حكم العاجز عن تكرار الصلاة إلى الجهات الأربع 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4524


ــ[457]ــ

   [1238] مسألة 10  : يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان اختلافهما يسيراً (1) بحيث لا يضر بهيئة الجماعة (2) ولا يكون بحد الاستدبار (3) أو اليمين أو اليسار .

   [1239] مسألة 11  : إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية ، صلى إلى أربع جهات((1)) إن وسع الوقت وإلا فبقدر ما وسع (4)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لصحة صلاة كل من الإمام والمأموم حتى بنظر الآخر ، ومعه لا مانع من صحة الاقتداء .

   (2) أما إذا أضرّ بالهيئة كما إذا كان الاختلاف بما دون تسعين درجة فصلاة كل منهما وإن كانت صحيحة أيضاً في حد نفسها كما عرفت ، إلا أن الإخلال بالهيئة يمنع عن صدق عنوان الجماعة فتفسد بطبيعة الحال .

   (3) للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين المانع عن انعقاد الجماعة ، بل لعلم المأموم تفصيلاً ببطلان صلاته ، إما لكونها لغير القبلة أو لبطلان صلاة الإمام ، ومعه لا يصح الائتمام كما هو ظاهر .

   (4) قد عرفت سابقاً(2) أن من لم يتمكن من استعلام القبلة لا بعلم ولا بعلمي ولم يقدر على تحصيل الظن بالاجتهاد والتحري فكان متحيراً بحتاً سقطت عنه شرطية القبلة حينئذ فتجزئة الصلاة إلى جهة واحدة حيث شاء على الأقوى ، لقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم : «يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة»(3) خلافاً للمشهور حيث التزموا حينئذ بوجوب الصلاة إلى جهات أربع كما تقدم(4) .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط كما مرّ آنفاً .

(2) في ص 438 .

(3) الوسائل 4 : 311 / أبواب القبلة ب 8 ح 2 .

(4) في ص 436 .

ــ[458]ــ

   فعلى المختار لا إشكال في الاجتزاء بصلاة واحدة لدى العجز عن التكرار إلى الجوانب الأربع إما لضيق الوقت أو لمانع آخر ، فان الاكتفاء بالواحدة مع الاختيار والسعة يستوجب الاكتفاء بها مع الاضطرار والضيق بطريق أولى .

   وأما على المسلك المشهور فهل يجب رعاية بقية المحتملات والإتيان بالمقدار المتمكن من الصلوات عند العجز عن الصلاة إلى تمام الجهات الأربع أم يجزئه حينئذ صلاة واحدة حيثما توجه ؟ المشهور هو الأول ، وذهب بعضهم إلى الثاني .

   وهذه المسألة مبنية على كبرى اُصولية ـ والكبرى منقحة في الاُصول(1) ـ وهي أن الاضطرار إلى ترك بعض أطراف الشبهة المحصورة في الشبهة الوجوبية هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز فلا مقتضي لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف أم لا ؟ بل هو بعدُ باق على التنجيز بالإضافة إلى غير مورد الاضطرار ؟

   ذهب صاحب الكفاية(2) (قدس سره) إلى السقوط بدعوى أن الشرط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال ذا أثر على كل تقدير بحيث يكون متعلق العلم تكليفاً فعلياً على أي حال ، وبما أن الاضطرار رافع للتكليف واقعاً ، ومن الجائز أن يكون المعلوم بالإجمال بنفسه مورداً للاضطرار المستلزم لسقوط التكليف حينئذ فلم يكن العلم الإجمالي متعلقاً بحكم فعلي على كل تقدير ، إذ لا أثر له على هذا التقدير وإن كان له الأثر على التقدير الآخر . ففي المقام الصلاة إلى الجوانب الأربعة إنما تجب للعلم الإجمالي بوقوع القبلة في أحدها أو بعد فرض الاضطرار إلى ترك إحدى الجهات أو ثنتين منها لمكان الضيق أو لمانع آخر ، واحتمال أن يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 2 : 380 .

(2) كفاية الاُصول : 360 .

ــ[459]ــ

المضطر إلى تركه هي الصلاة إلى القبلة بنفسها فلا علم بالتكليف الفعلي على كل تقدير ، فلا يكون مثل هذا العلم منجزاً ، ونتيجة ذلك سقوط شرطية القبلة حينئذ وجواز الاجتزاء بصلاة واحدة . ولعل هذا هو وجه القول بكفاية صلاة واحدة المخالف للمشهور الذي أشرنا إليه آنفاً ، هذا .

