حجّية الظنّ في الركعتين الاُوليين - الشك في إكمال السجدتين فيما يعتبر فيه إكمالهما 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4040


ــ[221]ــ

   ومنها : موثّقة أبي بصير: «عن رجل صلّى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في الرابعة قال : فما ذهب وهمه إليه ، إن رأى أ نّه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلّم بينه وبين نفسه ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحـة الكتاب» (1) . حيث أجرى (عليه السلام) حكم الشكّ من البناء على الأربع والتدارك بركعة الاحتياط ، مع أ نّه يرى ـ أي يظنّ ـ أ نّه في الثالثة .

   ولكنّها من أجل مخالفتها لتلك النصوص الكثيرة المعتبرة الدالّة على حجّية الظنّ التي لا يبعد القطع بصدور بعضها ولو إجمالاً غير صالحة للاعتماد عليها لعدم نهوضها في قبالها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها ، أو ارتكاب التأويل فيها بدعوى أنّ المراد من الوهم والرأي هو الشكّ المتساوي الطرفين فالمراد مساواة ما يراه مع ما وقع في قلبه ، كما حملها عليه في الحـدائق(2) وإن كان بعيداً جدّاً .

   ومنها :  ما أرسله الصدوق في المقنع عن أبي بصير أ نّه روى في من لم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً : «إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين وأربع سجدات جالساً ... » إلخ (3) .

   ولكنّها من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال ، ولم يذكر في الفقيه ولا في الكافي رواية بهذا المضمون كي تكون هذه إشارة إليها ، فهي ساقطة سنداً مضافاً إلى إمكان حملها على الاستحباب كما تقدّم في الرواية الاُولى ، هذا كلّه في الأخيرتين .

   وأمّا في الركعتين الاُوليين :  فالمعروف والمشهور حجّـية الظنّ فيهما أيضـاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 218 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 7 .

(2) الحدائق 9 : 231 .

(3) الوسائل 8 : 218 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10 ح 8 ، المقنع : 104 .

ــ[222]ــ

ونسب الخلاف إلى ابن إدريس (1) .

   ووافقه على ذلك صاحب الحدائق(2) . فإن كان نظره (قدس سره) في عدم كفاية الظنّ إلى أنّ المستفاد من النصوص اعتبار اليقين والحفظ والإحراز في الركعتين الأولتين وبذلك تمتاز عن الأخيرتين في عدم الاعتداد بالظنّ ، فجوابه ظاهر ، لتوقّفه على استظهار اعتبار اليقين المأخوذ في الموضوع على نحو الصفة الخاصّة .

   وهو من أجل افتـقاره إلى مؤونة زائـدة بعيد عن الفهم العـرفي جدّاً ، بل المنسبق إلى الذهن من اليقين المأخوذ في الموضوع لحاظه على نحو الطريقية والكاشفية، من دون خصوصية لصفة اليقين، كما في قوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشك ، بل انقضه بيقين آخر (3) . فانّ اليقين الناقض طريق إلى الواقع . والمراد مطلق الحجّة ، لا خصوص وصف اليقين .

   وعليه فصحيحة صفوان (4) المتضمّنة لحجّية الظنّ ـ التي مرجعها إلى جعله بمثابة العلم في الكشف عن الواقع في نظر الشارع ـ حاكمـة على تلك الأدلّة فانّ القدر المتيقّن ممّا تشمله الصحيحة هو الأولتان ، لكونهما الأكثر الغالب في الشكوك المحكومة بالإعادة والبطلان ، كالشكّ بين الواحدة والثنتين مطلقاً ، والثنتين والثلاث ، والثنتين والأربع ، والثنتين والثلاث والأربع قبل الإكمـال . وإن أمكن فرضه في الأخـيرتين أيضاً كالشكّ بين الأربع والسّت ، وكذا الثلاث والخمس في غير حـالات القـيام ، لكن الغالب هو الأوّل ، بحيث لا يحتمل تخصيصها بالأخيرتين وتنزيلها عليها ، لعدم الحكم فيهما بالإعادة إلاّ نادراً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) السرائر 1 : 250 .

(2) الحدائق 9 : 207 ـ 208 .

(3) الوسائل 1 : 245 /  أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 .

(4) المتقدّمة في ص 219 .

ــ[223]ــ

   وعليه فالمتيقّن من حجّية الوهم المستفاد من مفهومها هما الأولتان ، فتكون حاكمة على تلك الأدلّة كما ذكرنا ، إذ بعد اتصافه بالحجّية فهو علم تعبّدي ، ولا فرق بينه وبين العلم الوجداني في الكشف عن الواقع .

