مفهومه أنه إذا لم يأكل لم يجب الغسل، بل يكتفى بالصبّ، و حيث أن الصبي الذي لم يتغذ بالطعام بعد لا ينفك عن كونه يتغذا باللّبن فعبّر عنه الأصحاب بالرضيع- كما في متن الشرائع و غيره- و عليه لا يفرّق بين كونه في السنتين أو أكثر ما لم يتجاوز الحدّ المتعارف في الارتضاع باللّبن، كما انه لو فرض تغذيه بالطعام قبل إتمام السنتين زال عنه الحكم، و وجب الغسل من بوله، فالعبرة بعدم التغذي بالطّعام سواء كان في السنتين أو أكثر و لا يضره الأكل نادرا، أو دواء، لانصرافه إلى الأكل المتغذي به و أما الارتضاع بلبن غير الإنسان- كالبقر و المعز و نحوهما- فلا يضر بصدق العنوان أيضا، لأنه لم يأكل الطعام، غايته انه يرتضع بلبن غير الإنسان فهو رضيع ايضا.

(1) حكى في الجواهر «3» القول بتعيّنهما عن كاشف الغطاء (قده) مستندا إلى إطلاق ما دل على اعتبار العدد في مطلق البول بضميمة دعوى ظهور ما ورد في بول الصبي من الأمر بالصب في امتيازه عن بول غيره بالصبّ خاصة في مقابل الغسل، و أما العدد فيعتبر فيها، هذا. و لكن قد‌

______________________________
[1] في فقه الرضا (عليه السلام) «و ان كان البول للغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّا، و ان كان قد أكل الطعام فاغسله، و الغلام و الجارية سواء»- مستدرك الوسائل ج 1 ص 159 باب 2 من أبواب النجاسات ح 1.

______________________________
(2) بنقل الحدائق ج 5 ص 387.

(3) ج 6 ص 189.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 74‌

و أما المتنجس بسائر النجاسات عدا الولوغ (1) فالأقوى كفاية الغسل مرة (2)

______________________________
عرفت
«1» ما فيه لدلالة «حسنة ابن أبى العلاء» على كفاية المرة في بول الرضيع، و بها تقيد المطلقات.

(1) لا وجه لاستثناء خصوص آنية الولوغ، بل الصحيح استثناء مطلق الإناء، لأن المستثنى من سائر المتنجسات هو مطلق الإناء المتنجس، لاعتبار التعدد فيها جزما- كما سيأتي- و منها آنية الولوغ، نعم يختص الولوغ بالتعفير، و هذا غير المبحوث عنه في المقام من اعتبار التعدد في الغسل و عدمه.

و من هنا ذكرنا في التعليقة على المتن ان «ذكر كلمة الولوغ من سهو القلم و الصحيح عدا الإناء» و لم أرى من تنبه لذلك من المعلّقين على المتن.

هل يكفى الغسل مرة واحدة في المتنجس بغير البول؟

(2) نسب «2» إلى الأكثر بل المشهور القول بكفاية المرة في المتنجس بغير البول- كالمتنجس بالدم و المنى و غيرهما- و ذهب الشهيد [1] إلى القول باعتبار العدد في مطلق النجاسات البول و غيره، و عن بعضهم [2] القول بالتفصيل بين ما كان النجس له قوام و ثخن- كالمني- و غيره فيعتبر التعدد في الأول دون الثاني.

ثم انه بناء على القول بكفاية المرّة فهل يجب أن تكون بعد إزالة العين‌

______________________________
[1] كما في متن اللمعة، و قال الشهيد الثاني في الشرح: «الاكتفاء بالمرة في غير البول أقوى عملا بإطلاق الأمر و هو اختيار المصنف في البيان جزما و في الذكرى و الدروس بضرب من التردد».

[2] كالعلامة في التحرير و المنتهى- بنقل الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 612.

______________________________
(1) ص 61

(2) كما في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 612.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 75‌

..........

______________________________
كما عن بعض
«1»- أم تكفي الغسلة المزيلة.

الأقوى ما هو المشهور من كفاية الغسل مرة واحدة، و ان حصلت بها الإزالة أيضا [1] لإطلاق الأمر بغسل النجاسات عموما و خصوصا السالم مما يصلح لتقييده إلا في البول و الأواني.

و توضيح المقام بأن يقال: ان الدليل على نجاسة شي‌ء إما أن يكون هو الأمر بغسل ملاقيه، أو غيره من الأدلة الآتية. فإن كان الأول- كما هو الحال في أغلب النجاسات لو لا كلها، كما ستعرف- فالأمر فيه واضح، لما ذكرناه في طي المباحث السابقة من ان المستفاد من الأمر بغسل ملاقي النجس أمران (أحدهما) نجاسته (ثانيهما) ان الغسل بالماء يكون مطهّرا لملاقيه، و مقتضى إطلاق الأمر به هو كفاية الغسل مرة واحدة، لصدق الطبيعة على أول الأفراد، فالتعدد يحتاج الى دليل خاص- كما جاء في البول دون غيره من النجاسات- و دعوى: ان الأوامر المذكورة ليست في مقام بيان كيفية التطهير عن النجاسات، بل غايتها الدلالة على أصل مطهرية الماء لها.

مندفعة: بأن ظاهر تلك الأوامر هو بيان الوظيفة الفعلية بالنسبة إلى ملاقي النجس فيما يشترط فيه الطهارة، كالصلاة و نحوها، فلا مانع من التمسك بإطلاقها بالنسبة إلى كيفية التطهير أيضا، و مقتضاه الاكتفاء بالمرة كما ذكرنا.

و ان كان الثاني بأن نفرض عدم وجود أمر بالغسل في نجس من النجاسات و لكن علم نجاسته من طريق آخر، كالأمر بإعادة الصلاة التي وقعت فيه، أو قام الإجماع على نجاسته، أو كان الدليل على نجاسته أدلة السراية- كما في تنجيس المتنجس- أو فرضنا عدم وجود الإطلاق في الأمر بالغسل، فلا بد حينئذ من اقامة دليل آخر على كفاية المرة.

______________________________
[1] و قد جاء في تعليقته دام ظله على قول المصنف (قده): «مرة بعد زوال العين»:

(الظاهر كفاية الغسلة المزيلة للعين).

