شرطية غسل اللّيلة السابقة وغسل اليوم في صحّة صومه 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7592


ــ[104]ــ

   [ 798 ] مسألة 12 : يشترط ((1)) في صحة صوم المستحاضة على الأحوط إتيانها للأغسال النهارية فلو تركتها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضاً على الأحوط ، وأمّا غسل العشاءين فلا يكون شرطاً في الصوم وإن كان الأحوط مراعاته ((2)) أيضاً ، وأمّا الوضوءات فلا دخل لها بالصوم (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   شرطية الأغسال النهارية في صحّة صومها

   (1) يشترط على المشهور بين الأصحاب لصحة صوم المستحاضة وصلاتها أن تأتي بما هو وظيفتها من الأغسال ، وإذا أخلت بها فكما تبطل صلاتها يبطل صومها أيضاً ، فالأغسال شرط في صحة الصيام ، والمسألة لعلها مورد التسالم والاتفاق . وإنما الكلام في مدركها .

   فنقول : قد يستدل على شرطية الأغسال لصوم المستحاضة بالاجماع والتسالم ، ولا إشكال في ذلك على تقدير تمامية الاجماع إلاّ أن تحقق الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) في المقام بعيد غايته ، ومن المحتمل أن يكون مدرك التسالم في المسألة صحيحة علي بن مهزيار الآتية فلا يكون الاجماع تعبدياً بوجه .

  واُخرى يستدل على الشرطية بصحيحة علي بن مهزيار قال «كتبت إليه (عليه السلام) امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ، ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز (يصحّ) صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب (عليه السلام): تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمر (فاطمة و) المؤمنات من نسائه بذلك» (3) . حيث دلت على اشتراط صحة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد عدم الاشتراط في الاستحاضة المتوسطة .

(2) لا يترك الاحتياط بالنسبة إلى غسل العشاءين لليلة الماضية .

(3) الوسائل 2 : 349 / أبواب الحيض ب 41 ح 7 ، 10 : 66 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1 .

ــ[105]ــ

صومها بالاتيان بما هو وظيفة المستحاضة من الأغسال ، ومن هنا حكم بوجوب قضائها له عند تركها الأغسال لبطلان الصوم بدونها .

   وقد يناقش في الاستدلال بها من جهة إضمارها ، ويدفعه أن جلالة مقام علي بن مهزيار تأبى عن السؤال من غير الامـام (عليه السلام) ، فلا إشـكال فيها من تلك الجهة .

   واُخرى يناقش فيها من حيث الدلالة ، وذلك بوجهين :

   أحدهما : أن مقتضى الأخبار الواردة في حق فاطمة (عليها السلام) وكذلك العلم الخارجي أنها طاهرة مطهرة لا تستحيض ، فما معنى أمر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفاطمة أن تقضي صومها ولا تقضي صلاتها إذا انقطع حيضها أول يوم من شهر رمضان وصارت مستحاضة .

   وثانيهما : أن اشتراط صحة صلاة المستحاضة بالاتيان بوظيفتها أعني الأغسال الثلاثة ممّا كاد يكون من المسائل الضرورية ، فما معنى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «لا تقضي صلاتها» .

   أمّا المناقشة الاُولى فتندفع :

   أوّلاً : بأن فاطمة (عليها السلام) إنما ذكرت في بعض النسخ ، وبعضها خال عن ذكرها (عليها السلام) .

   وثانياً : أن الرواية لا دلالة لها على أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمرها وسائر النساء بذلك لأنه عملهن ، ولعلها أمرها بذلك تعليماً لسائر النساء وبيانها لأحكامهنّ ، لا أنه أمرها لكي تأتي به في عمل نفسها . وهذا هو الصحيح في الجواب .

