كفاية التلفيق في الثلاثة - اعتبار التوالي في الثلاثة الاُوَل ونقد كلام الحدائق (قدس سره) 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6981

 

ــ[121]ــ

فإذا رأت في وسط اليوم الأوّل واستمرّ إلى وسط اليوم الرّابع يكفي في الحكم بكونه حيضاً (1) ، والمشهور اعتبروا التوالي((1)) في الأيّام الثلاثة (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   كفاية التلفيق في الثّلاثة

   (1) كما هو الحال في قصد إقامة العشرة ، وذلك لأنّ اليوم كما مرّ وإن كان ظاهره ما يقابل اللّيلة  ـ  فالمراد به بياض النّهار واللّيالي خارجة عن مفهومه وإنّما يحكم بدخولها في الحكم بالإستمرار  لما يأتي بيانه عند التكلّم على إعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة  ـ  إلاّ أ نّه يحمل على مقداره في المقامين للقرينة الخارجيّة ، وهي الغلبة بحسب الوجود الخارجي ، حيث إنّه قلّما يتّفق أن يرد المسافر بلدة في أوّل طلوع الفجر أو طلوع الشّمس ، وإنّما يردها في أواسطه ، وكذلك الحال في المقام ، لأنّ المرأة إنّما ترى الدم في أواسط اللّيل أو النّهار وقلّ أن تتحيض عند طلوع الفجر أو طلوع الشّمس فإذا قصد الإقامة من نصف يوم إلى نصف اليوم الحادي عشر صدق حقيقة أ نّه قصد إقامة عشرة أيّام ، بل لو قال إنِّي قصدت الإقامة تسعة أيّام ونصفين من اليوم كان من المضحك لدى العرف ، وكذلك الحال في المقام ، ومن هنا يحمل الأيّام على مقاديرها فلو رأت الدم من أوّل الزوال إلى زوال اليوم الرّابع صدق أ نّها رأت الدم ثلاثة أيّام حقيقة ، ويحكم على الدم بكونه حيضاً .

    إعتبار التوالي في الثلاثة أيّام

   (2) المعروف بينهم (قدس الله أسرارهم) اعتبار التوالي والإستمرار في الثّلاثة الاُول من الحيض ، وأمّا اعتبارهما بعد الثّلاثة وعدمه فهو أمر آخر يأتي عليه الكلام بعد ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ما ذهب إليه المشهور هو الأظهر .

ــ[122]ــ

   وقد خالف في ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) (1) وذهب إلى كفاية الثّلاثة المتفرقة ، ونقله عن بعض علماء البحرين أيضاً ، كما نسب ذلك إلى الشيخ (قدس سره) في نهايته واستبصاره وذهب إليه المحقّق الأردبيلي (قدس سره) (2) .

   وما ذهب إليه المشهور هو الصّحيح ، والثّلاثة المتفرّقة غير كافية في الحكم بحيضيّة الدم ، فلو رأت الدم يوماً وانقطع بعده يومين ثمّ رأت يوماً واحداً وانقطع كذلك إلى أن ترى الدم ثلاثة أيّام متفرّقات لم يحكم بكونه حيضاً .

   وعلى ما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) وموافقوه يمكن أن تستمر حيضة واحدة واحداً وتسعين يوماً كما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) (3) ، كما إذا رأت الدم يوماً وانقطع إلى تسعة أيّام ، ورأت الدم يوم الحادي عشر وانقطع إلى تسعة أيّام ، ثمّ تراه يوم الحادي والعشرين وانقـطع إلى تسـعة أيّام ، ورأته يوم الحادي والثّلاثين وهكذا إلى اليوم الواحد والتسعين ، حتّى تكون الأيّام الّتي رأت فيها الدم عشرة أيّام مع عدم تخلّل طهر واحد بين الأيّام المذكورة ، وإن تخلّل أقل من الطّهر كتسعة أيّام مثلاً فهو غير مانع من الحكم بكون الدم حيضاً ، لأنّ إعتبار تخلّل أقلّ الطّهر إنّما يختص بحيضتين ، وأمّا الحيضة الواحدة فلا يعتبر أن يتخلّل في أثنائها أقل الطهر .