______________________________
(1) نفس المصدر ص 612.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 76‌

..........

______________________________
فنقول: اما إذا كانت نجاسة شي‌ء من باب السراية، و قلنا بجواز الاكتفاء بالمرة في أصل النجس ففي المتنجس بالمتنجس به كانت المرة اولى بالكفاية، لأن الفرع لا يزيد على الأصل، فإن قلنا بكفاية المرة في اليد المتنجس بالدم- مثلا- لقلنا بكفايتها في غسل الثوب المتنجس باليد الملاقي للدم بطريق أولى، و اما إذا لم يكن نجاسة شي‌ء من جهة السراية، بل قام دليل آخر على نجاسته بالخصوص كالإجماع، أو الأمر بإعادة الصلاة منه، و نحو ذلك فيستدل لكفاية المرة بوجوه آخر غير إطلاق الأمر بالغسل، لفرض عدمه.

(الأول): الإجماع بدعوى عدم القول بالفصل بين ما ثبتت نجاسته بالأمر بالغسل المقتضى للاكتفاء بالمرة، و بين ما ثبتت بغيره من الأدلة، و مرجعها الى دعوى الإجماع المركب [1] على كفاية المرة في مطلق النجاسات، الا ما ورد فيه دليل خاص على التعدد- كالبول و الأواني المتنجسة.

و فيه: أولا: منع تحقق الإجماع، لذهاب جمع من الأصحاب [2] إلى القول بالتعدد في مطلق النجاسات و لا سيما جملة من متأخري المتأخرين [3].

و ثانيا: انه لو سلم تحقق الاتفاق لما كان من الإجماع المصطلح، لاحتمال استنادهم الى الوجوه الأخر الآتية.

(الوجه الثاني) إطلاق ما دل على مطهرية الماء، كالنبوي الذي قال في السرائر، انه متفق على روايته، و هو قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «خلق‌

______________________________
[1] كما حكاه في الجواهر ج 6 ص 192- 193 عن الذخيرة مستشهدا له بالتتبع قائلا:

«انما يتم بالإجماع المركب المحكي ظاهرا في الذخيرة الذي يشهد له التتبع، بل يمكن تحصيله على عدم الفرق بين النجاسات بذلك، و به ينقطع الاستصحاب حينئذ».

[2] كصريح اللمعة، و جامع المقاصد في مطلق النجاسات البول و غيره في الثوب و البدن و غيرهما- كما في الحدائق ج 5 ص 363 و الجواهر ج 6 ص 192 و مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 612.

[3] كشيخنا الأنصاري و السيد الشيرازي و الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس أسرارهم)- كما حكاه السيد الأستاذ دام ظله العالي في مجلس الدرس.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 77‌

..........

______________________________
اللّٰه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه» [1] بدعوى
«2» دلالته على مطهرية الماء مطلقا، و لو بالغسل مرة واحدة.

و فيه: أولا: أنه إنما يدل على أصل مطهّرية الماء دون كيفيّة التطهير به، فيكون نظير قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً» «3» فالحديث و الآية الكريمة انما يكونان من واد واحد، أي في مقام الامتنان على الناس بجعل الماء مطهّرا و مزيلا للقذارات، فليستا في مقام البيان من جهة كيفية التطهير به، و لا من جهة شموله لمطلق النجاسات [2].

______________________________
[1] وسائل الشيعة ج 1 ص 101 باب 1 من أبواب الماء المطلق ح 9 عن المعتبر و السرائر، و في المستدرك ج 1 ص 26 باب 3 من الماء ح 10 و في السرائر ص 8، و في المعتبر ص 8 في مسألة انفعال الماء بالتغير قائلا: رواه الجمهور عن النبي (ص)».

و هو الأصل في رواية هذا الحديث عن العامة إلا انا لم نجده بهذا المتن في كتبهم.

ففي سنن أبى داود (ج 1 ص 17 ح 66) فيما رواه في التوضي بماء بئر بضاعة، و هكذا في مسند احمد (ج 3 ص 16 س 1 و ص 31 س 5 و ص 86 س 14 و ج 4 ص 17 س 20) هكذا: «الماء طهور لا ينجسه شي‌ء».

و لا يزيد عليه شيئا.

لاحظ المعجم المفهرس لأحاديث السنة ج 6 ص 361 في لفظ (نجس).

و في المعجم ايضا (ج 3 ص 550) في لفظ (طعم) نقلا عن سنن ابن ماجة كتاب الطهارة ص 76 «ان الماء لا ينجسه شي‌ء إلا ما غلب على ريحه و طعمه و لونه».

من دون ذكر لفظ (الطهور) صفة للماء.

نعم يتم المطلوب أعني رواية مجموع الصدر و الذيل- عن طريق العامة- عن النبي (ص) بالجمع بين رواياتهم.

و كيف كان فمحلّ الاستدلال انما هو صدر الحديث و هو قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) «الماء طهور لا ينجّسه شي‌ء» كما في الشرح.

[2] كما اعترف به في الجواهر ج 6 ص 193 مشيرا الى ذلك في طي كلامه، و توضيح الإشكال في الاستدلال بالحديث المذكور- بعد فرض عدم كونها في مقام البيان الا من جهة أصل مطهّرية الماء- يتم بأمرين:

(الأول) انه لا إطلاق له حينئذ بالنسبة إلى المطهّر- بالفتح- فلا يدل على كون الماء مطهرا لمطلق النجاسات، إذ لا دافع لاحتمال التخصيص ببعضها إلا الإطلاق من حيث المتعلق و إحدى

______________________________
(2) المستمسك ج 2 ص 17.

(3) الفرقان: 48.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 78‌

..........

