الإجناب عمداً مع العلم بعدم التمكن من الماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6461


ــ[124]ــ

   [ 1078 ] مسألة 20 : إذا أجنب عمداً مع العلم بكون استعمال الماء مضراً وجب التيمّم وصح عمله ، لكن لمّا ذكر بعض العلماء وجوب الغسل في الصورة المفروضة وإن كان مضراً (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأجل أن ينبعث المكلف عن بعثه وينزجر عن زجره ، وهذا لا يتصور في النسيان أو اعتقاد الخلاف كما في المقام ، لأنه اعتقد عدم الضرر فتوضأ أو اغتسـل ومعه لا يمكنه الانبعاث والانزجار بنهي الشارع عن ارتكاب الضرر أو الأمر بتركه فاذا سقطت الحرمة واقعاً فلا وجه لبطلان الوضوء أو الغسل ، بل الصحيح أن يحكم بصحتهما .

    الإجناب عمداً مع العلم بضررية الماء

   (1) نسب ذلك إلى الشيخ(1) والصدوق(2) والمفيد(3) (قدس سرهم) واختاره في الوسائل وعقد باباً عنونه بباب وجوب تحمل المشقة الشديدة في الغسل لمن تعمد الجنابة (4) وذهب إليه غيرهم . وكأن ذلك من جهة أن تجويز التيمّم في حق من احتمل الضرر من باب الإرفاق والامتنان ، ولا إرفاق بمن أجنب نفسه متعمداً .

   إلاّ أن المعروف عندهم عدم الفرق بين من أجنب نفسه متعمداً وبين من أجنب من دون تعمد ، فان كلاً منهما إذا احتمل الضرر في غسله ينتقل إلى التيمّم .

   ومنشأ الاختلاف بينهم هو اختلاف الأنظار فيما يستفاد من الأخبار ، فقد ورد في مرفوعة علي بن أحمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم» (5) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخلاف 1 : 156  مسألة 108 .

(2) الهداية : 19 .

(3) المقنعة : 60 .

(4) الوسائل 3 : 373 / أبواب التيمّم ب 17 .

(5) الوسائل 3 : 373 / أبواب التيمّم ب 17 ح 1 .

ــ[125]ــ

   وفي مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال : «إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه وإن احتلم يتيمم» (1) .

   وهاتان الروايتان كالصريح في المدعى ، إلاّ أنهما ضعيفتان من حيث السند فلا يمكن الاعتماد عليهما . ولا يمكن دعوى انجبارهما بعمل الأصحاب [ لتكونا ] كالصحيحة أو الموثقة في الاعتبار ، لما تقدّم من أن المعروف بينهم عدم الفرق بين متعمد الجنابة وبين المجنب لا عن اختياره .

   وفي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه «سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت (مشقة) من الغسل كيف يصنع ؟ قال : يغتسل وإن أصابه ما أصابه ، قال : وذكر أنه كان وجعاً شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخـاف عليك ، فقلت لهم : ليس بدّ فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا الماء فغسلوني» (2) .

   وفي صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامداً ، فقال : يغتسل على ما كان . حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد فقال (عليه السلام) : اغتسل على ما كان فانه لا بدّ من الغسل . وذكر أبو عبدالله (عليه السلام) أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخناً فاغتسل» (3) .

   وهاتان الروايتان صحيحتان من حيث السند ، إلاّ أن دلالتهما قاصرة ، فانه لم يذكر فيهما أن الجنابة كانت اختيارية بل هما مطلقتان ، فيحتمل أن يكون وجوب الاغتسال على من أصابته الجنابة ـ مطلقاً ـ مع المشقة فيه حكماً مختصاً به ولم تكن المشقة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 373 / أبواب التيمّم ب 17 ح 2 .

(2) الوسائل 3 : 373 / أبواب التيمّم ب 17 ح 3 .

(3) الوسائل 3 : 374 / أبواب التيمّم ب 17 ح 4 .

ــ[126]ــ

موجبة لارتفاع وجوب الغسل عنه .

   نعم ذكر صاحب الوسائل (قدس سره) أن ذيل الروايتين قرينة على اختصاص الجنابة بالعمد ، لما ورد في الرواية الصحيحة من أن الإمام (عليه السلام) لا يحتلم فتكون الجنابة في الصحيحتين يراد منها الجنابة العمدية .

   وفيه : أ نّا لو سلمنا أن الإمام (عليه السلام) لا يحتلم مع أن الاحتلام ليس نقصاً على الإنسان حتى يتنزّه عنه ، بل هو أمر عادي طبيعي للإنسان فمع ذلك لا يمكن المساعدة عليه ، لأنه (عليه السلام) ذكر الحكم في صدر الصحيحتين على نحو الكبرى الكلية ثم طبقها على نفسه، فليست الصحيحة واردة في خصوص المتعمد، والمرفوعتان المتقدمتان لاتقبلان أن تكونا قرينة على الاختصاص لضعفهما، والصحيحتان مطلقتان.

   والنسبة بينهما وبين الآية المباركة والأخبار الواردة في أن الوظيفة عند احتمال الضرر تنتقل إلى التيمّم(1) هي التباين ، لأنهما يدلان على أن وظيفة المجنب على الإطلاق عند احتمال الضرر هي التيمّم ، والصحيحتان تدلان على أن وظيفته الغسل والترجيح مع الأخبار المتقدمة لموافقتها الشهرة وكونها على وفق الكتاب وإطلاقه .

