زيادة تكبيرة الإحرام - لو كبّر أثناء الصلاة لصلاة اُخرى 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5339


ــ[92]ــ

   فالأولى في المقام  أن يقال : إن كان هناك إجماع على البطلان عند النسيان بحيث أورث القطع بالحكم ، فالطائفة الثانية المتضمنة للصحة ساقطة عن الحجية في حدّ نفسها ، فلا تصلح للمعارضة ، بل يردّ علمها إلى أهله ، وإن لم يورث القطع ، للتشكيك في كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) كما لا يبعد ، فان ثبت حينئذ أنّ فتوى العامّة هي الصحة حملت هذه الطائفة على التقية ، وكان الترجيح مع الطائفة الاُولى لمخالفتها لهم ، وإن لم يثبت لذهاب جمع منهم إلى البطلان أيضاً كما قيل(1) ، فلا مناص من استقرار المعارضة حينئذ ، فيتساقطان ويرجع إلى إطلاق دليل الجزئية من قوله (عليه السلام) : افتتاحها التكبير ، أو تحريمها التكبير (2) ونحو ذلك ، وتكون النتيجة أيضاً هو البطلان عند النسيان ، ولا سبيل للرجوع إلى حديث لا تعاد لتصـحيحها لاختصاصه بمن تلبّس بالصلاة وشرع فيها، المتوقف على الاتيان بالتكبيرة التي هي افتتاحها ، فناسي التكبيرة غير داخل بعد في الصلاة ، بل هو خارج عنها وإن أتى ببقية الأجزاء فلا يشمله الحديث ، ولعلّ هذا هو السر في عدم عدّ التكبيرة من المستثنيات ، مع لزوم إعادة الصلاة بالاخلال بها ولو سهواً بلا إشكال كما في الخمسة المستثناة .

   وأمّا المقام الثاني :  أعني الاخلال من حيث الزيادة ، فالمشهور هو البطلان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الذي يظهر من كتاب المغني لابن قدامة 1 : 541 أنّ العامة على قولين : فمنهم من قال بالفساد مطلقاً وهو قول ربيعة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبي ثور وابن المنذر . ومنهم من قال بالاجتزاء بتكبيرة الركوع بدلاً عن تكبيرة الافتتاح ، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي ولم يوجد قول لهم بالصحة مطلقاً ، ولو كان فهو شاذ لا يعبأ به ، ومنه يظهر أنّ الروايات الدالة على الصحة هي المخالفة للعامة فينبغي الأخذ بها وطرح سواها .

(2) الوسائل 6 : 9 /  أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 .

ــ[93]ــ

ولذا عدّوها من الأركان ، بعد تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، ومن هنا ذكروا أ نّه لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح بطلت واحتاج إلى الثالثة ، فان أبطلها بالرابعة احتاج إلى الخامسة ، وهكذا تبطل بالشفع ، وتصح بالوتر .

   لكن البطلان بالثانية يتوقف على القول بعدم الخروج عن الصلاة بمجرد نيّة القطع ، وأمّا على القول به كما عليه المشهور ـ  وإن كان خلاف التحقيق كما مرّ (1)  ـ فتصح الثانية من دون حاجة إلى الثالثة ، إذ قصد الافتتاح بالثانية ملازم لقصد الخروج عن الأولى ، فالبطلان في مرتبة سابقة على التكبيرة فلا تتصوّر الزيادة حينئذ كما لا يخفى .

   وبهذا يشكل على المشهور في الجمع بين الأمرين ، حيث ذهبوا إلى الخروج بمجرّد نيّة القطع ، ومع ذلك حكموا في المقام ببطلان الثانية والافتقار إلى الثالثة .

   وكيف كان ، فلا بدّ من فرض الكلام بعد الفراغ عن عدم الخروج بنيّة القطع كي تتصوّر الزيادة . ويقع الكلام تارة في الزيادة العمدية واُخرى في السهوية .

   أمّا الأوّل :  فقد استدلّ على البطلان بوجوه نذكر عمدتها :

   فمنها :  ما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أنّ الثانية زيادة واقعة على جهة التشريع فتحرم وتبطل الصلاة بها ، لكونها من الكلام المبطل مع العمد إليه اتفاقاً (2) .

   وفيه :  أنّ المبطل هو خصوص كلام الآدمي ، ولم يثبت البطلان بمطلق الكلام المحرّم وإن كان ذكراً . على أنّ التشريع لا يجري فيما لو أعادها ثانياً من باب الرجاء وبقصد الاحتياط ـ كما ستعرف ـ فلا يتمّ على إطلاقه . هذا مع أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 50 .

