وقت نافلة العشاء - وقت نافلة الصبح 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 15157


ــ[251]ــ

   [1195] مسألة 5  : وقت نافلة العشاء ـ وهي الوتيرة ـ يمتد بامتداد وقتها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فتنفّل بأربع ركعات»(1) .

   فانها كما ترى صريحة في عدم فوات النافلة بذهاب الحمرة ، ومن ثم أتى بها قبل العشاء في السنة القادمة .

   نعم ، ينبغي حمل ذلك على ما إذا كان ثمة مانع عن المبادرة إلى الفريضة كانتظار الجماعة ونحوه كي لا يكون من التطوع في وقت الفريضة .

   والمتحصل : أنّ ما ذهب إليه المشهور من التحديد بما بعد ذهاب الحمرة لم ينهض عليه دليل يعوّل عليه بحيث يمنع عن التمسك بالاطلاقات المقتضية للامتداد إلى آخر وقت الفريضة ، فالعمل بها متعين .

   (1) لا شبهة في أن مبدأ وقت الوتيرة هو ما بعد الفراغ من فريضة العشاء ، للنصوص الناطقة بذلك وأنها ركعتان بعد العتمة أو بعد العشاء الآخرة حسب اختلاف ألسنتها(2) .

   وإنما الكلام في منتهى الوقت ، فالمعروف امتداده بامتداد وقت الفريضة من التحديد بمنتصف الليل أو طلوع الفجر على الخلاف في ذلك ، بل ظاهر المعتبر(3) وصريح غيره دعوى الاجماع عليه ، استناداً إلى إطلاق البعدية الواردة في نصوص الباب .

   ولكنه يظهر من صاحب الجواهر اعتبار البعدية العرفية قال ما لفظه : لكن قد يقال باعتبار البعدية العرفية ، لأنه المنساق بل والمعهود فلا يجوز صلاة العشاء مثلاً في أول الوقت وتأخير الوتيرة من غير اشتغال بالنافلة إلى النصف مثلاً أو إلى طلوع الفجر بناءً على امتداد الوقت إليه . . .(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 15 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 5 .

(2) راجع الوسائل 4 : 45 / أبواب اعداد الفرائض ب 13 .

(3) المعتبر 2 : 54.

(4) الجواهر 7 : 191 .

ــ[252]ــ

   وفيه : أنّ دعوى الانسباق والانصراف وإن لم تكن بعيدة بالنسبة إلى النصوص المشتملة على التحديد بالبعدية إلاّ أنّ هناك نصوصاً اُخر مطلقة من هذه الجهة ، جعل العبرة فيها بالبيتوتة كصحيحة زرارة قال : «قال أبوجعفر (عليه السلام) : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلا بوتر»(1) بعد تفسير الوتر بالوتيرة في النصوص الاُخر ، فانه لا سبيل لدعوى الانصراف في هذه الأخبار كما هو واضح ، ومقتضى إطلاقها هو القول بالامتداد كما عليه المشهور .

   نعم ، لا يبعد القول بانتهاء الوقت بانتصاف الليل وإن بنينا على امتداد وقت الفريضة إلى الطلوع و[يدل على] ذلك :

   أوّلاً : التعبير بالبيتوتة في هذه الأخبار ، حيث إن المتعارف بين عامة الناس المنام(2) قبل انتصاف الليل ، ومن البيّن أنّ استحباب البيتوتة بالوتر منزّل على ما هو الغالب المتعارف من الاتيان قبل هذا الوقت ، فلو ترك ونام قبل الانتصاف ثم استيقظ بعده فقد صدق أنه بات بغير وتر .

   وثانياً : النصوص الواردة في المبيت بمنى في ليالي التشريق المتضمنة لتحديده بمنتصف الليل ، حيث يستفاد منها أن هذا هو حد البيتوتة(3) من غير اختصاص بمورد دون مورد . إذن فلابد من الاتيان بالوتيرة قبل الانتصاف كي لا يصدق أنه بات من غير وتر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 94 / أبواب اعداد الفرائض ب 29 ح 1 .

(2) لا دخل للمنام في صدق البيتوتة ، فان معناها الكون في الليل وإن لم ينم أصلاً . قال في    أقرب الموارد [1 : 69] بات في المكان نزل وقضى الليل فيه ، وفي موضع آخر : أدركه    الليل نام أم لم ينم قال ومن قال بات فلان إذا نام فقد أخطأ .