______________________________
و ثانيا: انه قدّمنا في بحث الماء المتغيّر
«1» ان الحديث المذكور ضعيف السند، لانه لم يذكر في شي‌ء من كتب أحاديث الشيعة، و إنما اختص بنقله العامة في كتبهم «2» فلا يصغى الى ما قاله صاحب السرائر «3» من انه متفق على روايته، نعم ذكره بعض فقهائنا في كتبهم‌

______________________________
مقدمات الإطلاق ان يكون المتكلم في مقام البيان من الجهة الملحوظة، و المفروض عدمه.

(الثاني) انه على فرض ثبوت الإطلاق له من حيث المتعلق و مطهّريته لكل نجس فلا دلالة له على كيفية التطهير و انه هل يكتفى بغسله مرة واحدة، أم يحتاج الى التعدد، فدلالة الحديث على كفاية المرة في مطلق النجاسات يتوقف على ثبوت كلا الأمرين (عموم المتعلق و بيان كيفيّة التطهير).

و قد ذهب السيد الحكيم (قده) في المستمسك ج 2 ص 17- 18 تبعا لشيخنا الأنصاري (قده) الى ثبوت الإطلاق بدعوى: ان احتمال عدم وروده في مقام البيان مندفع بالأصل، فيشمل جميع النجاسات، و أما كيفية التطهير به فمقتضى الإطلاق المقامى و عدم بيان كيفية خاصة للتطهير هو الرجوع الى العرف في كيفيته- كما حكاه عن الشيخ الأنصاري (قده) قائلا و لا ريب في كفاية المرة في التطهير عند العرف، فان الرجوع إليهم في كيفية إزالة القذارات التي عندهم شاهد بذلك، و حاصل ما افاده: هو ان الإطلاق اللفظي في الحديث يشمل مطلق النجاسات، و الإطلاق المقامى فيه يدل على كيفية التطهير.

و لا يخفى خفاء ما ذكره (قده) فإنه لا أصل عند العقلاء يثبت ان المتكلم في مقام البيان من جميع الجهات، إذ يكفي في تصحيح كلامه كونه في مقام البيان و لو من جهة واحدة، و حيث ان الجهات المتصورة في مطهرية الماء ثلاثة (إحداها) أصل مطهريته (ثانيها) شموله لمطلق المطهّر- بالفتح- اى النجاسات التي تطهّر بالماء (ثالثها) كيفية التطهير به فلا ملزم للمتكلم أيّا كان أن يكون في مقام البيان من جميع هذه الجهات، إذ يكفي في خروج كلامه عن اللغوية خصوصا إذا كان في مقام الامتنان، و التنبيه على فضيلة الشي‌ء و كونه من النعم الآلهيّة على العباد بيان الجهة الأولى دون سائر الجهات نظير قوله تعالى «وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ»- الحديد: 25- و كقوله تعالى «قَدْ أَنْزَلْنٰا عَلَيْكُمْ لِبٰاساً يُوٰارِي سَوْآتِكُمْ»- الأعراف: 26- و غير ذلك من الآيات التي وردت للإشارة إلى أنعم اللّٰه تعالى على عباده بما خلقه لهم لينتفعوا بها في حياتهم، و ليست هذه الآيات في مقام البيان من جميع الجهات قطعا، فالحديث المذكور يكون من هذا القبيل ايضا فلا يمكن الاستدلال به لا من جهة الإطلاق اللفظي و لا المقامى.

______________________________
(1) ج 1 من كتابنا ص 61- 62.

(2) كما أشرنا في التعليقة ص 77

(3) السرائر ص 8 س 18 من الطبع القديم الحجري المطبوع سنه 1270 ه.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 79‌

..........

______________________________
الفقيه مرسلا كنفس صاحب السرائر و المعتبر [1] فهو ضعيف سندا و دلالة.

(الوجه الثالث) إطلاق ما دل على وجوب الغسل في مطلق النجاسات فان مقتضاه جواز الاكتفاء بالمرة، لصدق الطبيعة بها- كما ذكرنا- و ما عثرنا عليه [2] هو ثلاث روايات.

(إحداها) صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من منى، فعلمت أثره الى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت، ثم ذكرت بعد ذلك؟ قال: تعيد الصلاة و تغسله» [3].

فان الظاهر منها ان السائل إنما سئل الإمام (عليه السلام) عن حكم مطلق النجاسات المنسيّة إذا وقعت فيها الصلاة من دون خصوصيّة لدم الرعاف أو المني اما بناء على عطف (أو غيره) على (الدم.) فواضح، و اما بناء على عطفه على (الرعاف) فكذلك، لان الظاهر من سياق الكلام سئوالا و جوابا انما هو حكم مطلق النجس لا سيما بعد ملاحظة قوله: «نسيت ان بثوبي شيئا» فإن الظاهر من كلمة (شيئا) هو مطلق النجس، لا خصوص الدم، أو المني.

فعليه يكون الأمر بالغسل في قوله (عليه السلام) (تغسله) شاملا لمطلق النجاسات فيكفي في جميعها المرة الواحدة أخذا بإطلاق الأمر بعد ثبوت الإطلاق في الموضوع (اى النجس) لا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام) في ذيلها الذي هو دليل الاستصحاب «لأنك كنت على يقين من‌

______________________________
[1] المعتبر في ص 8 س 5 في الطبع القديم الحجري معترفا بأنه تفرد بروايته الجمهور عن النبي (ص).

[2] قال في المستمسك ج 2 ص 17 «انه لم يقف على هذه الإطلاقات و ان ادعاه غير واحد» و فيما ذكر في الشرح غنى و كفاية.

[3] وسائل الشيعة ج 2 ص 1063 باب 42 من أبواب النجاسات ح 2 و الاستبصار ج 1 ص 183 ح 13 الطبعة الثالثة و التهذيب ج 1 ص 421 ح 8 الطبعة الثالثة و هي مضمرة زرارة المعروفة التي تمسك الأصوليون بذيلها في بحث الاستصحاب.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 80‌

..........

______________________________
طهارتك.» فان المستفاد منها انما هو وجوب تحصيل الطهارة من أى نجس كان.

(ثانيها) موثقة عمار عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) «انه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلّى، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» «1».

فإنه يعلم من قوله: «و ليس يجد ماء يغسله» ان عدم حليّة الصلاة في الثوب انما كان من جهة نجاسته دون غيرها من الموانع، كالغصب و الحرير و حرمة الأكل و غيرها، و مقتضى إطلاق الأمر بالغسل كفاية المرة الواحدة- كما مر.

