هل يعتبر الذكر في سجود السهو ؟ - هل يعتبر ذكر خاص فيه ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء الثامن:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4040


ــ[387]ــ

ويقول : «بسم الله وبالله ((1)) وصلّى الله على محمّد وآله» ، أو يقول : «بسم الله وبالله ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أو يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أ يُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ببقائه سجود السهو لم يكن مجـزياً ، للزوم إحداث الوضع وإيجاده بعـد أن لم يكن .

   وأمّا اعتبار أن يكون الوضع على الأرض أو ما يصحّ السجود عليه فلأ نّه وإن لم يرد في نصوص المقام ما يدلّ عليه إلاّ أ نّه يكفينا الإطلاق في بعض النصوص الواردة في السجود مثل قوله (عليه السلام) : لا تسجد على القير أو على الزفت ونحو ذلك (2) ، فانّ إطلاقـه غير قاصر الشمول لمثل المقام ولكلّ سجود مأمور به ، ولا سيما بلحاظ التعليل الوارد في بعض النصوص المانعة عن السجود على المأكول والملبوس من أنّ الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون (3) الكاشف عن اطّراد ذلك في مطلق السجود .

   (1) هل يعتبر الذكر في سجدتي السهو ؟ وعلى تقديره فهل يعتبر فيه ذكر خاصّ ؟

   المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق(4) وغيره هو الوجوب ، وأن يكون بالكيفية الخاصّة المذكورة في المتن ، فلا يجزي مطلق الذكر .

   ونسب إلى جماعة إنكار الوجوب رأساً فضلاً عن اعتبار ذكر خاصّ، استناداً إلى أصالة البراءة أوّلاً ، وإلى إطلاق الأمر بالسجود في غير واحد من النصوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأحوط الاقتصار على الصيغة الأخيرة .

(2) الوسائل 5 : 353 /  أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 1 وغيره .

(3) الوسائل 5 : 343 /  أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 .

(4) الحدائق 9 : 333 .

ــ[388]ــ

ثانياً كصحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لاتدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(1) ، ونحوها صحاح زرارة وأبي بصير والحلبي(2) .

   وعلى تقدير النقاش في انعـقاد الإطلاق في هذه الروايات بدعوى كونها مسوقة لبيـان حكم آخر ، وليست بصدد التعرّض لكيفية سـجود السهو وما يعتبر فيه أو لا يعتبر كي ينعقد الإطلاق ، فيكفينا ما تقدّم من أصالة البراءة فانّ الوجوب يحتاج إلى الدليل دون العدم . فلو كنّا نحن وهذه الروايات لقلنا بعدم الوجوب إمّا للإطلاق أو للأصل ، هذا .

   ولكن بازاء هذه الروايات صحيحة الحلبي الظاهرة في اعتبار ذكر خاصّ والمقيّدة لتلك المطلقات بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد على تقدير تحقّق الإطلاق فيها ، ومعلوم أ نّه لا مجال للتمسك بالأصل بعد قيام الدليل ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «أ نّه قال : تقول في سـجدتي السهو : بسم الله وبالله ، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد . قال : وسمعته مرّة اُخرى يقول : بسم الله وبالله ، السلام عليك أ يّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (3) .

   ولكن متن الصحيح مختلف في كتب الحديث ، ففي الكافي ما أثبتناه ، وكذا في الفقيه ، غير أنّ أغلب نسخ الفقيه وأصحّها بدل قوله : «اللّهمّ صلّ ... » إلخ هكذا : «وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» . والشيخ أيضاً رواها مثل الفقيه ، لكن فيه «والسلام» باضافة الواو . فالفقيه يطابق الكافي في ترك الواو ويخالفه في كيفية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 8 : 224 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 1 ، 2 ، 3 ، 4 .

(3) الوسائل 8 : 234 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 1 ، الكافي 3 : 356 / 5 الفقيه 1 : 226 / 997 ، التهذيب 2 : 196 / 773 .

ــ[389]ــ

الصلاة ، وبالإضافة إلى التهذيب على العكس من ذلك .

   ومنه تعرف مدرك الصيغ الثلاث المذكورة في المتن ، غير أنّ الصيغة الاُولى مذكورة في روايتي الفقيه والتهذيب بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (1) ، والماتن ذكرها بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآله» بابدال الظاهر بالضمير ، ولم يعرف له مأخذ . والظاهر أ نّه سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ، وسنتعرّض لحكم هذه الصيغ من حيث التعيين أو التخيير.

