استثناء الوتر عن الحكم بالتخيير - أفضلية البناء على الأقل في الشك في ركعات النافلة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4352


ــ[62]ــ

سواء كانت ركعة كصلاة الوتر أو ركعتين كسائر النوافل أو رباعية (1) كصلاة الأعرابي ، فيتخيّر عند الشك بين البناء على الأقل أو الأكثر إلاّ أن يكون الأكثر مفسداً فيبني على الأقل ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام) : «ليس عليك شيء» ، وأمّا لو كان ذلك مع إبدال «شيء» بـ «سهو» كما في بعض النسخ فلا تدلّ الصحيحة حينئذ إلاّ على انتفاء حكم السهو وعدم الاعتناء بالشك ، الّذي نتيجته البناء على الأكثر ما لم يكن مفسداً وإلاّ فعلى الأقل ، فيكون مساقها مساق ما تقدّم في كثير الشك . فلا دلالة لها حينئذ على التخيير بين الأقل والأكثر كما كان كذلك بناءً على نسخة (شيء) كما عرفت هذا .

   ولكن نسخة (سهو) لم توجد إلاّ في بعض كتب الفقهاء كصاحب الحدائق(1) وبعض من تأخّر عنه ، وإلاّ فقد راجعنا مصادر الحديث ـ وهي المعتمد ـ من الكافي(2) بطبعتيه القديمة والحديثة والوافي(3) ومرآة العقول(4) والوسائل فوجدنا اتّفاق الكلّ على ما أثبتناه مع نوع اختلاف بينها في ضمير الخطاب والغياب كما أشرنا إليه ، غير القادح في الاسـتدلال . فلا يعبأ إذن بتلك النسخة غير الموجودة في شيء من المصادر . وعليه فلا مانع من الاستدلال بالصحيحة على المطلوب حسبما عرفت .

   (1) بلا خلاف فيه ، لإطلاق النص ، أعني صحيح ابن مسلم المتقدّم الشامل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحدائق 9 : 346 .

(2) الكافي 3 : 359 / 6 .

(3) الوافي 8 : 1000 / 7592 .

(4) مرآة العقول 15 : 226 / 6 .

ــ[63]ــ

لكلّ نافلة ، سواء كانت ذات ركعتين كما هو الغالب ، أم واحدة كالوتر ، أم أربع كصلاة الأعرابي ، أم ثمان كصلاة الغدير بناءً على ثبوتهما .

   نعم ، يعارضه في الوتر صحيح العلاء المروي بطريقين كلاهما صحيح ، قال : «سألته عن الرجل يشك في الفجر ، قال : يعيد ، قلت : المغرب قال : نعم ، والوتر والجمعة ، مِن غير أن أسأله» (1) المؤيّد بحديث الأربعمائة (2) وإن لم يكن السند نقيّاً من أجل اشتماله على القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد ولم يوثّق لكن هذا السند بعينه موجود في أسانيد كامل الزيارات ، ولأجله بنينا أخيراً على اعتبار الحديث المزبور .

   وقد جمع بينهما صاحب الوسائل بالحمل على الاستحباب (3) ، وهو كما ترى .

   وأضعف منه الجمع بحمل الوتر على ما لو وجب لعارض من نذر ونحوه ، إذ مضافاً إلى بُعده في نفسه لم يكن مختصّاً بالوتر ، بل يشمل عامّة النوافل المنذورة بناءً على أنّ الواجب بالعرض لم يكن ملحقاً بحكم الأصل . فلا وجه لتخصيص الوتر بالذكر .

   ونحوه في الضعف ما عن صاحب الحـدائق (4) من أنّ الوتر كما يطلق على مفردة الوتر يطلق كثيراً على المركّب منها ومن صلاة الشفع ، أعني مجموع الركعات الثلاث ، وعلى هذا الإطلاق يحمل الصـحيح . وعليه فيكون الشك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 8 : 195 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 2 ح 7 ، 14 .

(3) الوسائل 8 : 230 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ذيل ح 3 .

(4) الحدائق 9 : 167 ، ولكنّه يسنده إلى القيل ، ولم يصرِّح باختياره ، اللّهمّ إلاّ أن يستفاد الإمضـاء من عدم الرد ، نعم هو خيرة المحقّق الهمداني (قدس سره) ، لاحظ التنبـيه الثالث من ص 588 السطر 33 من كتاب الصلاة من مصباح الفقيه .

ــ[64]ــ

والأفضل هو البناء على الأقل مطلقاً  (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمولاً على ما بين الثنتين والثلاث ، إذ الشك بين الواحدة والثنتين شكّ في الشفع حقيقة ولا مساس له بالوتر .

   ومن المعلوم أنّ الشك المزبور أعني ما بين الثنتين والثلاث يرجع لدى التحليل إلى العلم بايقاع الشفع والشكّ في تحقّق الوتر من أصله ، التي هي صلاة برأسها، فيعود إلى الشك في أصل وجود الصلاة لا في ركعات الصلاة الموجودة . ومثله خارج عن دليل عدم السهو في النافلة كما لا يخفى . فينزّل صحيح العلاء على الشك في الوجود ، وبذلك يجمع بين الدليلين .

   إذ فيه امتناع هذا التنزيل في الصحيح ، لمكان التعبير بقوله (عليه السلام) : «يعيد» فانّ الإعادة هي الوجود الثاني بعد الوجود الأوّل الأعم من الصحيح والفاسـد ، فلا بدّ من فرض صلاة موجودة في الخارج يشكّ في ركعـاتها كي يحكم عليها بالإعادة ، وهذا لا يلائم مع الشك في أصل الوجود ، فكيف يحمل عليه الصحيح .

