الثالث : مسح ظاهر الكفين بباطنهما مع تقديم اليمنى 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء العاشر:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5086


ــ[271]ــ

   الثّالث : مسح تمام ظاهر الكف اليمنى بباطن اليسرى ثمّ مسح ((1)) تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المقدار الّذي يمسح من اليدين

   (1) المعروف بين الأصحاب أنّ المقدار المعتبر مسحه من اليدين في التيمّم هو الزند إلى أطراف الأصابع .

   وفي قبال ذلك أقوال :

   منها :  ما نسب إلى علي بن بابويه (2) وابنه في المجالس (3) من لزوم مسح اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع ، وكأ نّه لا فرق بين الوضوء والتيمّم إلاّ في المسح على الرأس والرجلين ، وإلاّ فأي عضو يجب غسله في الوضوء يجب المسح عليه في التيمّم .

   ومنها :  ما اختاره الصدوق في الفقيه في التيمّم بدلاً عن الجنابة من وجوب المسح من فوق الزند والكف قليلاً إلى رؤوس الأصابع(4) .

   ومنها :  ما نسبه في الحدائق إلى ابن إدريس أ نّه نقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب المسح على اليدين من اُصول الأصابع إلى رؤوسها (5) ، أعني موضع القطع في السرقة ، هذا .

    ما استدلّ به لما ذهب إليه ابن بابويه

   وقد استدلّ لما ذهب إليه علي بن بابويه وابنه في المجالس بجملة من الروايات :

   منها :  صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن التيمّم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اعتبار الترتيب بين المسحين مبني على الاحتياط .

(2) حكاه المحقق في المعتبر 1 : 384 .

(3) الأمالي : 744 / المجلس الثّالث والتّسعون .

(4) الفقيه 1 : 57 / ذيل الحديث 212 .

(5) الحدائق 4 : 349 ، السرائر 1 : 137 .

ــ[272]ــ

فضرب بكفيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ... » (1) .

   ومنها :  صحيحة ليث المرادي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «في التيمّم قال : تضرب بكفيك على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك» (2) .

   ومنها :  موثقة سماعة قال : «سألته كيف التيمّم ؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين» (3) .

   كما استدلّ لما ذهب إليه الصدوق بصحيحتي أبي أيّوب الخزاز وداود بن النعمان الواردتين في قضية عمار حيث ورد فيهما أ نّه (عليه السلام) مسح فوق الكف قليلاً (4) .

   وما نسبه ابن إدريس إلى بعض أصحابنا يدل عليه ما رواه حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سُئل عن التيمّم فتلا هذه الآية : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) وقال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) قال : فامسح على كفيك من حيث موضع القطع ، وقال : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً )(5) .

    ما يدلّ على مذهب المشهور

   والصحيح هو ما ذهب إليه المشهور في المقام . ويدل عليه أمران :

   أحدهما :  جميع الأخبار الواردة في كيفيّة التيمّم المشتملة على أ نّهم مسحوا كفيهم أو أمروا بمسح الكفين (6) . وتقريب الاستدلال بها من وجهين :

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 362 /  أبواب التيمّم ب 12 ح 5 .

(2) الوسائل 3 : 361 /  أبواب التيمّم ب 12 ح 2 .

(3) الوسائل 3 : 365 /  أبواب التيمّم ب 13 ح 3 .

(4) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 2 ، 4 .

(5) الوسائل 3 : 365 /  أبواب التيمّم ب 13 ح 2 .

(6) راجع الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 .

ــ[273]ــ

   أحدهما : أنّ اليد وإن كان لها إطلاقات متعددة ، فقد تطلق بمعنى اُصول الأصابع إلى أطرافها كما في آية السرقة ، واُخرى : تطلق على الزند إلى أطراف الأصابع كما في آية التيمّم على ما يأتي بيانه ، وثالثة : على المرفق إلى أطراف الأصابع كما في آية الوضوء ، ورابعة : على المنكب إلى رؤوس الأصابع كما هو الشائع . إلاّ أنّ الكف ليست كذلك وإنّما لها معنى واحد وهو الزند إلى أطراف الأصابع . فتدلّنا الأخبار المذكورة على أ نّهم مسحوا من الزند إلى رؤوس الأصابع أو أ نّهم أمروا بمسح ذلك .

