انحصار المماثل في المخالف - سقوط الغسل إذا لم يكن مماثل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6244


ــ[368]ــ

وإذا انحصر في المخالف فكذلك (1) لكن لا يحتاج إلى اغتساله قبل التغسيل وهو مقدم على الكتابي على تقدير وجوده .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يدفن الميِّت ظهر أنّ الشرط في جواز تغسيل الكتابي لم يكن متحققاً فلا بدّ من أن يغسل ثانياً .

   ودعوى : أنّ الطبيعة واحدة فيترتب على تغسيل الكتابي ما  كان يترتب على تغسيل المسلم فلا يجب إعادة غسله .

   مندفعة بأن وحدة الطبيعة إنّما تفيد في الحكم بعدم وجوب غسل المسّ بعد تغسيل الكتابي ، ولا تفيد في الحكم بعدم وجوب إعادته . لما مرّ من أن جوازه مشروط بعدم المسلم المماثل مادام الوقت باقياً ، فإذا وجد انكشف عدم جواز تغسيل الكتابي من الابتداء .

    إذا انحصر المماثل في المخالف

   (1) وذلك لأنّ النص وإن كان مختصّاً بأهل الكتاب إلاّ أن تغسيل الكافر إذا جاز عند الانحصار جاز تغسيل المسلم المخالف بطريق أولى ، لأ نّه ليس في البعد عن الحق أولى من الكتابي ، هذا .

   وقد فرّع على ذلك ـ كما في المتن ـ أن مماثل الميِّت إذا انحصر بالكتابي والمخالف فالمخالف مقدّم على الكتابي للأولوية .

   أقول : الأمر وإن كان كما ذكر ، إلاّ أ نّه لا حاجة إلى الاستدلال بالأولوية ، لأنّ الموثقتين المتقدِّمتين(1) بنفسهما تدلاّن على تقدم المخالف على أهل الكتاب وعدم جواز الاقتصار على تغسيلهم مع وجوده، وذلك لاشتمالهما على أنّ المرأة المسلمة تموت وليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 363 .

ــ[369]ــ

   [ 865 ] مسألة 4 : إذا لم يكن مماثل حتّى الكتابي والكتابية سقط الغسل (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معها امرأة مسلمة ، أو أنّ الرجل المسلم يموت وليس معه رجل مسلم ، و من الظاهر أنّ المسلم أعم من المخالف والموافق ، فمع وجود المسلم ـ ولو كان مخالفاً ـ لا تصل النوبة إلى الكفّار .

    سقوط الغسل إذا لم يكن مماثل

   (1) للأخبار الدالّة على ذلك(1) وهذا هو المشهور بين الأصحاب وعن الشيخين(2) والحلبي(3) وغيرهم وجوب التغسيل على غير المماثل من وراء الثِّياب من غير لمس ونظر .

   ويستدل على ذلك بجملة من الأخبار ، وهي خمس روايات ما بين قاصرة السند أو الدلالة أو كليهما :

   منها :  رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : «إذا مات الرّجل في السفر مع النِّساء ليس فيهنّ امرأته ولا ذو محرم من نسائه ، قال : يوزرنه إلى ركبتيه ويصببن عليه الماء صباً ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهنّ» (4) . وهي وإن كانت صريحة الدلالة على المراد إلاّ أن في سندها الحسين بن علوان وهو عامي لم يوثق (5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 520 /  أبواب غسل الميِّت ب 21 .

(2) المقنعة : 87 /  ب 13 ، لكن الشيخ في كتبه حكم بسقوط الغسل ، راجع التهذيب 1 : 441 / ذيل الرقم [ 1425 ] ، المبسوط 1 : 175 ،  الخلاف 1 : 698 /  المسألة [ 485 ] ، نعم في موضع من التهذيب يُستفاد منه ما في المتن ، راجع التهذيب 1 : 343 .

(3) الكافي في الفقه : 237 /  في أحكام الجنائز .

(4) الوسائل 2 : 523 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 3 ، وتقدّم أنّ الحسين ثقة .

(5) بل وثّقة في معجم رجال الحديث  7 : 34 .

