حكم قراءة السور الطوال المفوّتة للوقت 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5603


   [ 1494 ] مسألة 2 : لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال(2) ، فان قرأه عامداً بطلت صلاته وإن لم يتمه إذا كان من نيّته الاتمام حين الشروع ، وأمّا إذا كان ساهياً ، فان تذكّر بعد الفراغ أتمّ الصلاة وصحت وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً ((1)) ولا يحتاج إلى إعادة سورة اُخرى ، وإن تذكّر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت ، وإلاّ تركها وركع وصحت الصلاة .

 ـــــــــــــــــــــ
   (2) هذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، إلاّ أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية ناشئة من اقتضاء الأمر بالشيء ـ وهو إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت ـ للنهي عن الضد ـ وهو قراءة السور الطوال ـ لتفسد العبادة لمكان النهي ، لفساد المبنى كما حقق في الاُصول (2) ، وإنّما هي حرمة عرضية من جهة استلزامها تفويت الوقت، وإيقاع بعض الصلاة خارجه وهو محرّم، وإلاّ فمجرّد قراءة السورة الطويلة ليست بنفسها محرّمة . وعلى هذا يحمل ما ورد في صحيح أبي بكر الحضرمي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحة في هذا الفرض لا تخلو من إشكال بل منع .

(2) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 9 وما بعدها .

ــ[300]ــ

عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «لا تقرأ في الفجر شيئاً من ال حم»(1) ، فانّ ال حم لا خصوصية لها ، وإنّما يكون النهي من جهة استتباعها وقوع بعض الصلاة خارج الوقت .

   وتوضّح ما ذكرناه : موثقة عامر بن عبدالله قال : «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : من قرا شيئاً من ال حم في صلاة الفجر فاته الوقت» (2) ، فانّها تكشف عن أنّ النهي عن قراءة تلك السورة إنّما هو بملاك فوات الوقت من جهة قصر أمد ما بين الطلوعين وطول تلك السورة .

   وهل المراد بذلك وقت الفضيلة أو الإجزاء ؟ (3) لا يهمنا ذلك فيما نحن بصدده من تعيين الملاك وإن كان النهي على الأوّل تنزيهياً وعلى الثاني تحريمياً .

   وعامر الراوي للخبر وإن تضاربت فيه الروايات من حيث المدح والذم ، إلاّ أنّ تلك الروايات بأجمعها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها ، والعمدة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات ، فتكون الرواية موثقة كما ذكرنا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 111 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 2 .

(2) الوسائل 6 : 111 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 1 .

(3) يشكل إرادة وقت الفضيلة: بأنّ قراءة سورة الدخان التي هي من الحواميم لاتستغرق أكثر من بضع دقائق، مع أنّ وقت الفضيلة يستمر إلى أن يتجلّل الصبح السماء . وأشكل منه إرادة وقت الإجزاء ، فانّ قراءة أطول الحواميم وهي سورة غافر لا تستغرق على أبعد التقادير أكثر من نصف ساعة ، مع أنّ ما بين الطلوعين يزيد على ذلك بكثير .

         أضف إلى ذلك : أنّ في القرآن سوراً كثيرة أطول من الحواميم بكثير ، فلماذا خصّها الإمام (عليه السلام) بالذكر . والتحقيق : أنّ رواية عامر لا عبرة بها لضعف سندها . ولا ينفع وجود عامر في أسناد كامل الزيارات بعد أن لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة .

         وأمّا صحيحة الحضرمي فهي عارية عن التعليل فلتحمل على ضرب من الكراهة والتنزيه .

 
 

ــ[301]ــ

   وكيف ما كان ، فلو خالف فقرأ السور الطوال في تلك الحال ، فان كان متعمداً في ذلك فالمتسالم عليه بين الأصحاب هو بطلان الصلاة ، وليس وجهه هو حرمة قراءة هذه السورة ، والحرام لا يمكن التقرب به .

   إذ فيه أوّلاً :  أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية بل عرضـية كما عرفت ، فهي بنفسها صالحة للتقرب بها .

