بطلان العبادة بالعجب المقارن - الرّوايات الواردة في ذمّ العجب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10230


ــ[23]ــ

وكذا المقارن (1) وإن كان الأحوط فيه الإعادة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كون السيّئة المتعقبة بالندم خيراً من العبادة المتعقبة بالعجب بطلانَ تلك العبادة بوجه . فالمتحصل أن العجب المتأخر لا يقلب العبادة الواقعة مطابقة للأمر عما وقعت عليه من الصحّة .

   وهذا بناء على ما سلكناه في محلِّه من أن الأجر والثواب ليسا من جهة استحقاق المكلّف أو الاُجرة وإنما هما من باب التفضل ، لأن الامتثال والطاعة التي أتى بها المكلّف من وظائف العبودية ، والإتيان بوظيفة العبودية لا يوجب الثواب لأنه عبد عمل بوظيفته(1) ، فالثواب تفضل منه سبحانه وقد قال عزّ من قائل : (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِّنْ أَحَد أَبَدَاً )(2) أمر ظاهر ، لأن التفضّل بالثواب إنما هو فيما إذا لم يتعقب العمل بالعجب الذي هو من الملكات القبيحة والأخلاق السيّئة وإن لم يكن محرماً تكليفا .

   (1) هذه هي الجهة الخامسة من الكلام في العجب ، وأن العبادة هل تبطل بالعجب المقارن ؟ وحاصل الكلام فيها أنه كالعجب المتأخر غير موجب لبطلان العبادة ، وإن نقل المحقِّق الهمداني عن السيِّد المعاصر (قدس سره) بطلانها بكل من العجب المقارن والمتأخِّر (3) ، إلاّ أن المشهور عدم البطلان مطلقاً وهو الصحيح ، وذلك لعدم دلالة الدليل على البطلان بالعجب ، نعم العجب يوجب بطلان العبادة في مقام إعطاء الثواب فلا يثاب بها عاملها ، لا في مقام الامتثال حتى تجب إعادتها فضلاً عن قضائها والأخبار الواردة في المقام أيضاً لا دلالة لها على بطلان العبادة بالعجب المقارن فضلاً من المتأخِّر ، وهي جملة من الأخبار :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 395 .

(2) النور 24 : 21 .

(3) مصباح الفقيه (الطهارة) 121 : السطر 21 .

ــ[24]ــ

   منها : ما عن الخصال عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال إبليس : إذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم اُبال ما عمل ، فانه غير مقبول منه ، إذا استكثر عمله ، ونسي ذنبه ، ودخله العجب» (1) ، والرواية لا بأس بها سنداً ، لأن والد البرقي وهو محمّد بن خالد وإن كان فيه كلام إلاّ أنا قدمنا وثاقته ، ولكن موردها هو العجب المقارن دون المتأخِّر لأن إبليس إنما لا يبالي بما عمله ابن آدم بعد استمكانه منه لا قبله ، فالأعمال المتقدمة منه السابقة على استمكان اللعين مما يبالي بها لصحّتها وعدم بطلانها بالعجب المتأخر ، وإنما لا يبالي بما عمله بعد استمكانه بتحقّق أحد الاُمور المذكورة في الحديث ، فموردها العجب المقارن لا محالة .

   ولكنّها لا دلالة لها على بطلان العمل بالعجب المقارن ، لأن عدم المبالاة إنما يصح إطلاقه في العمل المقتضي للمبالاة في نفسه ، فقوله «لا اُبالي» يدلّ على صحّة العمل المقارن بالعجب ، وإلاّ فلو كانت العبادة باطلة به لما صح إطلاق عدم المبالاة حينئذ لأنها ممّا يسرّ الشيطان حيث إنها إذا كانت باطلة فالإتيان بها يكون محرماً للتشريع وحيث إن همّه إدخال العباد في الجحيم وإبعادهم عن الله جلّت عظمته فيفرح بارتكابهم للمحرم المبعد عنه سبحانه ، ولا معنى لعدم المبالاة إلاّ في العـمل الصحيح إلاّ أنه لا يعتني به ولا يتوحّش لطرو العجب المزيل لثوابه والمانع عن حصول التقرب به وإن كان صحيحاً في مقام الامتثال .