   الوجه الثّاني : أن بعض تلك الأخبار اشتملت على أ نّهم مسحوا بالكف اليمنى على اليسرى وباليسرى على اليمنى أو باحداهما على الاُخرى ، ومن الظاهر أنّ المسح لا يكون إلاّ بالكف بالمعنى المتقدّم ولا يكون بالذراع فانّه أمر غير معهود . حتّى أنّ الصدوق ووالده لا يرون المسح بالذراع ، فإذا كان الماسح هو الكف وما دون الزند كان الممسوح أيضاً كذلك ، لأنّ الكف في كل من الماسح والممسوح بمعنى واحد .

   الثّاني  ممّا استدلّ به على مسلك المشهور هو جملة من الأخبار المعتبرة :

   منها : صحيحتا أبي أيّوب الخزاز وداود بن النعمان(1) المتقدمتان ، لدلالتهما على أنّ الذراعين ليسا بلازمي المسح كما يراه علي بن بابويه وابنه في المجالس ، فانّه (عليه السلام) مسح يديه فوق الكف قليلاً ، ولم يمسح ذراعيه .

   وأظهر منهما صحيحة زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول ، وذكر التيمّم وما صنع عمار ، فوضع أبو جعفر (عليه السلام) كفيه على الأرض ثمّ مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء»(2) لصراحتها في خلاف ما ذهب إليه ابن بابويه في المجالس وما اختاره الصدوق في الفقيه .

    المناقشة فيما استدلّ به على مذهب ابن بابويه

   ثمّ إن ما استدلّ به على مذهب ابن بابويه لا يمكن الاعتماد عليه في مقابل تلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 2 ، 4 . وقد تقدّم مضمون محل الاستدلال في ص 258 .

(2) الوسائل 3 : 359 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 5 .

ــ[274]ــ

الأخبار الدالّة على مسلك المشهور ، وإنّما الكلام في أ نّه يحمل على الاستحباب أو لا بدّ من حمله على التقيّة .

   وقد تكلّمنا فيما سبق على نظائر المقام ، ولعله أشرنا إليه في أخبار البئر(1) وقلنا: إنّ التردّد بين الحمل على الاستحباب أو على التقية إنّما هو فيما إذا اشتملت الطائفتان على الحكم المولوي ، فانّه إذا قدمنا إحداهما أمكن التردد في اُخراهما بين الأمرين حينئذ فيجمع بينهما بالجمع العرفي ويحمل الآخر على الاستحباب بأن يجعل أحدهما قرينة على إرادة الترخيص من الآخر ، ومعه يكون دليلاً على الاستحباب وهو جمع عرفي .

   وأمّا إذا لم يكن شيء من الطائفتين مشتملاً على الحكم المولوي مثل المقام ، حيث إنّ السؤال في الطائفتين إنّما هو عن كيفيّة التيمّم وليستا مشتملتين على الحكم المولوي فهما متعارضتان بالتباين ، لأن إحدى الكيفيتين تغاير الكيفيّة الاُخرى كما هو واضح ولا معنى لحمل إحداهما على الاستحباب ، ولا يكون ذلك من الجمع العرفي في شيء .

   إذن لا بدّ من الرّجوع إلى المرجحات . وما دلّ على مسلك المشهور موافق للكتاب ومخالف
للعامّة(2) والطائفة الاُخرى مخالفة للكتاب وموافقة للعامّة . ومع هذين المرجحين لا بدّ من الأخذ بما دلّ على مسلك المشهور وإن كان مرتبة الترجيح بمخالفة العامّة متأخرة عن الترجيح بموافقة الكتاب .

   ثمّ إن كون الطائفة الثّانية موافقة للعامّة ظاهر ، لذهابهم إلى لزوم المسح من المرفقين إلى أطراف الأصابع .

   وأمّا مخالفتها الكتاب فلأنّ الآية المباركة دلّت على لزوم المسح في التيمّم بالوجوه والأيدي حيث قال عزّ من قائل : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ )(3) بعطف أيديكم على وجوهكم وقراءته مجروراً كما في وجوهكم ، إذ لو كان معطوفاً على مجموع الجار والمجرور للزم قراءته منصوباً (وَأَيْدِيَكُمْ ) بالفتح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ شرح العروة 2 : 246 .

(2) لمعرفة فتواهم يراجع كتاب الاُم 1 : 49 ، المحلّى 2 : 152 .

(3) النِّساء 4 : 43 .