(3) لكن صحيحة معاوية بن عمار صريحة في التعبير عما بعد النصف بالبيتوتة قال (عليه    السلام) : « . . . وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى» الوسائل    14 : 251 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 1 . ومنه يظهر سعة الاطلاق وعدم التحديد    بالنصف في صدق المفهوم وإن كان بعض الأحكام مختصاً به .

ــ[253]ــ

   والأولى كونها عقيبها من غير فصل معتد به (1) وإذا أراد فعل بعض الصلوات الموظّفة في بعض الليالي بعد العشاء جعل الوتيرة خاتمتها (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وثالثاً : النصوص الناطقة بأنّ الوتيرة بدل الوتر ، وأن هذه الصلاة إنما شرعت مخافة غلبة النوم وفوات صلاة الليل ، فجعل هذه بدلاً عن احتمال فواتها ، وكأنّ الآتي بها آت بصلاة الوتر في وقتها ومن ثم سميت بالوتيرة ، وحيث إن من الواضح أنّ مبدأ صلاة الليل هو ما بعد الانتصاف لغير المعذور فلا جرم يكون غاية لوقت الوتيرة أيضاً حذراً عن الجمع بين البدل والمبدل منه ، فانه مع التمكن من صلاة الوتر نفسها لا تصل النوبة إلى بدلها ، فقضية البدلية تستوجب التحديد بالانتصاف بطبيعة الحال فلاحظ .

   (1) رعاية للبعدية العرفية التي مرّ الكلام عليها .

   (2) هذا التأخير وإن ذكره جماعة من الأصحاب لكنه عار عن الدليل ، إذ يستدل له تارة بما في ذيل صحيحة زرارة : « . . . وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك»(1) .

   ويردّه : أنها مسوقة لبيان تأخر صلاة الوتر عن نوافل الليل والشفع كما يكشف عنه إضافة الوتر إلى الليل ، فانّ وتر الليل هي وتر صلاته ولا ربط لها بالوتيرة التي هي محل الكلام .

   واُخرى : بأنّ المنساق مما ورد في النصوص الكثيرة من قوله (عليه السلام) « . . . فلا يبيتنّ إلا بوتر»(2) أنّ ظرف الوتيرة إنما هو قبيل المنام والإيواء إلى الفراش ، فلا جرم تكون خاتمة الصلوات .

   وفيه : أنّ التعبير المزبور نظير قوله : «لا صلاة إلا بطهور» لا يدل على أكثر من اعتبار المسبوقية ، ولا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة على اعتبار الموصولية ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 166 / أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 42 ح 5 .

(2) الوسائل 4 : 94 / أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 1 .

ــ[254]ــ

   [1196] مسألة 6  : وقت نافلة الصبح بين الفجر الأول وطلوع الحمرة المشرقية (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلو أتى بالفريضة أول وقتها وعقّبها بالوتيرة ثم نام(1) حوالي منتصف الليل صدق أنه بات مع الوتيرة بالضرورة وإن تحقق بينهما الفصل الطويل .

   وبالجملة : فالمقالة المزبورة عارية عن الدليل ، وإن كان الأولى رعايتها ولو لأجل فتوى هؤلاء الأعلام بها .

   (1) ينبغي التكلم في وقت نافلة الفجر تارة من حيث المبدأ واُخرى من ناحية المنتهى ، فهنا مقامان :

   أما المقام الأول : فلا ينبغي الاشكال في جواز الاتيان بها قبل طلوع الفجر على سبيل الدسّ في صلاة الليل ، للتصريح بذلك في جملة من النصوص التي منها صحيح البزنطي قال : «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : ركعتي الفجر اُصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر ؟ فقال : قال أبوجعفر (عليه السلام) : احشُ بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر»(2) .

   وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر ، فقال : قبل الفجر إنهما من صلاة الليل ، ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل»(3) ونحوهما غيرهما .

   كما لا ينبغي الاشكال في جواز الاتيان بها بعد طلوع الفجر إلى ما قبل طلوع الحمرة المشرقية ، لجملة اُخرى من النصوص التي منها صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أباالحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخرهما ؟ قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قد عرفت عدم أخذ النوم في مفهوم البيتوتة .

(2) الوسائل 4 : 265 / أبواب المواقيت ب 50 / ح 6 .

(3) الوسائل 4 : 264 / أبواب المواقيت ب 50 ح 3 .

ــ[255]ــ

يؤخرهما»(1) لدلالتها على مركوزية جواز الاتيان بها قبل ظهور الحمرة في ذهن السائل وكونه أمراً مفروغاً عنه ، ومن ثم خص السؤال بما بعد الظهور ، وقد أقرّ الامام (عليه السلام) ما كان مرتكزاً ومغروساً عنده ، وسوف يأتي مزيد بحث حول هاتين الصورتين عند تعرض الماتن لهما .

