رجوع المبتدئة إلى العدد مع فقد الأقارب 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء السابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5947


    رجوع المبتدئة إلى العدد

   المرحلة الثّالثة : أنّ المبتدئة إذا لم تتمكن من الرّجوع إلى نسائها إذ ليست لها نساء أو أنّ لها نساء مختلفات في مقدار عادتهنّ رجعت إلى العدد .

   وقد دلّت على ذلك المرسلة والموثقتان المتقدّمتان إلاّ أ نّها مختلفة من حيث مقداره ، فالمرسلة دلّت على أ نّها تتحيض بستّة أيّام أو سبعة ، وموثقة ابن بكير دلّت على أ نّها تتحيض بعشرة أيّام في الشهر الأوّل وبثلاثة أيّام في الشهر الثّاني .

   وقد جمع جماعة من الفقهاء بينهما بالحمل على التخيير ، بدعوى أنّ لكلّ منهما نصّاً وظاهراً فيرفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنص الآخر ، فالمرسلة نص في جواز ترك العـبادة ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، وإن شئت قلت إنّها نص في وجوب التحيّض بهما وظاهرة في تعيّن ذلك وعدم جواز التحيّض بغير العددين .

   وإنّ موثقة ابن بكير نص في وجوب التحيّض ثلاثة أيّام في غير الشهر الأوّل وعشرة أيّام في الشهر الأوّل ، وظاهرة في تعينه وعدم جواز التحيّض بغيره ، فنأخذ بنصهما وأن التحيّض بكلّ واحد من العددين واجب تخييري ، فلها أن تختار ما شاءت من العدد ، ونرفع اليد عن ظهورهما بالنص وهو من الجمع العرفي المقبول وبه يتصرّف في كلا المتعارضين .

   وهذا تخيير في المسألة الفرعيّة، فإنّ المجتهد له أن يفتي بتخيير المكلّف بينهما، وليس

ــ[284]ــ

تخييراً بين الرّوايتين المتعارضتين كما توهّم ، لأ نّه تخيير في المسألة الاُصوليّة وهو مختص بالمجتهد فيأخذ بأحد المتعارضين ويفتي على طبقه معيّناً لا على وجه التخيير .

   وكبرى هذا الجمع وإن كانت من الجمع المقبول كما ذكر ، ومن هنا إذا ورد في دليل وجوب القصر على المكلّف في مورد وورد دليل آخر في وجوب التمام عليه ، فلأجل العلم بعدم وجوبهما معيّناً يقع المعارضة بينهما ونأخذ بنص كلّ منهما في الوجوب ونرفع اليد عن ظاهرهما في التعيّن فينتج التخيير بينهما .

   إلاّ أ نّها غير منطبقة على المقام ، لأنّ المرسلة صريحة في أنّ عدد المبتدئة ستّة أو سبعة ، وليست لها أن تتحيّض بأكثر منها ولا بأقل ، لأنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) في قضيّة حمنة بنت جحش أمرها بترك العبادة إلى ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، فلو لم تكن حائضاً ستّة أيّام أو سبعة بل كان حيضها أقل منه لم يكن يأمرها النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) بترك العبادة حينئذ ، لوضوح أنّ الطّاهرة لا يأمرها النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) بترك عبادتها ، كما أ نّه (صلّى الله عليه وآله) أمرها بالصلاة والإغتسال بعد الستّة أو السبعة ، فلو كان حيضها زائداً عليها كيف يأمرها (صلّى الله عليه وآله) بالإغتسال والصّلاة .

   وقد صرّح الإمام (عليه السلام) بذلك في المرسلة حيث قال «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع وكانت خمساً أو أقل من ذلك ما قال لها : تحيّضي سبعاً فيكون قد أمرها بترك الصّلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض ، وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع وكانت أيّامها عشراً أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض» (1) .

   وعليه فالروايتان متعارضتان . هذا .

    تعارض المرسلة في نفسها :

   وقد يقال إنّ المرسلة في مدلولها متعـارضة ، لأ نّها وإن دلّت بصـدرها على أنّ المبتدئة تتحيّض بستّة أو سبعة إلاّ أ نّها اقتصرت على ذكر السبعة في بقيّة الجملات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 3 .

