دليل لحوق الاستحاضة الاصطلاحيّة باللّغوية 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6552


 التحاق الاستحاضة الاصطلاحية باللغوية

    ولابدّ من التكلم في أن الدليل هل دلّ على التحاق المستحاضة المصطلحة بالمستحاضة اللغوية أم لم يدل ؟

   أمّا المرأة التي هي في سن من تحيض أعني غير الصغيرة واليائسة فلا ينبغي

ــ[7]ــ

الاشكال في أنها إذا رأت دماً ولم يحكم بحيضيته فهو استحاضة وإن لم تكن المرأة مستمرّة الدم ، لأجل الملازمة الواقعية على ما تدل عليه الأخبار الآتية ، وما ادعوه من التلازم بين الأمرين صحيح في مثلها ، فإذا رأت بعد عادتها وقبل انقضاء أقل الطهر دماً فلا مناص من الحكم عليه بالاستحاضة وإن لم يكن واجداً لأوصافها كما إذا  كان أسود وإن لم تكن المرأة مستمرّة الدم ، وذلك لدلالة جملة من الأخبار الواردة في حيض الحامل على التلازم المدعى بين الأمرين في مثلها .

   منها : صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : إن كان دماً عبيطاً فلا تصلِّي ذينك اليومين وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين» (1) .

   وقد تعرّضنا سابقاً لهذه الرواية وقلنا : إن ما ربما يتوهم من كونها منافية للأخبار الدالّة على أن أقل الحيض ثلاثة أيام لقوله (عليه السلام) «ترى الدم اليوم واليومين» مندفع بأنها ناظرة إلى حكم المرأة حين رؤيتها الدم ، وتدل على أن وظيفتها الظاهرية هي أن تترك الصلاة إذا كان الدم عبيطاً ، وأمّا بحسب الواقع فهو متوقف على أن يكون الدم مستمراً ثلاثة أيام ، ومع عدمه يستكشف عدم كونه حيضاً ، فلا إشكال في الرواية من هذه الجهة .

   وقد دلت هذه الرواية على أن الدم في أمثال الحامل ممن تحيض إذا لم يمكن أن يكون حيضاً لعدم كونه عبيطاً مثلاً فهو استحاضة يجب معها أن تغتسل عند كل صلاتين ، وإنما عبرت بالصفرة من جهة خصوصية المورد ودورانه بين الأحمر والأصفر ، لا لأن الصفرة لازم غير مفارق للاستحاضة ، فالحكم بوجوب الصلاة والغسل مترتب على عدم كون الدم دم حيض بأن لا يكون عبيطاً .

   ومنها : صحيحة أبي المَغرا ، قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الحبلى قد اسـتبان ذلك منها ، ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : تلك الهراقة ، إن كان دماً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 6 .

ــ[8]ــ

كثيراً فلا تصلين ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كل صلاتين» (1) .

   وهي أيضاً تدل على أن الدم الذي لا يمكن الحكم بحيضيته لعدم كونه واجداً لأوصافه وأماراته يجب معه الغسل والصلاة ، بمعنى أن ما لا يمكن أن يكون حيضاً فهو استحاضة .

   ومنها : وهي أظهر من سابقتيها صحيحة الحسين الصحّاف قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) إن اُمّ ولدي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة ؟ قال فقال لي : إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضأ وتحتشي ...» (2) .

   حيث تدل بتعليلها على أن كل دم لم يكن بحيض فهو استحاضة ، حيث قال «فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث» فعلم من ذلك أن الدم الخارج من المرأة التي في سن من تحيض إذا لم يكن بحيض فهو استحاضة .

   والوجه في كونها أظهر من سابقتيها اشتمالها على كلمة فاء التفريع ، حيث فرّعت وجوب التوضؤ والاحتشاء على مجرّد رؤية الدم ، لأنه قال (عليه السلام) «إذا رأت الحامل الدم ... ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ» حيث تفرع وجوب الوضوء على مجرد رؤية الدم ، والدم الذي يوجب تحققه الوضوء منحصر في دم الاستحاضة .