(ثالثها) موثقة أخرى لعمّار أيضا عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) «في رجل قصّ أظفاره بالحديد، أو جزّ من شعره، أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلّى، سئل فإن صلّى و لم يمسح من ذلك بالماء، قال: يعيد الصلاة، لأن الحديد نجس» «2».

فان قوله عليه السلام: «فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلّى» ثم تعليله ذلك بنجاسة الحديد يدل على ثبوت الحكم في كل نجس، لعموم العلة، و مقتضى إطلاق الأمر بالمسح بالماء، كفاية المرة، نعم تطبيق (النجس) على الحديد في الحديث المذكور لا يخلو عن نوع توسعة في مفهوم النجس [1] لا سيما بملاحظة الأمر بالمسح دون الغسل، لأنّ المعتبر في النجاسة المصطلحة هو الغسل و لا يجوز الاكتفاء بالمسح بالماء، الا انه مع ذلك كله لا ينبغي الإشكال في استفادة العموم منها بالنسبة الى جميع النجاسات، و الاكتفاء في تطهيرها بالمرة تمسكا بإطلاق المسح، و هو مطلوبنا في المقام.

______________________________
[1] قال في الوسائل في ذيل الحديث المذكور ج 2 ص 1102 «أقول: «النجاسة هنا بمعنى عدم الطهارة اللغوية أعني النظافة، لما مر، و للاكتفاء بالمسح و عدم الأمر بالغسل، و لتعليل النجاسة بأنّه من لباس أهل النار و غير ذلك».

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1067 باب 45 من أبواب النجاسات ح 8.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1102 باب 83 من أبواب النجاسات ح 6.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 81‌

..........

______________________________
و هناك رواية أخرى مرسلة، و هي ما رواه محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن عليه السلام في طين المطر: انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، الا ان يعلم انه قد نجّسه شي‌ء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله.»
«1».

و رواه الصدوق مرسلا، و كذلك الشيخ، و ابن إدريس.

فإنها تدل على كفاية الغسل مرة في مطلق النجس، الا انه لا يمكن الأخذ بها لضعفها بالإرسال، بل يمكن المناقشة في دلالتها أيضا من جهة انه لا وجه للتفصيل بين ثلاثة أيام و ما بعدها، لأنه إذا علم بملاقاة الطين للنجس يجب غسله حتى قبل الثلاثة، و ان لم يعلم ذلك فلا يجب حتى بعدها.

(الوجه الرابع) الأصل العملي، و هو اما قاعدة الطهارة، بدعوى عدم العلم بنجاسة الشي‌ء من أول الأمر بعد فرض غسله مرة واحدة. لأنّ القدر المتيقّن من الحكم بنجاسته انما هو قبل الغسل رأسا. أو أصالة البراءة من وجوب غسله بعد المرة الأولى، لأن مرجع الشك في وجوب زوال النجاسة بعد الغسل مرة واحدة إلى الشك في أنه هل يجب غسله مقدمة للصلوات الواجبة و نحوها مما يشترط فيه الطهارة زائدا على المرة أو لا، فينفى الزائد بالأصل، لأنه من موارد الأقل و الأكثر.

و فيه: ان الرجوع الى الأصل النافي سواء كان أصالة الطهارة أو أصالة البراءة انما يتم فيما إذا لم يكن هناك أصل أو دليل حاكم عليه، و في المقام يجري الأصل الحاكم، بل يمكن اقامة الدليل على بقاء النجاسة في بعض الموارد أما الأصل الحاكم فهو استصحاب النجاسة كما استند اليه من قال بالتعدد [1] لأن الحالة السابقة قبل الغسلة الأولى هي النجاسة،

______________________________
[1] كما في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص 613 قائلا «و من هنا يتجه القول بوجوب غسل ما تنجس بالمتنجس بالبول مرتين، إذ لا دليل على كفاية الواحدة فيه» و كذلك في كتاب طهارة شيخنا الأنصاري (قده) ص 354 الطبعة القديمة الحجرية.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1096 باب 75 من النجاسات ح 1.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 82‌

..........

______________________________
فبعدها يحكم ببقائها. نعم: انما يتم ذلك، على مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، و أما على المختار فلا يجرى، لما ذكرناه في بحث الأصول من انه يكون معارضا دائما بما يوجب سقوطه عن الحجية، و هو استصحاب عدم الجعل بالنسبة إلى الزمان المشكوك، لأن القدر المتيقّن منه انما هو جعل الحكم قبله، ففي المقام يكون استصحاب النجاسة الى ما بعد الغسلة الأولى- الذي هو زمان الشك- معارضا باستصحاب عدم جعلها بالنسبة الى هذا الزمان، لان المتيقن انما هو جعل النجاسة قبل الغسل، و أما بعده و لو مرة واحدة فغير معلوم، فيقع التعارض بين الاستصحابين، المثبت و النافي، و بعد التساقط لا مانع من الرجوع الى قاعدة الطهارة من هذه الجهة، لعدم وجود أصل حاكم عليها، نعم يتم الاستصحاب المذكور على المشهور من جريانها حتى في الشبهات الحكمية- كما ذكرنا- و من هنا استند اليه القائل بأصالة التعدد في الغسل عند الشك، لاستصحاب النجاسة بعد الغسلة الاولى [1].

______________________________
[1] و قد يورد على استصحاب النجاسة في المقام إشكالات أخر. (الأول): ان الشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في بقاء الأمر بالغسل بعد المرة الأولى، لأن النجاسة من الأحكام الوضعية المنتزعة من الأحكام التكليفية، كوجوب غسل الثوب من الدم المنتزع عنه تنجسه بملاقاته له، فإن النجاسة و ان كانت من المجعولات الشرعيّة، الا انها تكون من الأحكام الوضعيّة المنتزعة من الأحكام التكليفية كوجوب الغسل، نظير الجزئية و الشرطية المنتزعتين من الأمر بالمركب و المشروط، فتكون مجعولة بالتبع، بل بالعرض، و حيث ان الشك في وجوب الغسل الزائد على المرة يكون من موارد الشك في الأقل و الأكثر للشك في وجوب التعدد، فتجري أصالة البراءة من الزائد، و يكتفى بالأقل، و الأصل الجاري في السبب يكون حاكما على الأصل الجاري في المسبب.

