معنى التقليد 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 14692


   معنى التقليد

   (1) قد عرّف التقليد بوجوه :

   منها : أن التقليد أخذ فتوى الغير للعمل به .

   ومنها : أنه الالتزام بالعمل بفتوى الغير وإن لم يعمل به بعد ولا أخذ فتواه .

   ومنها : غير ذلك من التفاسير .

   والتحقيق : أن التقليد عنوان من عناوين العمل وطور من أطواره ، وهو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، بأن يكون قول الغير هو الّذي نشأ منه العمل وأنه السبب في صدوره ، فإن المقلّد في أعماله يتّكي ويستند إلى قول الغير فهو المسؤول عن وجهه دون العامل المقلّد .

    معنى التقليد بحسب اللغة

   ويرشدك إلى ذلك ملاحظة اللغة ، حيث إن التقليد بمعنى جعل الشخص أو غيره ذا قلادة فيقال : تقلد السيف أي ألقى حمالته في عنقه ، ومنه تقليد البدنة في الحج لأن معناه أنه علّق بعنقها النعل ليعلم أنها هدي فيكف عنها ، وفي حديث الخلافة : «قلّدها رسول الله علياً» (2) ، أي جعلها قلادة له ، فمعنى أن العامي قلّد المجتهد أنه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه وأتى بها استناداً إلى فتواه ، لا أن معناه الأخذ أو الالتزام أو غير ذلك من الوجوه ، لعدم توافق شيء من ذلك معنى التقليد لغة . مثلاً إذا فسّرناه بالالتزام رجع معنى تقليد المجتهد إلى أن العامي جعل فتوى المجتهد وأقواله قلادة لنفسه ، لا أنه جعل أعماله قلادة على رقبة المجتهد . وقد عرفت أن المناسب لمعنى التقليد هو الثاني دون الأول ، فإن لازمه صحة إطلاق المقلّد على المجتهد دون العامي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل هو الاستناد إلى فتوى الغير في العمل ، ولكنه مع ذلك يكفي في جواز البقاء على التقليد أو وجوبه تعلم الفتوى للعمل وكونه ذاكراً لها .

(2) كذا في مجمع البحرين في مادة (قلّد) .

ــ[59]ــ

    معنى التقليد بحسب الأخبار

   ثمّ إن ما ذكرناه في معنى التقليد ، مضافاً إلى أنه المناسب للمعنى اللغوي قد اُشير إليه في جملة من الروايات كمعتبرة عبدالرحمان بن الحجاج قال : «كان أبو عبدالله (عليه السّلام) قاعداً في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه ، فلمّا سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك ؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً ، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الأعرابي : أهو في عنقك ؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبدالله (عليه السّلام) : هو في عنقه قال أو لم يقل ، وكل مفت ضامن» (1) .

   وكالأخبار المستفيضة الدالة على أن «من أفتى بغير علم فعليه وزر من عمل به» (2) .

   ويؤيد ذلك ما ورد في الحج «من أن كفارة تقليم الأظافر على من أفتى به» (3) لا على المباشر .

   ومن ذلك يستكشف بوضوح أن ما ذكرناه في معنى التقليد هو المعنى المتفاهم العرفي من لفظة التقليد عند إطلاقها ، بل عليه جرت اللغة الدارجة في عصرنا حيث ترى يقولون : قلّدتك الدعاء والزيارة . إذن الاصطلاح الدارج واللغة والعرف متطابقة على أن التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، هذا .

   إلاّ أن صاحب الكفاية (قدّس سرّه) لم يرتض بذلك وذهب إلى أن التقليد هو الأخذ والالتزام ، ومنع عن تفسيره بالعمل استناداً إلى رأي الغير ، نظراً إلى أن التقليد إذا كان نفس العمل على طبق فتوى الغير فأوّل عمل يصدر من المكلف يصدر من غير تقليد ، لأن ذلك العمل غير مسبوق بالتقليد الّذي هو العمل ، مع أن العمل لا بدّ أن يكون مسبوقاً بالتقليد ، لأن المكلف لا بدّ أن يستند في أعماله إلى حجة فكما أن المجتهد يستند إلى اجتهاده وهو أمر سابق على عمله ، كذلك العاميّ لا بدّ أن يستند إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 220 / أبواب آداب القاضي ب 7 ح 2 .

(2) ورد بهذا المضمون في وسائل الشيعة 27 : 20 / أبواب صفات القاضي ب 4 .

(3) ورد بهذا المضمون في وسائل الشيعة 13 : 164 / أبواب بقية كفارات الاحرام ب 13 .

ــ[60]ــ

التقليد ويلزم أن يكون تقليده سابقاً على عمله (1) .

   ويرد عليه : أن التقليد كما مرّ لون وعنوان للعمل ، فهو أمر مقارن معه ولا يعتبر فيه السبق زماناً ، فإذا عمل المكلّف عملاً مستنداً إلى فتوى الغير ، كان ذلك العمل مقروناً بالتقليد لا محالة وهو كاف في صحته ، ولا دليل على اعتبار سبق التقليد على العمل .

   وقد يورد على تفسير التقليد بما ذكرناه ، بأن ذلك مستلزم للدور فإن مشروعية العبادة وصحتها من المقلد تتوقف على تقليده ، إذ لو لم يقلّد لم يتمكن من الاتيان بها بما أنها مأمور بها حتى تقع عبادة ، فلو كان تقليده متوقفاً على إتيانه بالعبادة لعدم تحقق التقليد إلاّ بالعمل ، لدار .

   ويندفع بأن المتوقف عليه ، غير المتوقف عليه ، وذلك لأن مشروعية أي عمل عبادي أو غيره لا يمكن أن تكون ثابتة بالتقليد ، لعدم كونه مشرعاً في الدين . بل إنما تتوقف المشروعية على الدليل ولو كان هو فتوى مقلده . نعم ، إذا أتى المكلف بالعمل بعد العلم بمشروعيته مستنداً فيه إلى فتوى المجتهد ، إنطبق عليه التقليد لا محالة . فالتقليد وإن كان متوقفاً على العمل إلاّ أنه لا يتوقف على التقليد بوجه ، فلا توقف في البين ، وعلى الجملة أن التقليد إنما يتحقق بالعمل على قول الغير ولا توقف له على الالتزام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net