(2) كتاب الصلاة 1 : 553 .

ــ[94]ــ

ذلك لا يختص بالتكبير ، بل يجري في سائر أجزاء الصلاة ممّا كان من قبيل الأقوال كما لا يخفى .

   ومنها :  ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من أنّ الثانية قادحة في صدق الهيئة الاتصالية المعتبرة بين الأجزاء ، حيث إنّها مسبوقة ـ لا محالة ـ بالعزم على الخروج عن الصلاة برفع اليد عن الاُولى حتى يتحقق الافتتاح بالثانية ، وهذا العزم وإن لم يكن بمجرّده موجباً للبطلان ، ولذا لم نقل بالخروج بمجرّد نيّة القطع ، إلاّ أنّ الجري على مقتضاه خارجاً باستئناف الصلاة والاتيان بالثانية بقصد الافتتاح يوجب قطع الهيئة الاتصالية العرفية المانع عن صلاحية انضمام الأجزاء اللاحقة بالسابقة (1) .

   وفيه :  ما لا يخفى ، فانّه لا مساغ للعرف لتشخيص كيفية اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء ، بل لا بدّ من أخذها من مخترعها وهو الشرع . نعم لا ريب في انقطاع الهيئة الاتصالية مع الفصل الطويل الماحي للصورة ، كما لو كبّر وبعد نصف ساعة مثلاً قرأ وبعد هذا المقدار من الفصل ركع وهكذا ، وأمّا مجرد إعادة التكبيرة واستئنافها فلا شك أنّ العرف لا يساعد على قدحها في صدق الهيئة الاتصالية إلاّ بعد ثبوت الاخلال بها من قبل الشارع وتقيد الصلاة بعدمها ، وهو بعد أوّل الكلام . فهذان الوجهان ضعيفان .

   وأضعف منهما بقية الوجوه المذكورة في المقام التي منها دعوى الاجماع على ركنيتها ، بعد تفسير الركن بما تبطل الصلاة بزيادته كنقيصته عمداً وسهواً ، إذ فيه : ما عرفت من عدم الشاهد على هذا التفسير نصّاً ، لخلوّها طرّاً عن هذا التعبير ، ولا فتوىً لما يظهر من بعض الكلمات من تخصيص الاخلال بناحية النقص ، كما لا يساعد عليه المفهوم لغة ولا عرفاً كما لا يخفى .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 250 السطر 5 .

ــ[95]ــ

   فالأولى  الاستدلال لذلك : بأنّ التكبيرة الثانية لا أمر بها بعد فرض صحة الاُولى ، إذ لا معنى للافتتاح عقيب الافتتاح ، وحيث إنّها تقع بقصد الجزئية ، إذ لا تكاد تتصف بكونها تكبيرة الافتتاح إلاّ إذا كانت مقرونة بهذا القصد ، فهي لا محالة تقع على صفة الزيادة ، إذ لا نعني بها إلاّ الاتيان بشيء بقصد الجزئية ولم يكن مأموراً به ، فتشمله أدلة الزيادة المبطلة كقوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (1) .

   لكن هذا يختص بما إذا أعادها بقصد الجزئية ، وأمّا إذا أعادها بقصد الرجاء ومن باب الاحتياط ـ كما لو شك في صحة الاُولى بشك لا يعتنى به شرعاً ، كما لو كان بعد الفراغ عن الاُولى المحكومة بالصحة حينئذ ظاهراً ، فأعادها رجاءً دركاً للواقع فقصد بها الافتتاح على تقدير فساد الاُولى ، وإلاّ فتقع ذكراً ـ فانّه لا موجب للبطلان حينئذ، لعدم كونها من الزيادة المبطلة بعد عدم قصد الجزئية بها . هذا كله في الزيادة العمدية .

   وأمّا السهوية :  فالمشهور أيضاً هو البطلان ، إلاّ أنّ وجهه غير ظاهر ، لعدم الدليل عليه، فانّ الوجوه المتقدمة لا تقتضيه في هذه الصورة كما لا يخفى، والتمسّك بالاجماع على ركنيتها بضميمة الاجماع على تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، قد عرفت ما فيه ، إذ بعد تسليم الاجماع الأوّل لا دليل على الثاني ، بل ثبت عدمه بعد اختلاف الكلمات حيث ظهر من بعضهم الاقتصار في تفسيره بالاخلال من ناحية النقص فحسب ، ومفهوم الركن لغة وعرفاً لا يساعد على أكثر من ذلك ، فانّه ما يتقوّم به الشيء ، والزيادة غير قادحة في التقوّم لو لم تكن مؤيّدة ، ولم يرد اللفظ في شيء من الروايات وإنما وقع التعبير به في كلمات الأصحاب خاصة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل ب 19 ح 2 .