   وبالجملة :  فان كان نظر الحـدائق إلى ما ذكر فجوابه ما عرفت . إلاّ أ نّه (قدس سره) لم يقتصر على ذلك ، بل له دعوى اُخرى وهي معارضة مفهوم صحيحة صفوان مع منطوق صحيحة زرارة المصرّحة بعدم دخول الوهم في الاُوليين ، قال (عليه السلام) : «كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات ، وفيهنّ القراءة ، وليس فيهنّ وهم ... » إلخ (1) .

   فانّ المراد بالوهم هو الظنّ ولو بقرينة بقيّة الروايات المتضمّنة أ نّه إذا وقع وهمه على شيء كالثلاث أو الأربع بنى عليه ، فتكون الصحيحة مقيّدة لإطلاق صحيح صفوان ، أو أ نّهما يتسـاقطان من هذه الجهة ، فلم يكن ثمة دليـل على كفاية الظنّ ، فتجب الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال .

   ولكن هذه الدعوى ظاهرة الاندفاع ، لتفسير الوهم في نفس الصحيحة بالسهو، قال : يعني سهواً. المراد به الشكّ، لإطلاقه عليه كثيراً في لسان الأخبار(2) كما يكشف عنه التفـريع الذي ذكره (عليه السلام) بعد ذلك بقوله : «فمن شكّ في الأولتين ... » إلخ .

   فانّ تفريع هذه الجملة على سابقتها يكشف بوضوح عمّا ذكرناه من أنّ المراد بالوهم هو الشكّ ، مضافاً إلى التفسير المزبور ، فانّه (عليه السلام) بعد أن بيّن عدم دخـول الوهم في العشر ركعات ودخوله في السبع الزائدة رتّب عليه أنّ من شكّ في الأولتين أعاد ، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم . وهذا التفريع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 187 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل 8 : 243 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 25 ح 1 وغيره .

ــ[224]ــ

   [ 2042 ] مسألة 6 : في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين كالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا شكّ مع ذلك في إتيان السجدتين أو إحداهما وعدمه إن كان ذلك حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت الصلاة ، لأ نّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بأحدهما فيكون قبل الإكمال ، وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهّد لم تبطل ، لأ نّه محكوم بالإتيان شرعاً فيكون بعد الإكمال ، ولا فرق بين مقارنة حدوث الشـكّين أو تقدّم أحـدهما على الآخر ، والأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يستقيم إلاّ بناءً على إرادة الشكّ من الوهم كما لعلّه ظاهر جدّاً .

   فالإنصاف :  أنّ ما عليه المشهور من حجّية الظنّ في باب الركعات من غير فرق بين الاُوليين والأخيرتين استناداً إلى الإطلاق في صحيحة صـفوان هو المتعيّن .

   (1) إذا تعلّق الشكّ بما يعتبر في صحّته إكمال السجدتين ومع ذلك شكّ في تحقّق الإكمال :

   فان كان ذلك قبل تجـاوز المحلّ كما لو كان في حال الجلوس ولم يدر أ نّه جلوس بين السجدتين مثلاً ، أو أ نّها جلسة الاسـتراحة ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، لعدم إحراز شرط الصحّة وهو الإكمال ، بل هو محرز للعدم بمقتضى الاسـتصحاب ومفهـوم قاعدة التجاوز ، فهو محكوم شرعاً بلزوم الإتيان بالسجدتين أو باحداهما ، لما ذكر ، ولا أقلّ من أجل قاعدة الاشتغال .

   وعليه فلم يكن محرزاً للأولتين ، فيكون المضيّ في الصلاة مع هذه الحالة مضيّاً

ــ[225]ــ

مع الشكّ فيهما، الممنوع في لسان الأخبار والمحكوم فيها بالبطلان ، وهذا ظاهر .

   وإن كان بعد التجاوز كما لو عرض الشكّ المزبور بعد الدخول في التشهّد ، أو بعد الدخـول في القـيام فشكّ في أنّ الركعة التي قام عنها ـ وقد شكّ فعلاً في سجدتها ـ هل كانت الثانية أو الثالثة ، المـلازم للشكّ في أنّ ما بيـده هل هي الثالثة أو الرابعة ، فحينئذ بما أ نّه محكوم شرعاً بالإتيان بالسجدتين بمقتضى قاعدة التجاوز فالشكّ المذكور حاصل بعد الإكمال بطبيعة الحال .