   فهذه الروايات تدلنا على وجود الملازمة الواقعية بين عدم كون الدم حيضاً إذا كان الدم ممّن هي في سن من تحيض وبين كـونه اسـتحاضة ، وأن حكم الاسـتحاضة المصطلحة هو حكم الاستحاضة اللغوية .

   وأمّا الصغيرة واليائسة فالحكم بالاستحاضة فيهما وإن كان مورد التسالم بين الأصحاب إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، لأن مدرك حكمهم بأن الدم الذي لا يكون بحيض فهو استحاضة حتى في حق الصغيرة واليائسة هو السيرة وجريان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 331 / أبواب الحيض ب 30 ح 5 .

(2) الوسائل 2 : 330 / أبواب الحيض ب 30 ح 3 .

ــ[9]ــ

عادتهم على معاملة الاستحاضة مع الدم غير المتصف بالحيضية .

   ويدفعه : أن السيرة لا يمكن إحرازها في المسائل التي يقل الابتلاء بها ، ومن الظاهر أن رؤية الصغيرة واليائسة الدم غير المتصف بالحيضية إنما يتحقق مرة في عشرة آلاف أو أقل أو أكثر ، ولا مجال للسيرة في مثله ، وإن اعتمدوا على الاجماع المنقول في ذلك فهو مضافاً إلى عدم حجيته يقتصر فيه على المقدار المتيقن وهو المرأة التي في سن من تحيض .

   وإن أرادوا الحكم بالاستحاضة في الصغيرة واليائسة بالأخبار المتقدمة فدون تتميمه خرط القتاد ، وذلك لأنها بأجمعها واردة في من يمكن أن تكون حائضاً تارة ويمكن أن تكون مستحاضة اُخرى ، ودار أمر الدم بين الحيض والاستحاضة ولم يكن واجداً لأوصاف الحيض وأماراته ، فقد دلّت في ذلك على أن الدم استحاضة .

   ويظهر صدق ما ذكرنا بالتأمل في الأخبار المتقدمة ولا سيما صحيحة الصحّاف حيث دلت على أن النفساء بعد ما مضى عليها عشرون يوماً من وقت حيضها في الشهر الذي ترى فيه الدم إذا رأت دماً فلتتوضأ وتحتشي .

   ومن الظاهر أن الحامل يمكن أن تكون حائضاً كما يمكن أن تكون مستحاضة ، ودلت في مثلها على أن الدم إذا لم يمكن أن يكون حيضاً بالامكان القياسي بأن لم يكن واجداً لأوصافه وشروطه حكم عليه بأنه استحاضة .

   وكذلك الحال في روايتي أبي المَغرا وإسحاق بن عمار ، حيث دلتا على أن الحامل التي قد ترى الحيض وقد ترى الاستحاضة إذا رأت الدم ، فإن كان واجداً للأمارات المعتبرة في الحيض من الكثرة الملازمة للحمرة والسواد المعبر عنه بالدم البَحراني أو كونه عبيطاً فهو حيض إذا دام ثلاثة أيام ، وإذا لم يمكن أن يكون حيضاً بالامكان القياسي لعدم وجدانه الشروط والقيود المعتبرة في الحيض فهو استحاضة .

   وكيف كان فالأخبار الدالة على الملازمة الواقعية بين عدم كون الدم حيضاً وكونه استحاضة مختصة بالمرأة القابلة للاتصاف بالحيض والاستحاضة ودار أمر الدم بينهما فلا تشمل الصغيرة واليائسة اللتين لا يحتمل فيهما الحيض بوجه ، وهما غير قابلتين

ــ[10]ــ

للاتصاف بالتحيض لاشتراط الحيض بالبلوغ وعدم اليأس ، ومعه لا يدور أمر الدم فيهما بين الحيض والاستحاضة ليقال إنه استحاضة لعدم إمكان أن يكون حيضاً بالامكان القياسي .

   على أنّ بعض الروايات مشتملة على لفظ المرأة(1) ، والصغيرة ليست بمرأة، واليائسة وإن كانت كذلك إلاّ أن مقتضى الأخبار المتقدمة أن مورد الحكم بالاستحاضة ليست هي مطلق المرأة، بل المرأة القابلة لأن تحيض تارة وتستحاض اُخرى، واليائسة ليست كذلك .