   وكيف ما كان ، فهذه الصحيحة ظاهرة في اعتبـار الذكر الخاصّ . غير أ نّه يعارضها موثّقة عمّار الظاهرة في عدم الاعتبار، قال : «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح ؟ فقال : لا ، إنّما هما سجدتان فقط ... » إلخ (2) .

   ودعوى أنّ المنفي إنّما هو التسبيح فلا ينافي اعتبار الذكر الخاصّ الذي تضمّنه الصحيح بعيدة جدّاً ، لمخالفتها لقوله : «فقط» الظاهر في عدم اعتبار أيّ شيء ما عدا ذات السجدتين كما لا يخفى .

   وربما يتصدّى للجمع بالحمل على الاستحباب . وفيه ما لا يخفى ، لعدم كونه من الجمع العرفي في مثل المقام ، بل يعدّان من المتعارضين ، فانّه لو كان مدلول الموثّقة نفي الوجوب لتمّ ما اُفيد ، كما هو الشائع المتعارف في كلّ دليلين تضمّن أحدهما الأمر بشيء والآخر نفي البأس بتركه ، فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بنصوصية الآخر في العدم ويحمل على الاستحباب .

 إلاّ أنّ الموثّقـة ظاهرة في عدم التشريع (3) لا عدم الوجـوب ، لقوله (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [ الموجود في التهذيب : بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وعلى آل محمّد ] .

(2) الوسائل 8 : 235 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ح 3 .

(3) لما كان الظاهر من السؤال الاستعلام عن الوظيفة المقرّرة زائداً على نفس السجدتين كان النفي في الجواب المعتضد بقوله (عليه السلام) في الذيل : «وليس عليه أن يسبّح» ظاهراً في نفي التوظيف لا نفي التشريع .

ــ[390]ــ

السلام) : «لا» في جواب قوله : «هل فيهما ... » إلخ ، أي ليس فيهما تسبيح ، الظاهر في أ نّه ليس بمشروع، لا أ نّه لا يجب. وصحيحة الحلبي ظاهرة(1) في الوجوب، ومن المعلوم أنّ الوجوب وعدم المشروعية من المتعارضين بحسب الفهم العرفي ، بحيث لا يتيسّر التوفيق ولا يمكن الجمع بينهما بوجه .

   وعليه فان ثبت ما نسب إلى العامّة (2) من عدم وجوب شيء في سجدتي السهو حملت الموثّقة على التقية لموافقة العامّة ، وإلاّ فلا ينبغي الشكّ في ترجيح الصحيحة عليها ، فانّها من الروايات المشهورة المعـروفة رواية وعملاً قديماً وحديثاً، قد رواها المشايخ الثلاثة في الكتب الأربعة بأسانيد عديدة، فلا تعارضها الموثّقـة ، ولا سيما وفي روايات عمّار كلام ، حيث إنّه على ما قيل كثير الخطأ والاشتباه ، فتطرح ويردّ علمها إلى أهله . فيتعيّن العمل بالصحيحة .

   وهل يقتصر على مضمونها من الذكر الخاصّ أو يتعدّى إلى مطلق الذكر كما عن جماعة ؟ الظاهر هو الأوّل ، لعدم الدليل على الثاني ، إذ لم يثبت الاجتزاء بالمطلق ولا برواية ضعيفة، ومقتضى ظهور الأمر الوارد في الصحيح هو التعيّن فرفع اليد عنه والتعدّي يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا مناص من الاقتصار [ عليه  ]جموداً على ظاهر النصّ .

   بقي الكلام حول هذه الأذكار نفسها وأ نّه هل يجزي أحدها من باب التخيير أو يتعيّن الذكر الأخير مع الواو في «السلام عليك» أو بدونه فنقول : قد عرفت أنّ الحلبي رواها عن أبي عبدالله (عليه السلام) تارة بصيغة الصلاة وسمعه مرّة اُخرى يقولها بصيغة التسليم ، لا بمعنى مباشرته (عليه السلام) لها في سجود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظهور مبنيّ على ثبوت نسخة الفقيه بصورة «تقول» ، وهو غير واضح بعد اختلاف النسخ وعدم الجزم بالصحيح منها كما لا يخفى .

(2) [ ذهب إلى الوجوب بعض العامة ، لاحظ المجموع 4 : 161 ، فتح العزيز 4 : 179 ، الفتاوى الهندية 1 : 125 ] .

