الأقوال في مورد جواز العدول من سورة إلى اُخرى 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4277


ــ[347]ــ

   [ 1508 ] مسألة 16 : يجوز العدول من سورة إلى اُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف ((1)) (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بها قراءة التوحيد ، والأصل لا يتكفل باثباتها لعدم حجية الاُصول المثبتة .

   وبالجملة :  جواز العدول ليس من آثار قراءة القدر كي يجري فيها الأصل بل من آثار قراءة سورة لم تكن توحيداً ، كما أنّ عدم جوازه من آثار قراءة التوحيد ، وحيث إنّ طبيعي القراءة متيقنة وكونها توحيداً مشكوك ، فبعد دفعه بالأصل وضمّه إلى الوجدان يحرز أنّ المقروء سورة غير التوحيد ، فيترتب عليه جواز العدول من غير أصل معارض كما هو ظاهر جداً .

   (1) لا إشكال كما لا خلاف في جواز العدول من سورة إلى اُخرى اختياراً في الجملة، بل هو المطابق لمقتضى القاعدة، فانّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة ولا دليل على تعيّنه في سورة معيّنة بمجرد الشروع فيها (2) ، واحتمال وجوب المضي والاتمام مدفوع بالأصل . وقد ذكرنا نظير ذلك في مسألة القصر والاتمام في مواطن التخيير ، وقلنا إنّ المأمور به إنّما هو الطبيعي ، ولا يعتبر قصد إحدى الخصوصيتين ولا يتعين فيها الطبيعي لو قصد ، فلو نوى التمام وقبل تجاوز الحد المشترك بدا له العدول إلى القصر ، أو بالعكس جاز وصحت صلاته .

   ويقتضيه أيضاً إطلاق بعض نصوص المقام كما ستعرف ، فلا إشكال في الحكم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أمّا بعد بلوغه فالأحوط وجوباً عدم العدول ما بينه وبين الثلثين .

(2) هذا على المسلك المشهور من عدم جواز التبعيض ، وأما بناءً على الجواز كما يميل إليه سيدنا الاُستاد (دام ظله) بمقتضى الصناعة حسبما تقدم فغير واضح ، لتحقق الامتثال بالبعض المأتي به وسقوط الأمر وامتناع الامتثال عقيب الامتثال ومعه لا موضوع للعدول ، إلاّ أن يراد به العدول الرجائي أو عن السورة الكاملة المستحبة إلى مثلها سواء أقلنا بجزئيتها للصلاة أم بظرفيتها لها .

ــ[348]ــ

   إنّما الكلام في المورد الذي لا يجوز فيه العدول ، فانّه المحتاج إلى الدليل لكونه على خلاف الأصل كما عرفت ، والأقوال فيه أربعة :

   أحدها :  ما عن الصدوق(1) وتبعه بعض من تحديد ذلك بعدم بلوغ النصف فلا يجوز العدول إذا بلغ نصف السورة .

   الثاني : ما هو المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، بل ادعي عليه الاجماع في كثير من الكلمات من تحديده بعدم تجاوز النصف فيجوز مع بلوغ النصف وإنّما يمنع إذا جاوزه وأخذ في النصف الآخر .

   الثالث :  ما هو المحكي عن كشف الغطاء(2) من التحديد ببلوغ ثلثي السورة .

   الرابع :  ما اختاره في الحدائق(3) من جواز العدول مطلقاً من غير تحديد بحد .

   أمّا القول الأوّل : فليس له مستند ظاهر، ولم ينقل عليه الاجماع ، نعم يوافقه الفقه الرضوي(4) ، لكن الاشكال في اعتباره معلوم كما تكرر غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليه . على أ نّه معارض ببعض النصوص المصرّح فيها بجواز العدول مع بلوغ النصف ، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها ، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم ... » إلخ (5) فانّها وإن رويت بطريق ضعيف لمكان عبدالله بن الحسن ، لكن صاحب الوسائل رواها أيضاً عن كتاب علي بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفقيه 1 : 201 .

(2) كشف الغطاء : 235 السطر 35 .

(3) الحدائق 8 : 215 .

(4) فقه الرضا (عليه السلام) : 130 .

