عدم جريان قواعد التزاحم في تزاحم الأجزاء والشرائط 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4623


   أقول : ما أفاده (قدس سره) مطابق لما هو المشهور بين الأعلام ـ ومنهم شيخنا الاُستاذ(1) (قدس سره) ـ من ادراج المقام وأمثاله مما دار الأمر فيه بين ترك أحد جزأي الواجب أو أحد شرطيه ، أو أحد المختلفين في باب التزاحم ، ومن هنا راعوا قواعد هذا الباب ، وأعملوا مرجحاته التي منها الترجيح بالأهمية القطعية أو الاحتمالية .

   لكنا ذكرنا غير مرّة في مطاوي هذا الشرح وبينّا في الاُصول(2) أنّ أمثال المقام من المركّبات الارتباطية أجنبية عن باب المزاحمة بالكلية وداخلة في باب التعارض ، لعدم انطباق ضابط الباب عليها ، فان المدار فيه على وجود تكليفين مستقلين نفسيين وجوبيين أو تحريميين أو مختلفين بحيث كان لكل منهما طاعة وعصيان بحياله ، وقد عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما في إنقاذ الغريقين ونحوهما .

   وأما في باب المركبات الجعلية كالصلاة فليس هناك إلا أمر وحداني متعلق بالمجموع المركب من عدّة أجزاء وشرائط ليس له الا امتثال واحد وعصيان فارد ، كما أنّه ليس في البين عدا ملاك واحد قائم بالمجموع بما هو مجموع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أجود التقريرات 1  : 281 .

(2) محاضرات في اصول الفقه 3  : 293 ، 100 .

ــ[75]ــ

   وعليه فالعجز عن واحد منها يستوجب سقوط الأمر عن الجميع بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها ، فلو كنّا نحن وذاك الأمر كان مقتضى القاعدة سقوط الصلاة حينئذ رأساً لمكان العجز ، إذ المركب ينتفي بانتفاء بعض الأجزاء .

   لكنا علمنا من الخارج بالنص(1) والاجماع أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، فنستكشف به تعلق أمر جديد بالمقدار الممكن من الأجزاء بعد القطع بسقوط الأمر الأول كما عرفت ، وحيث لم نعلم متعلق هذا الأمر الحادث وأنه الصلاة مع الركوع مثلاً أو هي مع القيام ـ فيما لو دار الأمر بين ترك أحدهما ـ فالمجعول بنفسه مجهول للشك فيما هو الصادر بالجعل الثانوي ، والترديد عائد إلى مقام الجعل الذي هو من شؤون التعارض ، لا إلى مرحلة الامتثال كما هو من خواص التزاحم ، فتقع المعارضة لا محالة ـ في مقام استكشاف ذاك الحكم المجعول ـ بين إطلاق دليل كل من الجزأين المفروض دوران الأمر بينهما كالركوع والقيام في المثال ، وكالوقت وما ذكر من الأجزاء والشرائط في المقام ، فان إطلاق كل منهما يقتضي الاتيان به حتى مع العجز عن الآخر ، فلابد من مراعاة قواعد التعارض والرجوع إلى مرجحات هذا الباب ، فان ثبت وإلا فالتخيير دون التساقط ، لما عرفت من قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال . فلا اعتبار بالترجيح بالأهمية القطعية ، فضلاً عن الاحتمالية كما لا يخفى .

   هذا ، ومع الغض وتسليم اندراج المقام في باب التزاحم فما هو الكاشف عن أهمية ملاك الوقت ولو احتمالاً ، فانّ دعواها قول بلا برهان مطالب بالدليل .

   نعم ، لو دار الأمر بين فوت الوقت رأساً وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية ، بحيث تردد الأمر بين الأداء والقضاء ، قدّم الأول بلا إشكال ، لأهمية الوقت المستكشفة من دليل عدم سقوط الصلاة بحال . وأما عند

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 2  : 373 / أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 .