ــ[285]ــ

وليس فيها من ذكر الستّة عين ولا أثر كما في قوله «ما قال لها تحيّضي سبعاً» وقوله «أقصى وقتها سبع» وقوله «فوقتها سبع» وقوله «فسنّتها السبع» ، ومقتضى ذلك أنّ عدد المبتدئة هو السبع ، وهو ينافي التخيير بين الست والسبع في صدرها ، ولعل الماتن (قدس سره) لأجل ذلك قال «والأحوط أن تختار السبع» ، لأ نّه حيض على كلّ حال وتقدير إمّا متعيّناً وإمّا للتخيير بينه وبين الستّ .

   ويدفعه : أن ترك الستّة في بقيّة الجملات والإقتصار على السبعة إنّما هو من جهة الإعتماد على ذكرها في صدر المرسلة ولأنّ السبع أقصى عادتها ، لا من جهة أنّ عددها السبع فقط ، ومن ثمّة ترى أ نّه (عليه السلام) قال : «أقصى وقتها سبع» ولم يقل أنّ وقتها سبع .

   نعم ، إنّ «أقصى» لم تذكر في بقيّة الجملات ، إلاّ أنّ الإقتصار فيها على السبع مستند إلى أ نّها أقصى عددها ، ويشهد لذلك أ نّه (عليه السلام) في مقام التمثيل بكون عادتها أقلّ من سبع مثّل بما إذا كانت حيضتها خمساً أو أقلّ منه ، حيث قال «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقل من سبع وكانت خمساً أو أقل من ذلك» ، ولم يقل وكانت سـتّاً فلو كان عددها هو السبع متعيّناً لم يكن للعدول عن ذكر الست إلى الخمس وجه، وإن دار الأمر بين كون الست في صدر المرسـلة زائدة وبين أن تكون الجملات الأخيرة ناقصة فلا يمكن الإعتماد في نفي زيادة الست على أصالة عدم الزّيادة في صدر المرسلة لأ نّها معارضة بأصالة عدم النقيصة في سائر الفقرات .

   إذن فلا تعارض في نفس المرسلة .

    تعارض المرسلة والموثقة

   نعم ، المرسلة وموثقة ابن بكير متعارضتان كما عرفت .

   وقد يقال حينئذ : إنّهما تتعارضان وتتساقطان ويرجع إلى استصحاب الحيض إلى العشرة للقطع بعدمه بعد العشرة ، وأمّا بعد السبعة فيحتمل الحيض إلى العشرة ، لأنّ الموثقة دلّت على أ نّها تتحيّض إلى عشرة أيّام فتستصحب حيضها إلى العشرة حيث

ــ[286]ــ

يقطع بعدمه .

   ويدفعه : أنّ إسـتصحاب الحيض ـ مضافاً إلى عدم جريانه في نفسـه لأ نّه من الإستصحاب في الشبهات الحكمية ، وقد ذكرنا عدم جريانه في الأحكام ـ معارض بإستصحابه في الشهر الثّاني ، وذلك لأنّ مقتضاه في الشهر الثّاني هو التحيّض إلى السبع لأ نّه أكثر العددين ، فإنّ مقتضى الموثقة أ نّها تتحيّض ثلاثة أيّام في الشهر الثّاني والمرسـلة تقتضي تحيّـضها إلى سبعة أيّام ، فبعد الثّلاثة تشك في بقاء حيضها فتستصحبه إلى السبع .

    تعارض الاستصحابين

   وهذان الإستصحابان متعارضان للعلم بمخالفة أحدهما مع الواقع ، حيث إنّا إمّا أن نأخذ بالموثقة وهي تقتضي الحكم بالتحيّض في الشهر الأوّل بعشرة أيّام وفي الشهر الثّاني بثلاثة ، فالإستصحاب في الشهر الأوّل مطابق للواقع إلاّ أ نّه على خلافه في الشهر الثّاني ، إذ لا وجه للتحيّض فيه زائداً على ثلاثة أيّام إلى السبع . وإمّا أن نأخذ بالمرسلة وهي تقتضي التحيّض بسبعة أيّام في كلّ شهر ، ومعه الإستصحاب في الشهر الثّاني موافق للواقع وفي الشهر الأوّل على خلافه ، إذ لا موجب للتحيّض زائداً على السبعة إلى عشرة أيّام .

   فأحد الاسـتصحابين معلوم الخلاف ، فلا يمكن الاعـتماد على شيء من الاستصحابين .