   فالمتحصل : أن الإجناب سواء كان عمدياً أم غير عمدي حكمه التيمّم عند احتمال الضرر كما ذهب المشهور إليه ، هذا كلّه في صورة كون الضرر المحتمل غير الموت .

   وأما إذا كان المحتمل على تقدير الاغتسال هو الموت فلا يحتمل أن يكون مشمولاً للحكم السابق على تقدير القول به ، وذلك :

   أولاً : لقصور المقتضي ، لأن الصحيحتين وردتا في من يخاف العنت ـ  أي المشقة  ـ في الاغتسال أو في من احتمل أن يمرض شهراً ، ولم تكونا واردتين في من يحتمل الموت .

   وثانياً : لو أغمضنا عن ذلك وقلنا باطلاق الصحيحتين وأن مراده (عليه السلام) من قوله : «أصابه ما أصابه» يعم العنت وغيره فالنسـبة بينهما وبين ما دلّ على أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 346 / أبواب التيمّم ب 5 .

ــ[127]ــ

   فالأولى الجمع بينه وبين التيمّم ((1)) (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوظيفة عند احتمال الموت هو التيمّم أعني صحيحة عبدالله بن سنان : «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال (عليه السلام) : يتيمم ...» (2) عموم من وجه ، لعموم الصحيحة للجنابة العمدية وغيرها مع اختصاصها باحتمال الموت ، وعمومية الصحيحتين من حيث احتمال الضرر الأعم من الموت وغيره على الفرض مع اختصاصهما بالجنابة العمدية فيتعارضان في من أجنب نفسه بالاختيار واحتمل الموت إذا اغتسل ، ولا بدّ من الرجوع معه إلى عموم ما دل على حرمة إلقاء النفس في التهلكة وعدم جواز التسبيب للقتل ، ومعه يكون المكلف عاجزاً عن الماء فتنتقل وظيفته إلى التيمّم .

   والجمع بين الصحيحة وبين الصحيحتين المتقدمتين بحملها على ما إذا احتمل ضرراً غير التلف جمع تبرعي ، نظير الجمع بين ما دل على أن ثمن العذرة سحت وما دل على أن ثمن العذرة لا بأس به(3) بحمل المانعة على عذرة الإنسان والمرخصة على عذرة الحيوان غيره .

   والذي يؤكد ما ذكرناه قيام السيرة على إتيان الأهل مع عدم التمكن من الماء لمرض أو سفر لا يوجد فيه الماء أو لغير ذلك ، فلو كانت الوظيفة هي الغسل عند احتمال الضرر لشاع هذا الحكم وانتشر مع أنه لم ينقل عن الأئمة (عليهم السلام) ولا عن أصحابهم في رواية فضلاً عن كونها معتبرة .

    الاحتياط بالجمع بين الغسل والتيمّم

   (1) هذا منه (قدس سره) احتياط لكنه إنما يتم فيما إذا كان الضرر المحتمل مما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا كان الضرر المترتب على الغسل مما يحرم إيجاده أو قلنا بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً كما ربما يظهر من المتن ونسب إلى المشهور فلا وجه لأولوية الجمع كما هو ظاهر ، بل يتعيّن عليه التيمّم .

(2) الوسائل 3 : 366 / أبواب التيمّم ب 14 ح 2 .

(3) الوسائل 17 : 175 / أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1 ، 2 ، 3 .

ــ[128]ــ

بل الأولى مع ذلك إعادة الغسل والصلاة بعد زوال العذر (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ لا ] يعلم بعدم رضا الشارع به أو قلنا بعدم حرمة الإضرار بالنفس كما تقدّم(1) نقله عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) وإلاّ فمع حرمته لا معنى للاحتياط بالإتيان بالمحرم فليس المورد حينئذ من موارد الاحتياط .

    الاحتياط باعادة الغسل والصلاة

   (1) هذا الاحتياط مثل سابقه في غير محله ، وذلك لأن وظيفة المكلف في مفروض المسألة لا تخلو إما أن تكون هي الاغتسال أو هي التيمّم .

   أمّا على الأوّل فعدم الحاجة إلى إعادة الغسل والصلاة ظاهرة ، لأن المكلف قد اغتسل وصلّى على الفرض فما الموجب لإعادتهما ثانياً ؟ وهذا واضح .

   وأما على الثاني فلأنه قد أتى بما هو وظيفته من التيمّم والصلاة ، وقد دل غير واحد من الأخبار على أن الصلاة المأتي بها بالطهارة الترابية لا تعاد بعد وجدان الماء (2) .

   ولا يمكن أن يكون الوجه في هذا الاحتياط صحيحة عبدالله بن سنان : «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : يتيمم ويصلِّي فاذا أمن من البرد اغتسل وأعاد الصلاة» (3) كما قيل .

   والوجه في ذلك أن الصحيحة خارجة عما نحن فيه ، لأن قوله : «تصيبه الجنابة» إما ظاهر في الجنابة غير العمدية وإما أنها تعم الإجناب العمدي وغير العمدي . ومقتضى الاعتماد على هذه الصحيحة أن يحتاط الماتن في كل من أصابته الجنابة ـ اختيارية كانت أم غير اختيارية ـ بالجمع بين الوظيفتين فيما إذا احتمل الضرر في غسله لا في خصوص من أجنب عمداً مع العلم بالضرر في الاغتسال ، مع أن الماتن احتاط في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 114 .

(2) الوسائل 3 : 366 / أبواب التيمّم ب 14 .

(3) تقدّمت في المسألة المتقدِّمة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net