   ومنها : ما عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال الله تعالى : إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي ، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني له وإبقاء عليه فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت زارئ لنفسه عليها ، ولو اُخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 98 /  أبواب مقدّمة العبادات ب 22 ح 7 .

ــ[25]ــ

عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ التقصير ، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرّب إليّ» الحديث (1) .

   وهي أيضاً مما لا بأس بسندها ، وقد وردت مؤكدة لأحد التفسيرين الواردين في قـوله تعالى : (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ ا لَّيْـلِ مَا يَهْجَـعُونَ )(2) حيث فسّر تارة بكل جزء من أجزاء الليلة الواحدة ، والمعنى أنه قليل من كل ليلة من الليالي ما يهجعون ويستريحون ، لأنهم يشتغلون في أكثر ساعات الليلة بالعبادة وصلاة الليل ولا ينامون إلاّ قليلاً ، واُخرى بكل فرد من أفراد الليل بمعنى أنهم في بعض أفراد الليل أي في بعض الليالي ينامون ويهجعون ولا يشغلونها بالعبادة والصلاة . والرواية مؤكدة للتفسير الثاني كما عرفت .

   إلاّ أنها كسابقتها في عدم الدلالة على بطلان العبادة بالعجب ، وغاية ما هناك دلالتها على أن العجب من المهلكات والأوصاف القبيحة وقد ينتهي به الأمر إلى أنه يرى نفسه أوّل العابدين ، وبه يناله الحرمان عما يصله لولاه ، وهذا مما لا كلام فيه لما مرّ من أن منشأ العجب الجهل ، وهو قد يبلغ بالإنسان مرتبة يمن بعمله على الله سبحانه حيث لا يرى استحقاقه في العبادة إلاّ بمقدار الإتيان بالفرائض ، ويعتقد أن المستحبات التي يأتي بها كلها زائدة عن حدّ استحقاقه تعالى فيمنّ بها عليه ، بل قد يفضل نفسه على أكثر العباد والمقربين . وقد حكي عن بعضهم أنه كان يفضل نفسه على العباس (سلام الله عليه) لجهله ، وحسبان أنه قد أشغل سنه بالعبادة والبحث وأتعب نفسه خمسين سنة أو أقل أو أكثر في سبيل رضا الله سبحانه ، وهو (سلام الله عليه) إنما اشتغل بالحرب ساعتين أو أكثر فيفضل نفسه عليه (عليه السلام) ، وبذلك قد يناله الحرمان عن شفاعة الأئمة الأطهار فيتباعد عن الله سبحانه . إلاّ أن العجب يوجب بطلان العبادة فهو مما لا يستفاد من الرواية بوجه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 98 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 1 .

(2) الذاريات 51 : 17 .

ــ[26]ــ

   ومنها : ما عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثمّ يعمل شيئاً من البرّ فيدخله شبه العجب به ، فقال : هو في حاله الاُولى وهو خائف أحسن حالاً منه في حال عجبه» (1) وربّما يتوهم أن في سند الرواية إشكالاً ، لأن فيه محمّد بن عيسى عن يونس ، وقد تكلّم بعضهم فيما رواها محمّد هذا عن يونس ، وهو توهم فاسد ، وقد ذكرنا في محلِّه أنّ الرّجل في نفسه ممّا لا كلام عليه كما أن روايته عن يونس كذلك (2) فليراجع .

   وأما دلالتها فهي أيضاً قاصرة حيث لم يقل (عليه السلام) : إن عمله الأوّل ـ أي القبيح الذي يستكشف بقرينة المقابلة ـ أحسن من عبادته التي فيها عجب ، بل قال : إن حالته في ذلك العمل أعني الخوف ـ الذي هو عبادة اُخرى عند الندم والتوبة لأن حقيقتها الخوف والندم ـ أحسن من حالته الثانية وهي العجب وهو مما لا كلام فيه وإنما البحث في بطلان العبادة بالعجب وهو لا يكاد يستفاد من الحديث .

