الكلام في كفاية الدخول في مقدّمات الأجزاء في جريان قاعدة التجاوز 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3831


   وأمّا إذا بنينا على أنّ المراد به مطلق القيام ، سواء أكان موصولاً أم مفصولاً فيبتني عدم الاعتناء على جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في مقدمات الأجزاء إذ لا ريب أنّ الهوي مقدّمة للسجود ، وليس واجباً مستقلاً برأسه ، فبناءً على تعميم الغير الذي يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة للمقدمات ، كما يظهر من المتن ولعله المشهور ، يحكم بجريان القاعدة في المقام ، وكذا لو شكّ في السجود عند النهوض إلى القيام . وأمّا بناءً على الاختصاص بالدخول في الأجزاء نفسها كما هو الأقوى على ما ستعرف فلا تجري ، بل لا بدّ من الاعتناء ، لكونه من الشك في المحل .

   وقد استدلّ للتعميم تارة: باطلاقات الأدلة ، مثل قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء»(1) فانّ الغير صادق على المقدمة أيضاً .

   واُخرى : بصحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال: «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد ركع» (2) فانّها صريحة في عدم الاعتناء بالشك عند الدخول في الهوي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 237 /  أبواب الخلل ب 23 ح 1 .

(2) الوسائل 6 : 318 /  أبواب الركوع ب 13 ح 6 .

 
 

ــ[181]ــ

   ويندفع الأوّل :  بأنّ الاطلاق المذكور مسـبوق بأمثلة ـ ذكرت في صدر الصحيحة ـ كلّها من قبيل الشك في الشيء بعد الدخول في جزء واجب مستقل كالشك في التكبيرة بعد الدخول في القراءة ، وفيها بعد الدخول في الركوع ، وفيه بعد الدخول في السجود ، ومن الجائز أن يراد من الضابط المذكور في الذيل ما يكون من سنخ هذه الأمثلة فلا ينعقد الاطلاق لما يشمل الدخول في المقدمات من جهة احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة(1) الموجب للاجمال، لو لم نقل بالظهور في الخلاف من أجل تلك القرينة كما لا يخفى .

   هذا ، مع أ نّه يمكن استفادة عدم كفاية الدخول في المقدّمات من جملة من النصوص ، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالشك في الركوع فيما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود ، الظاهر في لزوم الاعتناء قبله ، ولو كان في حال الهوي .

   والتقييد المزبور وإن كان واقعاً في كلام السائل في جملة منها، كصحيحة حماد ابن عثمان قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، قال : امض» ، ونحوها صحيحته الاُخرى ، وصحيحة ابن مسلم (2) وغيرها فلا يمكن الاستدلال بها، اللّهمّ إلاّ من حيث إشعارها في مفروغية الحكم ـ أعني لزوم الاعتناء بالشك لو كان قبل الدخول في السجود ولو في حال الهوي ـ لدى الرواة والسائلين ، ومن هنا قيّدوه بالدخول في السجود، وقد أقرّهم الإمام (عليه السلام) على ما هو المغروس في أذهانهم .

   إلاّ أنّ بعض تلك النصوص قد تضمّن التصريح بالتقـييد في كلام الإمام (عليه السلام) نفسه ، كصحيحة اسماعيل بن جابر قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مضافاً إلى وجه آخر تعرّض (دام ظله) له في مباحـث الخـلل في شرح المسألة [ 2030 ] .

(2) الوسائل 6 : 317 /  أبواب الركوع ب 13 ح 1 ، 2 ، 5 .

ــ[182]ــ

قام فليمض، كل شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»(1) وتقريب الاستدلال بها على عدم كفاية الدخول في الهوي من وجهين :

   أحدهما :  من ناحية المفهوم ، لا من حيث مفهوم الشرط ، ضرورة أنّ مفهوم القضية الشرطية عدم الشك في الركوع بعد ما سجد ، لا الشك في الركوع قبل أن يسجد الذي هو المطلوب كما لا يخفى ، بل من حيث مفهوم الوصف ، حيث قيّد عدم الاعتناء بالشك في الركوع بما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود وقد ذكرنا في الاُصول(2) أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح أعني العلية المنحصرة المساوقة للانتفاء عند الانتفاء، لكنّها تدل على أصل العلية أعني عدم كون الطبيعة على إطلاقها وسريانها موضوعاً للحكم، وإلاّ كان التقييد بالوصف لغواً محضاً ، فالتقييد في المقام يدل على أنّ طبيعي الشك في الركوع أينما سرى وحيثما تحقق ولو كان في حال الهوي ليس موضوعاً لعدم الاعتناء(3) وإلاّ كان التقييد بما بعد السجود لغواً وهذا هو المطلوب فتدبّر جيداً .

   ثانيهما :  قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» حيث طبّق (عليه السلام) هذه الكبرى على ما ذكره في الصدر ، من الشك في الركوع بعد ما سجد ، والشك في السجود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 317 /  أبواب الركوع ب 13 ح 4 .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 133 .

(3) نعم ، لم يكن الطبيعي موضوعاً ، لكن يكفي في صدقه لزوم الاعتناء لو كان الشك قبل الهوي ، وأمّا بعده فلا يدل المفهوم عليه . وبعبارة اُخرى : الشك في الركوع تارةً يكون قبل الهوي ، واُخرى حاله ، وثالثة بعد الدخـول في السـجود ، والتقييد بالسـجود لا يكشف إلا عن عدم كون طبيعي الشك موضوعاً للحكم بالمضي ، وأمّا أنّ الشك حال الهوي هل هو ملحق بالشك حال السجود أو بالشك قبل الهوي ، فالرواية ساكتة والمفهوم لا يعيّن ذلك بوجه .

ــ[183]ــ

بعد ما قام ، حيث يظهر أنّ المراد من الغير هو السجود والقيام، لا الهوي والنهوض وإلاّ كان التطبيق عليهما مع سبقهما أولى كما لا يخفى ، بل يكون هذا شاهداً على أنّ المراد بهذه الكلية المذكورة في غير هذه الصحيحة كصحيحة زرارة المتقدمة(1) أيضاً ذلك .

   وعلى الجملة :  فالاستدلال بالاطلاق في غير محلّه ، سيّما بعد ملاحظة هذه الصحيحة .

   ويندفع الثاني :  بابتنائه على أن يكون المراد من كلمة «أهوى» حالة الهوي وليس كذلك، فانّها لغة بمعنى السقوط إلى الأرض المساوق للدخول في السجود . نعم ، لو كانت الكلمة بصيغة المضـارع «يهوي» بدل الماضي تمّ الاسـتدلال لظهورها في الاشتغال بحالة الهوي ، وهذا نظير قولك : صلى زيد أو يصلي ، فانّ الأوّل ظاهر في تحقّق الصلاة منه ، والثاني في الاشتغال بها .

   ومع الغض والتسليم ، فغايته إطلاق الصحيحة ، وأنّ قوله (عليه السلام) : «أهوى إلى السجود» يشمل حالتي الدخول في السجود وعدمه ، فيقيّد الاطلاق بمقتضى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة (2) ، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالدخول في السجود بأحد التقريبين .

   والمتحصل من جميع ما ذكرناه : عدم كفاية الدخول في المقدمات من الهوي والنهوض في جريان قاعدة التجاوز ، وعليه فلو شكّ في الركوع ، أو في القيام بعد الركوع عند الهوي إلى السـجود قبل الدخول فيه ، وجب عليه الاعتناء والتدارك لقاعدة الشك في المحل ، مضافاً إلى الاستصحاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 180 .

(2) في ص 181 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net