   وأمّا دعوى أن فاطمة (عليها السلام) لعلّها غير بنت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كبنت جحيش أو غيره، ففيها أن اللّفظة متى اُطلقت تنصرف إلى الفرد المشهور والمعروف ، وعلى ذلك نجري في الرجال ، فلا وجه لدعوى إرادة غير المشهور .

   والعمدة هي المناقشة الثانية .

ــ[106]ــ

   وقد ذكروا في تأويل الصحيحة وجوهاً واحتمالات .

   ويحتمل أن يكون في الصحيحة تقديماً وتأخيراً ، وكأنها «تقضي صلاتها ولا تقضي صومها» لعدم اشتراطه بالأغسال ، وقد وقع الاشتباه من الراوي أو النساخ .

   نعم هذا مجرد احتمال كبقية الاحتمالات التي ذكرت في المقام .

   وتوهم أن الرواية إذا اشتملت على جملتين أو أكثر وكانت جملة أو جملتين منها على خلاف الدليل القطعي لا مانع من رفع اليد عن تلك الجملة وطرحها ، وهذا لا يضر بغيرها من الجملات ، ففي المقام نطرح قوله «ولا تقضي صلاتها» لأنه خلاف الضرورة والمستفاد من الأخبار ، وهو غير مانع من الأخذ بقوله «وتقضي صيامها» .

   مندفع : بأن ذلك إنما هو فيما إذا لم تكن الجملتان متصلتين ومرتبطتين على نحو عدّتا عرفاً جملة واحدة ، وأمّا إذا كانتا مرتبطتين كذلك فلا مورد لهذا الكلام ، والأمر في المقام كذلك ، لأنهما من الارتباط بمكان يعدان جملة واحدة ، فإن قوله (عليه السلام) «لا تقضي صلاتها وتقضي صيامها» حكم واحد عرفاً ، فالتفكيك غير ممكن .

   والظاهر أن في الرواية سقطاً لا ندري أنه أي شيء ، والدليل على ذلك عدم مناسبة التعليل المعلل به في الرواية ، وذلك لأن ظاهر التعليل أعني قوله «لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمر ..» أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مستمرّاً في أمره ذلك ولا يزال ، لكثرة ابتلاء النساء بذلك وسؤالهنّ عن وظيفتهنّ والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمرهن بذلك .

   وهذا لا بأس بتطبيقه على الحائض والنفساء ، لأن الحيض والنّفاس أمران كثيرا التحقّق والابتلاء ويصح أن يقال فيهما : إن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمرهنّ ... ، وذلك لأمره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحائض بقضاء صومها دون صلاتها في غير واحد من الأخبار(1) ، وعلل في بعضها بأن الصوم في السنة إنما يجب مرّة واحدة بخلاف الصلاة (2) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 347 ، 349 / أبواب الحيض  ب 41 ح 2 ، 7 .

(2) الوسائل 2 : 350 ، 351 / أبواب الحيض  ب 41 ح 8 ، 12 .

ــ[107]ــ

   وأمّا في المستحاضة التي ينقطع حيضها أول يوم من شهر رمضان وتستحاض منه فلا ، لأنه أمر نادر جدّاً ولا يصح أن يعلل في مثله بأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يأمر ... ، لظهوره في أن ذلك كأنه شغل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنه لا يزال مستمرّاً عليه .

   على أنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أي مورد أمر فاطمة (عليها السلام) وسائر المؤمنات بذلك فلا يوجد منه مورد في الروايات ، وبهذا نستكشف أن في الرواية سقطاً ولا ندري أنه أي شيء ؟

   وعليه فلا يمكن الاعتماد على الصحيحة لكونها مشوشة ، فلا دليل حينئذ على اشتراط صحة صوم المستحاضة بالأغسال الواجبة في حقها .

