الشك في حيضيّة الدم - تردّد الدم بين الحيض والبكارة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 18502


ــ[93]ــ

   [ 705 ] مسألة 5 : إذا شكّت في أنّ الخارج دم أو غير دم ، أو رأت دماً في ثوبها وشكّت في أ نّه من الرّحم أو من غيره لا تجري أحكام الحيض (1) ، وإن علمت بكونه دماً واشتبه عليها فإمّا أن يشتبه بدم الإستحاضة أو بدم البَكارة أو بدم القرحة ، فإن اشتبه بدم الإستحاضة يرجع إلى الصفات ((1)) فإن كان بصفة الحيض يحكم بأ نّه حيض ، وإلاّ فإن كان في أيّام العادة فكذلك ، وإلاّ فيحكم بأ نّه إستحاضة (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    إذا شكّت في حيضيّة الدّم

   (1) لاستصحاب عدم خروج دم الحيض واستصحاب عدم كونها حائضاً .

   (2) وهذا للأخبار المتقدّمة والآتية في محلها من أنّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها حيض وإن كان صفرة وغير متصف بأوصاف الحيض ، وأمّا في غير عادتها فإن كان متصفاً بأوصاف الحيض فحيض ، وإلاّ فاستحاضة .

   وما أفاده (قدس سره) في المقام وإن لم يكن كذلك في جميع المقامات ، لأنّ المرأة إذا رأت الدم بعد عادتها كخمسة أيّام مثلاً وقبل انقضاء عشرة أيّام من عادتها يحكم بكونه حيضاً وإن لم يكن بصفات الحيض كما يأتي في محلّه ، وكذا إذا رأته بيوم أو يومين قبل عادتها واستمرّ إلى العادة ، فإنّه حيض أيضاً وإن لم يكن بصفاته ، كما أ نّه إذا رأت الدم بعد عشرة أيّام من أوّل عادتها وقبل تخلّل أقل طهر كامل ـ أعني عشرة أيّام بينه وبين حيضها ـ لا يحكم بكونه حيضاً ولو كان بصفات الحيض ، إذ لا بدّ من تخلّل الطّهر بين الحيضتين ، وكذلك الحال في المضطربة والمبتدئة فإنهما ترجعان إلى نسائهما عند تجاوز الدم العشرة وعدم كونه بصفات الحيض ولا يحكم بعدم كونه حيضاً ، إلاّ أنّ غرضه (قدس سره) الإشارة إلى اجمال التفرقة والمميز بين دم الحيض والإستحاضة ، وأمّا تفصيلها فيأتي في محله إن شاء الله تعالى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه تفصيل سيأتي .

ــ[94]ــ

وإن اشتبه بدم البكارة يختبر بإدخال القطنة في الفرج (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ثمّ إنّ الدّم إذا خرج في أيّام العادة أو بعدها ولكن كان متّصفاً بصفات الحيض فيحكم بكونه حيضاً ، وأمّا إذا علمنا بعدم كونه حيضاً لعدم استمراره ثلاثة أيّام مثلاً فهل يحكم بأ نّه إستحاضة بمعنى أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً فهو إستحاضة أو ليس كذلك فهو أمر موكول إلى بحث الإستحاضة ، ولا بدّ من التعرّض هناك لما هو المميز للإستحاضة ، فإنّ الكلام في المقام إنّما هو فيما يتميّز به دم الحيض .

    تردّد الدم واشتباهه بدم البكارة

   (1) لصحيحة خلف بن حمّاد الكوفي في حديث قال «دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بمنى فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية معصراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام ، وإنّ القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهنّ : دم الحيض ، وقال بعضهنّ : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال (عليه السلام) فلتّتق الله تعالى ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصّلاة حتّى ترى الطّهر وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق الله ولتتوضّأ ولتصلّ ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك ، فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال : فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ، قال : ثمّ نهد إليّ فقال : يا خلف سرّ الله سرّ الله فلا تُذيعوه ولا تُعلّموا هذا الخلق اُصول دين الله ، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال ، قال ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين ، ثمّ قال : تستدخل القطنة ثمّ تدعها مليّاً ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العُذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض ... » الحديث (1) .

   وصحيحة زياد بن سوقة قال «سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل افتضّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 272 / أبواب الحيض ب 2 ح 1 .

ــ[95]ــ

امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً ، كيف تصنع بالصلاة ؟ قال (عليه السلام) : تمسك الكُرسُف ، فإن خرجت القطنة مطوّقة بالدم فإنّه من العُذرة ، تغتسل وتمسك معها قطنة وتصلّي ، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث تقعد عن الصّلاة أيّام الحيض» (1) .

   بل الظاهر أنّ المسألة غير خلافيّة ، ولا يعتبر في الإختبار بذلك أيّة كيفيّة ، وما عن الشهيد الثّاني في روضه(2) من أ نّها تستلقي وترفع رجلها وتستدخل القطنة فهو ـ  كما نبّه عليه المحقّق الهمداني(3) وغيره ـ مبني على الاشتباه ، لأنّ تلك الكيفيّة إنّما وردت عند إشتباه دم الحيض بدم القروح ، وأمّا عند التردّد بين دم البكارة والحيض فلم ترد كيفية خاصّة في الرّوايات .

