الموجب الثّاني : الجماع 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السادس:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14244


ــ[251]ــ

   الثاني : الجماع وإن لم ينزل ولو بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكليني يدفقه بقوّة (2) . وهي تدلّنا على أن الرجل الصحيح كما هو محل كلامنا إنما يخرج ماؤه بدفق وقوّة ، كما أنه يخرج بشهوة كما في الصحيحة المتقدّمة . فأمارة المني في الرجل الصحيح هي الدفق والخروج بشهوة .

   وأمّا المرأة فلم يرد في اعتبار الدفق في منيها رواية ، وإنما الأخبار دلّت على أن ما يخرج من فرجها إذا كان خارجاً بشهوة يجب عليها الغسل ، ففي صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يلمس فرج جاريته حتى تنزل الماء من غير أن يباشر ، يعبث بها بيده حتى تنزل ، قال : إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل»(3) وهكذا في غيرها (4) بل لم يعتبر الدفق في المرأة ولو اتفاقاً . وعليه فالصفة التي يختبر بها مني المرأة إنما هي خروجه بشهوة ، ولا يعتبر فيها صفة اُخرى غيرها .

   وأمّا الرجل المريض فهو أيضاً لا يعتبر فيه الخروج عن دفق كما دلّت عليه صحيحة ابن أبي يعفور المتقدِّمة ، فلا يعتبر في الرجل المريض والمرأة إلاّ الشهوة الملازمة مع الفتور ، ولا يعتبر فيهما الدفق ، وإنما يختص ذلك بالرجل الصحيح كما مر .

    السبب الثاني للجنابة وهو الجماع

   (1) وجوب الغسل بالجماع في الجملة مما لا ريب فيه بين المسلمين ، وإنما الكلام في جهات :

   الجهة الاُولى : أن الجماع المعبّر عنه بالتقاء الختانين أو الإدخال والإيلاج بنفسه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يترك الاحتياط مع صدق الادخال عرفاً ولو كان الداخل دون ذلك .

(2) الكافي 3 : 48 / 4 . إلاّ أنّ فيه بدل يدفقه بقوّة «بدفقة وقوّة» .

(3) الوسائل 2 : 186 /  أبواب الجنابة  ب 7 ح 2 .

(4) الوسائل 2 : 187 /  أبواب الجنابة  ب 7 ح 4 ، 13 ، 14 ، 15 .

ــ[252]ــ

مسبب للجنابة ووجوب الغسل وإن لم ينزل بوجه ، وذلك بمقتضى الأخبار الكثيرة الصحاح فضلاً عن غيرها ، ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أدخل وجب الغسل... » (1) وفي رواية ابن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا (عليه السلام) قال : «سألته ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال : إذا أولجه وجب الغسل... » (2) ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل ؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي (عليه السلام) : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال علي (عليه السلام) : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من الماء ؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار»(3) ومنها غير ذلك من الأخبار المشتمل بعضها على تلازم الغسل مع الحد والمهر فراجع ، إلى غير ذلك من الأخبار . مضافاً إلى إطلاق الكتاب : (أَوْ لمَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (4) .

   وأما ما ورد من أن علياً (عليه السلام) كان لا يرى الغسل إلاّ في الماء الأكبر(5) فهو لا ينافي وجوب الغسل بالجماع ، وذلك لأن الحصر فيه إنما هو بالإضافة إلى ما يخرج من الإحليل ، فكأنه (عليه السلام) قال : المائع الذي يخرج من الإحليل لا يوجب الغسل إلاّ إذا كان من الماء الأكبر ، وذلك لقرينتين :

   إحداهما : سبق ذلك في رواية عنبسة بالمذي حيث قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 182 / أبواب الجنابة ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 185 / أبواب الجنابة ب 6 ح 8 .

(3) الوسائل 2 : 184 / أبواب الجنابة ب 6 ح 5 .

(4) المائدة 5 : 6 .

(5) الوسائل 2 : 187 / أبواب الجنابة ب 7 ح 6 .