   هذا بل لو اكتفى صاحب الحدائق (قدس سره) بكفاية التلفيق لأمكن استمرار الحيضة الواحدة إلى مائة وإثنين وثمانين يوماً ، كما إذا رأت الدم نصف يوم وانقطع تسعة أيّام ، ورأته نصف يوم من اليوم الحادي عشر وانقطع حتّى رأته نصف يوم من اليوم الحادي والعشرين وهكذا ، فإنّه يكون ضعف الواحد والتسعين ، هذا .

   ولكن ملاحظة ذيل كلام صاحب الحدائق (قدس سره) تعطي أ نّه لا يلتزم بعدم إعتبار التوالي مطلقاً ، حيث تعرّض في نهاية كلامه إلى رواية الفقه الرّضوي الدالّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 159 / في غسل الحيض .

(2) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 143 / المقصد الثّاني في الحيض .

(3) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 263  السطر 6 .

ــ[123]ــ

نعم بعد توالي الثّلاثة في الاُول لا يلزم التوالي في البقيّة ، فلو رأت ثلاثة متفرّقة في ضمن العشرة لا يكفي ، وهو محل إشكال ، فلا يترك الإحتياط بالجمع بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض فيها .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على إعتبار التوالي في الثّلاثة (1) ، وحيث إنّه يرى إعتبارها جمع بينها وبين رواية يونس(2) بحمل رواية الفقه الرّضوي وما بمعناها على غير أيّام العادة ، وحمل رواية يونس على أيّام العادة جمعاً بينهما (3) ، إذن فهو لا يرى إعتبار التوالي في الثّلاثة في أيّام العادة لا مطلقاً .

   وعلى ذلك لا يرد على صاحب الحدائق (قدس سره) أنّ الحيضة الواحدة قد تطول ستّة أشهر أو سنة بل أزيد إذا فرضنا أ نّها رأت ساعة في كلّ يوم ، فإنّه (قدس سره) يرى إعتبار التوالي في الثّلاثة بالإضافة إلى غير أيّام العادة ، نعم لا يعتبره في أيّام العادة إلاّ أ نّها ترى الحيض في كلّ شهر مرّة واحدة ، فلا تطول الحيضة الواحدة إلى سنة أو أقل أو أكثر .

   وتفصيل الكلام في هذه المسألة يقع في مراحل ثلاث :

   الاُولى : في إمكان إستفادة إعتبار التوالي من الأدلّة الإجتهاديّة الواردة في المقام وعدمه .

   الثانية : فيما تقتضيه القاعدة من العمومات والإطلاقات مع قطع النظر عما تدلّ عليه الأخبار الواردة في المقام .

   الثالثة : فيما تقتضيه الاُصول العمليّة عند عدم توالي رؤية الدم في الأيّام الثلاثة على تقدير عدم دلالة الأدلّة الإجتهاديّة على إعتباره وعدم إقتضاء العمومات والقاعدة ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الوسائل 2 : 12 / أبواب الحيض ب 10 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 299 / أبواب الحيض ب 12 ح 2 .

(3) الحدائق 3 : 168 ، التنبيه الثّاني .

ــ[124]ــ

   أمّا المرحلة الاُولى :  فالصحيح أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة أيّام كأكثره بعشرة أيّام تدل على إعتبار الإستمرار والتوالي في الأيّام الثلاثة ، واستفادة ذلك من الأخبار يتوقف على اُمور ، إذ لم يرد بهذا المضمون رواية .

   الأمر الأوّل : أنّ الأخبار المحدّدة لأقل الحيض بثلاثة وأكثره بعشرة إنّما هي ناظرة إلى الحيضة الواحدة دون المتعدّدة ، لوضوح أ نّه لا وجه لتحديد أكثر الحيضة المتعدّدة بعشرة أيّام ، فإنّ المرأة في عمرها لعلّها ترى الحيض أكثر من سنة ، فالروايات تحدّد أقل الحيضة الواحدة بثلاثة أيّام وتدل على أنّ الأقل من الثّلاثة ليس بحيض ، كما أنّ الأكثر من العشرة كذلك .