و (يندفع) بأن النجاسة و ان كانت من الأحكام الوضعيّة، الا ان الظاهر انها تكون مستقلة بالجعل، كالملكية و الزوجية فتكون موضوعا للأحكام التكليفية من وجوب الغسل، و حرمة الأكل و الشرب، و حرمة الصلاة و الطواف فيها، و نحو ذلك، فهي مقدمة على الأحكام التكليفية تقدم الموضوع على حكمه، فتكون النجاسة كالملكية- المنشأة بالاستقلال عند البيع و نحوه- التي هي موضوع لحرمة التصرف في الملك بدون اذن مالكه و الزوجية المجعولة استقلالا عند عقد الزواج التي هي موضوع لجواز الوطي و وجوب الإنفاق و غير ذلك من الأحكام التكليفية المرتبة على علاقة الزوجية بين الرجل و المرأة، فهي سابقة في الجعل على الأحكام، و تتقدم عليها تقدم الموضوع على الحكم، فلا تقاس النجاسة على الحكم الوضعي المنتزع من التكليف الذي هو على عكس المقام.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 83‌

..........

______________________________
الا انه مع ذلك لا يصح الرجوع الى قاعدة الطهارة، أو أصالة البراءة، لقيام الدليل الحاكم لو لم يكن هناك أصل حاكم، و هو إطلاق ما دل على نجاسة الشي‌ء بالملاقاة الشامل لما بعد الغسلة الأولى، و ذلك فيما إذا فرض ثبوت نجاسة شي‌ء من الأمر بإعادة الصلاة في الثوب الملاقي له- مثلا- فإنه بإطلاقه شامل لما بعد الغسل مرة واحدة أيضا، فلا بد من الغسل ثانيا،

______________________________
و ممّا يدل على استقلال النجاسة بالجعل التشريعي- نظير الملكية و الزوجية- ما ورد في الآية الكريمة من قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ- التوبة: 28- فإن ظاهرها ان حرمة دخولهم في المسجد يكون مترتبا على نجاستهم، و ما ورد في الحديث من المنع عن الاغتسال بغسالة الحمام لنجاسة من يغتسل فيه معللا ذلك بقوله (ع): «فان اللّٰه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»- الوسائل ج 1 ص 159 في الباب 11 من الماء المضاف ح 5- فإنه يدل على مجعوليّة النجاسة بالاستقلال، و انها موضوع للحكم التكليفي، كالمنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام، معللا ذلك بنجاسة من يغتسل فيه من اليهود و النصارى و المجوسي و الناصب- كما في الحديث المذكور.

و يدلّنا على ما ذكرنا ايضا قوله (ع) «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر»- الوسائل ج 1 ص 106 في الباب 4 من الماء المطلق ح 2.

فان المراد القذارة الشرعيّة في مقابل الطهارة، فكما ان الطهارة مجعولة استقلالا بمقتضى الحديث المذكور تكون النجاسة أيضا كذلك للمقابلة بينهما، بل لا يبعد استفادة ذلك من الروايات الدالة على طهوريّة الماء، بل الآيات الدالة على ذلك لمقابلتها للنجاسة فتكون مستقلة بالجعل أيضا بقرينة المقابلة، فيتلخص من جميع ما ذكرناه، انه ليس الشك في بقاء النجاسة مسببا عن الشك في وجوب الغسل ثانيا، بل الأمر بالعكس، لان وجوب الغسل مسبب عن النجاسة لو كانت باقية، فما ذكره الفقيه الهمداني (قده) في (كتاب الطهارة ص 613) من الاشكال على استصحاب النجاسة في المقام بأنه من الشك المسبب لا يمكن المساعدة عليه.

و دعوى الفرق بين النجاسة الذاتية، كنجاسة الدم، و النجاسة الحكمية كنجاسة الملاقي له بالالتزام بالجعل الاستقلالي في الأول دون الثاني، و محل الكلام هو الثاني لا الأول.

غير مسموعة، لظهور الأوامر الواردة بغسل الثياب و نحوها من النجاسات في نجاسة الأعيان و سراية نجاستها الى ملاقيها، اى تنجسه بها، ثم طهارته بالغسل، لان نفس أعيان النجاسات لا تطهر بشي‌ء، فالنجاسة الحاصلة للملاقي المعبّر عنها بالنجاسة الحكمية تكون من آثار النجاسة العينيّة و موضوعا لوجوب الغسل، لا مترتبا عليه و معلولا له، كنجاسة نفس الأعيان.

و مما يدلنا على ذلك مضافا الى شمول قاعدة الطهارة لموارد الشك في النجاسة الحكمية- ما ورد من إطلاق الرجس على الثوب الذي أصابه الخمر أو لحم الخنزير، حيث جاء في رواية خيران الخادم قال: كتبت الى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلّى فيه

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 84‌

..........

______________________________
كي يخرج عن الإطلاق المذكور، فتكون النتيجة أيضا أصالة التعدد و لو استنادا إلى إطلاق دليل النجس.

و الحاصل: انه لا مجال للأصل النافي مع وجود أصل حاكم يثبت النجاسة كاستصحاب النجاسة على المشهور، أو دليل حاكم يدل بإطلاقه كإطلاق الأمر بإعادة الصلاة التي صلّاها في النجس الشامل لما بعد الغسل في المرة الأولى.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أن الضابط الكلي في كيفية تطهير المتنجس فيما لم يقم دليل على وجوب التعدد فيه بالخصوص هو أن يلحظ أولا أدلة الغسل في كل واحد واحد من النجاسات بالخصوص، فان كان لها‌

______________________________
أم لا؟. الى ان قال: فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه رجس»- الوسائل ج 2 ص 1055، باب 38 من النجاسات، ح 4.

فان الضمير في قوله (ع) «فإنه رجس» راجع الى الثوب الملاقي للخمر و لحم الخنزير، و أطلق عليه (الرجس) الذي هو بمعنى النجاسة الحكمية في الثوب و يترتب عليها عدم جواز الصلاة فيه، كما يترتب ذلك على عين النجس.

فتحصل: انه لا مانع من استصحاب النجاسة الحكمية، لأنها أيضا تكون مستقلة بالجعل و موضوعا للأحكام التكليفية، لا العكس.