   بل الصحيح أن يقال : إنّ مورد التعارض بين الرّوايتين في الشهر الأوّل إنّما هو في الزائد على السبع إلى عشرة أيّام ، وفي الشهر الثّاني في الزّائد على الثّلاثة إلى السبع وحيث إنهما متعارضتان والمرجّح منحصر بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة وشيء منهما غير متحقّق في المقام لعدم ذكر شيء منهما في الكتاب ولو على نحو الإطلاق ، كما أنّ العامّة غير ملتزمين بذلك أصلاً فتسقطان بالمعارضة .

   ومقتضى علم المرأة إجمالاً بأ نّها حائض أو مستحاضة في المقدار الزائد على السبع

ــ[287]ــ

والثّلاث هو الإحتياط بالجمع بين وظيفتي الحائض والمستحاضة ، للقطع حينئذ بالخروج عن عهدة التكليف المتوجه إليها واقعاً بمقدار لا يلزمها العسر والحرج ومع لزومهما فلا . نعم تتحيّض في الشهر الأوّل إلى السبع وفي الشهر الثّاني إلى الثّلاثة جزماً ، وإنّما تحتاط في الزيادتين وبه يقطع بالفراغ .

   وأمّا إحتمال أن تأخذ بعادة بعض نسائها ـ إذا كان عادتهن مختلفة ـ وتحتاط إلى العشرة في الشهر الأوّل وتتحيّض بثلاثة أيّام في الشهر الثّاني وتحتاط إلى آخر زمان العادة الّتي أخذتها من نسائها في الشهر الأوّل فهو مبني على توهم معارضة اُخرى بين الرّوايات غير المعارضة المتقدّمة .

   وبيان تلك المعارضة : أ نّه ورد في رواية محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم» (1) ومقتضى إطلاقها أنّ المبتدئة إذا تجاوز دمها العشرة ترجع إلى بعض نسائها لأنّ المستحاضة تشمل المبتدئة وغيرها ، كما أنّ مقتضى المرسلة وموثقة ابن بكير (2) أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد عند عدم تمكنها من الرّجوع إلى الصفات .

   والنسبة بين الطائفتين عموم من وجه، لأنّ الاُولى مطلقة تشمل المبتدئة والمضطربة وغيرهما فإنّها دلّت على أنّ المستحاضة تقتدي ببعض نسائها مبتدئة كانت أو غيرها. والطائفة الثّانية مطلقة من حيث التمكّن من الرّجوع إلى عادة بعض النِّساء وعدمه حيث دلّت على أنّ المبتدئة ترجع إلى العدد تمكنت من الرّجوع إلى عادة بعض نسائها أم لم تتمكّن .

   وأمّا موثقة سماعة (3) فلا تنافي بينها وبين رواية زرارة ومحمّد بن مسلم ، لأنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 288 و 291 / أبواب الحيض ب 8 ح 3 و 5 و 6 .

(3) الوسائل 2 : 288 / أبواب الحيض ب 8 ح 2 .

ــ[288]ــ

الموثقة دلّت على أ نّه إذا لم تكن للمستحاضة أقارب أو كنّ مختلفات بحسب العادة فتتحيّض بما بين الثّلاثة والعشرة فلا دلالة لها على الرّجوع إلى العدد ، بل تلائم الرّجوع إلى عادة بعض النِّساء ، لأ نّها أيضاً ما بين الثّلاثة والعشرة فيما إذا كانت أقاربها مختلفة العادة .

   فتتعارضان في المبتدئة الّتي تتمكن من الرّجوع إلى عادة بعض نسائها وتتساقطان ، ومقتضى العلم الإجمالي بالحيض أو الإستحاضة في الزائد على عادة بعض نسائها إلى العشرة في الشهر الأوّل وفي الزائد على الثّلاثة في الشهر الثّاني إلى عادة بعض نسائها هو الإحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة إلى العشرة في الشهر الأوّل وإلى عادة بعض نسائها في الشهر الثّاني .

   إلاّ أنّ هذا التوهّم ممّا لا أساس له ، لأنّ الرّواية الدالّة على أنّ المستحاضة ترجع إلى عادة بعض نسائها ضعيفة ، لما مرّ من أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضال ضعيف(1) .

   فالصحيح الإحتياط على الكيفيّة المتقدّمة ، أعني الاحتياط في الشهر الأوّل بعد السبع إلى العشرة وفي الشهر الثّاني بعد الثّلاثة إلى السبع ، هذا كلّه في المبتدئة .
ـــــــــــــــ

(1) مرّ تصحيح طريق الشيخ إلى ابن فضال وأنّ التضعيف مبني على ما أفاده أوّلاً ولكنّه رجع عنه أخيراً كما مرّ في الصفحة 70 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net