ــ[253]ــ

السلام) يقول : كان علي لا يرى في المذي وضوءاً ولا غسلاً ما أصاب الثوب منه إلاّ في الماء الأكبر»(1) فإن ذكر المذي قرينة واضحة على أن الحصر إنما هو بالإضافة إلى ما يخرج من الإحليل لا بالإضافة إلى كل ما هو سبب للجنابة والغسل .

   وثانيتهما : إتيانه بالصفة والموصوف حيث قيد الماء بكونه أكبر ، فمنه يظهر أنه في قبال الماء الأصغر الذي هو كل مائع غير المني ، إذ لو كان مراده حصر سبب الجنابة والغسل بالمني فقط لكان من الأولى والأخصر أن يقول : إلاّ في المني . فلا موجب للإطالة والإتيان بالصفة وموصوفها إلاّ التنبيه على أن الحصر إضافي وبالنسبة إلى المائعات الخارجة من الإحليل الذي هو الماء غير الأكبر .

    الجهة الثانية من جهات البحث

   الجهة الثانية : أنه لو كنا والصحاح الواردة في وجوب الغسل بالإدخال والإيلاج لكنا قلنا بوجوب الغسل إما من مطلق الإدخال والإيلاج ولو كان أقل من مقدار الحشفة ، وإما من خصوص الإدخال المتعارف أعني إدخال جميع الآلة كما هو المناسب مع الإيلاج ولم نكتف في وجوبه بادخال الحشفة ، إلاّ أن هناك أخباراً قد وردت في تحديد الإدخال والإيلاج وبينت أن المراد بهما إدخال الحشفة وغيبوبتها فقط فالإدخال زائداً على ذلك غير واجب والإدخال دون غيبوبة الحشفة غير موجب له وهي جملة من الأخبار المتضمنة على أن الغسل إنما يجب بغيبوبة الحشفة ، أصرحها صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل ؟ فقال : إذا التقى ، الختانان فقد وجب الغسل ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة ؟ قال : نعم» (2) ومقتضى هذه الأخبار أن الغسل إنما يجب بغيبوبة الحشفة ولا يجب في الأقل منه ، كما لا يعتبر إدخال الأكثر منه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المصدر المتقدِّم .

(2) الوسائل 2 : 183 / أبواب الجنابة ب 6 ح 2 .

ــ[254]ــ

   وفي قبال ذلك رواية محمّد بن عذافر ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) متى يجب على الرجل والمرأة الغسل ؟ فقال : يجب عليهما الغسل حين يدخله ، وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما» (1) وقد رواها في الوسائل عن محمّد بن إدريس في آخر السرائر عن كتاب محمّد بن علي بن محبـوب (2) . ومقتضاها أن الغسل إنما يجب بالإنزال ، وأمّا الجماع المعبر عنه بالتقاء الختانين فهو إنما يوجب غسل الفرجين ولا يوجب الاغتسال .

   ولكن الظاهر عدم معارضتها مع الصحاح المتقدِّمة لأنها مطلقة ، حيث نفت وجوب الاغتسال ودلّت على وجوب الغَسل بالالتقاء الأعم من الالتقاء الخارجي والداخلي ، والصحاح المتقدّمة مقيّدة وقد دلّت على وجوب الاغتسال بالالتقاء الداخلي المفسر بغيبوبة الحشفة كما في صحيحة ابن بزيع المتقدِّمة ، فتحمل هذه الرواية على ما إذا كان الالتقاء خارجياً بغير الغيبوبة . هذا أوّلاً .

   وثانياً : لو سلمنا أنهما متعارضتان فلا يمكننا رفع اليد عن الصحاح المتقدّمة بهذه الرواية لأنها نادرة وتلك مشهورة ، بل لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي والقطع بصدور بعضها عنهم (عليهم السلام) ، وعند المعارضة يترك الشاذ النادر ويؤخذ بالمجمع عليه بين الأصحاب ، وهذا لا للرواية الآمرة بالأخذ بالمجمع عليها وأنه مما لا ريب فيه (3) لأنها ضعيفة ، بل لما حقّقناه في محلِّه من أن الرواية إذا كانت مقطوعة السند لا يمكن رفع اليد عنها بالرواية النادرة (4) .