   ومنها : ما عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث قال موسى بن عمران (عليه السلام) لإبليس : أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه ، قال : إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله ، وصغر في عينه ذنبه . وقال قال الله عزّ وجلّ لداود : يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين ، قال : كيف اُبشر المذنبين واُنذر الصديقين ؟ قال : يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب ، وأنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فانه ليس عبد أنصبه للحساب إلاّ هلك» (3) .

   وهي ضعيفة السند بالإرسال ، وعادمة الدلالة على بطلان العمل بالإعجاب ، لأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 99 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 2 .

(2) معجم رجال الحديث  18 : 91 .

(3) الوسائل 1 : 99 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 3 .

ــ[27]ــ

البشارة إنّما هي لقبول التوبة بعد الذنب ، لا للذنب في مقابل العبادة التي فيها عجب والرواية إنّما تدل على ما قدمناه من أن الثواب والأجر تفضل منه سبحانه وليس باستحقاق منهم للثواب ، كيف وقال سبحانه : (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدَاً ) (1) لأنه إذا أعجبته عبادته فحاسبه الله سبحانه على أعماله لم يخلص أحد من حسابه جلت عظمته وهلك ، فان الإعجاب قد يبلغ بالإنسان إلى تلك المرتبة فيمنّ بعمله على الله ويحاسبه الله سبحانه على ما عمل وتصبح نتيجـته الخسران والهلاكة .

   ومنها : ما عن سعد الاسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «ثلاث قاصمات الظهر رجل استكثر عمله ، ونسي ذنوبه ، وأعجب برأيه» (2) وهي على تقدير تمامية سندها أجنبية عما نحن بصدده رأساً ، لأن الكلام في إعجاب المرء بعمله ، وأما الإعجاب برأيه وعقله وحسبان أنه أعقل الناس فهو أمر آخر لا كلام لنا فيه ، ولا إشكال في أنه من المهلكات لأنه إذا رأى نفسه أعقل الناس وترك مشاورتهم واستقلّ في أعماله برأيه فلا محالة يقع في المهلكة والخسران . ثمّ على تقدير إرادة العمل من الرأي لا دلالة لها على بطلان العبادة بالعجب ، لأنها إنما دلّت على أن العجب قاصم للظهر لما يترتب عليه من المفاسد والمخاطر من تحقير عمل غيره والغرور والكبر ، بل وتحقير الله سبحانه بالمن بعبادته ، وأما أنه يوجب بطلان العمل المقارن به أيضاً فلا يستفاد منها بوجه .

   ومنها : ما عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك فلإن يكون على حاله تلك خير له ممّا دخل فيه» (3) ، ولا بأس بها سنداً ، وأما من حيث الدلالة فلا يستفاد منها بطلان العبادة بالعجب ، وأما كون حالة التندم خيراً من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النور 24 : 21 .

(2) الوسائل 1 : 97 / أبواب مقدّمة العبادات ب 22 ح 6 .

(3) الوسائل 1 : 99 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 4 .

ــ[28]ــ

حالة العجب والسرور فهو من جهة أنه بالتندم تتبدل السيّئة حسنة ، حيث وردت الآية المباركة (فَأُوْلئِك يُبَدِّلُ اللهُ سَيْئَاتِهِمْ حَسَنت ) (1) في حق التائبين من الذنوب ، وهذا بخلاف العجب بالعبادة لأنه يذهب بثوابها كما مرّ غير مرّة .