ــ[76]ــ

الدوران بين التحفظ على تمام الوقت في مجموع الصلاة ، وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية مع وقوع بعض الركعات في الوقت بحيث لم تفته كُلاً كما في المقام ، فلا كاشف حينئذ عن أهمية الوقت حتى في مثل ذلك كي يقدّم الأول ، لعدم الدليل عليه كما عرفت .

   وعليه فلابد في تقديم الوقت من التماس دليل خارجي حتى بناءً على اندراج المقام وأمثاله في باب التزاحم .

   هذا ، وقد ذكرنا في محله(1) قيام الدليل على التقديم فيما لو دار الأمر بينه وبين الطهارة المائية ، بحيث لو أراد التحفظ على الوقت في تمام الركعات لم يتمكن إلا من التيمم ، ولو تصدى لتحصيل الطهارة المائية وقع مقدار من الصلاة خارج الوقت ولم يدرك منه إلا بمقدار ركعة أو أزيد ، والدليل هو الاستفادة من نفس آية التيمم ، أعني قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا. . . )(2) فانّ المراد بالصلاة فيها هو المراد منها في قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ)(3) المفسّر في الأخبار(4) بوقوع أربع صلوات ما بين الحدين ، ثنتان منها وهما الظهران ما بين الزوال والغروب ، وثنتان وهما العشاءان ما بينه وبين منتصف الليل ، فالمراد بالصلاة بعد ملاحظة التفسير هي الفريضة المضروب لها وقت خاص المحدودة بين المبدأ والمنتهى ، كالظهرين المحدودين بزوال الشمس وغروبها .

   وقد دلت الآية المباركة على أنّ من يقوم لهذه الفريضة إن تمكّن من الماء توضأ أو اغتسل وإلا تيمم ، فالشرط لتلك الصلاة هو جامع الطهارة الأعم من المائية والترابية دون الوضوء بخصوصه ، غايته مع رعاية الطولية والترتيب كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 5  : 358 .

(2) المائدة 5 : 6 .

(3) الاسراء 17 : 78 .

(4) الوسائل 4: 157 / أبواب المواقيت ب 10 ح 4.

ــ[77]ــ

عرفت ، ولذا ورد قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلا بطهور»(1) ولم يرد إلا بوضوء .

   وعليه فالمكلف العاجز عن الماء قادر على تحصيل شرط الصلاة في الوقت الذي هو جامع الطهارة كما ذكر ، غايته في ضمن الفرد الاضطراري وهو التيمم ، فهو متمكن من التحفظ على كلا الأمرين وفي وسعه رعاية كلا الشرطين ، أعني الطهارة والوقت ، فلا معارضة ولا مزاحمة .

   وقصارى ما يقال : إنّ لكل من الشرطين الاختياريين بدلاً في طوله ، فكما أن التيمم بدل عن الوضوء لدى العجز ، فكذا درك ركعة من الوقت بدل عن تمامه لمكان الاتساع في الوقت لدى العجز عنه المستكشف من حديث من أدرك ، فلا وجه لتقديم الأول على الثاني ، بل يمكن العكس فيتوضأ وإن وقع مقدار من الصلاة حينئذ خارج الوقت ، إذ لا ضير فيه بعد قيام الدليل على الاتساع مع الاضطرار المتحقق في المقام .

   ويندفع : بأن الحديث خاص بما لو فات الوقت بحسب طبعه إلا مقدار ركعة فلا يشمل التعجيز الاختيارى . فبعد التمكن الفعلي من درك الوقت في تمام الركعات مع التحفظ على جامع الطهارة الذي هو الشرط كما مرّ ، لا سبيل إلى تفويته اختياراً محافظة على الوضوء .

   والحاصل : أنّ الحديث لا يسوغ التعجيز ، بل مفاده التوسعة على تقدير العجز ، فلا يجوز التفويت اختياراً وإن كان لو عصى وفوّت شمله الحديث ، لصدق العجز حينئذ ، فلا يجوز التأخير عنه وتفويت تلك الركعة كما هو ظاهر .