ــ[275]ــ

   وكما أنّ لفظة الباء الجارة في (بِوُجُوهِكُمْ ) دلّتنا على إرادة بعض الوجه وعدم لزوم مسح تمام الوجه في التيمّم ، كذلك تدلّنا على إرادة البعض في (أَيْدِيكُمْ )فنستفيد منها أنّ اليد اللاّزم غسلها في الوضوء لا يعتبر مسحها بتمامها في التيمّم بل يكفي مسح بعضها . فما دلّ على لزوم مسح جميع اليد من المرفقين إلى الأصابع يكون على خلاف الآية المباركة . هذا كلّه فيما ذهب إليه علي بن بابويه وابنه في المجالس .

    ما ذهب إليه الصدوق (رحمه الله)

   وأمّا ما ذهب إليه الصدوق في الفقيه من اعتبار المسح فوق الكف بقليل مستدلاًّ عليه بالصحيحتين المتقدمتين(1) فلا يمكن المساعدة عليه ، لأ نّهما إنّما اشتملتا على حكاية فعل ، والفعل لا لسان له ليدل على أ نّه على وجه الوجوب ، بل لا بدّ من أن يكون على وجه المقدمة العلميّة ، لدلالة ما قدّمناه من الأخبار على كفاية المسح من الزند إلى أطراف الأصابع .

   وتظهر الثمرة فيما إذا كان فوق الزند حاجب عن المسح فانّه يمنع عن صحّة التيمّم على مسلك الصدوق ولا يضر على مسلك المشهور كما أوضحناه في مسح الحاجبين .

    ما نسب إلى بعض الأصحاب

   وأمّا ما نسبه ابن إدريس إلى بعض الأصحاب ففيه : أ نّه لا ملازمة بين كون اليد في آية السرقة بمعنى اُصول الأصابع إلى أطرافها وبين أن تكون الكف في المقام بهذا المعنى . على أنّ المقتضي له قاصر في نفسه ، لأنّ المرسلة لا يمكن الاعتماد عليها في نفسها لتقع المعارضة بينها وبين ما استدللنا به على مسلك المشهور .

   بقي الكلام في أنّ مسح الزند إلى أطراف الأصابع هل يعتبر أن يكون بباطن الكف أو يجوز أن يكون بظاهرها ، كما أنّ الممسوح من الزند إلى أطراف الأصابع هل هو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهما صحيحتا أبي أيّوب الخزّاز وداود بن النعـمان ، وقد تقدّمت الفقرة المرتبطة منهما بالمقـام في ص 272 .

ــ[276]ــ

ويجب من باب المقدمة إدخال شيء من الأطراف ، وليس ما بين الأصابع من الظاهر (1) فلا يجب مسحها ، إذ المراد به ما يماسه ظاهر بشرة الماسح ، بل الظاهر عدم اعتبار التعميق والتدقيق فيه ، بل المناط صدق مسح التمام عرفا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ظاهره أم يجوز أن يمسح الباطن .

   والصحيح هو اعتبار أن يكون الماسح باطن الكف لا ظاهرها ، كما أنّ الممسوح يعتبر أن يكون ظاهر الكف لا باطنها ، وذلك للأخبار البيانية الواردة في كيفيّة التيمّم حيث اشتملت على أن أ نّهم أمروا أو أ نّهم مسحوا كل واحدة من الكفين على الاُخرى ، وهذا يدلّنا على أنّ المسح إنّما يعتبر أن يكون بباطن الكف كما أنّ الممسوح يلزم أن يكون ظاهرها ، لأ نّه المتعارف في المسح .

   فلو كان الماسح ظاهر الكف والممسوح باطنها لاُوضح ذلك في الأخبار ، لوجوب التنبيه على كل ما لم تجر العادة عليه ، نظير ما بيّناه في مسح الوجه(1) حيث قلنا إنّ مسحه يعتبر أن يكون بباطن الكف لا بظاهرها ، لعين ما ذكرناه في المقام .

   ويدلّنا على اعتبار كون الممسوح ظاهر الكف صريحاً حسنة الكاهلي ، حيث ورد فيها أ نّه (عليه السلام) : «ضرب بيده على البساط فمسح بهما وجهه ثمّ مسح كفيه إحداهما على ظهر الاُخرى»(2) .

    ما بين الأصابع ليس من الظاهر

   (1) أمّا المقدار المتصل من الأصابع بالاُخرى ممّا بين الأصابع عند ضمها فلا إشكال في عدم وجوب مسحه ، لأ نّه من الباطن ولا يجب مسح الباطن كما مرّ .

   وأمّا المقدار الظاهر المشاهد منه ممّا بين الأصابع الّذي لم يتّصل بالإصبع الاُخرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لعلّ المناسب : في ضرب اليدين ، كما في ص 258 .

(2) الوسائل 3 : 358 /  أبواب التيمّم ب 11 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net