   ومنها : ما عن علي بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال : العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً ـ كما يتفق ذلك لكثير فيفتخر العامل بعمله القبيح ، وأني شربت الخمر أو ضربت فلاناً أو سببته أو أهنته ، حيث يرى عمله القبيح حسناً ويفتخر به ـ فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً ، ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيمن على الله عزّ وجلّ ولله عليه فيه المن» (2) حيث دلّت على أن فساد العمل بالعجب كان مفروغاً عنه عنده ، وقد سأله عن أنه أي شيء . وفي سندها علي بن سويد ، وقد يتوهم أنه مردد بين الموثق وغيره فلا يمكن الاعتماد على روايته ، والصحيح أنه هو علي بن سويد السائي الذي هو من أصحاب الرضا (عليه السلام) ويروي عنه أحمد بن عمر الحـلال وهو ثقة وقد نقل في جامع الرواة أيضاً هذه الرواية
عنه(3)، ولكن دلالتها قاصرة ، لأن إفساد العبادة بالعجب وكونه مبطلاً لها إن لوحظ بالإضافة إلى نفس ذلك العمل السوء الذي يحسبه حسناً ، ففيه أن المفروض فساد العمل بنفسه ولا معنى لفساده بالعجب المقارن له ، وإن لوحظ بالإضافة إلى الأعمال المتقدِّمة فقد عرفت أن مجرد العجب المتأخر لا يوجب انقلاب الأعمال المتقدمة عما وقعت عليه من الصحّة والتمام ، كما أن العجب في إيمانه لا معنى لكونه مبطلاً للإيمان ، حيث إن الإيمان غير قابل للاتصاف بالصحّة والفساد ، فلا بدّ من توجيه الرواية بأن للعجب درجات ، والدرجة الكاملة منه وهي التي توجب حسبان العمل السوء حسناً أو ما يقتضي الامتنان على الله تعالى مع أنه له سبحانه المنّة عليه ، كما ورد في الآية المباركة (قُل لا تَمُـنُّوا عَليَّ إسلَـمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفرقان 25 : 70 .

(2) الوسائل 1 : 100 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 5 .

(3) جامع الرّواة 1 : 585 .

ــ[29]ــ

عَلَيْكُم أنْ هَدَيكُم لِـلاِْ يمـنِ ) (1) توجب فساد الأعمال المتقدِّمة ، والالتزام بذلك ممّا لا يضرنا فيما نحن بصدده ، لأنه أخص من المدعى وهو بطلان العمل بمطلق العجب . على أنّ الإفساد يمكن أن يكون بمعنى إذهاب الثواب ، لا بمعنى جعل العمل باطلاً يجب إعادته أو قضاؤه .

   ومنها : ما عن ميمون بن علي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله» (2) ، وهي مضافاً إلى ضعف سندها أجنبية عن بطلان العبادة بالعجب ، وإنّما تدل على أنّ المعجب قليل العقل .

   ومنها : ما عن علي بن أسباط عن رجل يرفعه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً» (3) وهي مرفوعة كالمرسلة من حيث السند ، ولا دلالة لها على المدعى أيضاً لأنها لو دلّت فإنما تدلّ على أن العجب محرم من حيث مقدمته أو من حيث إزالته كالذنب ، وأما بطلان العمل به فلا يستفاد منه بوجه . على أنها لا تدلّ على حرمته أيضاً وإلاّ لم يكن لجعله في مقابل الذنب وجه ، بل لا بدّ أن يقول إن هذا الذنب خير من ذلك الذنب .

   ومع الإغماض عن جميع ذلك أيضاً لا دلالة لها على البطلان ، لأن وجه كون الذنب خيراً أن المكلّف غالباً يدور أمره بين العجب بعمله ، كما إذا عمل طيلة حياته بأعمال حسنة ولم يصدر منه ذنب لأنه حينئذ يعجب بنفسه حيث يرى صدور المعاصي عن غيره وهو لم يعمل إلاّ خيراً ، وبين أن يذنب ذنباً ويعقبه الندم لأن مفروض كلامه (عليه السلام) هو المؤمن ، ومن الظاهر أن الذنب المتعقب بالندامة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحجرات 49 : 17 .

(2) الوسائل 1 : 100 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 6 .

(3) الوسائل 1 : 100 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 7 .

ــ[30]ــ

والتوبة خير من العبادة الموجبة للعجب ، لأن العجب يذهب بآثار العبادة ، بل قد يبلغ الإنسان مرتبة يمقتها الربّ الجليل لمنَّته على الله سبحانه وتحقيره ، وأما الذنب المتعقب بالندامة فهو يتبدل إلى الحسنة ، لأن التائب عن ذنب كمن لا ذنب له ، وقد عرفت أن الآية المباركة واردة في حق التائبين ، وأما أن العبادة مع العجب باطلة فهو مما لا يستفاد منها بوجه .

