السابع : ضيق الوقت عن استعمال الماء 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8317


ــ[153]ــ

   السابع : ضيق الوقت عن استعمال الماء (1) بحيث لزم من الوضوء أو الغسل خروج وقت الصلاة ولو كان لوقوع جزء منها خارج الوقت .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   على أنهما لو كانا من المتزاحمين لا يدخلان تحت كبرى دوران الأمر بين ما لا بدل له وما له البدل ، وذلك لأن القبلة على المختار وإن كانت هي نفس الكعبة المشرفة إلاّ أنها بالإضافة إلى من لا يتمكّن من التوجه إليها متسعة وهي ما بين المشرق والمغرب وليست القبلة بمعنى التوجه إلى نفس الكعبة مثل الطهور مما ينتفي بانتفائه الصلاة ، وإن ورد «لا صلاة إلاّ إلى القبلة» (1) إلاّ أنه محمول على صلاة المختار المتمكن من التوجه إليها جمعاً بينه وبين ما دل على صحّة الصلاة إلى غير القبلة عند العجز عنها ، كما أن التيمّم بدل الطهارة المائية .

   إذن لكل من الصلاة مع الطهارة المائية والصلاة مع التوجّه إلى نفس الكعبة بدل فان البدلية لا بدّ من أن تلاحظ بالإضافة إلى الصلاة التي هي الواجب النفسي دون شرطها .

   إذن فالصحيح ما ذكرناه من أن المقام من المتعارضين والحكم فيه هو التخيير . وهذا سار في كل مورد دار الأمر فيه بين شرط وشرط آخر ، نعم على تقدير كونه من باب التزاحم لا يبعد أن تكون القبلة مرجحة على الطهارة المائية ، لما ورد من أنه «لا صلاة إلاّ إلى القبلة» ولم يرد لا صلاة إلاّ مع الطهارة المائية .

    السابع من مسوغات التيمّم

   (1) المسألة متسالم عليها بين الأصحاب ، بل ظاهر العلامة في المنتهى(2) أنها إجماعية، لأنه نسب القول بالعدم إلى بعض العامّة . وتفصيل الكلام فيها يقع في مسائل ثلاث :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 300 / أبواب القبلة ب 2 ، 10 ح 9 ، 2 ، وغيرهما من الموارد .

(2) المنتهى 3 : 38 .

ــ[154]ــ

   المسألة الاُولى : ما إذا فرضنا أن الطهارة المائية تقتضي وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت فهل يجب على المكلف أن يتيمم ليوقع الصلاة في وقتها أو أنه فاقد الطهورين فهو لا يكلف بالصلاة ؟

   المعروف بل المتسالم عليه بينهم هو وجوب التيمّم ، لكن نسب الخلاف في المسألة صريحاً إلى الشيخ حسين آل عصفور(1) حيث ذهب إلى أن المكلف فاقد الطهورين ولا يجب عليه الوضوء لاستلزامه تأخير الفريضة عن وقتها ، كما لا يجب عليه التيمّم لكونه واجد الماء والتيمّم مشروع لفاقده .

   ويمكن إسناد الخلاف في المقام إلى صاحب المدارك(2) والشرائع(3) وكشف اللثام(4) وجامع المقاصد (5) (قدس سرهم) وغيرهم ، لأنهم في المسألة المعروفة وهي ما إذا كان الماء موجوداً عنده إلاّ أنه أخل باستعماله وأخر الصلاة إلى أن ضاق الوقت عن الطهارة المائية والأداء ذهبوا إلى عدم مشروعية التيمّم لضيق الوقت .

   وعلّله في المدارك بما يشمل المقام ، حيث ذكر بعدما عنون المسألة : إن فيها قولين أظهرهما الأوّل ـ يعني يتطهر ويقضي ـ وهو خيرة المصنف في المعتبر ، لأن الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتيمّم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء ، والحال أن المكلف واجد للماء متمكن من استعماله غاية الأمر أن الوقت لا يتسع لذلك ، ولم يثبت كون ذلك مسوغاً للتيمم . وتعليله هذا كما ترى شامل لمسألتنا أيضاً .