ــ[96]ــ

ولو كان في أثناء صلاة فنسي وكبّر لصلاة اُخرى فالأحوط ((1)) إتمام الاُولى وإعادتها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وعليه فالأقوى عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً ، عملاً باطلاق حديث لا تعاد الحاكم على أدلة الزيادة المبطلة مثل قوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (2) والموجب لتخصيصها بالزيادة العمدية ، إذ لا قصور في شمول الحديث للمقام .

   ودعوى اختصاصه بما إذا كان الاخلال من ناحية النقص لا شاهد عليها فانّ بعض ما ذكر في المستثنى وإن لم تتصور فيه الزيادة كالوقت والطهور والقبلة، لكنّها تتصور في البعض الآخر كالركوع والسجود، فالمستفاد من إطلاق الحديث أنّ الاخلال العارض للصلاة سواء أكان من ناحية النقيصة أم الزيادة ، إن كان من ناحية الخمسة المستثناة فتعاد وإلاّ فلا ، ومن الواضح دخول التكبيرة في عموم المستثنى منه فيشملها الحديث إن كان الاخلال من حيث الزيادة .

   نعم ، إذا كان من حيث النقيصة فقد عرفت عدم شموله لها حينئذ ، لاعتبار التلبس بالصلاة المتوقف على الدخول والشروع فيها ، وناسي التكبيرة غير شارع بعد في الصلاة .

   (1) تقدّم حكم ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده ، وعرفت أنّ الأقوى اختصاص البطلان بصورة العمد دون النسيان .

   وأمّا إذا نسي فكبّر ثانياً لصلاة اُخرى ، فقد احتاط في المتن باتمام الاُولى ثم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والأظهر كفاية الإتمام بلا حاجة إلى الإعادة .

(2) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل ب 19 ح 2 .

ــ[97]ــ

إعادتها ، وكأنّ الوجه في توقفه التردد في صدق الزيادة حينئذ على التكبيرة الثانية حتى يشملها ما دلّ على البطلان بالزيادة ، فانّ المتيقن في الصدق ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده لا لغيرها .

   هذا ، ولا ينبغي الريب في عدم الصدق ، لتقوّم الزيادة بقصد الجزئية للصلاة المتلبس بها المنفي في الفرض ، وإلاّ فمجرّد الاتيان بشيء عارياً عن القصد المزبور لا يدرجه في عنوان الزيادة المبطلة ، ولذا لو جلس لحاجة كقتل العقرب مثلاً أو قام لغرض كالنظر إلى الاُفق ، أو أعاد سورة الفاتحة هدية لميت لا يوجب شيء منها البطلان . فانّ الجلوس والقيام والفاتحة وإن كانت من أجزاء الصلاة ، لكنّه حيث لم يقصد كونها منها ، ولم يؤت بها بعنوان الجزئية فلا تكون زيادة في الصلاة .

   نعم ، ثبت في خصوص السجدة أنّ مجرد الزيادة الصورية قادحة وإن لم يقصد بها الجزئية ، وذلك للأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة (1) ، مع أنّ المأتي بها سجدة التلاوة لا سجدة الصلاة ، ويتعدى عنها إلى الركوع بطريق أولى كما لا يخفى . فيعلم من ذلك أنّ الشارع عيّن لكل ركعة كمية خاصة من السجود والركوع لا يتجاوز عنها ولا يزاد عليها ولو صورة . وأمّا بقية الأجزاء ومنها التكبيرة فحيث لم يرد فيها مثل هذا الدليل فلا يكون القادح فيها إلاّ الزيادة الحقيقية المتقوّمة بقصد الجزئية دون الصورية .

   وعليه فأدلة الزيادة المبطلة غير شاملة للمقام ، فلا مانع من الحكم بالصحة استناداً إلى حديث لا تعاد ، بعد ما عرفت من شمول الحديث لمطلق الاخلال سواء أكان من ناحية النقيصة أو الزيادة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 105 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net