وظيفة المرأة في الجهر والإخفات - حدّ الجهر والإخفات 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع : الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8743


ــ[397]ــ

   [ 1517 ] مسألة 25: لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية (1) بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم سماع الأجنبي ، وأمّا معه فالأحوط إخفاتهنّ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقتضي للاعـادة إذ لم ينهض دليل يقضي بوجـوب الجهر أو الاخفـات على الاطلاق كي يكون شرطاً واقعياً حتى تجب الاعادة والتدارك مع بقاء المحل فمقتضي الوجوب قاصر في حد نفسه ، والوجوب خاص بالعالم العامد ، وغيره لا وجوب عليه ولو شكّ فيه يدفع بالأصل .

   على أنه يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة بنفسها تدل على عدم وجوب التدارك في المقام ، لاطلاق قوله (عليه السلام) : «ولا شيء عليه» ، أي لا إعادة الصلاة ولا تدارك القراءة ، فالأقوى الصحة سواء أكان التذكر بعد الفراغ عن الصلاة أم بعد الدخول في الركوع ، أم قبله أثناء القراءة ، أو بعدها كما عليه المشهور .

   ومن جميع ما ذكرناه في الجهات المتقدمة يظهر حال الفروع المذكورة في المتن إلى نهاية المسألة الرابعة والعشرين فلاحظ .

   (1) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن غير واحد . ويدل عليه :

   أوّلاً :  قصور المقتضي ، لتقييد موضوع الحكم بالرجل في صحيحتي زرارة المتقدمتين(1) اللتين هما المدرك الوحيد في المسألة ، والتعدي يحتاج إلى دليل الاشتراك في التكليف ، ومستنده الاجماع القائم على اتحادهما في الأحكام ، إلاّ ما خرج بالدليل الثابت في كثير من المقامات ، ولم يقم إجماع في المقام ، كيف والاجماع قائم على العدم كما عرفت .

   وثانياً :  السيرة القطعية العملية القائمة على عدم الوجوب المتصلة بزمن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 372 .

ــ[398]ــ

المعصومين (عليهم السلام) ، مع أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل الابتلاء ، ولو كان الوجوب ثابتاً كالرجال لاشتهر وبان ، فالسيرة القولية والعملية كاشفة عن عدم الوجوب ، وهي بنفسها دليل مستقل .

   وربما يستدل للحكم : بخبر علي بن جعفر قال : «وسألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة ؟ قال : لا ... » إلخ (1) .

   لكنه ضعيف السند من أجل عبدالله بن الحسن فليس بمعتمد . ودعوى الانجبار ممنوعة كبرى ، بل وكذا صغرى ، للقطع بعدم استناد الأصحاب إلى هذا الخبر ، فانّ البناء وكذا السيرة على عدم وجوب الجهر عليهنّ كان ثابتاً في الأزمنة السالفة حتى قبل صدور هذه الرواية ، وقبل أن يخلق علي بن جعفر .

   وربما يستدل أيضاً : بأنّ صوت المرأة عورة فمن أجله سقط عنها الجهر .

   وفيه أوّلاً :  أ نّه لا دليل عليه ، بل إنّ السيرة العملية منذ عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى زماننا هذا قائم على الاستماع والتكلم معهنّ وإسماعهنّ الرجال ، فلم ينهض دليل على أنّ صوتها عورة كي يحرم السماع أو الاسماع .

   وثانياً : أنّ اللاّزم ـ مع التسليم ـ اختصاص الحكم بما إذا سمع صوتها الأجنبي فمع عدمه وجب الجهر عليهنّ ، لفقد المانع حينئذ بعد شمول دليل الجهر لهنّ كما هو المفروض ، مع أ نّه لم يقل به أحد ، بل هي مخيّرة فيه على التقديرين إجماعاً .

   وثالثاً :  أنّ لازم ذلك حرمة الجهر عليهنّ ، لحرمة الاسماع لا عدم الوجوب ولا قائل بالحرمة ، بل الفتوى على سقوط الجهر وعدم الوجوب .

 وممّا يدل على عدم حرمة الجهر عليهن ويكشف(2) أيضاً عن عدم كون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 6 : 95 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3 .