   وإنما الكلام في صورة ثالثة وهى الاتيان بها قبل طلوع الفجر من غير الاتصاف بعنوان الدسّ ، بأن يقتصر عليها خالية عن الاقتران بصلاة الليل ، سواء لم يأت بها أصلاً ، أو أتى بها مع فصل طويل مانع عن الصدق المزبور .

   ظاهر التحديد بطلوع الفجر في كلمات من حدد الوقت به ، عدم الجواز لكونه من الصلاة قبل الوقت ، خرجنا عنه في صورة الدس بالنص ولا سبيل للتعدي عنه .

   غير أنّ بعضهم ومنهم صاحب الوسائل صرّح بالجواز حيث أخذه في عنوان بابه فقال في الباب الخمسين من أبواب المواقيت ما لفظه : باب استحباب تقديم ركعتي الفجر على طلوعه بعد صلاة الليل بل مطلقاً(2) .

والذي ينبغي أن يقال : إن الاتيان بها قبل طلوع الفجر بفاصل كثير مانع عن إضافتها إليه لم ينهض أيّ دليل على مشروعيته ، إذ المأتي به بعد منتصف الليل أو في الثلث الأخير منه كيف تتصف بنافلة الفجر وتعنون بهذا الاسم ، بل تسميتها حينئذ بنافلة الليل أحرى وأولى كما لا يخفى ، فنفس هذه التسمية كافية في الدلالة على عدم المشروعية ، ولزوم الاتيان بها في زمان صالح للاضافة وقابل لتلك التسمية ، بأن يؤتى بها مقارناً للطلوع أو بعده أو قبيله بشيء قليل . وتؤيده رواية محمد بن مسلم قال : «سألت أباجعفر (عليه السلام) عن أول وقت ركعتي الفجر ، فقال : سدس الليل الباقي»(3) فان السدس الباقي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 266 / أبواب المواقيت ب 51 ح 1 .

(2) الوسائل 4 : 263 / أبواب المواقيت ب 50 .

(3) الوسائل 4 : 265 / أبواب المواقيت ب 50 ح 5 .

ــ[256]ــ

ينطبق على ما بين الطلوعين مع شيء قليل قبله ، بناءً على ما هو الصواب من أنّ الليل اسم لما بين غروب الشمس وطلوعها . نعم إن الرواية ضعيفة السند بمحمد بن حمزة بن بيض فلا تصلح إلا للتأييد .

   وأما الاتيان بها قبل الطلوع بشيء يسير وفي زمان قريب فالظاهر جوازه ، لدلالة جملة من النصوص عليه التي منها صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما ؟ فقال : قبل طلوع الفجر ، فاذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة»(1) ، بل لعل ظاهر هذه أفضلية التقديم حذراً عن التطوع في وقت الفريضة .

   ولكن بازائها صحيحتان تضمنتا الأمر بالاتيان بعد طلوع الفجر .

   إحداهما : صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) صلّهما بعد ما يطلع الفجر»(2) .

   وثانيتهما : صحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال : «قال أبوعبدالله (عليه السلام) صلّهما بعد الفجر ، واقرأ فيهما في الاُولى قل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية قل هو الله أحد»(3) .

   فربما يتوهم أنهما تعارضان ما سبق ، وليس كذلك .

   أما أوّلاً : فلعدم وضوح ورودهما في نافلة الفجر ، إذ لم يذكر مرجع الضمير ، والرجوع إليها غير بيّن ولا مبين ، ولم يقم عليه أيّ دليل ما عدا فهم الشيخ(4) وغيره من أرباب الحديث والتأليف حيث فهموا ذلك ، ومن ثم أدرجوها في باب النافلة ، ومن الجائز أن تكون ناظرة إلى الفريضة نفسها . ومعه لا تعارض بينهما بوجه .

   وثانياً : سلّمنا ورودهما في النافلة ، لكن صحيحة زرارة صريحة الدلالة في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 265 / أبواب المواقيت ب 50 ح 7 .

(2) ، (3) الوسائل 4 : 267 / أبواب المواقيت ب 51 ح 5 ، 6 .

(4) التهذيب 2 : 134 / 523 ، 521.

ــ[257]ــ

جواز التقديم  ، بل أفضليته كما سمعت ، والصحيحتان ظاهرتان في التحديد ، ومقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظهور بتلك الصراحة والحمل على بيان مجرد الترخيص كما هو الشأن في مقام الجمع(1) بين الظاهر والنص .