   ثمّ(6) يمكن المناقشة في ذلك بأن ظاهر المدارك اعتبار كون المكلف فاقداً للماء في طبعه في مشروعية التيمّم ، وليس الأمر كذلك في المسألة المعروفة ، لأنه واجد للماء طبعاً وإنما صار فاقداً له بتأخير صلاته اختياراً ، وهذا يخالف مسألتنا التي نبحث عنها لأن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لم نعثر على ذلك .

(2) المدارك 2 : 185 .

(3) المعتبر 1 : 366 .

(4) كشف اللثام 2 : 436 .

(5) جامع المقاصد 1 : 467 .

(6) المناسب : نعم .

ــ[155]ــ

المكلف فاقد للماء في طبعه لا باختياره . فالمخالف الصريح هو الشيخ حسين آل عصفور فقط .

   والصحيح في مسألتنا هو وجوب التيمّم لأجل ضيق الوقت ، وذلك لدلالة الآية الكريمة (1) والروايات (2) عليه ، حيث إن المستفاد منهما بحسب الفهم العرفي أن المراد من عدم الوجدان هو عدم التمكن من استعمال الماء في الوضوء والغسل لا عدم التمكن منه مطلقاً وبالإضافة إلى جميع الاُمور ، وأن مدلولها أن من تمكن من الوضوء يتوضأ ومن تمكن من الغسل يغتسل ومن لم يتمكّن منهما يتيمّم وإن كان متمكناً من استعمال الماء في مثل الشرب وتنظيف ثوبه أو بدنه ونحوها ، وذلك لوضوح أن المكلف إذا كان متمكناً من شرب الماء واستعماله في التنظيف وشبهه لترخيص المالك إياه في ذلك ولم يتمكن من صرف الماء في الغسل أو الوضوء شرع له التيمّم بدلاً عنهما .

   وذلك لصدق أنه فاقد الماء أي بالإضافة إلى الوضوء والغسل ، وحيث إن المكلف في مفروض المسألة لا يتمكن من استعمال الماء في الوضوء أو الاغتسال ولو لأجل ضيق الوقت جاز له التيمّم ووجب عليه الصلاة مع الطهارة الترابية .

   إذن لا نحتاج في استفادة حكم المسألة إلى القرائن الخارجية وإنما نستفيده من نفس الآية والأخبار .

   نعم لو أغمضنا عن ذلك وفرضنا أن المكلف لا يصدق عليه ـ في المقام ـ أنه فاقد الماء دخل المقام في كبرى فاقد الطهورين فلا يجب عليه الوضوء لاستلزامه تفويت الفريضة ولا يجب التيمّم لأنه واجد الماء .

   إلاّ أنه مع ذلك لا بدّ من الالتزام بوجوب التيمّم ، وذلك لأ نّا قد علمنا ببركة الإجماع القطعي وما ورد في المستحاضة من أنها لا تدع الصلاة بحال (3) أن الصلاة واجبة على كل مكلف ، كما استفدنا ببركة ما دل على أنه «لا صلاة إلاّ بطهور» (4) أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 6 .

(2) الوسائل 3 : 341 / أبواب التيمّم ب 1 ، 2 ، وغيرهما .

(3) الوسائل 2 : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

(4) الوسائل 2 : 203 / أبواب الجنابة ب 14 ح 2 وغيره من الموارد .