   الأمر الثّاني : أنّ الحيض اسم لنفس الدم كما قدّمناه وقلنا إنّه اسم لنفسه أو لسيلانه ، وإطلاقه على المرأة بعد نَقائها مبني على المسامحة والعناية ، فهذه الرّوايات إنّما تدل على أنّ الدم المسمّى بالحيض لا يقصُر عن الثّلاثة ولا يزيد على العشرة ، وليس اسماً لحدث الحيض ، ويكشف عن ذلك تقابل الحيض بالطهر والنقاء من الدم في قوله تعالى : (... فَاعْتَزِلُوْا النَّسَاءَ فِي الَمحِيضِ ... حَتَّى يَطْهُرْنَ ... )(1) فالطهارة أي انقطاع الدم والحيض متقابلان ، فلو كان الحيض بمعنى الحدث لم يكن وجه لتقابلهما ، لبقاء الحدث عند طهارتها أي نقائها من الدم ، وكذا ما ورد في الرّوايات من قولهم «إذا طهرت تغتسل»(2) حيث جعل الطّهر في قبال الحيض ، ولا وجه له إلاّ إذا كان بمعنى نفس الدم ، وإلاّ فالحدث باق إلى أن تغتسل .

   الأمر الثالث : أنّ الإتصال مساوق للوحدة ، فمع إتصال الدم في الثّلاثة فهو حيض واحد ، وأمّا إذا انقطع فرأته يومين فلا يصدق عليه الحيضة الواحدة للإنفصال .

   فهذه الاُمور تجعل الأخبار الواردة في تحديد الحيض ظاهرة في إرادة التوالي والإستمرار في الثّلاثة ، لأ نّه مع الإنقطاع يخرج الدم عن كونه واحداً ، فهما دمان كلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 222 .

(2) الوسائل 2 : 309 / أبواب الحيض ب 17 ح 2 ، ص 312 ب 21 ح 1 و 3 ، ص 325 ب  27 ح 4 و 5 و 6 ، وغيرها .

ــ[125]ــ

واحد منهما أقلّ من الثّلاثة فليس بحيض .

   ومن هذا ظهر أنّ ما ذكره الأردبيلي (1) (قدس سره) ـ من أنّ ما ذهب إليه المشهور من اعتبار التوالي والاستمرار في الثّلاثة أمر لا دليل عليه ، بل يكفي رؤيته ثلاثة أيّام متفرّقات لإطلاق الأخبار ـ ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، إذ لا إطلاق في الأخبار كما عرفت حيث إنّها إنّما تحدّد الحيضة الواحدة دون المتعدّدة ، ومع الإنقطاع ترتفع الوحدة كما مرّ ، وقد ذكرنا أنّ الأخبار بمعونة الاُمور الثلاثة تدل على إعتبار التوالي والإستمرار ، فما كان أقل من الثّلاثة ليس بحيض كان واحداً أو متعدِّداً .

   نعم بعد رؤية الدم ثلاثة أيّام إذا إنقطع ثمّ رأت الدم يوماً أو يومين قبل إنقضاء العشرة كما في اليوم التاسع أو الثامن أو السابع يحكم بكونه حيضاً للأخبار(2) ، وهي مخصّصة لما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقل من ثلاثة ، ولكن بعد رؤيتها ثلاثة أيّام وقبل العشرة ، وهذا بلحاظ ضمّه إلى الثلاثة واعتبار مجموعهما حيضاً واحداً ، ومن هنا عبّر في الرّوايات بأ نّه من الحيض أي من ثلاثة أيّام .

   هذا وقد استدل على مسلك غير المشهور برواية يونس القصيرة «وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام ، فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام فذلك الدم الّذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الّذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض ، وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الّذي رأته لم يكن من الحـيض ، إنّما كان من علّة ... » (3) فتقضي صلاتها الفائتة في تلك الأيّام . وهي على تقدير تماميتها صريحة في عدم إعتبار التوالي في الثّلاثة الاُول ، وتكون حينئذ حاكمة على ظهور الأخبار المتقدّمة في التوالي والإستمرار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 1 : 143 / المقصد الثّاني في المحيض .