   فالصحيح أن يقال : إن كان هناك إجماع على انسحاب الحكم وشموله للوتر فلا كلام ، ولأجله لا مناص من الحمل على الاستحباب على ما عليه من البُعد وإلاّ فمقتضى الصـناعة ارتكاب التخصيص واستثناء الوتر عن عموم حكم النافلة . وعليه فالأحوط لمن يريد إدراك الواقع إعادتها رجاءً وإلحاقها بالفريضة في الاعتناء بالشك ، عملاً بالصحيح المزبور .

   (1) كما ادّعى عليه الإجماع في كلمات غير واحد . فان تمّ فهو المتبع ، وإلاّ فتطالب دعوى الأفضلية بالدليل بعد تكافؤ الاحتمالين وتساوي الطرفين من غير ترجيح في البين .

ــ[65]ــ

   وربما يستدل لها بأ نّها مقتضى الجمع بين صحيح ابن مسلم المتقدّم وبين ما رواه الكافي بعد ذلك مرسلاً حيث قال : وروي أ نّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل(1) . إذ لا يراد منها الإلزام ، لمنافاته مع الصحيحة المتقدّمة التي رواها أوّلاً فلا بدّ وأن يراد به الاستحباب .

   ولكنّه لا يجدي في إثبات الاسـتحباب بعد ضعف المرسلة وعدم القول بالانجبار ، إلاّ بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، وقد ذكرنا في محلّه(2) عدم تماميّة القاعدة ، لقصور أدلّتها عن إثبات الاستحباب الشرعي ، هذا .

   ويمكن أن يسـتدل للأفضلية بابتنائها على ما سيجيء(3) من التفصيل في النافلة بين نقصان الركن وزيادته ، وأنّ الأوّل مبطل لها كالفريضة دون الثاني .

   إذ عليه لو بنى على الأقل يقطع معه بادراك الواقع على كلّ تقدير ، بخلاف البناء على الأكثر ، لاحتمال النقص عندئذ الموجب للبطلان .

   فالشاك بين الواحدة والثنتين لو بنى على الواحدة وأتى بركعة اُخرى فان طابق الواقع فهو ، وإلاّ فغايته زيادة ركعة سهواً ، ولا ضير فيها حسب الفرض . وأمّا لو بنى على الثنتين وكانت في الواقع واحدة فقد نقص عن صلاته ركعة وهي مشتملة على الركن من الركوع والسجود ، والمفروض أنّ نقصان الركن موجب للبطلان . ولأجله كان البناء على الأقل أفضل ، بمعنى أ نّه يحرز معه الواقع على أيّ حال (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 8 : 230 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 18 ح 2 ، الكافي 3 : 359 / 9 .

(2) مصباح الاُصول 2 : 319  وما بعدها .

(3) في ص 73  وما بعدها .

(4) لا يخفى أنّ ما أفاده سيِّدنا الاُستاذ (دام ظلّه) يصلح أن يكون سنداً للأولويّة دون الأفضليّة التي هي المدّعى ، إلاّ أن تكون لزيادة الركعة المحتملة فضيلة في نفسها .

ــ[66]ــ

ولو عرض وصف النفل للفريضة كالمعادة ، والإعادة للاحتياط الاستحبابي والتبرّع بالقضاء عن الغير لم يلحقها حكم النفل، ولو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة ، بل المدار على الأصل (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ولعلّ ما في بعض الكلمات من التعليل بأ نّه المتيقّن يرجع إلى ما ذكرناه ، فلا يرد عليه أنّ كون الأقل متيقّناً لا يقتضي أفضلية البناء عليه .

   (1) قد عرفت افتراق النافلة عن الفريضة فيما لها من أحكام الشكوك ، التي مرجعها إلى البطلان تارة والبناء على الأكثر اُخرى مع التدارك بركعة الاحتياط وعلى الأقل ثالثة مع سجدتي السهو ، وأنّ هذه الأحكام خاصّة بالفريضة . أمّا الشك في النافلة فحكمه التخيير بين البناء على الأقل أو الأكثر ، وإن كان الأوّل أفضل كما مرّ .

   فهل العبرة في هذين الحكمين بما كان نفلاً أو فرضاً بالذات وإن عرض عليه فعلاً ما يخرجه إلى ما يقابله من أحد الوصفين ، فالمدار على الأصل ، أم أنّ العبرة بما اتّصف بالنفل أو الفرض الفعليين وإن كان على خلاف مقتضى الطبع الأوّلي ، فلا اعتبار بالأصل ؟

   فنقول : لا شك أنّ النصوص المتكفّلة لأحكام الشكوك مطلقة في حدّ ذاتها وشاملة لعامّة الصلوات من الفرائض والنوافل ، وقد خرجنا عنها في النافلة بمقتضى صحيح ابن مسلم المتقـدِّم (1) ، فكلّ مـورد علم اندراجـه في عـنوان المخصّص شمله حكمه ، وإلاّ فمجرّد الشك كاف في صحّة الرجوع إلى الإطلاق على ما هو الشأن في كلّ مخصّص مجمل دائر بين الأقل والأكثر من الاقتصار على المقدار المتيقّن ، والرجوع فيما عداه إلى إطلاق الدليل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 60 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net