   ومنها : ما عن أبي عامر عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «من دخله العجب
هلك»(1) . وهي مضافاً إلى إرسالها لا تدل على بطلان العبادة بالعجب ، وكونه موجباً للهلاك من جهة أنه قد يستلزم الكفر وتحقير الله سبحانه والمنّة عليه وغير ذلك من المهالك .

   ومنها : ما عن إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «أتى عالم عابداً فقال له : كيف صلاتك ؟ فقال : مثلي يسأل عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا ؟ قال : فكيف بكاؤك ؟ فقال : أبكي حتى تجري دموعي ، فقال له العالم : فإن ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مُدِلّ ، إن المدِلّ لا يصـعد من عمله شيء» (2) .

   وهي ضعيفة سنداً بوجهين : من جهة محمّد بن سنان لعدم ثبوت وثاقته ، ومن جهة نظر بن قرواش لأنه مجهول . وكذلك دلالة لأن عدم صعود العمل أعم من البطلان ، وإلاّ للزم الحكم ببطلان عبادة عاق الوالدين وآكل الرِّبا ونحوهما ممّا ورد أن العمل معه لا يصعد .

   ومنها : ما عن أحمد بن أبي داود عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق ، فخرجا من المسجد والفاسق صدّيق والعابد فاسق ، وذلك أنه يدخل العابد المسجد مُدِلاًّ بعبادته ، يُدِلّ بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 101 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 8 .

(2) الوسائل 1 : 101 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 9 .

ــ[31]ــ

فتكون فكرته في ذلك ; وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه ويستغفر الله عزّ وجلّ مما صنع من الذنوب» (1) .

   وضعف سندها بالإرسال ظاهر . وأما دلالتها فهي أيضاً كذلك ، لأن صيرورة العابد فاسقاً من جهة العجب لا دلالة له على إبطاله لأعماله ، وإنما وجهه أن العجب قد يبلغ بالإنسان مرتبة يمنّ بعمله على الله ويحقره ، أو يعتقد أنه في مرتبة الإمامة والنبوّة وينتظر نزول جبرئيل ، وقد يبكي ويتعجّب من تأخير نزوله وغير ذلك ممّا يوجب فسقه بل كفره . وأما صيرورة الفاسق صدّيقاً فهو من جهة تندمه وتوبته ، وقد عرفت أن بالتوبة تتبدل السيّئة حسنة .

   ومنها : ما رواه البرقي في المحاسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إن الله فوّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين ، فلما أن رأى أن الأشياء قد انقادت له قال : من مثلي ؟ فأرسل الله إليه نويرة من النار ، قلت : وما النويرة ؟ قال : نار مثل الأنملة ، فاستقبلها بجميع ما خلق ، فتخيّل لذلك حتى وصلت إلى نفسه لما دخله العجب»(2) . وهي ضعيفة من جهة جهالة خالد الصيقل الواقع في سندها ، بل بابن سنان أيضاً ، لأنه وإن ذكر في سندها مطلقاً إلاّ أن رواية الصدوق مثلها في عقاب الأعمال عن محمّد بن سنان عن العلاء عن أبي خالد الصيقل(3) ، قرينة على أن المراد به هو محمّد بن سنان دون عبدالله بن سنان . على أنه لا دلالة لها على بطلان العمل بالعجب ، بل تدلّ على أن العجب صفة مذمومة موجبة للهلاكة .

  ومنها : ما عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبدالله أو علي بن الحسين (عليهما السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث : ثلاث مهلكات شحّ مطاع وهوى متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه» (4) وقد عرفت في نظائرها أن إهلاك العجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 101 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 10 .

(2) الوسائل 1 : 102 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 11 . المحاسن 1 : 214 / 391 .

(3) عقاب الأعمال : 299 / 1 .

(4) الوسائل 1 : 102 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 12 .

ــ[32]ــ

بمعنى استلزامه لمثل التحقير لعبادة الغير أو التكبّر أو تحقير الله سبحانه أو غيرها ، ولا دلالة لها على إبطاله العمل والعبادة .

