الماء المشكوك النجاسة 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6801


ــ[334]ــ

 فصل

[  في الماء المشكوك  ]

    الماء المشكوك نجاسته طاهر (1) إلاّ مع العلم بنجاسته سابقاً ، والمشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق(2) إلاّ مع سبق إطلاقه ، والمشكوك إباحته محكوم بالاباحة إلاّ مع سبق ملكية الغير أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل في الماء المشكوك

    (1) حتى يعلم نجاسته ولو بالاستصحاب كما إذا كان مسبوقاً بالنجاسة ويدل على ذلك قوله (عليه السلام) في موثقة عمار : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر ...» (1) وقوله (عليه السلام) «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنه قذر» (2) ويدل عليه أيضاً جميع ما دلّ على حجية الاستصحاب بضميمة ما دلّ على طهارة الماء في نفسه .

   (2) لأن الشك في إطلاق مائع وإضافته بعينه هو الشك في أنه ماء أو ليس بماء فلا بدّ في ترتيب الآثار المرغوبة من الماء عليه من رفع الحدث أو الخبث من اثبات أنه ماء ، فان أحرزنا ذلك ولو بالاستصحاب فهو ، وإلاّ فلا يمكننا ترتيب شيء من آثار الماء عليه .

   (3) للبحث في ذلك جهتان :

   إحداهما : حلية التصرفات فيه من أكله وشربه وصبه وغيرها من الانتفاعات المترقبة منه .

   وثانيتهما : صحة بيعه وغيرها من الآثار المتوقفة على الملك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

(2) الوسائل 1 : 134 / أبواب الماء المطلق ب 1 ح 5 .

ــ[335]ــ

   أمّا الجهة الاُولى : فلا ينبغي الاشكال في جواز الانتفاعات والتصرفات الواقعة فيه ، لقوله (عليه السلام) : «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» (1) وقد يقال ـ  كما أشار إليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) في ذيل تنبيهات البراءة  ـ بأن الأموال خارجة عن أصالة الحلية والأصل فيها حرمة التصرف حتى يعلم حليته للاجماع ولرواية محمّد بن زيد الطبري : «لا يحل مال إلاّ من وجه أحلّه الله» (2) حيث دلت على أن الأموال محكومة بالحرمة حتى يتحقق سبب حليتها ، ومع الشك في وجود السبب المحلل يجري الأصل في عدمه (3) .

   ولكن الصحيح أن الأموال كغيرها فتجري فيها أصالة الحل ما لم يعلم حرمتها بدلالة دليل أو قيام أصل مثبت لحرمتها ، وذلك لأن الاجماع المدعى لا نطمئن بكونه تعبدياً كاشفاً عن رأي الإمام .

   وأمّا الرواية فيدفعها : أوّلاً : ضعف سندها حيث إن جملة ممن وقع في طريقها مجاهيل والمجلسي (قدس سره) وإن قوّى وثاقة سهل بن زياد (4) ، إلاّ أنها لم تثبت كما لم تثبت وثاقة غيره من رجال السند .

   وثانيا : أن الرواية قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن المراد من قوله (عليه السلام) «لا يحل مال ...» الخ لو كان هو ما ادعاه المستدل ـ  من أن كل مال محكوم بحرمة التصرّف فيه حتى يتحقق سبب حليته  ـ لم تكن فيه جهة ارتباط بالسؤال ، حيث إن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قدّمنا أن هذه الجملة وردت في عدة روايات وبيّنا مواضعها في تعليقة ص 259 ، فراجع .

(2) والرواية هي عن محمد بن الحسن وعن علي بن محمد جميعاً عن سهل عن أحمد بن المثنى عن محمد بن زيد الطبري قال : «كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الاذن في الخمس فكتب إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم ، لا يحل مال إلاّ من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا ، وعلى موالينا (أموالنا) وما نبذله ، ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ...» الحديث المروي في الوسائل 9 : 538 / أبواب الأنفال ب 3 ح 2 .