   وثالثاً : مع الغض وتسليم استقرار المعارضة فلا مناص من ترجيح الصحيحة ، لأجل مخالفتها للعامة حيث إنهم يرون تحديد الوقت بما بعد الفجر ولا يجوّزون التقديم عليه ، فتحمل الصحيحتان على التقية .

   وتؤيده رواية أبي بصير قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : متى اُصلي ركعتي الفجر ؟ قال فقال لي : بعد طلوع الفجر ، قلت له : إن أباجعفر (عليه السلام) أمرني أن اُصلّيهما قبل طلوع الفجر ، فقال : يا أبامحمد إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكاكاً فأفتيتهم بالتقية»(2) .

   فانها صريحة في أنّ الصحيحتين الصادرتين عن الصادق (عليه السلام) محمولتان على التقية ، وأن صحيحة زرارة الصادرة عن الباقر (عليه السلام) هي المسوقة لبيان الحكم الواقعي . لكنها ضعيفة السند لمكان علي بن أبي حمزة البطائني فانه ضعيف على الأظهر ، وإن كان المتراءى من عبارة الشيخ في العُدّة وثاقته(3) ، فانه لا أصل له(4) كما بيّناه في محله ، ومن ثم لا تصلح إلا للتأييد ، هذا .

   ومما يدل على جواز التقديم جملة من الصحاح دلت على جواز الاتيان بها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناط الجمع العرفي على ما تكرر منه (قدس سره) في غير موضع إمكان الجمع بين    الدليلين في كلام واحد من غير تهافت ، وهذا الضابط غير منطبق على المقام ، بداهة التنافي  بين الصدر والذيل في نظر العرف لو عرضت عليهم مثل هذه العبارة «موضعهما قبل الفجر» و«صلهما بعد الفجر» وإنما يتجه الحمل على مجرد الترخيص الذي اُفيد في المتن فيما إذا كان    الثاني بلسان لا بأس ، أو وارداً موقع توهم الحظر ، فهذا الجواب غير واضح .

(2) الوسائل 4 : 264 / أبواب المواقيت ب 50 ح 2 .

(3) العدة 1 : 56 السطر 18 .

(4) بل له أصل كما اعترف به في المعجم 12 : 246 / 7846 ولكنّه معارض بتضعيف ابن    فضال .

ــ[258]ــ

قبل الفجر وبعده وعنده ، وقد عقد لها في الوسائل باباً مستقلاً ، كصحيحة محمد ابن مسلم قال : «سمعت أباجعفر (عليه السلام) يقول : صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده» . ونحوها صحيحته الاُخرى ، وصحيحة ابن ابي يعفور(1) وغيرها .

   نعم ، لا إطلاق للقبلية بحيث يعم الفصل الطويل ، لمنافاته مع المحافظة على الاضافة اللازم رعايتها ، فهي ناظرة إلى ما قبل الفجر بمقدار يسير بحيث يصدق معه عنوان التسمية بنافلة الفجر كما سبق .

   وأما المقام الثاني : فالمشهور انتهاء الوقت بظهور الحمرة المشرقية فلا يؤتى بها بعد ذلك ، بل تؤخّر عن الفريضة كما نطقت به صريحاً صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أباالحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخرهما ؟ قال : يؤخرهما»(2) .

   وما ذكروه هو الصحيح ، لما أسلفناك من أن نفس إضافة الركعتين إلى الفجر يستدعي الاتيان بهما في وقت تتحفظ فيه الاضافة وتتحقق التسمية ، بأن يؤتى بهما عند الفجر أو قبيله أو بعيده ، من غير فصل طويل في أيّ من الطرفين ، غايته أنا استفدنا من الصحيحة المزبورة بمقتضى تقرير الارتكاز جواز الاتيان إلى ما قبل ظهور الحمرة ، حيث كان ذاك مركوزاً في ذهن السائل كما سبق ، وأما الزائد على ذلك فلا دليل على مشروعيته ، بل إن نفس الصحيحة تدل على عدمها بمقتضى النهي المستفاد من قوله (عليه السلام) : «يؤخرهما» الكاشف عن انقطاع الأمر عند بلوغ هذا الحد بحيث لو كانت ثمة رواية دلت باطلاقها على بقاء الأمر إلى حين طلوع الشمس يجب تقييدها بهذه الصحيحة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4 : 268 / أبواب المواقيت ب 52 ح 1 ، 3 ، 2 .