   ثمّ إنّ مورد الصحيحتين هو ما إذا علم بزوال البكارة وتردّد الدم الخارج بين دم البكارة والحيض من الابتداء ، وأمّا إذا لم يعلم بزوال البكارة وشكّ في أنّ الدم دم العُذرة ، والبكارة زالت ، أو أ نّه دم الحيض ، والبكارة باقية ، أو علم بأنّ المرأة حائض وافتضها زوجها وهي حائض وخرج الدم وشكّ في أ نّه حيض أو بكارة ، أو أنّ الدّم خرج قليلاً بحيث لم يحتمل كونه حيضاً ابتداءً بأن كان دم بكارة ثمّ كثر على نحو اشتبه لأجله أ نّه حيض بقاءً أو دم العذرة أيضاً ، فهل يرجع إلى الإستصحاب حينئذ أعني إستصحاب عدم كونها حائضاً فيما إذا لم تكن مسبوقة بالحيض ، أو إستصحاب كونها حائضاً عند كونها مسبوقة به ، أو لا بدّ فيها من الإختبار بإدخال القطنة كما مرّ ؟

   الظاهر وجوب الإختبار حتّى في هذه الموارد وإن كانت خارجة عن مورد الصحيحتين ، وذلك لأ نّه (عليه السلام) أمرها بالتقوى بقوله «فلتتّق الله ولتتوضّأ ولتصلّ» ، وظاهر ذلك أ نّه لا بدّ من الإختبار في كلّ مورد اشتبه فيه الحيض بالبكارة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 273 / أبواب الحيض ب 2 ح 2 .

(2) روض الجنان : 60  السطر 5 / المقصد الثّاني في الحيض .

(3) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 260  السطر 6 .

ــ[96]ــ

حيث إنّ لهما أحكاماً خاصّة لا بدّ من مراعاتها ، ومن البعيد جدّاً اختصاص الأمر بالتقوى بخصوص ما إذا دار الأمر بينهما من الابتداء ، هذا ، ثمّ على تقدير عدم ظهور الصحيحتين في ذلك فلا أقل من أنّ الإختبار في هذه الموارد أحوط .

   ثمّ إنّ خروج القطنة مطوّقة بالدم أمارة على أنّ الدم من العذرة حسب دلالة هاتين الصحيحتين ، وهل إنّ خروجها منغمسة أمارة أ نّه حيض بحيث لو تردّد الدم بين دم الحيض والبكارة والإستحاضة أو غيرها حكم بكونه حيضاً عند خروجها منغمسة ؟

   لا كلام في أنّ خروج القطنة منغمسة بالدم أمارة أنّ الدم ليس بدم البكارة ، فلا محالة يكون أمارة على كونه دم حيض فيما إذا كان أمره مردّداً بين دم العذرة والحيض ، حيث لا يحتمل غير الحيضيّة بعد عدم كونه دم العذرة ، وهل خروج القطنة منغمسة بالدم أمارة الحيضيّة مطلقاً حتّى إذا إحتمل مع الإحتمالين المذكورين أمر ثالث ، كما إذا إحتملنا أ نّه دم العذرة أو الحيض أو الإستحاضة ، فيحكم بأ نّه دم الحيض إذا خرجت القطنة منغمسة بالدم أو أنّ أماريّة الإنغماس للحيضيّة مختصّة بما إذا دار أمر الدم بين دمّ العذرة والحيض ؟

   فقد وقع ذلك مورد الكلام حيث إنّ ظاهر جملة ـ منهم المحقّق في الشرائع(1) والنافع(2) ، والعلاّمة في القواعد(3) ـ  التوقف في الحكم بأماريّة الإنغماس على الحيضيّة مطلقاً .

   واعترض على ذلك بأ نّهم كيف يتوقفون في الحكم بالحيضيّة مع الإنغماس مع أ نّه ظاهر النصوص والفتاوى . ومن هنا حمل ذلك شيخنا الأنصاري(4) (قدس سره) على صورة إحتمال غير الحيض ، كما إذا احتمل الاستحاضة أو القرحة أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشرائع 1 : 32 / الفصل الثّاني في الحيض .

(2) المختصر النافع : 9 / الثّاني غسل الحيض .

(3) لاحظ القواعد : 212 .

(4) كتاب الطّهارة : 186 السطر 1 / المقصد الثّاني في الحيض .

ــ[97]ــ

   والصحيح هو ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) فلا يحكم بكون الإنغماس أمارة على الحيضيّة مطلقاً ، وإنّما تختص أماريّته بما إذا دار أمر الدم بين الحيض والعُذرة ، نظراً إلى أنّ خروجه مع الإنغماس أمارة على عدم كونه دم العذرة ، ومعه يتعيّن أن يكون الدم حيضاً إذ لا ثالث هناك .

