إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في أ نّه جامع للشرائط أم لا 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7750


ــ[290]ــ

   [ 42 ] مسألة 42 : إذا قلّد مجتهداً ثمّ شكّ في أنه جامع للشرائط أم لا ، وجب عليه الفحص (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بل لا مانع في هذه الصورة من الحكم بصحة أعماله السابقة بقاعدة الفراغ وذلك لأن صورة العمل غير محفوظة ، حيث إن ذات العمل وإن كانت محرزة إلاّ أنه يشك في كيفيته وأنه أتى به عن الاستناد إلى التقليد الصحيح أعني تقليد من يجوز تقليده أو عن الاستناد إلى التقليد غير الصحيح ، ومعه يشمله قوله (عليه السّلام) «كلما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه» (1) وغيرها من الروايات الواردة في القاعدة . نعم ، إذا كانت صورة العمل محفوظة ، كما إذا قلّد شخصاً معيناً ثمّ شكّ في أنه كان زيداً الجامع للشرائط أو أنه كان عمراً الفاقد لها لم تجر قاعدة الفراغ في شيء من أعماله للعلم بأنه أتى بها مطابقة لفتوى شخص معيّن ، إلاّ أنه يحتمل صحتها ومطابقتها للواقع من باب الصدفة والاتفاق ، لاحتمال أن يكون من قلّده زيداً المستجمع للشرائط . وعليه إذا كان شكّه هذا في الوقت وجبت عليه الاعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال .

   هذا ما تقتضيه القاعدة في نفسها إلاّ أن مقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة أيضاً . وإذا شكّ في صحتها وفسادها خارج الوقت لم تجب عليه القضاء ، لأنه كما مرّ بأمر جديد ، وموضوعه فوت الفريضة في وقتها ولم يحرز هذا في المقام ، ولو من جهة احتمال المطابقة صدفة ومن باب الاتفاق ، ومع الشك يرجع إلى البراءة عن وجوبه .

   ومما ذكرناه في المقام يظهر الحال في المسألة الخامسة والأربعين فلاحظ .

    الشك في أن المجتهد جامع للشرائط أو لا

   (1) قد يحرز المكلّف أن من قلّده جامع للشرائط المعتبرة في المرجعية لعلمه بذلك أو لقيام البينة عليه ، إلاّ أنه بعدما قلّده في أعماله يشك في استجماعه للشرائط بقاءً لاحتمال زوال عدالته أو اجتهاده أو غيرهما من الشرائط ، وقد يحرز استجماعه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 1 : 471 / أبواب الوضوء ب 42 ح 6 .

ــ[291]ــ

للشرائط حدوثاً إلاّ أنه يقطع بارتفاعها وعدم استجماعه لها بقاءً ، لزوال عدالته أو اجتهاده أو غيرهما من الاُمور المعتبرة في المقلّد ، وثالثة يحرز المكلّف أن من قلّده واجد للشرائط حدوثاً غير أنه يشك بعد تقليده في أنه هل كان واجداً لها من الابتداء أو لم يكن ، لاحتمال خطئه في العلم بعدالته أو لانكشاف فسق البينة الّتي قامت على عدالته مثلاً ، ولأجل ذلك يشك في أنه هل كان واجداً لها من الابتداء أم لم يكن . وهذه صور ثلاث :

   أما الصورة الاُولى : فلا ينبغي التأمل في جواز البقاء على تقليد من قلّده من الابتداء لاستصحاب بقائه على الشرائط المعتبرة ، وعدم طروّ ما يوجب زوالها عنه فيبقى على تقليده إلى أن يعلم بارتفاعها وزوالها .