(2) هذا الكشف غير واضح، لابتنائه على انعقاد الاطلاق من حيث شمول الاسماع  للأجنبي ، وهو قابل للمنع ، لعدم كونه (عليه السلام) بصدد البيان من هذه الجهة بل بصدد بيان إسماع المأمومين لا غير ، بل يكفينا مجرد الشك في ذلك كما لا يخفى .

ــ[399]ــ

صوتها عورة : صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : «سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة والتكبير ؟ فقال : بقدر ما تسمع»(1) . ونحوها صحيحة علي بن جعفر التي هي بعين هذا المتن إلاّ في قوله «فقال» العاري عن الفاء في هذه الصحيحة (2) فانّ السائل قد فرض رفع الصوت الملازم للجهر وسأل عن حده ، والإمام (عليه السلام) أمضى أصل الجهر وحدده بأن تسمع الغير ، أو بأن تكون القراءة مسموعة ، كما هو ظاهر قوله «تسمع» سواء قرئ مبنياً للمفعول (تُسْمَع) أو للفاعل من باب الافعال (تُسمِع) .

   وأمّا ما عن الحدائق (3) من احتمال قراءة «تَسْمَع» أي تسمع نفسها الملازم للاخفات فلا تدل على جواز الجهر ، فساقط لبعده جداً ، لما عرفت من فرض رفع الصوت الملازم للجهر والسؤال عن حده وقد أمضاه الإمام (عليه السلام) وحدده بما عرفت ، ولو كان المراد ما ذكره كان اللازم أن يجيب (عليه السلام) بقوله : لا ترفع ، لا أن يحدد الرفع بما ذكر .

   وبالجملة :  فالمستفاد من النصوص جواز الجهر لهنّ .

   وربما يقال بوجوبه عليها إذا كانت إماماً ، لرواية علي بن جعفر المتقدمة «هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة ؟ قال : لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» (4) فانّ ظاهر كلمة «على» الوجوب .

   وفيه :  مضافاً إلى ضعف السند بعبدالله بن الحسن كما مرّ ، أنّ الاسماع غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 6 : 95 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1 ، 2 .

(3) الحدائق 8 : 142 .

(4) الوسائل 6 : 95 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3 .

ــ[400]ــ

وأمّا في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال(1) ويعذرن فيما يعذرون فيه (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واجب حتى على الرجل فضلاً عن المرأة ، فسياقها سياق ما دلّ على استحباب الاسماع ، وأ نّه يستحب للإمام أن يسمع من خلفه ، فلا ظهور لها في الوجوب .

   فتحصّل :  أنّ المرأة تتخيّر بين الجهر والاخفات في الصلوات الجهرية مطلقاً إماماً كانت أم منفردة ، من غير فرق بين سماع الأجنبي وعدمه ، فالاحتياط المذكور في المتن غير لازم .

   (1) كما هو المشهور ، وخالف فيه الأردبيلي (1) وبعض من تبعه فذهب إلى التخيير كما في الجهرية ، مستنداً إلى تقييد موضوع الحكم في صحيحة زرارة التي هي المدرك لوجوب الخفت بالرجل ، فلا دليل في المرأة والمرجع الأصل .

   وفيه :  ما لايخفى ، فانّ ذكر الرجل فيها كما في غيرها من الأخبار التي يستفاد منها أحكام الشكوك والموانع والسهو في الركعات بل وغيرها من الأبواب المتفرقة في الفقه ، إنّما هو من باب المثال وبعنوان أ نّه مكلف ومصلّ ، لا بما أ نّه رجل، فيتعدى إلى المرأة بقاعدة الاشتراك في التكليف ـ إلاّ فيما ثبت الاختصاص بدليل خارجي ـ الثابتة بالاجمـاع ، ولا ينتقض بما قدّمناه من إنكار ذلك في الصلاة الجهرية ، لقيام الاجماع هناك على الخلاف غير المتحقق في المقام .

   (2) لقاعدة الاشتراك كما تقدم توضيحه في الجهة الاُولى من المسألة السابقة فلاحظ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 228 .