ــ[156]ــ

وربما يقال : إن المناط عدم إدراك ركعة منها في الوقت ، فلو دار الأمر بين التيمّم وإدراك تمام الوقت أو الوضوء وإدراك ركعة أو أزيد قدم الثاني ، لأنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، لكن الأقوى ما ذكرنا . والقاعدة مختصة بما إذا لم يبق من الوقت فعلاً إلاّ مقدار ركعة ، فلا تشمل ما إذا بقي بمقدار تمام الصلاة ويؤخرها إلى أن يبقى مقدار ركعة ، فالمسألة من باب الدوران بين مراعاة الوقت ومراعاة الطهارة المائية ، والأوّل أهم ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصلاة يعتبر فيها الطهارة ، وعلمنا ببركة أدلة البدلية أن طهور من لا يتمكن من الماء هو التراب ، وبهذه الأدلة الثلاثة نجزم بأن المكلف مأمور بالصلاة في المقام وطهارته هي التراب فيجب عليه الصلاة مع الطهارة الترابية .

   المسألة الثانية : ما إذا كانت الطهارة المائية مستلزمة لوقوع الصلاة خارج الوقت إلاّ بمقدار ركعة أو أكثر فهل تجب الطهارة المائية والصلاة في الوقت ركعة وإتمامها خارج الوقت ، أو أن اللازم هو الطهارة الترابية وإتيان الصلاة بتمامها في الوقت ؟

   ذكروا أن الأمر في المسألة يدور بين مراعاة الوقت ومراعاة الطهارة المائية ، وذلك لما دلّ على أن «من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة» (1) وهو من باب التزاحم ويقدم فيه معلوم الأهمية أو محتملها على الآخر ، وحيث علمنا أن مراعاة الوقت أهم فيقدم فيتيمم ويأتي بالصلاة بتمامها في الوقت .

   ولكن الماتن (قدس سره) احتاط مع هذا بالقضاء خارج الوقت خصوصاً إذا كان الواقع خارج الوقت شيئاً قليلا ، لعدم إحراز أو احتمال الأهمية حينئذ في الوقت .

   وفيه : ما ذكرناه سابقاً من أن التزاحم إنما يتصور بين التكليفين النفسيين دون التكليف الواحد إذا دار الأمر فيه بين شرط وشرط آخر أو بين جزء وجزء آخر، فهو خارج عن باب التزاحم رأساً ، ومقتضى القاعدة فيه هو السقوط ، لعدم إمكان امتثال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 218 / أبواب المواقيت ب 30 ح 4 وغيره ممّا هو بهذا المضمون .

ــ[157]ــ

ومن المعلوم أن الوقت معتبر في تمام أجزاء الصلاة فمع استلزام الطهارة المائية خروج جزء من أجزائها خارج الوقت لايجوز تحصيلها بل ينتقل إلى التيمّم، لكن الأحوط القضاء مع ذلك خصوصاً ((1)) إذا استلزم وقوع جزء من الركعة خارج الوقت .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التكليف الواحد المتعلق بالجميع على الفرض ، ويحتاج إثبات الأمر بالفاقد لجزئه أو شرطه إلى دليل ، وهو موجود في باب الصلاة فانها لا تسقط بحال .

   إذن مقتضى ما دل على اعتبار الوقت أن الصلاة في حق المكلف مشروطة بالوقت كما أن مقتضى ما دل على اعتبار الطهارة المائية اشتراط الصلاة بها فيتعارضان ويتساقطان فيتخيّر المكلف بين مراعاة القبلة(2) أو الطهور بالماء ، هذا .

   ولكن التعارض مبني على ما دلّ على أن «من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة» (3) يشمل المقام ، إذ بعد هذا التنزيل يقع التعارض بين الدليلين ، لأن مقتضى هذا التنزيل أن المكلف لا بدّ أن يصلِّي مع الوضوء لأنه وإن كان لا يدرك من الصلاة حينئذ إلاّ ركعة واحدة إلاّ أن من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة ، كما أن مقتضى أدلّة اعتبار الوقت هو الانتقال إلى التيمّم فيتعارضان .