   ونتيجة ذلك كون المصلّي محرزاً للأولتين ولو ببركة التعبّد الشرعي الناشئ من العمل بقاعدة التجاوز ، إذ لا فرق في الإحراز المزبور بين كونه وجدانياً أم متحصّلاً من ناحية التعبّد . وعليه فلو مضى في صلاته مضى وقد أحرز الثنتين وليس الشكّ إلاّ في الثالثة ، ومثله مشمول لأدلّة البناء على الأكثر . وهذا من غير فرق بين مقـارنة حدوث الشـكّين ـ أعني الشكّ في الركعة مع الشكّ في السجدة ـ أو تقدّم أحدهما على الآخر ، لاشتراك الكلّ في مناط الصحّة .

   نعم ، ذكر في المتن أنّ الأحوط الإتمام والإعادة خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة . والوجه في تخصيصه الصورتين بمراعاة الاحتياط أنّ في الصورة الثالثة ـ وهي تقدّم الشكّ في السجدة ـ بما أنّ التعبّد باتيان السجدتين حاصل ابتداءً فالشكّ الحادث بعد ذلك في الركعة شكّ بعد إحراز الإكمال ، فيضعف الاحتمال المقتضي للاحتياط عدا مجرّد إدراك الواقع .

   وهذا بخلاف صورة العكس ، أعني تقدّم الشكّ في الركعة ، إذ لم يتعلّق بعدُ تعبّد من قِبَل الشارع بتحقّق السجدتين، لعدم حصول موجبه وهو الشكّ المستتبع للحكم بالتحقّق بمقتضى قاعدة التجاوز ، فلا محالة يتّصف الشكّ وقت حدوثه بكونه قبل الإكمال .

   ومنه يظهر الحال في صورة المقارنة ، لعدم اتّصاف الشكّ عندئذ بكونه بعد

ــ[226]ــ

الإكمال ، المعتبر ذلك في الحكم بالصحّة ، هذا .

   ولكن الاحتياط المزبور ضعيف جدّاً بحسب الصناعة وإن كان حسناً لمجرّد إدراك الواقع كما عرفت ، وذلك لما تقدّم من أنّ الشكّ بحدوثه لم يكن مبطلاً ، وإنّما العبرة بمرحلة البقاء وأن لايمضي في صلاته مع الشكّ ، والمفروض أنّ الشكّ في الركعة موصوف بقاءً بكونه بعد الإكمال . إذن لا أثر لتقدّم أحد الشكّين على الآخر في مرحلة الحدوث بعد تعلّق التعبّد باكمال السجدتين في مرحلة البقاء .

   بل لو كان قاطعاً لدى حدوث الشكّ بين الثنتين والثلاث بكونه قبل الإكمال ثمّ تبدّل القطع بنقيضه فتيقّن كونه بعد الإكمال صحّت صلاته بلا إشكال ، فضلاً عن المقام . والسرّ هو ما عرفت من أنّ الميزان في الصحّة والبطلان لحاظ مرحلة البقاء دون الحدوث ، فلا فرق بين الصور الثلاث . والاحتياط الاستحبابي في الجميع كما صنعه في المتن لا منشأ له عدا المحافظة على المصلحة الواقعية المحتملة التي هي حسن على كلّ حال ، هذا .

   وربما يفصّل بين الدخول في التشهّد والدخول في القيام ، فيمنع عن الصحّة في الأوّل ، نظراً إلى عدم الدخول حينئذ في الغير ، المترتّب المعتبر في جريان قاعدة التجاوز ، إذ لو بنى على أنّ ما بيده الثالثة بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر كان اللاّزم اتصاف التشهّد بالزيادة ، إذ لا تشهّد في الثالثة البنائية كالأصلية فوجوده كالعدم لوقوعه في غير محلّه .

   إذن فالشكّ في السجدة شكّ قبل التجاوز ، لتوقّفه على الدخول في الغير المترتب المأمور به ، لا في مطلق الغير ، فلا تجري القاعدة ، ومعه لم يحرز الإكمال فلم تحرز الأولتان ، فلا مناص من البطلان ، لعدم كون مثله مشمولاً لأدلّة البناء على الأكثر . وهذا بخلاف الدخول في القيام الذي هو مأمور به على كلّ حال .

   ويردّه : أ نّا نقطع بالتجاوز عن محلّ السجدة الثانية الذي هو المناط في تحقّق




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net