(2) الوسائل 2 : 299 / أبواب الحيض ب 12 ح 1 ، 2 .

(3) الوسائل 2 : 299 / أبواب الحيض ب 12 ح 2 .

ــ[126]ــ

   إلاّ أ نّها غير تامّة لإرسالها حيث رواها يونس عن بعض رجاله ولا ندري أ نّه أيّ شخص ولعله من الضعاف ، فتسقط الرّواية بذلك عن الإعتبار ، نعم يبقى هناك ما ادّعاه الكشي(1) من الإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة كابن أبي عمير وزرارة وغيرهم ومنهم يونس هذا ، إلاّ أنّ ذلك الإجماع غير قابل للإعتماد عليه .

   أمّا أوّلاً : فلإجمال المراد به ، فهل اُريد بالإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة أنّ السند إذا كان معتبراً إلى تلك الجماعة فلا ينظر إلى من وقع بعدهم من الرّواة في سلسلة السند ، بل يحكم باعتبار الرّواية وإن كان الرّاوي بعدهم غير معلوم الحال لنا حتّى يوجب اعتبار الرّواية في أمثال المقام ، أو أنّ المراد به توثيق هؤلاء الجماعة في أنفسهم وأ نّهم ثقات أو عدول وإن لم يرد توثيق في حقّ بعضهم غير هذا ، أو كان واقفياً أو فطحياً مثلاً ، ليكون معناه أنّ السند إذا تمّ من غير ناحيتهم فهو تام من جهتهم أيضاً لأ نّهم ثقات أو عدول ، وأمّا من وقع قبلهم أو بعدهم فلا يستفاد من هذا توثيقه ، وبما أنّ الثّاني محتمل في نفسه فيصبح معقد الإجماع مجملاً ولا يمكننا الإعتماد عليه .

   وأمّا ثانياً : مع قطع النّظر عن المناقشة الاُولى فلأن هذا الإجماع ليس بأزيد من إجماع منقول بخبر الواحد ، وهو ممّا لا نعتمد عليه ، والمحصل منه غير حاصل لنا ، فلا يمكن تصحيح الرّواية من هذه الجهة .

   كما أنّ إحتمال الإنجبار بعمل مثل الشيخ غير تام ، لعدم كون عمله ومن تبعه موجباً للإنجبار ، على أ نّه عدل عنه في كتب فتاواه كالمبسوط على ما حكي (2) .

   وأمّا المناقشة في الرّواية من جهة إشتمال سندها على إسماعيل بن مَرّار لعدم توثيقه فيمكن دفعها بأ نّه وإن لم يرد توثيق في حقّه بشخصه إلاّ أنّ محمّد بن الحسن بن الوليد قد صحّح كتب يونس ورواياته عن رجاله بأجمعها ، ولم يستثن منها إلاّ محمّد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الكشي 556 / الرّقم 1050 .

(2) حكاه في المستمسك 3 : 197 ، وراجع المبسوط 1 : 42 / فصل في ذكر الحيض .

ــ[127]ــ

عيسى العبيدي ، وهو توثيق إجمالي لرجال يونس الّذين منهم إسماعيل بن مرار ، ولا يعتبر في التوثيق أن يكون شخصيّاً أو تفصيليّاً ، على أنّ الرّجل ممن وقع في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي ، وقد بنينا على وثاقة كلّ من وقع في تلك الأسانيد ويؤكّده أنّ القميين عملوا بروايات نوادر الحكمة ولم يستثنوا منها إلاّ ما تفرّد به محمّد ابن عيسى العبيدي مع أنّ في سندها إسماعيل بن مَرّار ، فلا وجه للمناقشة في الرّواية من هذه الجهة .

   هذا وقد استدلّ صاحب الحدائق(1) (قدس سره) على عدم إعتبار التوالي برواية عبّر عنها بموثقة محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(2) بدعوى دلالتها على أنّ المرأة إذا رأت الدم مثلاً يوماً وانقطع ثمّ رأته يومين قبل إنقضاء العشرة فهما يلتحقان باليوم الأوّل ، فيكون المجموع حيضاً واحداً .