(الإشكال الثاني) هو ان استصحاب النجاسة بعد الغسل مرة واحدة يكون من استصحاب الفرد المردد بين القصير و الطويل الذي ثبت في بحث الاستصحاب عدم جريانه، لدوران المشكوك بين مقطوع الارتفاع، و مشكوك الحدوث، فليس الشك في البقاء.

و فيه: أولا أنّ المستصحب هو الكلى الجامع بين الفردين، و هو كلي النجاسة، و أثره وجوب الغسل، فإنه من آثار الكلى لا خصوص الافراد، فيكون من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي الذي ثبتت صحته.

و ثانيا: ان الشك في المقام في المزيل و الرافع للنجاسة، حتى لو فرض كون المستصحب هو الفرد لا الكلي، لأن المقام من قبيل الفرد المعين و كون التردد في رافعه، لأن النجاسة تبقى إلى الأبد لو لم يطرأ عليه المطهر سواء كان غسلا واحدا، أو غسلات متعددة.

(الإشكال الثالث): هو ان الشك في المقام في الحدوث لا البقاء للعلم بزوال بعض مراتب النجاسة بالمرة الأولى، فيرجع الشك الى وجود مرتبة اخرى زائدة على تلك المرتبة و مقتضى الاستصحاب عدمها.

و يندفع: بأن المرتبة الشديدة و الضعيفة يكون وجودا واحدا في نظر العرف، نظير السواد الضعيف المعدود من مراتب وجود السواد القوى فالشك في البقاء لا في الحدوث، هذا إذا قلنا بأن

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 85‌

..........

______________________________
إطلاق فيؤخذ به و يكتفى فيه بالمرة، لصدق الطبيعة بها، و مع فرض عدمها للمناقشة فيها سندا أو دلالة فلا بد من الرجوع الى إطلاقات ما دل على وجوب الغسل من مطلق النجاسات ان تمت دلالتها- كالروايات المتقدمة
«1» و مقتضاها ايضا الاكتفاء بالمرة، و مع فرض عدم ثبوت الإطلاق في أدلة الغسل عموما و خصوصا تصل النوبة في المرحلة الثانية إلى الأصول العمليّة، فعلى المشهور لا مانع من جريان استصحاب النجاسة بعد الغسلة الأولى و مقتضاه التعدد، و من هنا قال جمع بأصالة التعدد في موارد الشك في حصول الطهارة بعد الغسل مرة، للاستصحاب المذكور، و أما على المختار فلا يجري، لأنه من الشبهة الحكمية، فلا بد من الرجوع الى قاعدة الطهارة و مقتضاها الاكتفاء بالمرة الا ان الرجوع إليها انما يتم لو لم يكن هناك إطلاق لدليل النجس كما إذا ثبتت نجاسته بالإجماع، و الا فهو حاكم على قاعدة الطهارة، كما إذا فرضنا ان نجاسة شي‌ء قد ثبتت من الأمر بإعادة الصلاة منه، فإن إطلاقه يشمل لما بعد الغسل مرة واحدة، هذا، و لكن الذي يهوّن الخطب هو ان الظاهر ثبوت الإطلاق في دليل غسل كل واحد واحد من النجاسات، لما ورد فيها من الأمر بغسل الثوب أو البدن منها، و مقتضى إطلاقها كفاية المرة- كما مر- فلا بد من ملاحظة دليل كل واحد واحد منها فنقول:

أما (البول): فقد ورد فيه عدة روايات تضمّنت الأمر بغسل الثوب أو البدن منها.

(منها): صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «2».

و عنه أيضا عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «اغسل ثوبك من‌

______________________________
مجموع الغسلتين يكون مطهرا بحيث يكون كل واحدة منهما جزء للمطهر- كما هو ظاهر الأدلة- و أما لو قلنا بان المطهّر هي الغسلة الثانية و أما الأولى فهي من قبيل الشرط لتأثير الثانية فالجواب أوضح، لعدم زوال شي‌ء من النجاسة الحكمية بالغسلة الأولى.

______________________________
(1) و هي ثلاث روايات تقدمت في الصفحة: 79

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1008 باب 8 من أبواب النجاسات ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 86‌

..........

______________________________
بول كل ما لا يؤكل لحمه»
«1».

فإن إطلاق الغسل فيها يصدق على المرة، نعم لا بد من تقييده بما دل على التعدد في بول الإنسان أو مطلق الحيوان- على الخلاف- الا انه لا ينافي ذلك وجود الإطلاق في هذه.

و أما (الغائط) فلا دليل على نجاسته بالخصوص، صريحا، إلا الإجماع على الحاقه بالبول و يجرى فيه إطلاقه. أو يقال بقصور أصل دليله- و هو الإجماع عن شموله لما بعد الغسل مرة واحدة فيرجع الى قاعدة الطهارة بعده و أما استصحاب النجاسة فلا يصح عندنا- كما تقدم.

أما (الكلب) فقد ورد فيه صحيحة أبي العباس «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله.» «2».

و حسنة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الكلب السلوقي قال: إذا مسسته فاغسل يدك» «3».

نعم ورد الدليل الخاص على التعدد و التعفير في آنية الولوغ، لا غيرها.

و اما (الخنزير) فقد ورد فيه روايات.

(منها) صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) (في حديث) «الا ان يكون فيه أثر يغسله» «4».

و في حديث على بن رئاب عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام): «قلت:

و ما على من قلب لحم الخنزير؟ قال «يغسل يده» «5».

فإن إطلاقها كسابقتها، و أما تقييدها بالتعدد أو التعفير في خصوص الإناء فبدليل خاص يخص الإناء، و لا يشمل غيرها.

و أما (الكافر) ففيه أيضا روايات.

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1008 باب 8 من أبواب النجاسات ح 3.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1015 باب 12 من أبواب النجاسات ح 1.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1016 باب 12 من أبواب النجاسات ح 9.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1017 باب 13 من أبواب النجاسات ح 1.

(5) وسائل الشيعة ج 2 ص 1017 باب 13 من أبواب النجاسات ح 4.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 87‌

..........

______________________________
(منها): موثقة أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام «في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني؟ قال: من وراء الثوب، فان صافحك بيده فاغسل يدك»
«1».

