اعتبار التغيّر الحسّي 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7991


    اعتبار التغيّر الحسي

   (1) لا ينبغي الاشكال في أن التغيّر الدقي الفلسفي الذي لا يدرك بشيء من الحواس لا يوجب الانفعال شرعاً ، كما إذا وقع مقدار قليل من السكر أو غيره في الماء ، لأ نّه عقلاً يحدث تغيراً فيه لا محالة ، إلاّ أ نّه غير قابل للادراك بالحواس ، فمثله إذا حصل

ــ[68]ــ

من النجس لا يستلزم النجاسة قطعاً ولا كلام في ذلك .

   وإنّما المهم بيان أن التغيّر المأخوذ في لسان الدليل هل هو طريق إلى كم خاص من النجس ، ليكون هذا الكم هو الموجب للانفعال وأن التغيّر بأحد الأوصاف طريق إليه ولا موضوعية له في الحكم بالانفعال حتى لا يدور الحكم مدار فعلية التغيّر وهو القول بكفاية التغيّر التقديري أو أن التغيّر بنفسه موضوع للحكم بالانفعال لا أ نّه طريق ، وهذا لاختلاف النجاسات في التأثير ، فيمكن أن يكون مقدار خاص من دم مؤثراً في تغيّر الماء ، ولا يكون دم آخر بذلك المقدار مؤثراً فيه لشدّة الأوّل وضعف الثاني وغلظة أحدهما ورقّة الآخر هذا في اللون ، وكذلك الحال في غيره من الأوصاف ، فإن اللحوم مختلفة فبعضها يتسرع إليه النتن في زمان لا ينتن فيه بعضها الآخر مع تساويهما بحسب الكم والمقدار ، فيدور الحكم مدار فعلية التغيّر ؟

   الصحيح هو الثاني : لأن جعل التغيّر طريقاً إلى كم خاص من النجس ـ  وهو الموضوع للحكم بالانفعال  ـ إحالة إلى أمر مجهول ، إذ لا علم لنا بذلك الكم ، على أ نّه خلاف ظاهر الأدلّة ، لظهورها في أن التغيّر بنفسه موضوع لا أ نّه طريق إلى أمر آخر هو الموضوع للحكم بالانفعال ، إذ القضايا ظاهرة في الفعلية طراً . ومع هذا كلّه ربّما ينسب إلى بعض الأصحاب القول بكفاية التغيّر التقديري في الحكم بالانفعال .

   وتفصيل الكلام في المقام : أن التقدير الذي نعبّر عنه بكلمة لو إما أن يكون في المقتضي كما إذا وقع في الكر مقدار من الدم الأصفر بحيث لو كان أحمر لأوجد التغيّر في الماء ، ففي هذه الصورة المقتضي للتغيّر قاصر في نفسه .

   وإما أن يكون في الشرط ، كما إذا وقعت ميتة في الماء في أيام الشتاء بحيث لو كانت الملاقاة معه في الصيف تغيّر بها الماء ، فإن الحرارة توجب انفتاح خلل الميتة وفرجها فيخرج عنهما النتن وبه يفسد الماء ، كما أن البرودة توجب الانقباض وتسد الخلل فيمنع عن انتشار نتنها ، فالحرارة شرط في تغيّر الماء بالنتن وهو مفقود فالقصور في الشرط .

   وإمّا أن يكون التقدير في المانع ، كما إذا صبّ مقدار من الصبغ الأحمر في الماء ثم

ــ[69]ــ

وقع فيه الدم ، فإن الدم يقتضي تغيّر لون الماء لولا ذلك المانع وهو انصباغ الماء بالحمرة قبل ذلك ، أو جعلت الميتة قريبة من الماء حتى نتن بالسراية وبعد ما صار جائفاً وقعت عليه ميتة ، فإنّها تغيّر الماء بالنتن لولا اكتسابه النتن بالسراية قبل ذلك فعدم التغيّر مستند إلى وجود المانع في هذه الصورة ، هذه هي صور التقدير ولا نتعقل له صورة غيرها .

   أمّا الصورتان : الاُولى والثانية : فلا ينبغي الاشكال في عدم كفاية التقدير فيهما لأنّ الانفعال قد علق على حصول التغيّر في الماء والمفروض أ نّه غير حاصل لا واقعاً ولا ظاهراً ، إما لقصور المقتضي وإما لفقدان شرطه ، ومثله لا يوجب الانفعال وإن نسب إلى العلاّمة (قدس سره) القول بكفاية ذلك ، حيث جعل التغيّر طريقاً إلى كم خاص من النجس(1) .

   وأمّا الصورة الثالثة : فالتحقيق أن التقدير بهذا المعنى كاف في الحكم بالانفعال إذ الفرض أن التغيّر حاصل واقعاً لتمامية المقتضي والشرط ، غاية الأمر أن الحمرة أو النتن يمنع عن إدراكه وإلاّ فالأجزاء الدموية موجودة في الماء وإن لم يشاهدها الناظر لحمرته ، وهو نظير ما إذا جعل أحد على عينيه نظارة حمراء ، أو جعل الماء في آنية حمراء فإنّه لا يرى تغيّر الماء إلى الحمرة بالدم حيث إنّه يرى الماء أحمر لأجل النظارة أو الآنية ، والأحمر لا ينقلب إلى الحمرة بالقاء الدم عليه مع أ نّه متغيّر واقعاً .