   ويندفع بأ نّه وإن ادّعى في الحدائق ظهورها في المدعى إلاّ أ نّها أجنبيّة عن المقام رأساً .

   وذلك لأ نّها ناظرة إلى بيان أنّ ما تراه المرأة من الدم قبل العشرة بعد حيضها ينضم إلى الحيضة الاُولى ، وما تراه بعد العشرة فهو من الحيضة الثانية ، وأمّا أنّ الحيضة الاُولى تتحقّق بأيّ شيء وشرطها ماذا فلا دلالة للرواية عليه ، بل تدلّ على أنّ الحيضة بعد تحقّقها ينضم إليها الدم الّذي تراه المرأة قبل العشرة ، فلا دلالة لها على عدم إعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة بوجه .

   والّذي يوضِّح ما ذكرناه مضافاً إلى وضوحه في نفسه أ نّه (عليه السلام) حكم بأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 3 : 161 / في غسل الحيض .

(2) الوسائل 2 : 296 / أبواب الحيض ب 10 ح 11 . وهذه الرواية لا بأس بعدّها موثقة . نعم لمحمّد ابن مسلم رواية اُخرى بهذا المضمون وهي صحيحة ، تراها في الوسائل 2 : 298 / أبواب الحيض ب 11 ح 3 .

ــ[128]ــ

ما تراه بعد العشرة من الحيضة الثّانية ، مع أ نّه لا تتحقّق الحيضة الثّانية إلاّ بتخلّل أقل الطّهر وعدم كون الدم أقل من ثلاثة وكونه بأوصاف الحيض ، فلا دلالة لها على أنّ الحيضة الثّانية غير مشترطة بشيء ، بل تدل على أنّ الحيضة الثّانية على تقدير تحقّقها في نفسها بمالها من الشرائط ينضم إليها الدم الّذي تراه المرأة بعد العشرة ، فلا بدّ من إستفادة أنّ شرائط الحيضة الاُولى والثّانية أيّ شيء من المراجعة إلى الأدلّة الخارجيّة ، وقد عرفت أنّ الأخبار الواردة في المسألة ظاهرة الدلالة على إعتبار التّوالي والإستمرار في الثّلاثة .

   ولعلّ ما ذكرناه من عدم دلالة الرّواية على المدعى هو مراد صاحب المدارك(1) (قدس سره) من أنّ الرّواية غير صريحة في كفاية الثّلاثة المتفرّقة بإرادة عدم الدلالة من عدم الصّراحة ، فلا يرد عليه ما أورده في الحدائق من أنّ ظهور الرّواية في المدعى يكفي في إثباته ولا يعتبر كونها صريحة ، فإنّ من البعيد جدّاً أن يخفى على صاحب المدارك حجيّة الظّهور وكفايته في المدّعى ، فالمراد به عدم دلالتها على المدّعى كما قدّمناه . هذا كلّه في المرحلة الاُولى وبالنظر إلى دلالة الأخبار على ذلك .

   المرحلة الثّانية :  أعني ما تقتضيه العمومات والإطلاقات في المقام ، فنقول : إنّ مقتضى عموم ما دلّ على وجوب الصّلاة على جميع المكلّفين أو إطلاقه ، وعموم ما دلّ على جواز إتيان الزّوج زوجته أ نّى شاء وفي أيّ زمان أراد ، وغير ذلك من الأحكام وجوب الصّلاة على المرأة الّتي رأت الدم ثلاثة أيّام متفرّقات ، لأ نّها أيضاً من أفراد المكلّـفين ، كما أنّ مقتضى العموم أو الإطلاق في قوله : ( ... فَأْتُوْا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ ... )(2) جواز إتيان بعلها في ذلك الزّمان ، أعني الزّمان الّذي رأت فيه المرأة الدم ثلاثة أيّام متفرّقات .

   والسرّ في ذلك أنّ نسبة ما دلّ على عدم وجوب الصّلاة على الحائض وعدم جواز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 1 : 321 / الفصل الثّاني في الحيض .

(2) البقرة 2 : 222 .

