إذا تحمّل الحرج فتوضأ أو اغتسل 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6614


ــ[115]ــ

وأمّا إذا لم يكن استعمال الماء مضراً بل كان موجباً للحرج والمشقة ـ كتحمل ألم البرد أو الشين مثلاً ـ فلا تبعد الصحّة (1) وإن كان يجوز معه التيمّم ، لأنّ نفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعليه فلو تحمل الضرر وتوضأ أو اغتسل فحكمه حكم الفرع الآتي وهو ما إذا كان الوضوء أو الغسل حرجياً وتحمل الحرج فتوضأ أو اغتسل .

   نعم بناء على أن الإضرار بالنفس محرم لا ينبغي التأمل في بطلانهما ، ولكن مع ذلك قد يقال بصحتهما حينئذ بدعوى أن نفس الوضوء أو الاغتسال ليس ضرراً وإنما هما غسل أو مسح وإنما الضرر يترتب عليهما فهما مقدّمتان للضرر ، وقد بينا في محله أن مقدّمة الحرام ليست محرمة حتى لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب(1) ، ومع عدم حرمتها لا وجه لبطلانهما .

   ولكنها تندفع بأن الغسل أو الوضوء ليسا من المقدمة والضرر ذو المقدمة ، بل ترتبه عليهما من باب ترتب الأفعال التوليدية على ما تتولد منه كالقتل المترتب على فري الأوداج ، وذلك لعدم كونهما فعلين اختياريين يتوقف أحدهما على الآخر ، بل هما عنوانان يترتبان على فعل واحد ، فما يترتب على أحدهما يترتب على الآخر .

   إذن فالغسلتان والمسحتان محكومتان بالحرمة لحرمة عنوانهما وهو الضرر ، وهذا بخلاف المقدمة وذيها لأنهما فعلان ومعنونان لا عنوانان لمعنون واحد .

    إذا تحمّل الحرج والمشقة

   (1) لأن تحمل الحرج ليس من المحرمات وإن كان تيمّمه صحيحاً أيضاً ، فهو في الحقيقة مخير بين الوضوء أو الاغتسال وبين التيمّم ، وكذلك تحمل الضرر بناء على إباحته كما مرّ ، هذا .

   ولكن المحقق النائيني (قدس سره) ذهب إلى بطلانهما نظراً إلى أن الحكم بصحّة وضوئه وغسله حينئذ كالجمع بين المتناقضين، لأن موضوع وجوب الغسل أو الوضوء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 2 : 439 ـ 440 .

ــ[116]ــ

الحرج من باب الرخصة لا العزيمة ، ولكن الأحوط ترك الاستعمال وعدم الاكتفاء به على فرضه فيتيمم أيضا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واجد الماء كما أن موضوع وجوب التيمّم هو فاقده ، فالحكم بجوازهما في حقه يؤول إلى أنه واجد الماء فلذا يصح غسله ووضوءه ، وأنه فاقد الماء ولذا يصح تيمّمه . وهذا ما ذكرناه من لزوم الجمع بين المتناقضين ، إذ كيف يمكن أن يقال في وقت واحد إنه واجد الماء وفاقده .

   ويدفعه : أن موضوع وجوب الغسل أو الوضوء وإن كان واجد الماء بمعنى التمكن من استعماله ، كما أن موضوع وجوب التيمّم هو الفاقد له إلاّ أنه لا يلزم الجمع بين المتناقضين في الحكم بصحّة كل من التيمّم والوضوء والغسل حينئذ ، وذلك لأن المكلف في موارد الحرج وموارد الضرر المباح واجد للماء حقيقة ، وهو متمكن من استعماله بحيث لو كنّا نحن والآية المباركة لحكمنا بوجوب الوضوء والغسل عليه إلاّ أن الشارع رفع عن المكلف الأحكام الضررية والحرجية امتناناً ، وأدلة نفي الحرج والضرر حاكمة على أدلة وجوب الوضوء أو الاغتسال للواجد .

   والحكومة هي التخصيص بلسان نفي الموضوع ، فكأنه فرضه فاقداً للماء لا أنه فاقد له حقيقة ، لأن نفي الحرج والضرر امتنان لا يجعل المكلف فاقداً له حقيقة ، فهو حال كونه واجداً للماء مرخص له بالتيمّم أيضاً إرفاقاً وامتناناً لا أنه واجد وفاقد للماء معاً ، وليس في هذا جمع بين المتناقضين ولا فيه شائبته .

   نعم إنما تلزم هذه المناقشة إذا كان الواجد في جميع الموارد محكوماً بوجوب الوضوء عليه والفاقد في جميع الموارد محكوماً بوجوب التيمّم عليه من غير تخلف ، وقد عرفت أن الأمر ليس كذلك ، بل المكلف مع كونه واجداً للماء يمكن أن يكون مرخصاً بالتيمّم امتناناً .

   والذي يكشف عما ذكرناه أن ذلك لو استلزم الجمع بين المتناقضين للزم الالتزام به في جميع موارد التخصيص من أول الفقه إلى آخره ، لأنه في تلك الموارد يوجد

ــ[117]ــ

حكمان ، مع أنه لا يلتزم به متفقه فضلاً عن الفقيه ، إذ ليس هناك إلاّ موضوع واحد كان محكوماً بحكم ثم حكم عليه بحكم ثان .