   إلاّ أن التعارض غير صحيح ، لأن بعض أدلّة «من أدرك ...» وإن كان طريقه صحيحاً ـ حيث وردت فيه جملة روايات كلها ضعاف سوى رواية واحدة وردت في صلاة الغداة (4) لكنّا نقطع بعدم الفرق بين الغداة وباقي الفرائض ـ إلاّ أن موضوعها مَن لم يتمكّن من الإتيان بطبيعي الصلاة بتمامها في الوقت ، لوضوح أنها لا تدل على جواز تأخير الصلاة اختياراً إلى أن يبقى من الوقت مقدار ركعة واحدة .

   ومن الظاهر أن الدليل لا يحرز موضوعه ـ وهو غير المتمكن من الصلاة بتمامها في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر لزوم الطهارة المائية في هذا الفرض .

(2) المناسب : الوقت .

(3) تقدّمت قريباً .

(4) الوسائل 4 : 217 / أبواب المواقيت ب 30 ح 1 .

ــ[158]ــ

الوقت ـ في المقام، ولا نظر له إلى إتيانه ، ومقتضى أدلة بدلية التراب أن المكلف متمكن من إتيان الصلاة بتمامها في وقتها فلا يكون المكلف مشمولاً لقاعدة من أدرك ، ولا تقع المعارضة بين الدليلين بل لا بدّ للمكلف من أن يتيمم ويصلِّي .

   وهذا من غير فرق في ذلك بين أن يكون ما يقع خارج الوقت بمقدار ركعة أو أكثر أو أقل ، لأنه متمكن من إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت إذا تيمم ـ  وهو بدل الوضوء  ـ فلا يسوغ له أن يتوضأ لتقع ركعة من صلاته أو أقل منها خارج الوقت ، لما مرّ من أن قاعدة من أدرك لا تشمل المقام .

   المسألة الثالثة : ما إذا كان بعض أجزاء الصلاة واقعاً خارج الوقت على كل حال إلاّ أنه لو توضأ كان الواقع خارج الوقت أكثر مما لو تيمم ، كما لو فرضنا أن الركعة الرابعة لا بدّ أن تقع خارج الوقت على كل حال إلاّ أنه لو توضأ وقعت الركعة الثالثة معها خارج الوقت أيضاً ولو تيمم لا يقع من الصلاة خارج الوقت إلاّ الركعة الرابعة فهل لا بدّ من التيمّم أو أنه يتوضأ على خلاف المسألتين السابقتين ؟

   لم يتعرض الماتن (قدس سره) لهذه المسألة ، وهي تختلف باختلاف المسلكين ، فان بنينا على أن أمثال هذه المسألة داخلة في باب التزاحم فلا بدّ إما أن نلتزم بوجوب الوضوء أو التخيير بينه وبين التيمّم ، وذلك لوقوع التزاحم حينئذ بين الطهارة المائية والوقت ، لأنه لو تحفّظ على الطهارة المائية وقعت الركعة الثالثة خارج الوقت ولو تحفظ على الوقت في تلكم الركعة لم يتمكن من الطهارة المائية ، ولابدّ معه من ملاحظة الأهم في البين ، ولا ينبغي الارتياب في أن الوقت أهم من الطهارة المائية حسبما تفيده النصوص ويشهد به القطع الخارجي .

   إلاّ أن ذلك إنما هو في مجموع الصلاة ، فانه لو دار الأمر بين أن يتوضأ ويصلِّي خارج الوقت وبين أن يصلِّي في الوقت بتيمم يقدم التيمّم على الوضوء تحفظاً على الوقت . وأما أهمية الوقت في بعض أجزاء الصلاة مثل الركعة الثالثة في مثالنا المتقدم بعد فرض أن بعضها لا بدّ أن يقع خارج الوقت فلم يثبت بدليل ، كما أ نّا لا نحتمل فيه الأهمية . إذن لا بدّ من الحكم بالتخيير بين الأمرين أو تقديم الطهارة المائية لو قلنا بأهميتها .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net