   أما الصورة الثانية : فهل يسوغ للمكلّف البقاء على تقليد من قلّده من الابتداء في المسائل الّتي عمل بها حال استجماعه للشرائط المعتبرة أو المسائل الّتي تعلمها حينئذاك أو لا يجوز ؟

   مقتضى القاعدة هو الجواز وذلك لما ذكرناه في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت من أن المعتبر أن يكون المجتهد المقلّد حال الأخذ منه ممن تنطبق عليه العناوين الواردة في لسان الدليل ، فإذا كان واجداً للشرائط عند الأخذ منه صدق أن الفقيه أنذره ، كما يصح أن يقال : إنه سأله عن العالم وهكذا ، وافتقادها بعد الأخذ منه غير مضر ، ومن هنا قلنا بجواز البقاء على تقليد الميت فيما عمل به أو تعلمه من المسائل قبل موته ، فإذا بنينا على أن الأخذ من المجتهد حال استجماعه الشرائط يكفي في جواز البقاء على تقليده إذا مات ولا يضرّه افتقادها بعد الأخذ والتعلّم، كان البقاء على تقليد المجتهد في المسائل الّتي عمل بها أو تعلّمها حال استجماعه الشرائط المعتبرة موافقاً للقاعدة مطلقاً وإن افتقد شيئاً منها أو كلّها بعد ذلك .

   إذن فلا فرق بين المقام وبين البقاء على تقليد الميت بوجه فكما جوّزنا البقاء على تقليد المجتهد إذا مات ، وبيّنا أنه مقتضى الأدلة المتقدمة من السيرة والآية والروايات بل قلنا إن البقاء قد يكون محكوماً بالوجوب ، فكذلك لا بدّ من أن نلتزم به في المقام ونحكم بجواز البقاء على تقليد الميت إذا افتقد شيئاً من الشرائط المعتبرة غير الحياة

ــ[292]ــ

كالاجتهاد والعدالة وغيرهما ، لأنه أيضاً في الحقيقة من الموت غير أن ذلك موت معنوي وذاك موت ظاهري .

   وعلى الجملة أن الفتوى كالرواية والبينة فكما أن الراوي أو الشاهد إذا زالت عدالته أو وثاقته بل وإسلامه لم يضرّ ذلك بحجية رواياته أو شهاداته الصادرة عنه حال استجماعه للشرائط ، كيف وقد ورد في بني فضال «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (1) كذلك الحال في المجتهد إذا افتقد شيئاً من الشرائط بعدما أخذ عنه الفتوى حين وجدانه لها ، لم يضر ذلك بحجية فتاواه أبداً ، هذا ما تقتضيه القاعدة في المقام .

   إلاّ أنه لا يسعنا الالتزام به وذلك لوجود الفارق بين مسألة البقاء على تقليد الميت ومسألة البقاء على تقليد المجتهد الحي إذا افتقد شيئاً من الشرائط المعتبرة في المرجعية وهو ما استكشفناه من مذاق الشارع من عدم ارتضائه باعطاء الزعامة الدينية لمن ليس له عقل أو لا عدالة أو لا علم له ، لأنه قد اعتبر تلك الاُمور في القاضي والشاهد فكيف لا يعتبرها في الزعامة الدينية ، مع أن منصب الافتاء من أعظم المناصب الشرعية بعد الولاية .

   والسّر في ذلك أن الاتصاف بنقيض الشرائط المعتبرة أو ضدّها غير الحياة منقصة دينية أو دنيوية ، ولا يرضى الشارع الحكيم أن تكون القيادة الإسلامية لمن اتصف بمنقصة يعيّر بها لدى المسلمين، على أن ذلك هو الّذي يساعده الاعتبار فإن المتصدي للزعامة الدينية إذا لم يكن سالكاً لجادة الشرع لم يتمكّن من قيادة المسلمين ليسلك بهم ما لا يسلكه بنفسه ، أترى أن من يشرب الخمور أو يلعب بالطنبور أو يرتكب ما يرتكبه من المحرمات يردع غيره عن ارتكاب تلك الاُمور ؟

   وهذا مما لا يفرق فيه بين الحدوث والبقاء فإن العدالة والعقل وغيرهما من الاُمور المتقدمة في محلّها كما تعتبر في المقلّد حدوثاً كذلك يعتبر فيه بقاءً ، فإن ما دلّ على اعتبارها حدوثاً هو الّذي دلّ على اعتبارها بحسب البقاء ، وهو عدم رضى الشارع بزعامة من لم يستجمع الشرائط على ما استكشفناه من مذاقه . فالدليل على اعتبار تلك الشروط فى كل من الحدوث والبقاء شي واحد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 142 / أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13 .