   نعم ، يمكن الحكم بالاستحاضة في اليائسة بالأخبار الواردة في الاستحاضة ، وأن المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل مرة لكل يوم والوضوء لكل صلاة (2) وغيرها من الأخبار المشتملة على أحكام المستحاضة .

   وذلك لما قدّمناه من أن المراد بالاستحاضة في الأخبار هو الاستحاضة لغة ، أعني كون المرأة مستمرّة الدم ، وعليه فإذا فرضنا أن اليائسة استمرّ بها الدم شهراً أو شهرين أو ثلاثة أشهر فهي مستحاضة لغة ، وتشملها إطلاق الروايات المتكفلة لبيان وظائف المستحاضة اللغوية .

   ولا يجري هذا البيان في الصغيرة فيما إذا رأت الدم شهراً أو شهرين أو أكثر ، وذلك لأنّ الاستحاضة لغة وإن كانت صادقة على ذلك في نفسها ، إلاّ أن الأخبار الواردة في المستحاضة بعضها مقيد بالمرأة ، والصغيرة ليست كذلك ، على أن الاستحاضة من الحيض فمع عدم إمكان الحيض من الصغيرة لا معنى لكونها مستحاضة .

   بل يمكن الحكم باستحاضتها ووجوب ترتيب آثارها على نفسها حتى فيما إذا كانت مستحاضة اصطلاحاً ولم يستمر دمها شهراً أو شهرين أو أكثر بالأخبار الدالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 372 ، 376 / أبواب الاستحاضة  ب 1 ح 2 ، 3 ، 4 ، 11 .

(2) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 .

ــ[11]ــ

على أن المرأة إذا رأت الدم بعد أيام النفاس أو الحيض فهو استحاضة (1) ، تصلِّي وتغتسل وترتب على نفسها آثار المستحاضة بضميمة عدم القول بالفصل القطعي .

   وذلك كما إذا فرضنا أن المرأة رأت الدم بعد حيضها الذي تكون يائسة بعدها ، أو رأته بعد نفاسها الذي تتصف باليأس بعده ، فإنها مشمولة لتلك الأخبار الدالّة على أن الحائض أو النفساء إذا رأت الدم بعد أيام حيضها أو نفاسها فهو استحاضة يجب معها الاغتسال والوضوء ، فإذا وجب على اليائسة أحكام المستحاضة واتصفت بكونها مستحاضة في هذه الصورة حكم عليها بالاستحاضة في بقية الصور بعدم القول بالفصل القطعي . هذا كله في اليائسة .

   وأمّا الصغيرة فلا دليل على أن ما تراه من الدم استحاضة ، وقد عرفت أن الأخبار المتقدِّمة موردها ما إذا كانت المرأة قابلة لأن تحيض تارة ولأن تستحاض اُخرى ، ولم يمكن أن يكون الدم حيضاً بالامكان القياسي، والصغيرة ليست كذلك كما عرفت ، على أن بعض الروايات مشتملة على لفظ المرأة ، والصغيرة ليست بمرأة ، اللّهمّ إلاّ أن يقوم إجماع قطعي على أن ما تراه الصغيرة من الدم استحاضة ، وإلاّ فما يظهر من كلماتهم من التسالم على استحاضتها قابل للمناقشة كما مرّ .

   هذا كلّه في غير دم الجرح والقرح .

    دم القرح والجرح

   أمّا دم القرح والجرح فلا إشكال في أن دم القرح الواقع في فضاء الفرج كدم القرحة الخارجة عن فضائه في عدم كونه استحاضة ، فإنه كالدم الخارج من القرحة في يدها .

   وإنما الكلام في الدم الخارج من القرحة في داخل الرحم فهل يحكم عليه بالاستحاضة أو لا ؟

   قد يقال إنه من الاستحاضة تمسكاً باطلاق الأخبار الواردة في أن الدم الخارج من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 371 / أبواب الاستحاضة ب 1 ، 382 / أبواب النفاس ب 3 وغيرهما .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net