الجهة الحادية عشرة : حكم تارك التقيّة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الخامس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6158


    الجهة الحادية عشرة : أن المكلف في موارد التقيّة إذا ترك العمل على طبقها استحق العقاب على مخالفته ، لما تقدم من أن التقيّة واجبة في مواردها ، فلا ينبغي الاشكال في أن ترك التقيّة محرم بالحرمة التكليفية ، وإنما الكلام في حرمته الوضعية وأن العمل إذا لم يؤت به على طبق التقيّة فهل يقع فاسداً ولا بدّ من الحكم ببطلانه أو أنه محكوم بالصحة إذا كان مطابقاً للواجب الواقعي ؟ وللمسألة صور :

    الصورة الاُولى : أن يترك المكلف في موارد التقيّة العمل برمته ، فلا يأتي به على طبق التقيّة ولا على طبق الوظيفة الأولية ، كما إذا اقتضت التقيّة الوقوف بعرفات يوم الثامن من ذي الحجة الحرام والمكلف قد ترك الوقوف معهم في ذلك اليوم وفي اليوم التاسع حسب عقيدته ، أو أن التقيّة اقتضت غسل رجليه ولكنه ترك غسلهما كما ترك مسحهما .

   فإن اسـتندنا في الحكم بصحّة العمل المتقى به وإجزائه عن المأمور  به الأوّلي إلى السيرة العملية الجارية على الاكتفاء به في مقام الامتثال من لدن عصرهم إلى زماننا فلا كلام في الحكم ببطلان العمل وقتئذ حيث يكفي في بطلانه مخالفته للوظيفة الواقعية ، ومن الظاهر أن المخالف للواقع باطل لا يمكن الاكتفاء به في مقام الامتثال اللّهمّ إلاّ أن يدل عليه دليل ، والدليل على إجزاء العمل المخالف للواقع في موارد التقيّة إنما هو السيرة ، وهي إنما تحققت فيما إذا كان العمل المخالف للواقع موافقاً لمذهب العامّة بأن يؤتى به متابعة لهم ، وأما ما كان مخالفاً للواقع ولم يكن موافقاً مع العامّة وعلى طبق مذهبهم فلم تقم أية سيرة على صحته وكونه مجزئاً عن الوظيفة الواقعية فلا  مناص وقتئذ من الحكم بالبطلان .

ــ[279]ــ

   وأمّا إذا استندنا في الحكم بصحّة العمل المتقى به وإجزائه إلى الأدلة اللفظية كقوله (عليه السلام) «ما صنعتم من شيء ...» (1) أو غيره من الروايات المتقدمة كما صنعه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (2) فان استفدنا من الأمر بالتقية في ذلك المورد أو من غيره انقلاب الوظيفة الواقعية وتبدلها إلى ما يراه العامة وظيفة حينئذ ، فأيضاً لا بدّ من الحكم بالبطلان لعدم مطابقة العمل المأتي به لما هو الوظيفة في ذلك الحال ، وهذا كما في غسل الرجلين بدلاً عن المسح حال التقيّة أو الغسل منكوساً بدلاً عن الغسل من الأعلى إلى الأسفل ، فان ظاهر الأمر بهما أن الوظيفة حال التقيّة في الوضوء إنما هو الوضوء بغسل الرجلين أو الغسل منكوساً ، ولا يجب عليه المسح أو الغسل من الأعلى إلى الأسفل .

   وكذا الحال في مسح الخفين بناء على الاعتماد على رواية أبي الورد ، لدلالتها على الرخصة في مسح الخفين عند التقيّة ، وقد ذكرنا أن الرخصة في مثله لا يحتمل غير الترخيص الغيري وعدم كون ذلك العمل مانعاً عن الوضوء بل هو جزء أو شرط له . ففي هذه الموارد إذا أتى بالوضوء ولم يأت بغسل الرجلين أو بمسح الخفين أو بالغسل منكوساً فلا محالة يحكم ببطـلانه ، لمخالفة الوضوء كذلك للوضوء الواجب حينئذ وذلك لما استفدناه من الأدلة من التبدل والانقلاب بحسب الوظيفة الواقعية .

   وأمّا إذا لم نستفد من الدليل انقلاب الوظيفة الواقعية وتبدلها إلى العمل المطابق للعامّة ، بل إنما علمنا بوجوب التقيّة فحسب بمقتضى الأدلة المتقدمة كما هو الحال في الوقوف بعرفات يوم الثامن من ذي الحجة الحرام ، فلا يبعد حينئذ الحكم بصحّة العمل، لأن مقتضى الأدلة اللفظية سقوط الجزئية والشرطية والمانعية في ذلك الحال وعدم كون الفعل مقيّداً بما اقتضت التقيّة تركه أو فعله ، ومعه لا وجه لبطلان العمل ، إذ الحج مثلاً في حقِّه غير مقيد بالوقوف يوم التاسع لاضطراره إلى تركه تقيّة ، فاذا أتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المتقدمة في ص 243 .

(2) رسالة في التقيّة : 323 ـ 324 .

ــ[280]ــ

به وترك الوقوف يوم التاسع فقد أتى بما وجب عليه في ذلك وهو الحج من دون اعتبار الوقوف فيه يوم التاسع ، وغاية الأمر أنه عصى وارتكب الحرام لعدم عمله بالتقية بالوقوف يوم الثامن اظهاراً للموافقة معهم ، إلاّ أن عصيانه من تلك الجهة غير موجب لبطلان حجّه بوجه بعدما فرضناه من مطابقته لما هو الواجب عليه حينئذ .

   ودعوى أن حجه عند اضطراره إلى إظهار الموافقة معهم قد قيد بالوقوف معهم يوم الثامن ، وبما أنه لم يأت بالوقوف في ذلك اليوم كما لم يأت به بعده فلا محالة يقع عمله باطلاً ، لعدم اشتماله لما هو المعتبر حينئذ من الوقوف يوم الثامن مثلاً ،

   مندفعة بأن غاية ما يستفاد من الأدلة الآمرة بالتقيّة وأنه لا دين لمن لا تقيّة له أو لا إيمان له وأمثال ذلك ، أن التقيّة وإظهار الموافقة معهم واجبة وأن تركها أمر غير مشروع ، وأمّا أن عمله مقيّد ومشروط بما يراه العامّة شرطاً أو جزءاً للعمل فهو مما لم يقم عليه دليل . وعلى الجملة مقتضى سقوط الجزئية والشرطية والمانعية إنما هو الحكم بصحّة العمل عندما ترك المكلف قيده وشرطه رأساً ولم يأت به على نحو يوافق مذهب العامّة ولا على نحو تقتضيه الوظيفة الواقعية .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net