و أما (عرق الإبل الجلال) ففيه روايات.

(منها): حسنة حفص بن البختري عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة، و إن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله» «2».

و نحوها رواية هشام بن سالم «3».

فان مقتضى إطلاقها كفاية الغسل مرة، و لكن ذكرنا في محله: انه يحتمل أن يكون الأمر بالغسل فيه من جهة مانعية اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة، دون نجاسة الجلّال.

و أما (المني) ففيه روايات كثيرة.

(منها): صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (في حديث) قال: «في المني يصيب الثوب؟ قال: ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كله» «4».

و أما (الخمر) ففي صحيحة على بن مهزيار الأمر بالأخذ بقول أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) فيها، و هو قوله (عليه السلام): «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعنى المسكر- فاغسله إن عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله.» «5».

نعم ورد التعدد في خصوص آنية الخمر.

و أما (الميت) فقد ورد فيه.

حسنة الحلبي عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) (في حديث) قال‌

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1019 باب 14 من أبواب النجاسات ح 5.

(2) وسائل الشيعة ج 2 ص 1021 باب 15 من أبواب النجاسات، ح 2 و 1.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1021 باب 15 من أبواب النجاسات، ح 2 و 1.

(4) وسائل الشيعة ج 2 ص 1021 باب 16 من أبواب النجاسات ح 1.

(5) وسائل الشيعة ج 2 ص 1055 باب 38 من أبواب النجاسات ح 2.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 88‌

..........

______________________________
«سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال: يغسل ما أصاب الثوب»
«1».

و اما (الميتة): فقد ورد فيها «و كل شي‌ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكى، و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه» «2».

و اما (الدم) فقد ورد فيه روايات.

منها: رواية مثنى بن عبد السلام عن أبى عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قلت له: إني حككت جلدي فخرج منه دم؟ فقال ان اجتمع قدر حمّصة فاغسله.» «3».

و عدم الغسل إذا كان أقل من الحمصة ليس لعدم النجاسة، بل للعفو عنه في الصلاة.

هذه جملة من الروايات الواردة في النجاسات، و هي- كما ترى- كافية للمقصود، إذ إطلاق الأمر بالغسل فيها محكمة، و فيها غنى في الدلالة على المرة و لو نوقش في دلالة بعضها بكونها في مقام البيان من جهات أخرى، لا الغسل ففي البعض الأخر غنى و كفاية، فلاحظ.

و اما المتنجس بالمتنجس بها فهل يكتفى فيه بالمرة أيضا أم لا، لا ينبغي التأمل في الكفاية فيما لم يعتبر في أصل العين التعدد، كجميع النجاسات الا البول، للأولوية القطعيّة، إذا الفرع لا يزيد على الأصل، جزما، كما ذكرنا «4»- و أما فيما يعتبر في أصله التعدد كالبول فلا جزم بالكفاية بالمرة فيه، كما في المتنجس بالمتنجس بالبول و لكن الصحيح فيه أيضا القول بالاكتفاء بالمرة و ذلك.

لمعتبرة عيص بن القاسم المروية في المعتبر [1].

______________________________
[1] رواها المحقق في المعتبر (الطبع الحجري ص 22 س 27) في كتاب الطهارة في مسألة نجاسة الغسالة الا انه ضعّفه حيث انه استدل على نجاستها بقوله: «لنا، ماء قليل لاقى

______________________________
(1) وسائل الشيعة ج 2 ص 1050 باب 34 من أبواب النجاسات ح 2.

(2) وسائل الشيعة ج 16 ص 447 باب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة: ح 3.

(3) وسائل الشيعة ج 2 ص 1027 باب 20 من النجاسات ح 5.

(4) في الصفحة:

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 89‌

..........

______________________________
و الذكرى [1].

قال: «سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء؟ فقال: ان كان من بول، أو قذر فيغسل ما أصابه» «2».

فإنها تدل على كفاية الغسل مرة في كل ما أصابه الماء المتنجس بالبول لصدق الطبيعي بأول افراده.

و ربما يناقش [2] في سندها من جهتين (الأولى) بالإضمار و (الثانية) بالقطع و الإرسال، لعدم وجود الخبر المذكور في شي‌ء من كتب الأخبار، و انما نقله الشيخ في الخلاف «4» و جمع ممن تأخر عنه، و ان كان نفس الراوي و هو (عيص بن القاسم) ثقة [3].

______________________________
النجاسة فيجب ان ينجس و ما رواه العيص بن القسم قال سألته عن رجل. ثم ذكر تمام الرواية و عطف عليها أيضا رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام، قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضي به و أشباهه». ثم قال: «و هاتان الروايتان فيهما ضعف».

و كذلك الشهيد في الذكرى كما يأتي في التعليقة الآتية.

[1] رواها الشهيد (قده) في الذكرى (الطبع الحجري ص 9 س 17) في كتاب الصلاة في بحث ماء الغسالة و الاجتناب عن ملاقيه في الصلاة مستدلا على ذلك بقوله: «و لخبر العيص.» و ذكر متن الحديث، ثم عقّبه بقوله (و هي مقطوع) فهو ايضا، كالمحقق في المعتبر، يقول بضعف الرواية، من جهة القطع و الإرسال- كما قدمنا في التعليقة السابقة.

و قد أوضحنا الكلام في سندها في بحث الغسالة في (ج 2 ص 147- 149 من كتابنا) بما لا مزيد عليه و قد جنح السيد الأستاذ دام ظله هناك الى القول بتضعيفها، الا انه هنا قد مال الى تقويته و الصحيح هو الأول لأن الشهيد و المحقق ضعفاها مع انهما رواها في كتابيهما (الذكرى و المعتبر) و الشيخ لم يذكرها في كتب الحديث.

[2] ناقش في سندها صاحب الجواهر (قده) ج 1 ص 347 في بحث الغسالة. و قد سبقه في الحدائق ج 1 ص 478 في حكاية المناقشة المذكورة عن بعض و لعله أراد بالبعض المحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى كما حكينا ذلك عنهما في التعليقة السابقة.