   وثالثاً : لو اغمضنا عن ذلك أيضاً فالصحاح المتقدّمة موافقة للكتاب الذي أمرنا بالتيمم بدلاً عن الغسل فيما إذا تحققت الملامسة ولم يوجد الماء ، والرواية غير موافقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 185 / أبواب الجنابة ب 6 ح 9 .

(2) السرائر 3 : 609 .

(3) ورد ذلك في روايتين وهما : مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة ، الوسائل 27 : 106  / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 . والمستدرك 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2 .

(4) مصباح الاُصول 3 : 413 ـ 421 .

ــ[255]ــ

للكتاب حيث نفت الغسل عند الملامسة ، وموافقة الكتاب من المرجحات السندية فلا بدّ من الأخذ بالصحاح وطرح تلك الرواية .

   وأمّا ما في الحدائق نقلاً عن بعضهم من عدم المعارضة بينهما بجعل قوله : «وإذا التقى الختانان» جملة معطوفة على «يدخله» وكون العطف عطف تفسير وكأنها هكذا : يجب عليهما الغسل حين يدخله أي إذا التقى الختانان . وقوله: «فيغسلان فرجهما» حكم آخر متفرع على الإدخال والالتقاء(1) . ففيه ما لا يخفى كما ذكره في الحدائق ، لأن الظاهر أن الجملة شرطية وقوله : «فيغسلان» جملة جزائية .

   وأمّا ما عن بعضهم من أن جملة «فيغسلان... » لا يمكن أن تكون جزائية ، إذ لا وجه لدخول الفاء في الجزاء فيتعين حملها على أنه حكم متفرع على الإدخال والتقاء الختانين ، وكون جملة «وإذا التقى» عطفاً تفسيرياً لقوله : «حين يدخله» . فيدفعه أن الفاء إنما لا يدخل في الجزاء فيما إذا لم يكن الجزاء من الأفعال المضارعية ، وأمّا في المضارع فلا بأس بدخوله في الجزاء كما لا يخفى على الممارس الفطن ، و «يغسلان» فعل مضارع . فالصحيح في رفع المعارضة ما ذكرناه .

   والذي يسهل الخطب أن الرواية ضعيفة ، لأن محمّد بن إدريس (قدس سره) وإن نقلها عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب وذكر أن ذلك الكتاب بخط الشيخ أبي جعفر الطوسي (قدس سره) موجود عنده (2) فالطريق إلى نفس الكتاب معتبر وغير قابل للمناقشة إلاّ أن في سند الرواية محمّد بن عمر بن يزيد ، وهو لم يوثق في الرجال . والنتيجة أن الرواية ضعيفة وغير قابلة للمعارضة مع الصحاح .

    الجهة الثالثة من جهات البحث

   الجهة الثالثة : من قطع حشفته إذا بقي من حشفته مقدار وكان على نحو يصدق أنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 4 .

(2) السرائر 3 : 601 .

ــ[256]ــ

أدخل حشفته أو أولجها فلا إشكال في أنه يجب عليه الاغتسال ، وأمّا إذا قطعت بتمامها فالمحتملات فيه اُمور :

    الأوّل من محتملات المسألة

   الأوّل : أن الجنابة ووجوب الاغتسال إنما يتحققان بادخال مقدار الحشفة لا بادخال نفس الحشفة فقط ، سواء كانت هناك حشفة أم لم تكن ، فمقطوع الحشفة إذا أولج بمقدار الحشفة وجب عليه الاغتسال ، ويلاحظ في مقدار الحشفة حشفة كل شخص بحسبها ، وهذا الاحتمال منسوب إلى الأشهر أو المشهور إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأن ظاهر الأخبار الواردة في وجوب الاغتسال بغيبوبة الحشفة (1) أن إدخال الحشفة بنفسه موضوع للحكم بوجوب الاغتسال ، فحمله على التقدير وجعل الموضوع عبارة عن مقدار الحشفة خلاف ظاهر الأخبار ودون إثباته خرط القتاد .