ــ[293]ــ

   إذن لا يمكننا الالتزام بجواز البقاء على تقليد من عرضه الفسق أو الجنون أو غيرهما من الموانع ، ولا يقاس افتقاد تلك الشرائط بزوال الحياة المعتبرة أيضاً في المقلّد بحسب الحدوث ، فإن الموت لا يعدّ نقصاً دينياً أو دنيوياً أبداً ، بل هو انتقال من نشأة إلى نشأة فهو في الحقيقة ترقّ من هذا العالم إلى عالم أرقى منه بكثير ومن هنا اتصف به الأنبياء والأوصياء (عليهم السّلام) ومعه لا مانع من البقاء على تقليد المجتهد الميت وأين هذا مما نحن فيه ، فلا بدّ في تلك الموارد من العدول إلى مجتهد آخر مستجمع للشرائط المعتبرة في المقلّد كما أشرنا إليه في المسألة الرابعة والعشرين فليلاحظ .

   أما الصورة الثالثة : وهي ما إذا قلّد مجتهداً مع العلم بكونه واجداً للشرائط المعتبرة ـ وجداناً أو تعبداً ـ وبعد ذلك شكّ في استجماعه لها من الابتداء ، لاحتماله الخطأ في علمه أو لعلمه بفسق الشاهدين ، وكيف كان فقد شك في أنه واجد للشرائط بقاءً سارياً إلى كونه كذلك بحسب الحدوث أيضاً ، ففي هذه الصورة ليس للمقلّد البقاء على تقليد المجتهد ، لأنه وإن كانت فتاواه حجة حدوثاً لمكان العلم الوجداني أو التعبدي بتوفر الشروط فيه ، إلاّ أنها قد سقطت عن الحجية بقاءً لزوال العلم أو لسقوط البينة عن الاعتبار ، والمكلّف كما أنه يحتاج إلى وجود الحجة والمؤمّن له من العقاب المحتمل حدوثاً كذلك يحتاج إليها بحسب البقاء فإن مقتضى تنجز التكاليف الواقعية بالعلم الاجمالي بها استحقاق المكلّف العقاب على تقدير المخالفة، وهو يحتمل بالوجدان العقاب فيما يرتكبه أو يتركه وقد استقلّ العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب ، ولا مناص معه من أن يستند إلى حجة مؤمّنة من العقاب دائماً ، وحيث إن فتوى مقلّده ساقطة عن الحجية بقاءً فليس له أن يعتمد عليها بحسب البقاء .

   نعم ، لو قلنا إن قاعدة اليقين كالاستصحاب حجة معتبرة ، وأن النهي عن نقض اليقين بالشك شامل لكلتا القاعدتين جاز للمكلّف البقاء على تقليد من قلّده في مفروض الكلام ، لأن حجية فتاواه مسبوقة باليقين ولا اعتداد بالشك بعده لأنه ملغى عند الشارع بقاعدة اليقين ، إلاّ أ نّا أسبقنا في محلّه أن الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك لا يعم كلتا القاعدتين ، فلا مناص من أن يختص بقاعدة اليقين أو الاستصحاب ، وحيث إن بعضها قد طبق كبرى عدم نقض اليقين بالشك على مورد

ــ[294]ــ

   [ 43 ] مسألة 43 : من ليس أهلاً للفتوى يحرم عليه الافتاء (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاستصحاب فلا يمكننا دعوى اختصاصها بالقاعدة فيكون الأخبار مختصة بالاستصحاب، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net