قائلا: «و اما عن الثاني (يعني هذه الرواية) فبضعف السند، لعدم وجود الخبر المذكور في شي‌ء ممن كتب الأخبار و انما نقله الشيخ في الخلاف، و جمع من تأخر عنه مع كونه مضمرا».

[1] وثقه النجاشي و قال: انه ثقة، عين، و هو من رجال كامل الزيارات ايضا الذين وثقهم ابن قولويه، و قد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام، و قد وقع في اسناد

______________________________
(2) الوسائل ج 1 ص 156 في الباب 9 من أبواب الماء المضاف ح 14.

(4) ج 1 ص 49 في (مسألة 135).

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 90‌

..........

______________________________
و يندفع أما (الجهة الأولى) فبأن جلالة شأن العيص [1] مانعة عن احتمال رجوعه في الأحكام الشرعيّة الى غير المعصوم (عليه السلام) فالإضمار في حقه غير قادح [2].

و اما (الجهة الثانية) في ضعف رواية العيص- و هي كونها مقطوعة و لم يعلم حال الواسطة.

فيمكن الجواب عنها بان يقال: ان الأصل في نقل هذه الرواية هو الشيخ في الخلاف «3» و ظاهره النقل عن أصله و جادة و بلا واسطة لظهور مثل قوله (روى، أو قال فلان) [3] أو ما يقرب من هذا المضمون في انه‌

______________________________
كثير من الروايات تبلغ (150) موردا، روى جميعها عن أبى عبد اللّٰه عليه السلام الا رواية واحدة عن يوسف بن إبراهيم أبي داود- معجم رجال الحديث ج 13 ص 215- 216 بتلخيص منا.

و أما طريق الشيخ اليه فصحيح في التهذيب- كما في جامع الرواة ج 2 ص 509.

[1] وثقه النجاشي و قال في حقه: «انه ثقة عين»- معجم رجال الحديث ج 13 ص 215- و إطلاق العين عليه بعد توثيقه يدل على جلالة شأنه، لأنه من عيون الأصحاب، و وجهائهم.

[2] و قد أجاب صاحب الحدائق في ج 1 ص 479 عن هذه المشكلة على الوجه الكلي في مطلق المضمرات لأرباب الأصول قائلا:

«و أما الإضمار في أخبارنا فقد حقق غير واحد من أصحابنا انه غير قادح في الاعتماد على الخبر، فان الظاهر ان منشأ ذلك هو ان أصحاب الأصول لما كان من عادتهم ان يقول أحد في أول الكلام (سألت فلانا) و يسمى الإمام الذي روى عنه، ثم يقول: و سألته أو نحو ذلك، حتى تنتهي الأخبار التي رواها، كما يشهد به ملاحظة بعض الأصول الموجودة الآن، ككتاب على بن جعفر، و كتاب قرب الاسناد، و غيرهما، و كان ما رواه عن ذلك الامام (عليه السلام) أحكاما مختلفة، فبعضها يتعلق بالطهارة و بعض بالصلاة، و بعض بالنكاح، و هكذا، و المشايخ الثلاثة (رضوان اللّٰه عليهم) لما بوّبوا الاخبار و رتبوها، اقتطعوا كل حكم من تلك الأحكام و وضعوه في بابه بصورة ما هو مذكور في الأصل المنتزع منه، وقع الاشتباه على الناظر، فظن كون المسئول غير الامام (عليه السلام) و جعل هذا من جملة ما يطعن به في الاعتماد على الخبر».

[3] جاء في تعبير الخلاف (قد روى العيص) و في تعبير الشهيد في الذكرى ص 9 س 17 (و لخبر العيص) و لكنه صرّح بأنها مقطوعة- كما ذكرنا- و قريب منه ما في تعبير المحقق في المعتبر ص 22 س 27 و هو ايضا ضعّف رواية العيص كما ذكرنا في التعليقة ص 89 فلا يمكن الاعتماد عليها.

______________________________
(3) ج 1 ص 49 في ذيل مسألة 135.

فقه الشيعة - كتاب الطهارة، ج‌5، ص: 91‌

بعد زوال العين، فلا تكفي الغسلة المزيلة (1) لها الا ان يصبّ الماء مستمرا بعد زوالها، و الأحوط التعدد (2) في سائر النجاسات أيضا، بل كونها غير الغسلة المزيلة (3).

______________________________
إخبار حسّي و انه ينقله من كتابه مباشرة من دون واسطة، و كذا الشهيد في الذكرى و المحقق في المعتبر لظهور تعبيرهما في النقل عن أصل العيص بلا واسطة، فتحصل: انه لا مانع من الاعتماد على هذه الرواية في القول بكفاية الغسل مرة في المتنجس.

هل تكفي الغسلة المزيلة في التطهير؟

(1) كما عن جماعة «1» بدعوى عدم تأثير لذلك في اعتبار العدد المطهر، لعدم الاجتزاء بالمرة التي يقارنها الإزالة، كعدم الاجتزاء بإزالة العين بغير الماء كالفرك، و نحوه.

و الصحيح هو الاكتفاء، لإطلاق الأمر بالغسل الشامل لنفس الغسلة المزيلة أيضا، و لا دليل على لزوم الإزالة بغيرها، ماء كان أو غيره، فان الغرض من الغسل انما هو إزالة النجاسة من المحل بالماء، و لو بدفعة مشتملة على ماء كثير يزيلها، و الأمر بالتعدد في بعض النجاسات (كالبول) و ان حصلت الإزالة قبل تمام العدد انما هو تعبّد شرعي، فلا ينافي ما ذكرناه.

(2) بل اختاره جماعة «2» مطلقا، و خصّه بعضهم «3» بما إذا كان له قوام و ثخن- كالمني- و الأقوى هو الاكتفاء بالمرة مطلقا، للإطلاق- كما مر.

(3) بدعوى أن الغسلة المزيلة للعين لا أثر لها. في التطهير، كما لا أثر‌

______________________________
(1) الجواهر ج 6 ص 191.

(2) كما عن الشهيد في اللمعة و الرسالة و المحقق في جامع المقاصد- الحدائق ج 5 ص 363 و الجواهر ج 6 ص 192.

(3) كالعلامة في المنتهى و التحرير- الحدائق ج 5 ص 364 و الجواهر ج 6 ص 192.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net