ــ[370]ــ

   ومنها :  رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل مات ومعه نسوة ليس معهنّ رجل ، قال : يصببن عليه الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الصّدر ويصلين عليه صفاً ، ويدخلنه قبره . والمرأة تموت مع الرّجال ليس معهم امرأة ؟ قال : يصبون الماء من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلّون ويدفنون» (1) . وهي أيضاً من حيث الدلالة واضحة إلاّ أنّها من حيث السند ضعيفة بعمرو بن شمر وغيره من الرواة .

   ومنها :  رواية أبي سعيد قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إذا ماتت المرأة مع قوم ليس لها فيهم محرم يصبون عليها الماء صباً ، ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة : يصببن الماء عليه صباً ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه وهو حي ، فإذا بلغن الموضع الّذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسّه وهو حي صببن الماء عليه صباً»(2) وهي ظاهرة الدلالة على المدّعى إلاّ أنّها ضعيفة السند بحسن بن خرزاد ، لأ نّه غير موثق أو مهمل كما يمكن الخدشة فيها بغيره من الرواة .

   ومنها :  رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لا يغسل الرّجل المرأة إلاّ أن لا توجد امرأة» (3) . وهي ضعيفة السند بمحمّد بن سنان وقاصرة الدلالة على المدّعى ، وذلك لأن دلالتها على جواز تغسيل غير المحارم بالاطلاق ، حيث استفيد من الاستثناء فيها أنّ المرأة ـ أي المماثل ـ إذا لم توجد فالرجل له أن يغسل المرأة الأجنبية ، ولم يصرح بأنّ الرّجل من غير المحارم فدلالتها على المدّعى بالاطلاق . والأخبار المتقدِّمة الدالّة على أنّ المرأة لا يغسلها إلاّ المرأة وأنّ الميِّت إذا لم يوجد له مماثل أو ذو رحم يدفن من غير غسل تقيد إطلاق هذه الرواية بما إذا كان الرجل من المحارم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 524 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 5 .

(2) الوسائل 2 : 525 / أبواب غسل الميِّت ب22 ح10 . وفي نسخة «أبي بصير» بدل «أبي سعيد».

(3) الوسائل 2 : 525 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 7 .

ــ[371]ــ

   ومنها :  معتبرة عبدالله بن سنان قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : المرأة إذا ماتت مع الرّجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب ، ويستحب أن يلف على يديه خرقة» (1) . وهي من حيث السند لا بأس بها إلاّ أنّها قاصرة الدلالة ، فان دلالتها بالاطلاق ، لعدم التصريح فيها بأنّ الرّجل من غير ذي الرحم فتقيد بالأخبار الدالّة على عدم جواز تغسيل الأجنبي وغير المماثل للميت وتختص بالرجل من المحارم .

   بل في نفس الرواية قرينة على إرادة المحارم دون غيرها ، وهو قوله (عليه السلام) «ويستحب أن يلف على يديه خرقة» لأن ذلك إنّما هو في المحارم . وأمّا الأجانب فاللف واجب عليهم ، لحرمة مسّ بدن الأجنبية ، هذا .

   على أن تلك الأخبار ـ مضافاً إلى معارضتها مع الأخبار الدالّة على أنّ الميِّت يدفن كما هو ولا يغسله الأجنبي غير المماثل له (2) ـ معارضة في مواردها بصحيحة داود بن فرقد «قال مضى صاحب لنا يسأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها ؟ فقال : إذن يدخل ذلك عليهم ـ أي يعاب عليهم ـ ولكن يغسلون كفيها» (3) لأنّها كما ترى واردة في نفس موارد الأخبار المذكورة ، وهي ما إذا لم يوجد مماثل ولا ذو رحم للميت وأراد الأجنبي غير المماثل تغسيل الميِّت من وراء الثِّياب ، وقد دلّت على أ نّه لا يغسل ولا من وراء الثِّياب ، وإنّما يغسل كفيها .

   ولا تنافي هذه الصحيحة الأخبار الناهية عن تغسيل الميِّت إذا لم يوجد له مماثل ولا ذو رحم وأ نّه يدفن كما هو ، وذلك لأنّ النهي في تلك الأخبار قد ورد مورد توهّم الوجوب فلا يدل إلاّ على عدم الوجوب ، كما أنّ الأمر في هذه الصحيحة قد ورد مورد توهّم الحظر ، لأن قوله (عليه السلام) «إذن يدخل ذلك عليهم» أي يعابون على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 525 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 9 .