   وثانياً :  سلّمنا أ نّها ذاتية إلاّ أ نّك عرفت قريباً أنّ المبطل إنّما هو خصوص كلام الآدمي ، وأمّا غيره فلا دليل على بطلان الصلاة به ، وإن كان قرآناً محرّماً فمجرد كون قراءة هذه السورة محرّمة لا يقتضي البطلان ، ولذا لو قرأها لا بعنوان الجزئية بل بعنوان مطلق القرآن ثم عدل عنها إلى سورة قصيرة ولم يقع شيء من الصلاة خارج الوقت ، صحت صلاته بلا إشكال .

   وثالثاً :  سلّمنا أنّ مطلق الكلام المحرّم مبطل لا خصوص كلام الآدمي، إلاّ أنّ غايته بطلان خصوص هذا الجزء لا أصل الصلاة ، فلو عدل عنها إلى سورة اُخرى قصيرة إن كان الوقت واسعاً ، أو ترك السورة رأساً من جهة أنّ ضيق الوقت من مسوّغات تركها صحت صلاته ، إذ ليس هناك ما يوجب البطلان كما لا يخفى .

   كما وليس الوجه هو لزوم ترك الجزء لو اقتصر على تلك السورة المفروض عدم جزئيتها لحرمتها ، وتحقق القران المحرّم لو قرأ سورة اُخرى قصيرة .

   إذ فيه أوّلاً :  منع حرمة القران ، بل غايته الكراهة كما سيجيء إن شاء الله تعالى في محله (1) .

   وثانياً :  أ نّه على فرض الحرمة فهي مختصة بما يصلح أن يكون فرداً ومصداقاً للمأمور به ، دون مثل المقام الذي لا تصلح إحدى السـورتين أن تكون فرداً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 334 .

ــ[302]ــ

للمأمور به وجزءاً للصلاة كما عرفت .

   بل الوجه في ذلك: أ نّها لمكان حرمتها من أجل كونها مفوّتة للوقت خارجة عن حيّز الأمر ، وغير صالحة للجزئية . إذن فالاتيان بها بهذا القصد مصداق للزيادة العمدية المبطلة ، فانّها ـ كما عرفت غير مرّة ـ متقوّمة بإتيان شيء بقصد الجزئية(1) ولم يكن في الواقع جزءاً ، فيشمله قوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» (2) لعدم قصور في شموله لهذا المورد .

   نعم ، لو قرأ هذه السورة لا بعنوان الجزئية بل بعنوان القرآن ، ثم عدل إلى سورة قصيرة ، أو لم يقرأ من جهة ضيق الوقت وأدرك ولو ركعة من الوقت صحت صلاته ، لعدم الإخلال بشيء منها كما هو واضح .

   ثم إنّه لا فرق في الحكم ببطلان الصـلاة في فرض التعمّد بين ما إذا  كان قاصداً قراءة تلك السورة من أوّل الشروع في الصلاة ، وبين ما إذا قصدها بعد الفراغ من الفاتحة ، غايته أ نّه في الفرض الأوّل تكون الصلاة باطلة من أوّل الشروع ، لعدم الأمر بهذه الصلاة ، إذ الأمر متعلق بالمركب من غير هذه السورة ومع عدم الأمر تكون الصلاة باطلة ، فانّ ما هو المأمور به لم يقصد ، وما قصد ليس بمأمور به . وأمّا في الفرض الثاني فحيث إنّه كان عند الشروع قاصداً للأمر الواقعي المتعلق بالمركب من غير هذه السورة ، فما لم يشرع في تلك السورة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قصد الجزئية في المقام يتوقف على القول بوجوب السورة ، والسيد الاُستاذ (دام ظله) يستشكل فيه ويحتاط وجوباً كما تقدم [ في ص 264 ] كما وينكر الجزء الاستحبابي فعلى مبناه (دام علاه) ليس للمصلي أن يقصد الجزئية الجزمية بالسورة المأتية ، فانّه تشريع محرّم ، ولا الرجائية ، لعدم احتمالها فيما يفوت به الوقت ، على أ نّها لم تكن حينئذ من الزيادة العمدية كما لا يخفى ، فلا مناص من الاتيان بعنوان القرآن ، ومعه لا يبقى مجال للاستدلال .

(2) الوسائل 8 : 231 /  أبواب الخلل ب 19 ح 2 .

ــ[303]ــ

كانت الصلاة صحيحة ، وإنّما تبطل بالشروع فيها وإن لم يتمها ، لتحقق الزيادة العمدية بمجرد ذلك كما عرفت ، هذا كله في فرض العمد .