(2) الوسائل 4 : 266 / أبواب المواقيت ب 51 ح 1 .

ــ[259]ــ

   والحاصل : أن الدليل على عدم المشروعية بعد ظهور الحمرة قصور المقتضي أوّلاً ، لما عرفت من انقطاع الاضافة . وصحيحة ابن يقطين ثانياً ، فما عليه المشهور هو المتعين .

   أجل ، قد يتوهم معارضتها بصحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يقوم وقد نوّر بالغداة ، قال : فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ، ثم ليصل الغداة»(1)، نظراً إلى أنّ تنوّر الغداة ملازم لظهور الحمرة ، وقد دلت هذه على تقديم الركعتين وتلك على التأخير فيتعارضان .

   ويندفع : بعدم الملازمة ، بل التنوير أعم ، لكونه أسبق من الظهور المزبور فيتحقق النور ولا حمرة ، إذن فمقتضى الصناعة تقييد الثانية بالاُولى والالتزام بأنه لدى تنوّر الغداة تتقدم النافلة ما لم تظهر الحمرة وإلا تتأخر ، فلا معارضة بينهما بوجه .

   وأما المناقشة في سند الأخيرة باشتماله على القاسم بن محمد الجوهري ولا توثيق له ، فمدفوعة بوجوده في أسناد كامل الزيارات(2) .

   كما أنّ توهم معارضتها في موردها بما رواه اسحاق بن عمار عمّن أخبره عنه (عليه السلام) قال : «صلّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فان كان بعد ذلك فابدأ بالفجر»(3) حيث إن كون الضوء حذاء الرأس مساوق لتنوير الغداة لو لم يكن أسبق منه ، وقد دلت هذه على البدأة حينئذ بالفريضة وتلك بالنافلة .

   مدفوع : بضعفها سنداً للارسال ، ولاشتمال السند على محمد بن سنان فلا تنهض للمعارضة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (3) الوسائل 4 : 267 / أبواب المواقيت ب 51 ح 4 ، 7 .

(2) حسب الرأي السابق المعدول عنه .

ــ[260]ــ

   ثم إنه حكي عن الشهيد في الذكرى(1) الاستدلال على امتداد الوقت إلى طلوع الشمس بصحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن الركعتين قبل الفجر ، قال : تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة أنهما قبل الغداة»(2) .

   وفيه : أن الصحيحة مضطربة ، فان متنها قد نقل بوجوه عديدة .

   1 ـ «تركعهما حين تنزل الغداة» . 2 ـ «تركعهما حين تترك الغداة» .
3 ـ «تتركهما حين تترك الغداة» . 4 ـ «تركعهما حين تنوّر الغداة» . 5 ـ «تركعهما حين تركع الغداة» إلى غير ذلك من النسخ المحكية . والاستدلال المزبور إنما يستقيم بناءً على النسخة الأخيرة أو الثالثة ، لدلالتها حينئذ على اتحاد الوقتين فيستمر وقت النافلة باستمرار وقت الفريضة الممتد إلى طلوع الشمس ، كما أن وقت تركها هو وقت ترك الفريضة ، وأما على بقية النسخ فلا دلالة لها على ذلك بوجه كما هو واضح ، وحيث إنّ شيئاً من تينك النسختين لم يثبت فلا مجال للاستدلال بها .

   ثم لا يخفى أنّ المستفاد من تخصيص مورد السؤال في صحيحة علي بن يقطين بمن لم يصل حتى أسفر واحمرّ ، مغروسية جواز التقديم لو صلى قبل ذلك ، فتدل بمقتضى التقرير على الجواز حتى في صورة مزاحمة النافلة لوقت فضيلة الفريضة وتقديمها عليها لدى الدوران ، كما لو لم يبق إلى ظهور الحمرة التي هي منتهى وقت الفضيلة لصلاة الغداة إلا مقدار ركعتين ، بحيث لو صرفهما في النافلة يفوت عنه وقت الفضيلة ، فانّ مقتضى إطلاق الصحيحة جواز ذلك ولا بدع في ذلك ، كما لا وقع لاستيحاش بعضهم من ذلك بعد مساعدة الدليل ، غاية الأمر ارتكاب التقييد في اطلاق ما دل على أن النافلة لا تزاحم فضيلة الفريضة الذي ليس هو بعزيز في الفقه ، فانا نتابع [في] استنباط الأحكام مدى دلالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذكرى 2 : 379 .

(2) الوسائل 4 : 266 / أبواب المواقيت ب 51 ح 2 .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net