ــ[129]ــ

إتيانها وعدم جواز دخولها المسـجد وغير ذلك من أحكامها بالإضافة إلى تلك العمومات والمطلقات نسبة المخصّص أو المقيّد ، ونشكّ في سعة مفهوم الحيض وضيقه ولا ندري أ نّه هل يتحقّق برؤية الدم ثلاثة أيّام متفرّقات كتحقّقه بالثلاثة المتواليات أو لا تحقّق لها معها ، وإذا دار أمر المخصّص بين الأقل والأكثر ، بمعنى أنّ الشبهة كانت مفهوميّة ، فيكتفى في تخصيص العمومات بالمقدار المتيقن ، ويرجع في المقدار المشكوك الزائد إلى العموم والإطلاق ، ومعه فالنتيجة إعتبار التوالي في الأيّام الثّلاثة في الحيض وعدم كفاية الثّلاثة المتفرّقات .

   ومن الغريب في المقام ما صدر عن المحقّق الهمداني (قدس سره) ، حيث منع عن التمسّك بالعمومات حينئذ بدعوى أنّ الشبهة مصداقيّة ولا يجوز فيها التمسّك بالعام وإن عقّبه بقوله : إلاّ أن يقال إنّ الشّبهة مفهوميّة ، ولا بأس معها من الرّجوع إلى العام ، ثمّ أمر بالتأمّل(1) .

   وذلك لأنّ عدم كون الشبهة مصـداقيّة في المقام أمر واضح لا وجه لإحتماله ، حيث إنّ الشبهة إنّما تكون مصداقيّة إذا شكّكنا في فرد أ نّه من الأفراد الخارجة عن العموم أو من الباقية تحته مع وضوح المفهوم في المخصّص ، وأمّا إذا كانت الشبهة مفهوميّة كما في المقام لعدم العلم بسعة مفهوم الحيض وضيقه فلا بدّ معه من التمسّك بالعام في غير المقدار المتيقّن من المخصّص .

   ثمّ إنّا إن قلنا بالواسطة بين دم الحيض والإستحاضة في غير دم النفاس ودم القروح والجروح ودم العُذرة للعلم بعدم كونها حيضاً ولا إستحاضة ، بأن لم نقل : إنّ كلّ دم لم يكن حيضاً في غير الدّماء المذكورة فهو استحاضة ، فمقتضى العمومات المتقدِّمة وجوب الصّلاة عليها وغيرها من أحكام الطّهارة فحسب ، وأمّا إذا لم نقل بالواسطة وقلنا إنّ كلّ دم لم يحكم بحيضيّته فهو إستحاضة ، كما يأتي الكلام عليه في بحث الإستحاضة فهي مستحاضة ، فلا بدّ من أن تعمل المرأة بأحكام المستحاضة بأن تصلِّي مع الإغتسال .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الطّهارة) : 263  السطر 14 .

ــ[130]ــ

   وذلك لأنّ العمومات الدالّة على وجوب الصّلاة في حقّها بالدلالة المطابقيّة تدل بالدلالة الإلتزاميّة على وجوب إغتسالها وكونها مستحاضة ، لأ نّه لازم عدم كونها حائضاً ، حيث بنينا على أنّ كلّ دم لم يكن بحيض فهو إستحاضة ، وبما أنّ المرأة تجب عليها الصّلاة ويعامل معها معاملة غير الحائض فلا بدّ أن يحكم عليها بالإستحاضة هذا .

   وقد يتوهّم أنّ الحيض ليس من المفاهيم الإختراعيّة الشرعيّة ، وإنّما هو مفهوم عرفي كان متحقّقاً ودارجاً عند العرف قبل الشرع والشّريعة المقدّسة ، نظير مفهوم البيع وغيره من الاُمور العرفيّة ، ولا بدّ في مثله من الرّجوع إلى العرف عند الشكّ في إعتبار قيد في مفهومه وعدمه ، إلاّ أن يقوم دليل شرعي على إعتباره ، كإعتيار عدم الغرر في البيع واعتبار ثلاثة أيّام في الحيض ، وأمّا إذا لم يدل دليل على الإعتبار وشككنا في اعتباره فيه فلا مناص من الرّجوع فيه إلى العرف ، ولا شبهة في أنّ الدم ثلاثة أيّام غير متوالية حيض لدى العرف ، ولا يعتبر في مفهـومه عندهم التوالي والإستمرار .