   وأمّا إذا كان ساهياً ، فقد يكون التذكّر بعد الفراغ من السورة وقد يكون أثناءها . أمّا الفرض الأوّل ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أ نّه يتم الصلاة وتصح وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً .

   أقول :  أمّا إذا كان قد أدرك ركعـة من الوقت فضلاً عما إذا أدرك جميع الوقت ولو من دون قراءة السورة في الركعة الثانية فالحكم بالصحة واضح، لأنّ السورة المقروءة باعتبار كونها زيادة سهوية فغايته أن يكون وجودها كعدمها وعدم الاتيان بسورة اُخرى غير ضائر بعد فرض ضيق الوقت الذي هو من مسوّغات تركها ، ومقتضى أنّ من أدرك ركعة من الوقت فكأ نّما أدرك الوقت كله ، هو كون هذه الصلاة بمنزلة الواقعة بتمامها في الوقت ، فلا خلل فيها بوجه .

   وأمّا إذا لم يدرك حتى مقدار ركعة من الوقت فلا نعرف حينئذ وجهاً للصحة ضرورة أ نّه في هذا الحال لا أمر له حتى الاضطراري منه بالصلاة أداءً ، كما أ نّه لم يكن بعد مأموراً بالقضاء . والصلاة الملفّقة من الأداء والقضاء ، بأن يكون بعضها بداعي الأمر الأدائي ، وبعضها الآخر بداعي الأمر القضائي لا دليل عليه فبداعي أيّ أمر يأتي بهذه الصلاة .

   نعم ، قد يقال :  كما قواه المحقق الهمداني (قدس سره) (1) إنّ الصلاة الأدائية والقضائية واجبة بملاك واحد ـ وهو الاتيان بطبيعي الصلاة ، سواء أكانت في الوقت أم في خارجه ـ غايته أنّ وجوب الصلاة أداءً له ملاك آخر ، وهو أن يؤتى بتلك الطبيعة في الوقت ، فتكون الصلاة الأدائية واجبة بملاكين من باب تعدّد المطلوب ، ولذا يكون القضاء تابعاً للأداء ، فاذا لم يكن متمكناً من إيقاع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 295 السطر 29 .

ــ[304]ــ

تمام الصلاة في الوقت وجب عليه أن يأتي بها بنفس ذاك الأمر الأوّلي ، ففي الفرض يكون المصلي قاصداً للأمر لا أ نّه لا أمر له .

   إلاّ أنّ هذا لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فانّه خلاف ظواهر الأدلّة جداً فانّ ظاهرها وجوب الصلاة بين الحدين بأمر واحد وملاك فارد ، ومن باب وحدة المطلوب ، ولذا قالوا إنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وأنكروا تبعيته للأداء ، والأمر مفقود إلاّ بعد خروج الوقت ، كما أنّ الأمر الأدائي أيضاً غير متحقق فلا أمر رأساً ، ولذا تكون الصلاة في هذا الفرض باطلة .

   وأمّا إذا كان التذكر في أثناء السورة ، فان كان الوقت واسعاً لتمام الصلاة مع سورة قصيرة عدل إليها تحفّظاً على إيقاع الصلاة الكاملة في الوقت ، ولا تقدح تلك الزيادة لكونها سهوية . وإن كان الوقت لا يسع لتمام الصلاة إلاّ مع ترك السورة رأساً تركها بالكلية ، لما عرفت من كون ضيق الوقت من مسوّغات سـقوطها ، وإن كان لا يدرك من الوقت إلاّ ركعة واحدة مع السورة القصيرة قرأها وصحّت صلاته من جهة قاعدة من أدرك ، كما أ نّها تصح إذا أدرك الركعة من غير سورة ، نظراً إلى سقوط السورة مع ضيق الوقت .

   وأمّا إذا لم يدرك حتى ركعة واحدة من غير سورة فيجري فيه حينئذ ما مرّ في الفرض السابق بعينه ، فانّه لا وجه للحكم بالصحة حينئذ ، لعدم وجود الأمر بالصلاة في هذا الحال لا أداءً ولا قضاءً ولا تلفيقاً . وقد عرفت أنّ ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من قضية الملاك ، وأنّ القضاء تابع للأداء لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، ففي هذا الفرض لا بدّ من الحكم بالبطلان ، وإن كان ظاهر إطلاق كلام الماتن هو الصحة ، لكنّها غير صحيحة كما عرفت .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net