   ولا مجال لمقايسة المقام مع ما ورد في أن المسافر إنما يجب عليه القصر فيما إذا توارى عن البلد ، المعبّر عنه في كلمات الفقهاء بخفاء الجدران ، حيث ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) أن المستفاد منه في المتفاهم العرفي أن وجوب القصر مشروط بالبعد عن بلد المسافرة بمقدار خفاء الجدران ، سواء أكان هناك جدران أم لم يكن كما إذا سافر من القرى والبوادي . وكذلك الحال في المقام ، فإن المستفاد من الأخبار الواردة في أن الغسل يجب بإيلاج الحشفة أن المناط إنما هو الإدخال بقدر الحشفة سواء أكان له حشفة أم لم تكن ، فمقطوع الحشفة إذا أدخل من إحليله بقدر الحشفة يجب عليه الاغتسال (2) .

   والوجه في عدم جواز المقايسة أن ما ورد في وجوب القصر فيما إذا توارى عن البلد بحسب المتفاهم العرفي ظاهر في إرادة المقدار ، وأين هذا من الأخبار الواردة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 182 / أبواب الجنابة ب 6 .

(2) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 224 /  السطر 16 .

ــ[257]ــ

أن الغسل إنما يجب بادخال الحشفة ، فإن استفادة كفاية إدخال غير الحشفة بقدرها منها دونه خرط القتاد . فارادة المقدار من الحشفة يحتاج إلى دلالة الدليل ولا دليل على إرادته فهذا الاحتمال ساقط .

    الثاني من المحتملات

   الثاني : أن مقطوع الحشفة لا يجب عليه الغسل بالجماع وإنما ينحصر سبب الغسل في حقه بالإنزال، لأن الغسل بالجماع مقيد بادخال الحشفة ولا حشفة له على الفرض .

   ورد ذلك بأن الأخبار الواردة في أن الغسل يجب بالإدخال والإيلاج مطلقة ومقتضى إطلاقها وجوب الغسل بادخال مقطوع الحشفة أيضاً . وهذا منسوب إلى صاحب المدارك (قدس سره) (1) .

   وقد اُورد على ذلك بأن المطلقات كما مر مقيّدة بغيبوبة الحشفة ، وتلك المقيدات أيضاً مطلقة لعدم اختصاصها بواجد الحشفة بل يعمه ومن قطعت حشفته ، ومقتضى إطلاق المقيّدات أن الغسل إنما يجب في حق مقطوع الحشفة وغيره بالجماع فيما إذا غابت الحشفة ، وحيث إنّ مقطوع الحشفة لا يتحقق في حقه الجماع بغيبوبة الحشفة فلا يجب عليه الغسل بالجماع ، وينحصر سببه بالإنزال فحسب لولا كون الحكم المزبور أعني وجوب الغسل على مقطوع الحشفة بالجماع مظنّة الإجماع هذا .

   ولا يخفى أن هذا الاحتمال أيضاً مردود كسابقه ، وذلك لصحيحتين :  إحداهما : صحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل ؟ قال : كان علي (عليه السلام) يقول : إذا مس الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل ، قال : وكان علي (عليه السلام) يقول : كيف لا يوجب الغسل والحد يجب فيه ؟ وقال : يجب عليه المهر والغسل»(2) . فإن مقتضى صريح هذه الصحيحة أن وجوب الحد والمهر وغسل الجنابة اُمور متلازمة ومتى وجب أحدها وجب الآخران ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 1 : 272 .

(2) الوسائل 2 : 183 / أبواب الجنابة ب 6 ح 4 .

ــ[258]ــ

وحيث لا إشكال في أنّ مقطوع الحشفة إذا جامع أجنبية يصدق أنه زنى ويجب بذلك عليه الحد ، كما إذا جامع زوجته يجب بذلك عليه المهر أيضاً ، فمنه يستكشف أنه إذا جامع امرأة وجب عليه غسل الجنابة أيضاً لملازمته مع وجوب الحد والمهر . فالقول بعدم وجوب الغسل في حقه ساقط .

   وثانيتهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل ؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر لعلي (عليه السلام) : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال علي (عليه السلام) : أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من الماء ؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار» (1) . وهذه الصحيحة أيضاً ظاهرة الدلالة على أن الحد والغسل متلازمان في الوجوب فمتى وجب أحدهما وجب الآخر ، وحيث إن الأوّل يتحقق في حق مقطوع الحشفة بالإدخال فكذلك الثاني يجب عليه بإدخاله . فاحتمال أن لا يجب على مقطوع الحشفة الغسل بالجماع ساقط ، حيث يستفاد منهما أن الموضوع لوجوب الغسل في حق مقطوع الحشفة مطلق الإدخال والإيلاج . ومنه نستكشف أن المقيّدات مختصّة بواجد الحشفة دون فاقدها .

   فدعوى أن عدم وجوب الغسل على مقطوع الحشفة بالإدخال هو الصحيح والأوفق بالقواعد لولا كون وجوب الغسل عليه بالإدخال مظنّة الإجماع ، ساقطة . هذا كله في الاستدلال بالصحيحتين .

   وأمّا فقههما فقد نقل في الحدائق عن الكاشاني (قدس سره) أن الوجه في استدلال علي (عليه السلام) هو القياس وذلك للمجادلة بالتي هي أحسن ، لأنّ المخالفين يرون صحّة القياس (2) ، ومن هنا قاس (عليه السلام) الغسل بالحد والمهر وإلاّ فلا تلازم بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 184 / أبواب الجنابة ب 6 ح 5 .

(2) الحدائق 3 : 7 .

ــ[259]ــ

الاُمور الثلاثة . وكيف يكون وجوب الغسل والحد والمهر متلازماً مع أن الحد له أسباب متعددة ولا يجب الغسل إلاّ في سبب واحد وهو الزنا ولا يجب مع غيره من أسباب الحد المبيّنة في كتاب الحدود ، كما أن ثبوت المهر كذلك ، فانه قد يثبت بازالة البكارة بالإصبع مع عدم وجوب الغسل معه هذا .

   ولكن الصحيح أن استدلال الإمام (عليه السلام) تام غير مبتن على القياس . وغرضه أن الموضوع لهذه الأحكام الثلاثة شيء واحد وهو الإتيان والإدخال والمماسة واللّمس وغيرها من العناوين ، حيث قال سبحانه : (أوْ لمَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(1) وورد أن في المس المهر كلاًّ ، كما ورد أن الإدخال والإيلاج يوجب الغسل كما أنه موجب للحد والزنا ، وليس هذا من القياس في شيء . هذا كله في الاحتمال الثاني .

    الثالث من المحتملات

   الثالث : أن إدخال مقطوع الحشفة وإن كان موجباً للغسل كما مر إلاّ أن الموجب له هو مسمّى الإدخال ومطلقه ، ولا يعتبر دخول الباقي بتمامه .

    الرّابع من المحتملات

   الرّابع : أن الموجب إنما هو إدخال تمام الباقي ولا يكفي مسماه . والصحيح من هذين الاحتمالين هو الأوّل أعني كفاية مسمى الإدخال والإيلاج ، وذلك لما عرفت من تلازم الغسل مع الحد والمهر ، ولا إشكال في أن الموضوع للحد والمهر هو مسمى الإدخال وكذلك الحال في الغسل . على أنا استفدنا من الصحيحتين أن الموضوع لوجوب الغسل في مقطوع الحشفة هو الإدخال والإيلاج ، وذكرنا أن المقيّدات مختصّة بواجد الحشفة ، ولا إشكال في أن الإدخال والإيلاج لا يتوقّف صدقهما على دخول تمام الباقي ، بل يكفي في صدقهما المسمّى ولعلّه ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 43 . المائدة 5 : 6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net