   ومثلها رواية سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) مضافاً إلى ضعف سندها بأبي جميلة مفضل بن صالح .

   ومنها : ما عن السري بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه في وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال : «لا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب» (2) . وهي مضافاً إلى ضعف سندها أجنبية عن المدعى . والوجه في كون العجب أوحش من الوحدة أن العجب بنفسه أو بعمله يوجب تحقير الناس أو التكبر ونحوهما مما يوجب الرغبة عنه فيبقى وحيدا .

   ومنها : ما عن أنس بن محمّد عن أبيه جميعاً عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السلام) في وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال : «يا علي ثلاث مهلكات شحّ مطاع ، وهوى متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه» (3) وهي مضافاً إلى ضعف سندها قد تقدّم الكلام في نظيرها فليراجع .

   ومنها : ما عن أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال : «وإن كان الممر على الصراط حقاً فالعجب لماذا» (4) ؟ ولا دلالة لها على بطلان العمل بالعجب ولا على حرمته بوجه ، لأنها نظير ما ورد من أن الموت إذا كان حقاً فالحرص على جمع المال لماذا ، أو ما هو بمضمونه . وظاهر أن الحرص على جمع المال لا حرمة فيه وإنما تدلّ على أن الحساب إذا كان حقاً ووصول كل أحد إلى ما عمله وقدمه حقاً فالعجب أي أثر له .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 103 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 13 . لكن ورد فيها : «ثلاث موبقات» بدل «ثلاث مهلكات» .

(2) الوسائل 1 : 103 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 14 .

(3) الوسائل 1 : 103 /  أبواب مقدّمة العبادات  ب 23 ح 15 . والسند في الوسائل هكذا : بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً ... .

(4) الوسائل 1 : 103 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 16 .

ــ[33]ــ

   ومنها : ما عن العلل عن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن جبرئيل في حديث قال «قال الله تبارك وتعالى : ما يتقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فاكفّه عنه لئلا يدخله العجب فيفسده» (1) . ولا دلالة لها على بطلان العمل بالعجب ، لأنه اُسند الإفساد إلى نفس العامل بمعنى هلاكه لا إلى العمل والعبادة . مضافاً إلى أنها مروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بطريق لا يمكن الاعتماد عليه .

   ومنها : ما عن عبدالعظيم الحسني عن علي بن محمّد الهادي عن آبائه (عليهم السلام) قال «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من دخله العجب هلك» (2) . وقصورها من حيث الدلالة نظير ما تقدمها ، حيث اُسند الهلاك إلى المعجب من حيث تعقبه بمثل الكبر والتحقير والكفر ونحوها ، مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن هارون وعلي بن أحمد بن موسى .

   ومنها : ما عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لولا أن الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلا الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً» (3) . وقد تقدّم الكلام في نظيرها (4) فلا نعيد .

   ومنها : ما عن الثمالي عن أحدهما (عليه السلام) ، قال : «إنّ الله تعالى يقول : إنّ من عبادي لمن يسألني الشيء من طاعتي لاُحبه ، فأصرف ذلك عنه كيلا يعجبه عمله»(5) . وقد مرّ الكلام في نظائرها فليراجع .

   ومنها : ما عن الثمالي أيضاً عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ثلاث منجيات خوف الله في السرّ والعلانية ، والعدل في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 104 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 17 . علل الشرائع 12 : 7 .

(2) الوسائل 1 : 104 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 18 .

(3) الوسائل 1 : 104 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 19 .

(4) في ص 29 .

(5) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 20 .

ــ[34]ــ

الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وثلاث مهلكات هوى متبع ، وشحّ مطاع وإعجاب المرء بنفسه» (1) ، وقد عرفت الحال في نظائرها .

   ومنها : ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة قال : «سيّئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك» (2) وقد أسلفنا الكلام فيها وقلنا : إن خيرية السيّئة المتعقبة بالتوبة من جهة تبدلها إلى الحسنة ، بخلاف العـبادة مع العجب لأنه يذهب بثوابها ولا تتبدّل إلى حسنة ، ولا دلالة لها على إبطال العجب للعمل (3) .