(5) الوسائل 6 : 100 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 3 .

ــ[349]ــ

جعفر(1) ، وطريقه إلى الكتاب المنتهي إلى طريق الشيخ إليه صحيح .

   وموثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، قال : له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها» (2) فهذا القول ساقط جزماً .

   وأمّا القول الثاني :  فان كان هناك إجماع تعبدي يطمأن أو يوثق معه بقول المعصوم (عليه السلام) فهو، وإلاّ فاثباته بحسب الروايات مشكل لعدم تماميّتها إذ ليس له مستند عدا مرسلة الدعائم ، ورواية الشهيد في الذكرى ، قال في دعائم الاسلام : وروينا عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «أ نّه قال : من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الاُخرى ... » إلخ(3) .

   وفيه :  مضافاً إلى ضعف روايات الدعائم بالارسال ، بل وجهالة مؤلفه وإن بالغ النوري في اعتباره(4) أ نّها قاصرة الدلالة، فانّها ظاهرة في العدول عن نصف سورة إلى النصف الآخر من السورة الاُخرى ، بحيث يكون المجموع سورة ملفّقة من سورتين ، كما يشهد له تأنيث كلمة «الاُخرى» التي هي صفة للسورة لا للنصف . وعليه فتكون أجنبية عما نحن فيه من العدول إلى سورة اُخرى تامّة .

 نعم ، حكى المحقق الهمداني(5) عن المستند(6) أنّ النسخة التي عنده كانت هكذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسائل علي بن جعفر : 164 / 260 .

(2) الوسائل 6 : 101 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2 .

(3) المستدرك 4 : 200 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 1 ، الدعائم 1 : 161 .

(4) راجع المعجم 20 : 184 / 13102 .

(5) مصباح الفقيه (الصلاة) : 323  السطر 21 .

(6) المستند 5 : 112 .

ــ[350]ــ

«في نصف السورة الآخر» بتذكير الآخر كي يكون صفة للنصف ، وحينئذ للاستدلال بها وجه ، وإن كانت العبارة حينئذ لا تخلو عن الركاكة كما لا يخفى وكان الأولى لو اُريد ذلك أن يعبّر هكذا : في النصف الثاني ، أو في النصف الآخر بل الظاهر أنّ النسخة مضافاً إلى عدم الوثوق بها مغلوطة ، والصحيح ما أثبتناه فتخرج عن محل الكلام كما عرفت .

   وأمّا رواية الشهيد فقد حكى في الوسائل ، وكذا المجلسي في البحار (1) عن الذكرى نقلاً من كتاب نوادر البزنطي ، عن أبي العباس عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في اُخرى ، قال : يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف»(2) بتقريب أ نّها ظاهرة في أنّ بلوغ النصف هو غاية الحد ولذا عبّر عنها بكلمة إن الوصلية ، لادراج الفرد الخفي ، وإلاّ لقال وإن جاوز النصف .

   وفيه أوّلاً: أ نّها ضعيفة السند، لعدم وضوح طريق الذكرى إلى كتاب البزنطي(3) فتكون الرواية مرسلة ، والمراد بأبي العباس هو الفضل بن عبدالملك البقباق لأنّ الواقع في هذه الطبقة ليس غيره فلا إشكال من أجله .

   هذا ، مع أنّ صاحب الحدائق(4) ذكر أنّ النسخ التي وقف عليها من الذكرى عارية عن إسناد الرواية إلى أبي عبدالله (عليه السلام) بل مروية عن أبي العباس نفسه ، ولم يعلم أ نّها فتواه أم رواية عن الإمام (عليه السلام) وعليه فتكون الرواية مضافاً إلى الإرسال مقطوعة أيضاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 82 : 61 .

(2) الوسائل 6 : 101 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 3 ، الذكرى 3 : 356 .

(3) يمكن تصحيحه بأنّ للشهيد طريقاً صحيحاً إلى الشيخ الطوسي ، وطريق الشيخ إلى كتاب البزنطي صحيح .

(4) الحدائق 8 : 210 .