   ويندفع بأنّ الحيض وإن كان له مفهوم عند العرف ، إلاّ أ نّه بمفهومه العرفي ليس بموضوع للأحكام المترتبة عليه ، وإلاّ للزم التسوية بين الحيض والإستحاضة لأنّ مادتهما مشتركة ، والإستحاضة هو الحيض الكثير ، لأ نّه لغة بمعنى الدم الكثير ، مع أ نّها بمفهومها الجامع بين الحيض والإستحاضة المصطلح عليهما غير مرادة فيما ترتب عليها من الأحكام ، بل الموضوع للأحكام المترتبة عليه هو الدم العبيط الخارج من عرق مخصوص مع سائر المزايا المعتبرة فيه شرعاً .

   وبعبارة اُخرى الموضوع لتلك الأحكام معنى إصطلاحي خاص ، وحيث إنّا نشك في سعته وضيقه فلا مناص من الإقتصار في تخصيص العمومات والمطلقات على المقدار المتيقّن منه ونرجع في المقدار الزائد المشكوك فيه إلى العموم والإطلاق ، وليس الحيض كالبيع وغيره من المفاهيم المتحد فيها المستعمل فيه والموضوع له في لسان

ــ[131]ــ

الشرع والعرف . هذا كلّه في هذه المرحلة ، ثمّ إنّه إذا لم يتم التمسّك بالعموم والإطلاق تصل النوبة إلى المرحلة الثالثة أعني مقتضى الأصل العملي .

   أمّا المرحلة الثّالثة :  فحاصل الكلام فيها أنّ المرأة لمّا كانت عالمة بتوجّه أحكام إلزاميّة إليها ـ لأ نّها إن كانت حائضاً يحرم عليها دخول المسجد وتمكين زوجها من نفسها ولا تجب عليها الصّلاة ، وإن كانت غير حائض وجبت عليها الصّلاة من دون إغتسال إذا قلنا بالواسطة بين الحيض والإستحاضة ، أو مع الإغتسال إذا أنكرنا الواسطة بينهما ـ فمقتضى العلم الإجمالي وقاعدة الإشتغال الإحتياط بالجمع بين أحكام الطّاهرة أو المستحاضة وأحكام الحائض أي تروكها ، هذا .

   ولكن شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أجرى إستصحاب عدم الحيض حينئذ وبه حكم بعدم كونها حائضاً ، فتجب عليها الصّلاة وغيرها من الوظائف المقررّة لغير الحائضات ، وقال إنّ هذا الأصل لا يعارض بإستصحاب عدم الإستحاضة ، وذلك لأ نّا إن قلنا بالواسطة بين الحيض والإستحاضة فلا تنافي بين الأصلين ، فيحكم بعدم كونها حائضاً ولا مستحاضة ، وأمّا إذا أنكرنا الواسطة بينهما فلا مجرى لإستصحاب عدم الإستحاضة ، لأ نّه لا يثبت كونها حائضاً ، وهذا الإستصحاب يوجب إنحلال العلم الإجمالي لا محالة .

   ويدفعه : أنّ المراد بالإستصحاب إن كان هو الأصل الموضوعي أعني استصحاب عدم كون الدم حيضاً فقد بيّنا وبيّنه هو (قدس سره) في محله أنّ الشبهات المفهوميّة ممّا لا مجرى فيه للأصل الموضوعي ، لعدم الشك في شيء غير التسمية ، حيث إنّ خروج الدم ثلاثة أيّام أمر قطعي لا شكّ فيه ، وعدم كونها متوالية أيضاً كذلك ، ومعه يجري الإستصحاب في أيّ شيء ، إذ الشكّ إنّما هو في التسمية وأنّ مثل هذا الدم يسمّى حيضاً أو لا يسمّى كذلك ، وأي أصل يحرز به ذلك .

   وإن اُريد به الأصل الحكـمي فإن اُريد اسـتصحاب الحـكم في مرحلة الفعليّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطّهارة : 189  السطر 28 / المقصد الثّاني في الحيض .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net