(3) فرائد الاُصول 1 : 371 .

(4) رجال المجلسي (الوجيزة) : 224 .

ــ[336]ــ

السائل إنما سأله عن الإذن في التصرف في الخمس ، وهل له ربط بحرمة التصرف في الأموال حتى يتحقق سبب حليته ، فالظاهر أن مراده (عليه السلام) بذلك الاشارة إلى قوله عزّ من قائل : (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (1) فان الخمس ملكهم (عليهم السلام) فلو أرادوا الاذن لأحد في التصرف فيه لم يجز ذلك إلاّ في ضمن معاملة عن تراض من هبة أو بيع أو غيرهما من الأسباب المحللة للتصرف وإلاّ كان من أكل المال بالباطل . ثم اعتذر (عليه السلام) عن إيقاع المعاملة على الخمس بأن الخمس عوننا على ديننا ودنيانا فلا نتمكن من هبته ولا من غيرها من المعاملات ، وهذا لا لأجل عدم جوازها شرعاً ، بل لأن الخمس عونهم على معيشتهم وبذلهم فلو خرج من أيديهم لم يتمكنوا من المعيشة والبذل ، وعليه فالرواية أجنبية عن المقام رأساً .

   وثالثاً : لو أغمضنا عن سندها ودلالتها فأصالة الاباحة والحلية من أحد الأسباب المحللة للتصرف في المال المشكوك إباحته ، هذا كلّه في الجهة الاُولى .

   وأمّا الجهة الثانية : أعني جواز ترتيب الآثار المتوقفة على الملك فالتردد في أن المال ملكه أو ملك غيره يتصوّر على وجوه :

   الأوّل : ما إذا كان المال مسبوقاً بالاباحة والحلية الأصليتين ، وقد علم بسبق أحد إليه بالحيازة ولا يعلم أنه هو نفسه أو غيره ، ولا مانع في هذه الصورة من استصحاب بقاء المال على إباحته السابقة إلى زمان الشك ، وهو يقتضي الحكم بحلية المال له فعلاً ومعناه عدم تسلّط الغير عليه بالحيازة وإلاّ لم يكن مباحاً في حقه ، وبعد ذلك يتملكه بالحيازة ، فيثبت بالاستصحاب أنه مال لم يتملكه غيره وهو الموضوع للتملّك شرعاً وبضمه إلى الوجدان أعني تملكه يثبت أنه ملكه ، ويترتب عليه جميع آثار الملكية من الانتفاعات والمعاملات .

   الثاني : ما إذا كان المال حينما وجد وجد مملوكاً له أو لغيره من غير أن تكون له حالة سابقة متيقنة ، ولا يجوز في هذه الصورة ترتيب آثار الملك عليه ، وهذا كما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

ــ[337]ــ

البيضة لا يدري أنها لدجاجته أو لدجاجة غيره أو الثمرة لشجرته أو لشجرة غيره أو الصوف لغنمه أو لغنم غيره ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، وفي هذه الصورة يجري استصحاب عدم دخوله في ملكه بسبب من الأسباب ، فان الملكية إنما تتحقق بأسبابها وهي مشكوكة التحقق في المقام والأصل عدم تحققها ، ولا يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم دخوله في ملك الغير بأسبابه ، فانّه لا يثبت به دخوله في ملك نفسه .

   هذا ثم لو سلمنا جريان كلا الأصلين وتساقطهما بالمعارضة ، فلنا أن نجري الأصل في النتيجة المترتبة عليهما ، لأنه إذا شككنا في صحة بيعه حينئذ من جهة تعارض الأصلين نستصحب عدم انتقاله إلى المشتري ، وهو معنى فساد البيع . وعلى الجملة لا يجوز في هذه الصورة شيء من التصرفات المتوقفة على الملك ، وأمّا سائر التصرفات من أكله وشربه وأمثالهما فلا إشكال في جريان أصالة الحل والحكم بجوازها ، لأنها مشكوكة الحرمة حينئذ وكل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام .

   الثالث : ما إذا كان المال ملكاً لأحد سابقاً ثم علم بانتقاله إما إليه أو إلى غيره ، وفي هذه الصورة أيضاً لا يمكن ترتيب شيء من الآثار المتوقفة على الملك ، لاستصحاب عدم دخول المال في ملكه بأسبابه ، لأن الملك يتوقف على سبب لا محالة وهو أمر حادث مشكوك والأصل عدمه ، ولا يعارضه استصحاب عدم دخوله في ملك الغير لأنه لا يثبت دخوله في ملك نفسه ، ثم على تقدير جريانهما وتساقطهما بالمعارضة لا مانع من الرجوع إلى الأصل الجاري في النتيجة أعني أصالة عدم انتقاله إلى المشتري إذا شككنا في صحة بيعه كما ذكرناه في الصورة المتقدمة .

   هذا على أ نّا لو قلنا بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي لم يكن مانع من استصحاب ملكية الغير في المقام ، لأن ذلك الكلي كان متحققاً في ضمن فرد ـ  أعني المالك السابق  ـ وهو قد ارتفع قطعاً ، ونشك في قيام غيره مقامه فنستصحب كلي ملك الغير ، وبهذا يثبت عدم كونه ملكاً له ، إلاّ أ نّا لا نقول بالاستصحاب في القسم الثالث من الكلي .

   وأمّا بالاضافة إلى سائر التصرفات فهل تجري فيها أصالة الحل ؟

ــ[338]ــ

   قد يقال بجريانها ، لأنها مشكوكة الحرمة والحلية ، ومقتضى عموم كل شيء لك حلال إباحتها كما في الصورتين المتقدمتين ، إلاّ أن الصحيح عدم جريانها في هذه الصورة ، وذلك لأن المال كان ملكاً لغيره على الفرض ، ومقتضى قوله تعالى : (لا  تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (1) وقوله (عليه السلام) «لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه» (2) عدم حليته له إلاّ بالتجارة عن تراض أو بطيب نفسه ، والأصل عدم انتقاله بهما ، وبه نحكم بعدم حلية التصرفات في المال ولا يبقى معه مجال لأصالة الحلية كما هو ظاهر ، ولا تقاس هذه الصورة بالصورتين المتقدمتين ، لعدم العلم فيهما بكون المال ملكاً لغيره سابقاً حتى يجري استصحاب عدم انتقاله بالتجارة أو بطيب نفسه .

   الرابع : ما إذا كان المال مسبوقاً بملكيتين بأن علم أنه كان ملكه في زمان وكان ملك غيره في زمان آخر ، واشتبه المتقدم منهما بالمتأخر ، ففي هذه الصورة يجري استصحاب كل واحد من الملكيتين ويتساقطان بالمعارضة على مسلكنا ، ولا يجري شيء منهما على مسلك صاحب الكفاية (قدس سره) لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فلا أصل بالاضافة إلى الملكية ولا سبيل لاثباتها ، فلا يجوز في هذه الصورة شيء من التصرفات المتوقفة على الملك ، وأمّا سائر التصرفات فتجري أصالة الحل بالاضافة إليها كما مرّ للشك في حرمتها ، وليس في البين أصل يحرز به بقاء ملك الغير حتى يوجب حرمتها كما في الصورة المتقدمة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 29 .

(2) قد ورد مضمونه في موثقة زرعة عن سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث قال : من كانت عنده أمّانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فانّه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه» . ورواه في الكافي بسند صحيح وفيما عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال في خطبة الوداع «أيها الناس إنما المؤمنون اخوة ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه» المرويتين في الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلِّي ب 3 ح 1 ، 3 . وفي الباب 3 من أبواب الأنفال في حديث محمد بن زيد الطبري «ولا يحل مال إلاّ من وجه أحله الله» كما قدمنا نقلها في تعليقة ص 335 . وغيره من الأخبار المروية في الباب المذكور .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net