   وأظهر من جميع ذلك ما إذا فرضنا حوضين متساويين كلاهما كر وقد صبغنا أحدهما بصبغ أحمر ، وفرضنا أيضاً مقداراً معيناً من الدم فنصفناه ، وألقينا كل نصف منه على كل واحد من الحوضين ، وتغيّر بذلك الحوض غير المنصبغ بالصبغ أفلسنا نحكم حينئذ بتغيّر المنصبغ أيضاً بالدم ؟ لأن الماءين متساويان ، وما اُلقي على أحدهما إنّما هو بمقدار الملقى على الآخر وإن لم نشاهد تغيّر الثاني لاحمراره بالصبغ (2) وكيف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسب السيِّد الحكيم (قدس سره) في المستمسك 1 : 121 إلى العلامة في القواعد 1 : 183 .

(2) فإن الماء كما ادعوه لا لون له غير لون الماء كما أن الشعر لا لون له غير البياض ، وإنّما يرى الماء أو الشعر أحمر أو أصفر أو بغيرهما من الألوان لأجل ما يدخلهما من الأجزاء المتلونة ، فهما    كالزجاجة التي تتلون بما في جوفها من المواد . فهي حمراء إذا كان في جوفها شيء أحمر أو سوداء إذا كان في جوفها شيء أسود وهكذا ، مع أنّ لون الزجاجة هو البياض ، فالشعر إنّما يرى أسود لما جعل فيه من مادّة سوداء ، ولذا يرى بلونه الطبيعي في الشيبة لانتهاء مادّة السوداء في الشيبوبة ، وكذا الحال في الماء .

ــ[70]ــ

فالتقديري لا يضر ، فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر فوقع فيه مقدار من الدم كان يغـيّره لو لم يكـن كذلك لم ينجس ((1)) . وكذا إذا صُبّ فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيّره . وكذا لو كان جائفاً فوقع فيه ميتة كانت تغيّره لو لم يكن جائفاً وهكذا ، ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الاطلاق محكوم بالطهارة على الأقوى .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كان فالصحيح في الصورة الثالثة كفاية التقدير كما بنى عليه سيدنا الاستاذ مدّ ظلّه في تعليقته المباركة على الكتاب ، فإنّ الصورتين اللّتين أشار إليهما (دام ظلّه) من قبيل الصورة الثالثة ، فراجع .

   ثم إنّا كما نلتزم بالنجاسة في التغيّر التقديري إذا كان موجوداً واقعاً وقد منع مانع عن إدراكه بإحدى الحواس الظاهرية ، كذلك نلتزم بالطهارة في عدم التغيّر التقديري مع وجود التغيّر ظاهراً . وتوضيح ذلك :

   أ نّا أسمعناك سابقاً أن التغيّر إنّما يوجب النجاسة فيما إذا استند إلى ملاقاة نفس النجس على نحو الاستقلال ، وأمّا إذا استند إليه وإلى شيء آخر فهو غير مؤثر في الانفعال ، ونعبّر عنه بعدم التغيّر التقديري وإن كان متغيراً ظاهراً ، كما إذا تغيّر الماء بمجموع الدم والصبغ الأحمر بوقوعهما عليه معاً ، أو وقع أحدهما فيه أوّلاً وأ ثّر بما لا يدرك بالحواس ، ثم وقع فيه الآخر واستند تغيّره إلى مجموعهما من دون أن يستند إلى كل واحد منهما في نفسه ، فصورة عدم التغيّر تقديراً وصورة التغيّر متعاكستان وإن كان الحكم في كلتا الصورتين هو الطهارة ، اللّهم إلاّ أن يستند عدم إدراك التغيّر في صورة التغيّر التقديري إلى وجود مانع عن الادراك كما قدمنا ، أو يستند عدم التغيّر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بالنجاسة فيه وفي الفرض الثالث لو لم يكن أقوى فلا ريب أ نّه أحوط .

ــ[71]ــ

   [ 82 ] مسألة 10 : لو تغيّر الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة ، مثل الحرارة والبرودة ، والرقة والغلظة ، والخفّة والثّقل ، لم ينجس ما لم يصر مضافاً (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التقديري في هذه الصورة ـ  صورة عدم التغيّر التقديري  ـ إلى قصور الشرط فإنّه لا محيص حينئذ من الالتزام بالنجاسة . وهذا كما إذا لاقى الماء ميتة في أيام الصيف وتغيّر بها ، إلاّ أن ملاقاتهما لو كانت في الشتاء لما كانت مؤثرة في تغيّره إذ لا يمكن أن يقال بعدم التغيّر التقديري في مثله بدعوى أن التغيّر غير مستند إلى الميتة وحدها ، بل إليها وإلى حرارة الهواء ، ويشترط في الانفعال إستناد التغيّر إلى ملاقاة النجس باستقلاله ، وذلك لأنّ العُرف لا يرى حرارة الهواء مقتضية للتغيّر وإنّما المقتضي له عندهم هو الميتة ، فالتغيّر مستند إليها مستقلاً . نعم ، الحرارة شرط في تسرع النتن إلى الماء ، وإنّما نلتزم بعدم التغيّر التقديري فيما إذا استند عدمه إلى قصور المقتضي كما قدمناه بأمثلته .

   ولا يخفى أن ما ذكرناه في هذه الصورة المعبّر عنها بعدم التغيّر التقديري مع تغيّر الماء ظاهراً مما لم نقف على تعرض له في كلمات الأصحاب (قدس سرهم) فافهم ذلك واغتنمه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net