1 ـ تقليد الميت إبتداءً 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الاول:التقليد   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 9652

 

 1 ـ تقليد الميت إبتداءً

   ذهبت العامة إلى جوازه ومن ثمّة قلّدوا أشخاصاً معيّنين من أموات علمائهم ، ووقع ذلك عند أصحابنا (قدّس سرّهم) مورد الكلام ، والمشهور بل المتسالم عليه عندهم عدم الجواز ، ونسب القول بالجواز إلى المحدّثين وإلى الميرزا القمي (قدّس سرّه) كما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأقوى وجوبه فيما تعين تقليد الميت على تقدير حياته .

(2) جامع الشتات 2 : 420 .

(3) جامع الشتات 1 : 27 .

ــ[74]ــ

   والصحيح ، أن خلافه كمخالفة المحدّثين غير مانعين عن دعوى التسالم على عدم مشروعية تقليد الميت إبتداءً ، وسرّه أن المحقق القمى إنما جوّز تقليد الميت بحسب الابتداء تطبيقاً للمسألة على مسلكه وجرياً على ما هو الصحيح عنده من إنسداد باب العلم بالأحكام ، وأن الامتثال الجزمي وهو الاحتياط متعذر على المكلفين ، وأن العقل يتنزل معه إلى امتثالها ظناً ، لأ نّه المقدور في حقهم فالمتعين على المكلفين إنما هو العمل بالظن ، بلا فرق في ذلك بين الظن الحاصل من فتاوى العلماء الأحياء وبين الظن الحاصل من فتاوى أمواتهم .

   وهذا فاسد مبنى وبناءً ، أمّا بحسب المبنى ، فلما ذكرناه فى بحث الانسداد من أن دعوى انسداد باب العلم بالأحكام فاسدة من أساسها ، حيث إنها تبتني على أحد أمرين على سبيل منع الخلو :

   أحدهما : دعوى عدم حجية الظواهر بالنسبة إلى غير المقصودين بالافهام .

   وثانيهما : البناء على عدم حجية الخبر الموثوق به . وقد أثبتنا في محله حجية كل من الظواهر والخبر الموثوق به ، وقلنا إن حجية الظواهر غير مختصة بمن قصد إفهامه والخبر الموثوق به كالمقطوع صحته ، فدعوى الانسداد فاسدة مبنىً .

   وأمّا بحسب البناء ، فلأنّا لو سلّمنا إنسداد باب العلم كما يراه ، فهذا إنما يقتضي اعتبار الظن على خصوص المجتهد ، لأنه حينئذ يجب أن يعمل بظنه الحاصل من الأدلة ، وأما العامّي فلا ، لأنه كيف يحصل له الظن بالحكم الواقعي من فتوى الميت عند مخالفة الأحياء ، بل الأموات أيضاً معه في المسألة ، وبالأخص إذا كان الأحياء بأجمعهم أو بعضهم أعلم من الميت ، والاختلاف في الفتوى بين العلماء مما لا يكاد يخفى على أحد ، ومعه لا يحصل للعامّي أيّ ظن بأن ما أفتى به الميت مطابق للواقع ، وأن فتوى غيره من الأموات والأحياء مخالف له كيف فإنه يحتمل خطأه حينئذ .

   فالصحيح بناء على هذا المبنى الفاسد ، أن يقال : إن العامي يجب عليه العمل على فتوى المشهور في المسألة ، لأن فتواهم مفيدة للظن في حقه ، هذا كلّه بالنسبة إلى خلاف المحقق القمي .

   وأما مخالفة المحدّثين فهي أيضاً كذلك ، وذلك لأنهم إنما رخّصوا في تقليد الميت

ــ[75]ــ

بحسب الابتداء ، بناءً على مسلكهم من إنكار مشروعية التقليد بالكلية ، وأن رجوع العامّي إلى المجتهد إنما هو من باب الرجوع إلى رواة الحديث ، كما في رواية إسحاق بن يعقوب «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» (1) . فالمفتي ينقل الرواية لا أنه يفتي حقيقة حسب رأيه ونظره ، ومن الظاهر أن حجية الرواية وجواز العمل بها لا يتوقفان على حياة الراوي بوجه ، لأنها حجة ويجوز العمل بها كان المحدّث حياً أو ميتاً .

   وهذه الدعوى أيضاً فاسدة مبنىً وبناءً ، أما بحسب المبنى ، فلما أسلفناه من أن المستفاد من الآيات والروايات أن الرجوع إلى المجتهد إنما هو من أجل أنه أهل الخبرة والاطلاع ، وأن لنظره دخلاً في جواز الرجوع إليه ، لا أنه من جهة كونه راوي الحديث . وقد دلت آية النفر على أن إنذار الفقيه حجة ، ومعناه أن الفقيه بما أنه فقيه وناظر في الأخبار وقد جمع بين متعارضاتها وخصص عموماتها وقيّد مطلقاتها يجوز الرجوع إليه ، فإنه لا يعتبر الفقاهة في الراوي كما مرّ ، فهو من رجوع الجاهل إلى العالم والفقيه ، لا من رجوع العامّي إلى رواة الحديث . فهذه الدعوى غير تامة مبنىً .

   وأما بحسب البناء ، فلأ نّا لو سلّمنا أن الرجوع إلى المجتهد من باب الرجوع إلى راوي الحديث ، فلا يمكننا إرجاع العامّي إلى فتوى الميت بعنوان راوي الحديث وذلك لأن كل شخص عامّي أو غيره على علم من أن المسائل الشرعية مورد الخلاف بين العلماء (قدّس الله أسرارهم) للاختلاف في مداركها وأخبارها ، وبالأخص إذا كان ممن له حظ من العلم وإن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد ، لأنه إذا رجع إلى الكتب الفقهية رأى أن للشهيد قولاً وللشيخ قولاً آخر وهكذا ، ومع فرض التعارض في الأخبار لا يجوز للعامّي كالمجتهد أن يرجع إلى شيء من المتعارضات . بل لا بدّ من ملاحظة المرجحات والأخذ بما له مرجح من المتعارضين ، وعلى تقدير تكافئهما يلاحظ أن مقتضى القاعدة هو التساقط أو التخيير . فعلى القول بأن الرجوع إلى المجتهد من الرجوع إلى راوي الحديث ، وفرض عدم المرجح في البين ، والقول بأن القاعدة تقتضي التخيير في المتكافئين ، لا بأس برجوعه إلى فتوى الميت فلا مجوّز للحكم بجواز رجوعه إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وسائل الشيعة 27 : 140 / أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9 .

ــ[76]ــ

الميت على نحو الاطلاق .

   وملخص الكلام : أن مخالفة المحدّثين والمحقق القمي (قدّس سرّه) ليست مخالفة في المسألة ومحل الكلام ، إذ لعلّها مبتنية على مسلكهما كما مرّ ، وأمّا أن المحقق لو كان بانياً على الانفتاح ، والمحدّثين لو كانوا بانين على أن الرجوع إلى المجتهد من باب الرجوع إلى العالم وأهل الاطلاع ، كانا يجوّزان تقليد الميت إبتداءً فلا علم لنا به ، وكيف كان فلا بدّ من التكلم فيما استدل به على جواز تقليد الميت إبتداءً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net