   فالمتحصل : أن كون المكلف مخيراً بين الغسل أو الوضوء وبين التيمّم أمر ممكن لا استحالة فيه ، ولا مانع من أن يكون مأموراً بالطهارة الأعم من المائية والترابية .

   وعلى الجملة : إن الحكم بجواز التيمّم في حقه ليس لأجل فقدانه الماء بل لأجل الامتنان ، وإلاّ فهو واجد للماء حقيقة .

   نعم يقع الكلام في الدليل على ذلك ، فانه في موارد الضرر المباح والحرج مأمور بالتيمّم وهو منه صحيح من دون كلام ، وإنما الكلام في صحّة الغسل أو الوضوء الصادر منه ، فانه بعدما رفع الشارع الأمر بهما كيف يقعان صحيحين مع توقف صحّة العبادة على وجود الأمر بها .

   ويظهر من الماتن أن الوجه في الصحّة هو أن الشارع إنما رفع الإلزام عن الغسل أو الوضوء وأما أصل المحبوبية والطلب فهو باق بحاله ، لاقتضاء الامتنان رفع الإلزام والكلفة فقط لا رفع الجواز وأصل الطلب ، لأنه على خلاف الامتنان ، فان رفع الضرر رخصة لا عزيمة ، ومعه يقعان صحيحين لكونهما مأموراً بهما على الفرض .

   وفيه : أن ما هو مجعول للشارع ليس إلاّ جعل الفعل على ذمة المكلف . وإن شئت قلت : المجعول هو اعتبار الذمة مشغولة بعمل مع الإبراز ، وأما الإلزام فهو من ناحية العقل المستقل بوجوب الطاعة على العبيد والتحرك بتحريك المولى ما دام لم يقارنه ترخيص من قبله ، فاذا رفع الشارع مجعوله ـ وهو اعتبار الفعل على ذمّة المكلف ـ فلا يبقى في البين شيء ، ويحتاج إثبات أصل المطلوبية والأمر إلى دليل . وليس مجعول الشارع أمراً مركباً من الطلب والإلزام ليتوهم بقاء الأوّل بعد ارتفاع الثاني في مورد هذا .

   وقد يستدل على صحّة الغسل والوضوء حينئذ بأن دليلي نفي الضرر والحرج إنما ينفي الإلزام دون الملاك ومعه يتصف الوضوء والغسل بالصحّة ، وذلك لأن الأدلّة الدالّة على وجوب الغسل والوضوء لها دلالتان : مطابقية وهي كونهما مأموراً بهما

ــ[118]ــ

والتزامية وهي كونهما ذا ملاك ، لأن الأحكام الشرعية عند العدلية تابعة لما في متعلقاتها من الملاك ، فاذا علمنا بسقوط الدلالة المطابقية عن الحجية بأدلة نفي الضرر والحرج لدلالتهما على نفي الوجوب وعدم الإلزام بهما فتبقى الدلالة الالتزامية بحالها وحجيتها وهي تدل على كَون الفعل ذا ملاك .

   وقد بينا في بعض المباحث المتقدمة ان العقل لا يفرق بين الأمر والملاك ويرى المخالفة لكل منهما عصياناً وتمرداً كما أن إطاعتهما لازمة ، وعليه فبالملاك نحكم بصحّة كل من الوضوء والغسل في مفروض الكلام .

   وفيه : ما بيناه في مباحث التعادل والترجيح(1) من أن الدلالة الالتزامية كما تتبع الدلالة المطابقية حدوثاً وثبوتاً كذلك تتبعها حجية ولا تنفك عنها في الحجية .

   وقد مثلنا لذلك بأمثلة منها ما إذا قامت البينة على ملاقاة شيء من النجاسات للماء أو على كون مال ملكاً لزيد ، فمدلولها المطابقي هو الملاقاة وملكية المال لزيد ومدلولها الالتزامي نجاسة الماء وعدم ملكية المال لعمرو ، فلو سقطت البينة عن الحجية في مدلولها المطابقي للعلم بعدم الملاقاة أو لاعتراف زيد بنفي المال عن ملكه فلا يمكننا الحكم بنجاسة الماء أو عدم كون المال ملكاً لعمرو بدعوى ثبوتهما بالدلالة الالتزامية . إذن ليس لنا في المقام أن نحكم بصحّة الغسل أو الوضوء بالملاك وإن ادعاه جملة من الأعلام .

   لكنه مع هذا فالصحيح ما أفاده الماتن (قدس سره) وذلك بوجه آخر وهو: أن أدلّة نفي الحرج والضرر إنما وردت للامتنان فيختصان بالأحكام الإلزامية وحسب ، لأنه في رفعها امتنان على الاُمة ، ولا يشملان الأحكام الترخيصية من المستحبات ونحوها ، إذ المكلف بطبعه مرخص في تركها فلا يكون في رفعها عن المكلف منة ، فاذا كانت زيارة الحسين (عليه الصلاة والسلام) حرجية في وقت ما أو كانت ضررية فلا يشملها دليل لا ضرر أو لا حرج حينئذ .

   إذا عرفت ذلك فنقول : إن للطهارات الثلاثة حيثيتين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 : 367  فما بعد .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net