 
 

ــ[401]ــ

   [ 1518 ] مسألة 26 : مناط((1)) الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه ، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره وإن سمعه من بجانبه قريباً وبعيداً (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ذكر جمع أنّ المناط في الجهر أن يسمع غيره ، وفي الاخفات أو أدنى الاخفات أن يسمع نفسه، وهذا مضافاً إلى أ نّه لا دليل عليه، غير قابل للتصديق إذ الظاهر عدم تحققه في الخارج ، للملازمة بين سماع النفس واسماع الغير ، ولو بأن يضع الغير اُذنه على فم القارئ ، ففرض الخفت على حد يصل الصوت إلى اُذن القارئ ولا يصل إلى اُذن غيره بوجه ، حتى يتحقق سماع النفس دون سماع الغير، مجرّد فرض لا واقع له ، ولو بدّلوا هذا التعريف بأنّ الجهر ما يسمعه البعيد والاخفات ما لا يسـمعه القريب أيضاً إلاّ همساً كما هو مضمون مرسلة علي بن ابراهيم في تفسيره قال: وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) «قال: الاجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك ، والاخفات أن لا تسمع من معك إلاّ يسيراً»(2) لكان له وجه(3) لمعقوليته في نفسه ، وإن كان هذا أيضاً لا دليل عليه لضعف المرسلة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل المناط هو الصدق العرفي ، ولا ينبغي الإشكال في عدم صدق الإخفات فيما يشبه كلام المبحوح ونحوه .

(2) الوسائل 6 : 98 /  أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 7 ، تفسير القمي 2 : 30 .

(3) بل لا وجه له ، لورود المرسلة في تفسير الجهر والاخفات المنهيين في الآية الشريفة ولا ترتبط بالمعنى المبحوث عنه منهما في المقام كما يظهر بملاحظة نص عبارة التفسير وهي هكذا : روي أيضاً عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى:(ولا تَجْهَر بصلاتك ولا تُخافِت بها ) قال : الاجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعُد عنك ، والاخفات أن لا تسمع من معك إلاّ سراً (يسيراً) ج 2 ص 30 ولعل منشأ الغفلة الاقتصار على ملاحظة الوسائل حيث حذف الآية الكريمة عن متن الحديث .

ــ[402]ــ

   ومن هنا ذكر جماعة آخرون ومنهم الماتن أنّ مناط الجهر والاخفات ظهور الصوت وعدمه .

   وهذا أيضاً لا دليل عليه . على أنّ لازمه أن يكون الصوت الشبيه بالمبحوح إخفاتاً ، لعدم ظهور جوهر الصوت معه مع أ نّه لا يمكن الالتزام به .

   فالظاهر إيكال تحديدهما إلى الصدق العرفي ، فانّ الاجهار هو الاعلان ويقابله الاخفات ، والمتبع فيه نظر العرف ، فكلما صدق عليه عرفاً أ نّه جهر أو أ نّه إخفات ترتب عليه حكمه .

   والظاهر أنّ الصوت الشبيه بالمبحوح ليس من الاخفات في نظر العرف، فان تمّ هذا الاستظهار فهو ، وإلاّ فماذا يقتضيه الأصل العملي ؟

   ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) : أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الاشتغال لأ نّا مأمورون بالجهر أو الاخفات ، ونشك في الصدق على هذا الفرد فاللاّزم تركه ، واختيار غيره تحصيلاً للفراغ عن عهدة التكليف المقطوع (1) .

   وذكر بعضهم : أنّ المرجع البراءة ، إذ ليس الشك في المصداق كي يكون من الشك في المكلف به ، بل هو من الشك في التكليف للترديد في سعة المفهوم وضيقه ، وأنّ مفهوم الاخفات هل اعتبرت فيه خصوصية بحيث لا تنطبق على المبحوح أو لا ، ومن المعلوم أنّ المرجع في الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، للعلم بالجامع والشك في الخصوصية الزائدة ، والأصل عدمها .

   ولا يخفى أنّ هذا متين بحسب الكبرى . وقد ذكرنا نظائره كثيراً فيما مرّ كالصعيد ونحوه ، إلاّ أ نّه لا يمكن الالتزام به في خصوص المقام للعلم الاجمالي باعتبار عدمه ، إمّا في مفهوم الجهر أو في مفهوم الاخفات لعدم الواسطة بين الأمرين ، فانّا مكلفون بالجهر في صلاة الغداة وبالاخفات في صلاة الظهر مثلاً ونعلم إجمالاً بتقيّد أحد التكليفين بعدم وقوع القراءة على صفة المبحوح، وأصالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه (الصلاة) : 301 السطر 36 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net