   وأمّا مع احتمال كونه إستحاضة أو غيرها فلا دلالة في الانغماس على كونه حيضاً أبداً ، وذلك لأنّ الإنغماس لازم أعم للحيضيّة ، وإنّما هو لازم لكثرة الدم سواء كان حيضاً أم إستحاضة أو غيرهما ، ولا أماريّة للازم الأعم على الملزوم الأخص ، والّذي يؤكّد ذلك بل يدلّ عليه أ نّه لم يرد الإختبار بالإنغماس في موارد اشتباه الحيض بالإسـتحاضة في شيء من الرّوايات ، وإنّما ميّزوا الحـيض بالأوصـاف ، فلو كان الانغماس أيضاً من جملة الأمارات لكان عليهم (عليهم السلام) التنبيه على ذلك ، نعم الإنغماس يدل على عدم كون الدم دم عذرة ، هذا .

   مضافاً إلى أنّ المقتضي لكون الإنغماس أمارة الحيضيّة حتّى في موارد إحتمال غير الحيض والبكارة قاصر من أصله ، فإنّ الصحيحتين المتقدّمتين إنّما تدلاّن على أماريّة الإنغماس للحيضيّة فيما إذا دار أمر الدم بين كونه حيضاً أو دم عذرة ، ولا دلالة لهما على أماريّته عند إحتمال دم ثالث .

   وذلك أمّا في صحيحة خلف فظاهر ، وذلك لأ نّه (عليه السلام) أمرها بالتقوى بالإمساك عن الصّلاة وإمساك بعلها عنها إن كان الدم دم حيض، وبالصلاة والإغتسال إن كان دم البكارة ، ولم يبيّن وظيفة غيرهما ، فلو كانت إحتملت دماً ثالثاً لكان عليه (عليه السلام) أن يبيِّن وظيفتها على تقدير كونه إسـتحاضة مثلاً ، لأنّ لها أحـكاماً خاصّة وحيث لم يبيّن غيرهما فيسـتفاد منه أنّ الدم كان مردّداً بين دم البكارة والحيض ولو من جهة اختلاف القوابل ودعوى بعضهن الحيض وبعضهن البـكارة وقد جعل (عليه السلام) الإنغماس أمارة على الحيضيّة حينئذ ، ولا دلالة لها على أماريّته مطلقاً حتّى إذا إحتمل دم ثالث كالإستحاضة .

ــ[98]ــ

والصّبر قليلاً  (1) ثمّ إخـراجها ، فإن كانت مطـوّقة بالدم فهو بـكارة ، وإن كانت

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا صحيحة زياد بن سوقة فلأنها وإن لم تشتمل على ما اشتملت عليه الصحيحة المتقدِّمة إلاّ أنّ الضمائر في قوله عليه السلام «تمسك الكرسف وتغتسل وتمسك معها قطنة وتصلّي» كلّها راجعة إلى المرأة الواردة في كلام السائل ، وغير راجعة إلى المرأة الكليّة الّتي رأت دماً ، والمرأة المسؤول عنها في كلام السائل يدور أمرها بين أن يكون الدم الخارج منها دم بكارة أو دم حيض ، وذلك لأ نّه سأل عن إمرأة إفتضها زوجها أو سيِّدها ، والإفتضاض بنفسه موجب لخروج الدم الكثير وعدم إنقطاعه عنها يوماً . وقوله «كيف تصنع بالصلاة» قرينة قطعيّة على أنّ الدم يحتمل أن يكون حيضاً ، لأنّ الحائض هي الّتي تترك الصّلاة ، وأمّا غيرها فلا وجه للسؤال عن أ نّه كيف تصنع بالصلاة ، لوضوح أنّ غير الحائض تأتي بها مع تطهير نجاسة الثوب والبدن إن أمكن وإلاّ فمعها ، وعليه فالسائل سأل عن امرأة دار أمر دمها بين دم البكارة ودم الحيض فحسب ، وفي مثلها حكم (عليه السلام) بترك الصّلاة وحرمة وطئها إذا خرج الكرسف منغمساً بالدم وبوجوب الصّلاة وجواز وطئها إن كان خرج مطوّقاً به .

   فلم يجعل الإنغماس أمارة على الحيضيّة في مطلق المرأة الّتي رأت الدم ولو كان يحتمل إستحاضته ، وعليه فلو إحتمل معهما دم ثالث يسقط الإنغماس عن كونه أمارة على الحيض ، بل لا بدّ من الرّجوع إلى الصفات والتمييز بها إن كان واجداً لها ، وإلاّ فيحكم بكونه إستحاضة .

   وأمّا قاعدة الامكان والحكم بالحيضيّة لأجلها فيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى .

   (1) أي في أقل مدّة يمكن الاختبار فيها ويصل الدم إلى جوف القطنة وينغمس فيها على تقدير كونه دم الحيض أو يطوّقها على تقدير كونه دم العذرة ، فكون المدّة أقل إنّما هو بالإضافة إلى جميع المدّة الّتي يخرج فيها الدم ، ولا يجب عليها أن تصبر مدّة خروج الدم ، وإنّما تصبر أقلّ مدّة يحصل فيها الاختبار .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net