   وبالجملة : فتقديم الوقت عند الدوران بينه وبين الطهارة المائية مما لا ينبغي الاشكال فيه لقيام الدليل عليه ، وهي الاستفادة من الآية المباركة .

   وأما عند الدوران بينه وبين غيرها من سائر الأجزاء والشرائط الاختيارية ـ كما في المقام ـ فلا دليل على تقديم الوقت والانتقال إلى الأبدال ، فان الركوع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 365 / أبواب الوضوء ب 1 ح 1 .

ــ[78]ــ

مثلاً ـ بنفسه جزء في الصلاة وهو غير صادق على الايماء لا لغة ولا عرفاً ولا شرعاً ، نعم على تقدير العجز فالشارع اجتزأ بالايماء بدلاً عنه ، وليس مرجع ذلك إلى اعتبار الجامع بينهما كما كان كذلك في الطهارة على ما مرّ ، بداهة أنّ الطهارة بجامعها شرط في الصلاة كما يقتضيه قوله (عليه السلام) «لا صلاة إلا بطهور»(1) لا خصوص الوضوء ، ولم يرد ما يقتضي جزئية الجامع المزبور ، بل الوارد جزئية الركوع خاصة غير الصادق على الايماء كما عرفت . وكذا الحال في السجود والاستقبال والاستقرار .

   هذا من ناحية ، ومن ناحية اُخرى أن اعتبار الركوع والسجود في الصلاة إنما هو على سبيل الانحلال ، بمعنى أنه يعتبر في كل ركعة اشتمالها على الركوع والسجود لدى التمكن ، فلا يناط ذلك بالقدرة عليهما في تمام الركعات ، بحيث لو عجز عنهما في البعض سقط الاعتبار في البعض الآخر ، إذ ليس الأمر كذلك بالضرورة ، فليس الحال فيهما كالطهارة التي هي شرط وحداني بسيط لوحظ اعتباره في مجموع الصلاة من حيث المجموع ، ولا تنحل إلى شرائط عديدة مستقلة بحسب الركعات أو الآيات كما لعله ظاهر .

   وعليه نقول : إنّ المكلف بعد فرض قدرته على الاتيان بذات الركوع والسجود في الركعة الاُولى ـ كما هو المفروض ـ فبأيّ مسوّغ يتركهما وينتقل إلى الايماء الذي لم تشرع بدليته إلا بعد العجز المفقود في تلك الركعة ، والعجز عن رعايتهما في بقية الركعات مع التحفظ على الوقت لا يؤثر في سقوط الأمر بهما في تلك الركعة ، لما عرفت آنفاً من حديث الانحلال ، وأنّ لكل ركعة حكماً يخصها ، والعبرة بالتمكن من الركوع والسجود في كل ركعة سواء عجز عنهما في بقية الركعات أم لا . ولم يكن الامر بالركوع [مع التمكن] وإلا فبالايماء مقيداً في لسان الدليل بمن يريد الفريضة الأدائية ، أي الصلاة الواقعة بتمامها في الوقت كما كان كذلك في جانب الطهارة على ما استفدناه من الآية المباركة كما مرّ حتى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1  : 365 / أبواب الوضوء ب 1 ح 1 .

ــ[79]ــ

يقال بأنّ المعتبر في الصلاة هو الجامع بين الركوع والايماء ، وأنّ الفرض ينتقل إلى الثاني رعاية للوقت في مجموع الصلاة كما قلنا بمثله في ناحية الطهارة .

   وحيث إن امتثال هذا التكليف ـ أعني الركوع والسجود في الركعة الاُولى ـ يستوجب لا محالة وقوع مقدار من الصلاة خارج الوقت ، فيشمله حينئذ دليل الاتساع المستفاد من حديث من أدرك ، إذ ليس التأخير وقتئذ مستنداً إلى المكلف كي يكون من التعجيز الاختياري المانع من شمول الحديث كما كان كذلك في ناحية الطهارة بالبيان المتقدم ، فلا يقاس أحدهما بالآخر .

