الكلام في كفاية الظن بالرضا الحاصل من شاهد الحال 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4475


   إنما الاشكال فيما اذا لم توجب تلك الشواهد أكثر من الظن ، فان فيه خلافاً بين الأعلام ، فذهب جمع كثير إلى اعتبار العلم في شاهد الحال فلا يعوّل عليه بدونه ، واختار آخرون الاكتفاء بمطلق الظن ، بل قيل بجواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك ، وكان المتعارف عدم المضايقة في أمثاله ما لم تكن هناك أمارة على الكراهة .

   وصاحب الحدائق(1) بعد أن أسند الاكتفاء بالظن إلى المشهور أيّده بما روي عنه (صلى الله عليه وآله) : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(2) بدعوى أنّ المناسب لسعة الامتنان الاكتفاء بمجرد الظن .

   وهذا كما ترى ، ضرورة أنّ الرواية ليست إلا بصدد بيان الحكم الطبيعى ، وأنّ كل أرض فهو صالح في نفسه لايقاع الصلاة فيه ، وأنّ الله تعالى وسّع على هذه الاُمة المرحومة ولم يضيّق عليهم بالالزام بايقاعها في مكان خاص ، كما كان كذلك في بعض الاُمم السالفة ، وليست في مقام بيان الحكم الفعلي كي يستفاد منه إلغاء شرطية الاباحة أو الطهارة ، كما يفصح عنه عطف الطهور على المسجد ، إذ لا اشكال في اعتبارهما في طهورية الأرض ، فكذا في مسجديته .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 7  : 176 .

(2) الوسائل 3  : 350 / أبواب التيمم ب 7 ح 2 .

ــ[55]ــ

   هذا ، واستدل في المستند على كفاية الظن بالرضا في جواز التصرف في ملك الغير مطلقاً بموافقته للأصل السليم عن الدليل على خلافه .

   قال ما ملخصه : أنّ مقتضى الأصل جواز التصرف في كل شيء ما لم يعلم بكراهة المالك ، ففرض الشك فضلاً عن الظن بالرضا محكوم بالجواز بمقتضى الأصل ، بل قد صرح (قدس سره) في طي كلماته أنّه لولا قيام الاجماع على عدم جواز التصرف بمجرد الاحتمال والشك في الرضا لقلنا بالجواز حينئذ عملاً بمقتضى الأصل السليم عن المعارض .

   وأما صورة الظن الحاصل من شهادة الحال فهي باقية تحت الأصل ، لعدم المخرج ، لانحصاره في الاجماع والأخبار ، وشيء منهما لم يثبت ، أما الاجماع فلاختصاصه بصورة الشك ولا إجماع مع الظن ، كيف وقد ادعى صاحب الحدائق أن المشهور حينئذ هو الجواز ـ كما تقدم ـ وأما الأخبار فهي ضعيفة سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ، فان التوقيع ضعيف السند ، وكذا رواية محمد بن زيد الطبري : «لا يحل مال إلا من وجه أحله الله»(1) مضافاً إلى قصور الدلالة ، لعدم العلم بمتعلق عدم الحلية ، ومن الجائز أن يراد به الاتلاف دون مطلق التصرفات .

   ومنه يظهر ضعف دلالة الموثق : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه»(2) لما عرفت من احتمال أن يكون المقدّر خصوص التصرفات المتلفة لا مطلقها .

   ثم ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه : أنّ هذا كله في غير الصلاة ، وأما هي وما يضاهيها فيجوز التصرف بمثلها لكل أحد في كل مال ، ولا يؤثّر فيه منع المالك بعد عدم تضرره بها ، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو الرجل في ملك الغير ، فانها كالاستظلال بظلّ جداره والاستضاءة بنور

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9  : 538 / أبواب الأنفال ب 3 ح 2 .

(2) الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلي ب 3 ح 1 .

ــ[56]ــ

سراجه ، فهي ليست من التصرفات الممنوعة الموقوفة على إجازة الملاّك ، لقصور الأدلة عن الشمول لها(1) . انتهى .

   وفي كلامه (قدس سره) مواقع للنظر لا تخلو عن الغرابة مع ما هو عليه من الدقة والتحقيق ، بل لم نكن نترقب صدورها من مثله .

   أما ما أفاده (قدس سره) أخيراً من إنكار صدق التصرف الممنوع على الصلاة في ملك الغير بغير رضاه ، وأنه مجرد استناد لا يمنع عنه العقل ما لم يتضرر به المالك ، فهو عجيب ، ضرورة أنّ الكون في ملك الغير والاستناد والاعتماد على مملوكه من دون رضاه من أظهر مصاديق التصرف وأوضح أنحاء المزاحمة مع سلطان الغير الذي يستقل العقل بقبحه ، وأنه بمجرده ظلم وتعد عليه سواء تضرّر به أم لا ، لعدم كون التضرر مناطاً في قبح التصرف المزبور كي يدور مداره قطعاً ، وإلا لجاز الدخول والمكث بغير رضاه والأكل والشرب من مال المتصرف والمقام مدة مديدة إذا فرض عدم تضرر المالك بها وإن كان كارهاً لها . وكل ذلك كما ترى لا يلتزم به المتفقّه فضلاً عن الفقيه .

   نعم ، الاعتماد على ملك الغير مع كون المعتمد خارجه كالاتكاء من خارج الدار على الجدار جائز بلا إشكال ، لقيام السيرة القطعية العمليّة واستقرار بناء العقلاء على جوازه .

   وأما قياس المقام بالاستظلال والاستضاءة كما صنعه (قدس سره) فهو مع فارق واضح ، بداهة أنّهما انتفاع بحت ولا دليل على حرمته بمجرده ، وأما المقام فهومن مصاديق التصرف كما عرفت .

   وأما ما أفاده (قدس سره) من أنّ مقتضى الأصل جوازالتصرف في مال الغير ، فهو من غرائب الكلام بعد استقلال العقل واتفاق أرباب الملل والنحل على قبحه ومنعه كما اعترف هو (قدس سره) به في صدر كلامه ، فانه تعد وطغيان عليه وتصرف في سلطانه ولا ريب في بطلانه ما لم يثبت رضاه ، فليس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستند 4 : 403 ، 406 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net