ــ[351]ــ

   وثانياً :  بامكان الخدشة في الدلالة ، فانّ ما ذكر لا يتجاوز الإشعار ولا يبلغ حدّ الاستدلال ، لامكان أن يكون التعبير بقوله : «وإن بلغ النصف» إشارة إلى الفرد النادر ، إذ قلّ ما يعدل المصلي عن السورة بعد بلوغ نصفها ، والغالب في العدول قبل البلوغ هذا الحد كما لايخفى . فلا يدل على أنّ هذا نهاية الحد الشرعي لجواز العدول .

   على أنّ هاتين الروايتين ـ رواية الدعائم والذكرى ـ تعارضهما موثقة عبيد ابن زرارة المتقدمة(1) المصرّحة بجواز العدول ما بينه وبين أن يقرأ ثلثي السورة .

   وبذلك يظهر مستند القول الثالث الذي اختاره في كشف الغطاء ، فانه استند فيه إلى هذه الموثقة التي هي قوية السند صريحة الدلالة ولا إشكال عليها ، إلاّ من حيث إعراض الأصحاب عنها ، لأنّ المشهور هو القول الثاني كما عرفت . فان بنينا على قادحية الإعراض سقطت عن الحجية ، وإلاّ ـ كما هو المختار ـ فلا مانع من الاعتماد عليها . ومن ذلك تعرف قوة هذا القول .

   وأمّا القول الرابع : أعني جواز العدول مطلقاً الذي اختاره صاحب الحدائق فقد استدل (قدس سره) له باطلاق الأخبار وقدمه على التحديدات المذكورة في رواية الفقه الرضوي وغيرها التي هي حجة عنده ، ولا يتم ذلك على مسلكه كما لا يخفى .

   نعم ، يمكن تقريب هذا القول ، بل وتقويته ببيان آخر نتيجته جواز العدول مطلقاً ، وحمل التحديد بالنصف أو الثلثين على ضرب من الكراهة والمرجوحية على اختلاف مراتبها. وهذا البيان نتيجة الالتزام بمبنيين: أحدهما جواز التبعيض والآخر جواز القران بين السورتين اللذين عرفت فيما مضى أ نّهما الأقوى بالنظر إلى الأدلّة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 101 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2 .

ــ[352]ــ

   وعليه نقول التحديد بالثلثين الذي تضمنه موثق عبيد المتقدم لا يمكن حمله على اللّزوم على وجه لا يجوز العدول بعده ، لأنّ الوجه في عدم الجواز إن كان هو وجوب إتمام هذه السورة التي بيده فقد بنينا على جواز التبعيض وعدم وجوب الاتيان بسورة تامّة حسب الفرض ، وإن كان عدم جواز القران بين السورتين بدعوى شموله للزائد من السورة الواحدة وإن لم تتم السـورتان كما قد يقتضيه إطـلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة منصـور المتقدمة سابقاً : «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر» (1) ، فقد بنينا على جواز القران فليس لهذا التحديد وجه ظاهر ويبعد جداً حمله على التعبد المحض فتأمل . فلا مناص من حمله على ضرب من المرجوحية والكراهة ، التي دونها في المرتبة ما لو كان العدول قبل هذا الحد ، وبعد تجاوز النصف الذي تضمنته صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة (2) .

   بل يمكن أن يقال : بتعين الوجه الأوّل ، لعدم شمول القران الممنوع للعدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ أخبار الباب قد تضمنت بأجمعها التعبير بـ «الرجوع» وظاهره رفع اليد عن السورة التي بيده ، والاتيان بسورة اُخرى على نحو يشبه تبديل الامتثال بالامتثال ، وأين هذا من القران الذي هو عبارة عن الامتثال بكلتا السـورتين وجعلهما معاً مصداقاً للمأمور به ، فلا علاقة بين المسألتين بوجه ، إذن فالوجه في المنع عن العدول بعد ما عرفت من استبعاد التعبد المحض ليس إلاّ المنع عن التبعيض وقد بنينا على جوازه .

   والمتحصل من مجموع الأخبار : أنه إذا لم يبلغ الثلثين جاز له العدول ، بمعنى رفع اليد عما بيده ، وتبديل الامتثال بامتثال آخر ، فيعدل إلى سورة اُخرى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 43 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2 .

(2) في ص 348 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net