(2) الوسائل 2 : 520 ـ 525 /  أبواب غسل الميِّت ب 21 ، 22 .

(3) الوسائل 2 : 523 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 2 .

ــ[372]ــ

ذلك ، دلّ على أنّ الميِّت لا يغسل حينئذ ، وربما كان يتوهّم من ذلك أ نّه لا يغسل حتّى كفيها ، فدفعه (عليه السلام) بقوله : «ولكن يغسلون كفيها» أي لا يُعاب ذلك عليهم فهو أيضاً لا يدل على الوجوب ، بل الأمر فيها محمول على الاستحباب .

    الطوائف المعارضة من الأخبار

   ثمّ إن في المقام طوائف من الأخبار دلّت على خلاف ما ذكرناه ولم ينقل من الأصحاب قائل بمضمونها .

   منها :  ما دلّ على أنّ الميِّت إذا لم يجد له مماثل ولا ذو رحم وجب على الأجنبي غير المماثل تغسيل مواضع التيمم فحسب كرواية مفضل بن عمر ، قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرّجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها ؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم ولا تمس ولا يكشف لها شيئاً من محاسنها الّتي أمر الله بسترها قلت : فكيف يصنع بها ؟ قال : يغسل بطن كفيها ثمّ يغسل وجهها ثمّ يغسل ظهر كفّيها»(1) وهي ضعيفة السند بعبد الرّحمن بن سالم فلا يعتمد عليها .

   ومنها :  ما دلّ على وجوب تيمم الميِّت حينئذ كما في رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال «أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفر فقالوا : إن امرأة توفّيت معنا وليس معها ذو محرم ، فقال : كيف صنعتم بها ؟ فقالوا : صببنا عليها الماء صباً ، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها ؟ فقالوا : لا ، فقال : أفلا يمموها» (2) حيث دلّت على وجوب تيمم الميِّت في مفروض السؤال .

   وقد نقل القول بوجوب التيمم وقتئذ عن أبي حنيفة ، والرواية في سندها الحسين ابن علوان وهو عامي لم يوثق (3) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 522 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 1 .

(2) الوسائل 2 : 524 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 4 .

(3) وثّقة في معجم رجال الحديث  7 : 34 .

ــ[373]ــ

لكن الأحوط تغسيل غير المماثل من غير لمس ونظر من وراء الثِّياب ثمّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال بقاء نجاسته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنها :  ما دلّ على أنّ الميِّت يغسل مواضع الوضوء منه كما في رواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم فقال : «يغسل منها موضع الوضوء ويصلِّي عليها وتدفن» (1) . وهي ضعيفة السند بعبدالرّحمن بن سالم ومحمّد بن أسلم الحلبي .

   ومنها :  ما دلّ على أنّ الميِّت في مفروض المسألة يغسل كفاه وهو رواية جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم ، قال : يغسل كفيها» (2) وهي ضعيفة السند بعمرو بن شمر .

   وصحيحة داود بن فرقد المتقدِّمة حيث قال : «ولكن يغسلون كفيها» (3) وهي وإن كانت صحيحة السند إلاّ أنّ الأمر بغسل الكفين فيها ورد مورد توهّم الحظر ـ  كما تقدم تقريبه  ـ فلا يدل على الوجوب وغاية الأمر حملها على الاستحباب .

   وهذه الروايات ـ كما عرفت ـ لا يمكن أن تعارض الأخبار المتقدِّمة المعتبرة الدالّة على أنّ الميِّت ـ في مفروض الكلام ـ يدفن كما هو ، لضعف أسنادها وعدم العامل بمضمونها ، فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من سقوط الغسل حينئذ .

    احتياط الماتن خلاف الاحتياط

   (1) الاحتياط في كلام الماتن وإن كان استحباباً كما ترى ، إلاّ أنّ الظاهر أ نّه على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2 : 525 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 6 ومحمّد بن أسلم الحلبي موجود في أسناد كامل الزيارات .

(2) الوسائل 2 : 525 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 8 .

(3) الوسائل 2 : 523 /  أبواب غسل الميِّت ب 22 ح 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net