   وعلى هذا فلا مناص من الانتقال إلى الوقت الاضطراري والتحفظ على الجزء الاختياري بقدر الامكان ، ونتيجة هذا البيان استكشاف تقديم الشارع الأجزاء الاختيارية على الوقت الاختياري .

   ومما يؤكده ويدل عليه : أنّ المراد من الركعة في حديث من أدرك(1) ـ الوارد في صلاة الغداة ويتعدى إلى بقية الصلوات بالقطع بعدم الفرق ـ الركعة الاختيارية ذات الركوع والسجود فانها المتبادر منها قطعاً ، فلو كانت رعاية الوقت الأوّلي أهم في نظر الشارع من رعاية الأجزاء الاختيارية لم يبق مورد لهذا الحديث ، بداهة أنّ الزمان الذي تشغله الركعة الاختيارية واف بنفسه لأربع ركعات اضطرارية فضلاً عن ركعتي الغداة التي هي مورد الحديث ـ كما عرفت ـ فانا لو فرضنا أنّ كل ركعة اختيارية تستوعب دقيقة من الزمان ، فيمكن الاتيان في هذه الدقيقة بتكبيرة والايماء للركوع والسجود لكل ركعة ثم التسليم لسقوط القراءة والتشهد والأذكار لدى العجز ، بل يمكن الاتيان بأكثر من الأربع من مثل هذه الركعات كما هو واضح ، فرفض الشارع لهذه الكيفية وأمره بالاتيان بركعة اختيارية في الوقت وإن وقع الباقي خارجه ، أقوى شاهد على ما ذكرناه من تقديم الأجزاء الأولية على الوقت الأوّلي .

   اللهم إلا أن يراد بالركعة في الحديث الركعة الاضطرارية الفاقدة للركوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 217 / أبواب المواقيت ب 30 .

ــ[80]ــ

والسجود ، لكنه كما ترى ينصرف عنها الحديث قطعاً ، بل المتبادر الركعة الاختيارية كما لا يخفي .

   ويؤيده أيضاً : صحيحة الحلبي الواردة في من نسي الظهرين وتذكر عند الغروب ، التي استدل بها لاختصاص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، قال (عليه السلام) فيها : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثم يصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً»(1) فان المراد بالظهر والعصر فيها الاختياريتان بلا إشكال .

   وعليه فلولا تقديم الأجزاء والشرائط الاختيارية على الوقت لدى الدوران بينهما لم يكن وجه لتخصيص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، ناهياً عن التأخير ، معلّلاً بفوت الجميع ، لامكان دركهما معاً بالاتيان بالظهرين الاضطراريتين ، فانّ الزمان الذي تقع فيه أربع ركعات اختيارية واف بثمانية اضطرارية ، بل أزيد كما ذكرنا آنفاً .

   ثم إنّ التعليل الذي ذكره في المتن لحكم المسألة ـ من تقديم الوقت لمكان الأهمية ـ على تقدير تسليمه لا يترتب عليه ما اختاره من لزوم إيقاع الصلاة بتمامها حال الخروج كما هو ظاهر العبارة ، بل اللازم حينئذ التلفيق بايقاع ثلاث ركعات مومئاً حال الخروج وايقاع الركعة الأخيرة في المكان المباح مع الركوع والسجود ، لعدم المزاحمة بين الوقت والأجزاء الاختيارية في الركعة الواحدة على الفرض ، وإنما المزاحمة بينه وبينها في تمام الركعات ، فغاية ما يقتضيه الترجيح بالأهمية تقديم الوقت بمقدار المزاحمة ، وحيث لا تزاحم بالاضافة إلى الركعة الأخيرة ، لفرض وقوعها في الوقت ، فلا مسوّغ لترك الأجزاء والشرائط الاختيارية بالنسبة إليها .

   وبالجملة : فسواء أقدّمنا الوقت كما يدعيه (قدس سره) أم لا ، فحيث إنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 4  : 129 / أبواب المواقيت ب 4 ح 18 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net