   فالمتحصل : أن صحيحة علي بن مهزيار لا يمكن الاستدلال بها على شرطية الغسل في المستحاضة لصومها ، وذلك لعدم مناسبة التعليل الظاهر في أن مورده من المسائل عامّة البلوى مع المعلل به ، لأنه أمر نادر بل لا نعلم بتحققه أصلاً بأن ينقطع حيضها أوّل يوم من شهر رمضان وتستحاض وتصوم وتصلِّي من غير أن تأتي بوظائف المستحاضة ثم تسأل عن حكمها .

   ومن المحتمل القوي بل المطمأن به أن في الرواية سقطاً وأن يكون الحكم فيها حكم الحائض والنفساء دون المستحاضة ، فالحكم بشرطية الأغسال للصوم مبني على الاحتياط كما صنعه الماتن (قدس سره) .

   ثم إنه بناء على صحة الرواية دلالة لا بدّ من تخصيص الاشتراط بالمسـتحاضة الكثيرة دون المتوسطة والقليلة ، أمّا القليلة فظاهرة ، وأمّا المتوسطة فلأن الصحيحة اشتملت على قوله «من الغسل لكل صلاتين» ، ومن الواضح أنه وظيفة المستحاضة الكثيرة ، إذ لا يجب في المتوسطة الغسل لكل صلاتين ، بل يجب فيها الغسل لصلاة الفجر فقط .

   نعم ، قد تكلف المستحاضة المتوسطة بالغسل لصلاة الظهرين ، كما إذا أحدثت بعد الفجر وصلاته إلاّ أنه لا بعنوان وجوب الغسل لكل صلاتين ، فيختص اعتبار الغسل في صحة صوم المستحاضة بالكثيرة فحسب .

ــ[108]ــ

   كما أن مقتضى الجمود على ظاهر الصحيحة اختصاص الحكم بغير الغسل للفجر لأنّ الوارد فيها هو الغسل لكل صلاتين ، وليس في الفجر غسل للصلاتين .

   فعلى ذلك لو اقتصرت المستحاضة بالغسل للظهرين والعشاءين وتركت الغسل للفجر صح صومها ، كما أنها لو عكست واغتسلت للفجر دون الظهرين والعشاءين فسد صومها .

    عدم وجوب مجموع الأغسال الليلية والنهارية

   وهل يجب عليها مجموع الأغسال من الغسل في الليلة السابقة والغسل للظهرين في النهار والغسل للعشاءين في الليلة الآتية بحيث لو تركت شيئاً واحداً منها بطل صومها أو أن الواجب هو الغسل الواحد على البدل ؟

   أمّا الغسل لليلة الآتية فلا ينبغي التأمّل في عدم مدخليته في صحة صومها لا بالاستقلال ولا بالجزئية ، وذلك لأن الشرط المتأخر وإن كان أمراً معقولاً بل واقعاً في بعض الموارد أيضاً إلاّ أن الأذهان العرفية منصرفة عن مثله ، فلا يستفيدونه من ظواهر الأدلّة إلاّ مع نصب القرينة عليه ، فالغسل لليلة الآتية غير معتبر في صحة صوم المستحاضة لليوم الماضي لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الجزئية ، فيدور الأمر بين الغسل في الليلة السابقة والأغسال النهارية .

   أمّا الأغسال النهارية فلعله القدر المتيقن من الغسل في الصحيحة ، لأن موضوع الحكم فيها هو الصائمة المستحاضة ، وهي إنما تكون صائمة في النهار .

   على أن المرأة إذا استحاضت في النهار وصامت من غير اغتسال للظهرين يصدق عليها أنها امرأة مستحاضة وصامت من دون أن تعمل عمل المستحاضة ، فالغسل النهاري لا إشكال في إرادته من الرواية الصحيحة .

   وأمّا الغسل في الليلة السابقة فهو أيضاً مشمول للرواية ، لأن السائل إنما سأل عن حكم المرأة المستحاضة لما سبق إلى ذهنه من أن الاستحاضة كالجنابة والحيض ، فكما أن المرأة لا بدّ أن تكون طاهرة منهما عند طلوع الفجر وهي شرط في صحة صومها




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net