   ومنها : ما عنه (عليه السلام) في النهج: «الإعجاب يمنع الإزدياد»(4) . لأنّ المعجب لا يرى حاجة إلى تكثير العبادة والعمل .

   ومنها : ما عنه (عليه السلام) أيضاً : «عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله» (5) . ولا دلالة في شيء منها على حرمة العجب ولا على إبطاله العبادة .

   ومنها : ما عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال : «الملوك حكام على الناس ، والعلم حاكم عليهم ، وحسبك من العلم أن تخشى الله ، وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك» (6) وهي مضافاً إلى ضعف سندها لا دلالة لها على فساد العمل بالعجب ، وإنما تدل على أنه ناشئ عن الجهل كما مرّ .

   فالمتحصل أنه لا دلالة في شيء من تلك الأخبار على حرمة العجب بالمعنى المتقدِّم من حيث مقدمته أو إزالته ، ولا على بطلان العمل به مقارناً كان أو متأخِّراً ، وإنما تدلّ على أنه من الصفات الخبيثة المهلكة البالغة بالإنسان إلى ما لا يرضى به الله سبحانه كما أسلفنا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 21 .

(2) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 22 . نهج البلاغة : 477 / 46 .

(3) في ص 22 .

(4) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 23 . نهج البلاغة 500 : 167 .

(5) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 24 . نهج البلاغة : 507 / 212 .

(6) الوسائل 1 : 105 / أبواب مقدّمة العبادات ب 23 ح 25 .

ــ[35]ــ

   بقي من الأخبار رواية واحدة وهي ما رواه يونس بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال «قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب فقال إذا كان أوّل صلاته بنيّة يريد بها ربّه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان» (1) حيث قد يتوهم دلالتها على بطلان العبادة بالعجب المقارن إذا كان في أوّلها ، لقوله (عليه السلام) : «إذا كان أوّل صلاته» إلاّ أنها كسابقتها قاصرة الدلالة .

   أمّا من حيث سندها فربّما يتوهم أن علي بن إبراهيم إنما يروي عن محمّد بن عيسى بواسطة أبيه إبراهيم بن هاشم كما في جامع الرواة(2) وغيره ولم تثبت روايته عن محمّد بن عيسى بلا واسطة ، والواسطة لم تذكر في السند ، مضافاً إلى أن في نفس محمّد ابن عيسى كلاماً ، وفي روايته عن يونس كلاماً آخر ، على أنها ضعيفة بيونس بن عمار لعدم توثيقه في الرجال . ويدفعه ما قرّرناه في محلِّه من رواية علي بن إبراهيم عن الرّجل بلا واسطة ، وأن محمّد بن عيسى في نفسه قابل للاعتماد عليه ، كما لا بأس برواياته عن يونس فلاحظ (3) . نعم يونس بن عمار لم يوثق في الرجال ولكنّه حيث وقع في أسانيد كامل الزيارات فلا بدّ من الحكم بوثاقته .

   وأما من حيث دلالتها فلأنه لا بدّ من حمل الرواية على معنى آخر ، لعدم إمكان حملها على ظاهرها من جهة القرينة العقلية واللفظية . أما العقلية فللقطع بأن العجب لو كان مبطلاً للعمل فلا يفرق فيه بين تحققه أوّل العبادة وبين حدوثه في أثنائها أو في آخرها . وأما القرينة اللفظية فهي قوله (عليه السلام) : «وليمض في صلاته وليخسأ الشيطان» حيث إن العجب إذا تحقق وقلنا بكونه مبطلاً للعمل فلا معنى للمضي فيه لإخساء الشيطان ، لأنه باطل على الفرض ، وعليه فلا بدّ من حملها على الوسوسة الطارئة على الإنسان بعد دخوله في العبادة ، لأن الشيطان عدو عجيب للإنسان ، فقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 107 / أبواب مقدّمة العبادات ب 24 ح 3 .

(2) لم نعثر على ذلك فيه .

(3) معجم رجال الحديث 18 : 103 ـ 113 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net