   ولكن الظاهر عدم السقوط وبقاء العلم الإجمالي على صفة التنجيز فتجب رعاية الاحتياط في بقية المحتملات . والوجه في ذلك : أن الاضطرار إنما يوجب ارتفاع الحكم وسقوط التكليف إذا كان الحكم الشرعي بنفسه مورداً للاضطرار لا غيره ، أو الجامع بينه وبين غيره ، فلا بد من اتحاد المتعلقين بحيث يكون الاضطرار متعلقاً بعين ما تعلق به التكليف ، ولا شك أن الصلاة إلى القبلة الواقعية المردّدة بين الجهات الأربع لا اضطرار إلى تركها بخصوصها وفي حدّ ذاتها ، ولذا لو انكشف الحال وارتفع الإجمال وتعينت القبلة في جهة خاصة كان متمكناً من الصلاة إليها على الفرض ، وإنما الاضطرار قائم بالجمع بين المحتملات ، فمتعلقه هو الجامع بين الصلاة إلى القبلة الواقعية وبين غيرها دون الاُولى بخصوصها ، ومن الضروري أن مثل هذا الاضطرار لا يرتفع به التكليف .

   وعليه فوجوب الصلاة إلى القبلة المعلومة بالإجمال باق على حاله ، وحيث إن كلاً من الأطراف يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه فلا يسوّغ العقل مخالفته ، لاحتمال أن يكون ذلك مخالفة للتكليف الواصل ، فلا مؤمّن من احتمال العقاب فيجب بحكم العقل رعاية الاحتياط فيه دفعاً للضرر المحتمل ، فيأتي بالممكن من الأطراف ويصلي إلى ما يتيسر من الجهات إلى أن ينتهي إلى الطرف غير الممكن المضطر إلى تركه فيقطع حينئذ بالأمن من العقاب في ترك هذه الجهة ، لأن القبلة إن كانت في غيرها فقد صلى إليها ، وإن كانت فيها فهو مضطر في ترك الصلاة إليها فيسقط لمكان العجز ، فهو عالم بسقوط الأمر إما بالامتثال أو بالعجز .

ــ[460]ــ

   وبالجملة : ما هو المناط في رعاية الاحتياط لدى التمكن من تمام الجهات ـ وهو احتمال أن يكون تركه مخالفة للتكليف الواصل من دون مؤمّن ـ بعينه هو المناط عند العجز عن بعض تلك الجهات ، غايته أن الاحتياط هناك تام وفي المقام ناقص ، وهذا لا يوجب فرقاً بين المقامين كما هو ظاهر .

   ثم إنه لو صلى إلى الجهات الممكنة وترك الجهة الاُخرى المتعذرة فهل يجب قضاء الصلاة إلى الجهة المتروكة ؟

   أما على المختار من عدم وجوب أكثر من صلاة واحدة حتى في سعة الوقت ـ كما مر ـ فلا موضوع لهذا البحث ، إذ لا تجب رعاية الجهات في الوقت فضلاً عن خارجه ، وهذا واضح .

   وأما على المبنى المشهور من وجوب الصلاة إلى الجهات الأربع فالمحتملات في المقام ثلاثة ، ولعلّ لكل منها قائلاً .

   الأول : عدم وجوب القضاء ، لأنه قد أتى بوظيفته المقررة له في الوقت ، وعمل بالواجب حسب قدرته وطاقته فلم يفت عنه شيء كي يقضي .

   الثاني : وجوب القضاء ، للشك في وقوع الصلاة إلى القبلة الواقعية ، والأصل العدم ، فلابد من الإتيان بالجهة الاُخرى المكملة للجهات كي يحرز الامتثال .

   الثالث : التفصيل بين ما لو انكشف الخلاف وتبين أن الجهات المأتي بها كانت إلى غير القبلة فيجب دون ما إذا لم ينكشف ، وهذا هو الصحيح .

   أما الوجوب في فرض الانكشاف فلأن القبلة من الأركان التي تبطل الصلاة بفقدها ، ولأجله كانت أحد المستثنيات في حديث لا تعاد ، وعليه فالصلاة الصحيحة قد فاتته في الوقت فيجب القضاء خارجه .

   وأما عدم الوجوب عند عدم الانكشاف فلأن القضاء بأمر جديد ، وموضوعه الفوت ، وهو غير محرز لا بالوجدان كما هو ظاهر ولا بالأصل ،

 
 

ــ[461]ــ

فانه عنوان وجودي منتزع من عدم الإتيان في مجموع الوقت ، ولا حالة سابقة له كي تستصحب ، نعم يجري الاستصحاب في منشأ الانتزاع ، لأن ذات الصلاة قد أتى بها ، وأما إيقاعها إلى القبلة فمشكوك فيستصحب عدم الإتيان بالصلاة إلى القبلة ، لكن إثبات عنوان الفوت الملازم لذلك الذي هو الموضوع للحكم بمثل هذا الاستصحاب من أظهر أنحاء الأصل المثبت ، فهذا التفصيل هو الوجيه ، ومنه يظهر فساد الاحتمالين الأولين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net