ــ[391]ــ

السهو كي يخدش في صحّة الحديث بمنافاته مع ما استقرّت عليه اُصول المذهب من تنزّه المعصوم (عليه السلام) من السهو ، بل بمعنى سماع الفتوى منه وأ نّه سمعه يقول في حكم المسألة كذا ، بشهادة صدر الحديث ، حيث قال : تقول في سجدتي السهو كذا ، وهذا استعمال دارج في لسان الأخبار وغيرها ، حيث يعبّر عند حكاية رأي أحد بالسماع عنه أ نّه يقول كذا ، نظير ما ورد من أ نّه سمعته يقـول : في القتل مائة من الإبل ، كما مثّل به صاحب الوسائل (1) . فهو من باب حكاية القول ، لا حكاية الفعل كما لا يخفى .

   وعلى الجملة :  فقد تضمّنت الصحيحة حكاية صيغتين للذكر. وعرفت أيضاً أنّ صورة الصيغة الاُولى مختلفة في كتب الحديث ، فرواها الكافي بصورة : «اللّهمّ صلّ ... » إلخ ، والفقيه والتهذيب بصورة «وصلّى الله ... » إلخ .

   ومن المعلوم عدم احتمال تعدّد الرواية بتعدّد الواقعة ، بأن سمعه عن الإمام (عليه السلام) تارة بهذه الصورة واُخرى بتلك ، فرواها مرّتين وصلت إحداهما بطريق إلى الكليني والاُخرى بنفس الطريق إلى الصدوق ، فانّ هذا غير محتمل لبعد تعدّد الواقعة في صيغة واحدة ، كبعد تفرّد كلّ منهما برواية لا يرويها الآخر في موضوع واحد مع اتّحاد الطريق والراوي والمروي عنه كما لا يخفى .

   وعليه فالصادر عن المعصوم (عليه السلام) بحسب الواقع إنّما هو إحدى صورتي الصيغة الاُولى ، وحيث لا يمكن تمييز الواقع وتشخيصه عن غيره ، لأنّ كلاً من الكليني والصدوق معروف بدقّة الضبط والاتقان في النقل ، فهو من باب اشـتباه الحجّة باللاّحجّة ، لا من باب تعارض الحجّـتين ليجري عليه حكم تعارض الأخبار ، لاختصاصه بصورة تعدّد الرواية ، وقد عرفت اتّحادها في المقام وأنّ التعدّد إنّما نشأ من اختلاف النسخ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 234 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 20 ذيل ح 1 .

ــ[392]ــ

   وعليه فلا يمكن الاجتزاء باحداهما والتخيير في مقام العمل كما هو ظاهر المتن ، لتردّد الصادر الواقعي بين النسختين من غير ترجيح في البين ، بل لا بدّ إمّا من الجمع بينهما أو تركهما واختيار الصيغة الأخيرة ـ أعني التسليم ـ لتطابق النسخ عليها ، واتفاق المشايخ الثلاثة على نقلها .

   وأمّا الاختلاف الواقع في صورة الصيغة الأخيرة من حيث الاشتمال على الواو في «السلام عليك» الذي اختصّت به نسـخة التهذيب وعدمه فلا ينبغي الإشكال في أنّ الترجيح مع رواية الكافي ، ولا سيما مع اعتضادها برواية الفقيه الموافقة لها في ترك الواو ، لقوّة ضبطهما ولا سيما الكليني .

   فلا تقاومهما رواية التهذيب غير الخالي عن الاشتباه غالباً حتّى طعن فيه صاحب الحدائق (قدس سره) (1) بعدم خلوّ رواياته غالباً عن الخطأ والخدش في السند أو المتن ، لعدم محافظته على ضبط الأخبار ، الناشئ من كثرة الاشتغال والتسرّع في التأليف . وعليه فيطمأنّ بأنّ هذه زيادة من التهذيب أو من النسّاخ فلا يمكن الإتيان بالواو بقصد الأمر وبعنوان سجود السهو .

   وهذا هو الوجه فيما ذكره بعض الأعاظم في تعليقته على نجاة العباد من أنّ الأحوط حذف الواو ، لما عرفت من أضبطيّة الكافي والفقيه بمثابة يطمأنّ بالزيادة في نسخة التهذيب ، ولأجله كان الحذف هو مقتضى الاحتياط وقاعدة الاشتغال .

   ومن جميع ما ذكرنا تعرف أنّ من أراد الاقتصار على صيغة واحدة فالأحوط اختيار الصيغة الأخيرة ـ أعني التسليم ـ بدون ذكر الواو ، فانّ ظاهر الصحيحة وإن كان هو التخيير بين الصيغتين إلاّ أنّ صورة الصيغة الاُولى ـ  أعني الصلاة  ـ غير ثابتة بعد تعارض نسختي الكافي والفقيه ، وفقد التمييز وتشخيص ما نقله

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الحدائق 9 : 334 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net