نجاسة المني 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 21081


    نجاسة المنيّ :

   (2) يقع الكلام في هذه المسألة في مسائل أربع :

   الاُولى : في نجاسة المني من الانسان .

   والثانية : في نجاسة المنيّ من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها مما له نفس سائلة كالسباع .

   والثالثة : في نجاسة المنيّ من الحيوانات المحللة التي لها نفس سائلة .

   والرابعة : في مني ما لا نفس له محلّلاً كان أم محرّماً .

   أمّا المسألة الاُولى : فلا ينبغي الاشكال في نجاسة المني من الانسان رجلاً كان أو امرأة ، بل نجاسته مما قامت عليه ضرورة الاسلام ولم يخالف فيه أحد من أصحابنا وتدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن المذي يصيب الثوب ؟ فقال : ينضحه بالماء إن شاء وقال : في المني يصيب الثوب قال : إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي عليك فاغسله كلّه» (2) وبهذا المضمون غيرها من الروايات .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط .

(2) الوسائل 3 : 423 / أبواب النجاسات ب 16 ح 1 .

ــ[413]ــ

   وفي قبالها جملة من الأخبار تقتضي طهارة المني :

   منها : صحيحة زرارة قال : «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله ؟ فقال : نعم لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فان كانت جافة فلا بأس» (1) .

   ومنها : موثقة زيد الشحام قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل عليّ ، قال : لا بأس» (2) ومنها غير ذلك من الأخبار التي ظاهرها طهارة المني .

   ويمكن تأويلها على نحو لا تنافي الأخبار الدالة على نجاسته ـ  ولو على وجه بعيد  ـ فتحمل الرواية الاُولى على تجففه بالموضع الطاهر من الثوب ، والثانية على صورة زوال عين المني فيطهر الثوب باصابته المطر .

   هذا على أنه يمكن حملهما على التقية ، لذهاب جماعة من العامة إلى طهارة المني إما مطلقاً كما ذهب إليه الشافعي (3) واستدل عليه بوجهين : أحدهما : ما رواه البيهقي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أنه قال : «لا بأس بالمني فانّه من الانسان بمنزلة البصاق والمخاط» وثانيهما : أن الحيوان من المني ولا إشكال في طهارته فكيف يزيد الفرع على أصله .

   وإما في خصوص المني من الانسـان ومن سائر الحيوانات المحلّلة دون ما لايؤكل لحمه كما التزم به الحنابلة واستدلوا عليها بما رووه عن عائشة «من أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم يذهب فيصلي فيه» (4) . والشافعي وقرينه وإن كانا متأخرين عن عصر الصـادق (عليه السلام) إلاّ أن مستندهما لعلّه كان شايعاً في ذلك العصر وكان العامل به كثيراً ، وبذلك صحّ حمل أخبار الطهارة على التقية . وكيف كان فهذه الأخبار ـ مضافاً إلى معارضتها مع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 446 / أبواب النجاسات ب 27 ح 7 .

(2) الوسائل 3 : 446 / أبواب النجاسات ب 27 ح 6 .

(3) ، (4) راجع المجلد الأول من الفقه على المذاهب الأربعة ص 13 .

ــ[414]ــ

الأخبار الكثيرة الواردة في نجاسة المني ـ مخالفة لضرورة الاسلام ، ومعها لا يمكن الاعتماد عليها بوجه .

   أمّا المسألة الثانية : فقد ادعي الاجماع على نجاسة المني من الحيوانات المحرمة التي لها نفس سائلة ، ويمكن أن يستدل عليها بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول ...» (1) . فان الظاهر أن اللاّم في كل من المني والبول للجنس لبعد أن يكون للعهد الخارجي ، فتدل حينئذ على أن طبيعي المني أشد من طبيعي البول سواء أ كانا من الانسان أم من الحيوان ، وحيث إن بول الحيوانات المحرمة التي لها نفس سائلة نجس فلا محالة يحكم بنجاسة منيها لأنه أشد من بولها .

   وملاحظة ذيل الصحيحة وإن كانت موجبة لصرفها إلى مني الانسان حيث قال : «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك وكذلك البول» لأن ما  يصيب ثوب المصلي من المني يبعد أن يكون من غيره من الحيوانات المحرمة ، إلاّ أن ذيلها مشتمل على حكم آخر غير الحكم الذي تكفله صدر الرواية فهو باق على عمومه ولا موجب لحمله على مني الانسان .

   ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للاستدلال على نجاسة المني في هذه المسألة بالأخبار المتقدمة في المسألة الاُولى ، وذلك لانصرافها إلى مني الانسان ، وبعد أن يصيب ثوب المصلي مني غيره من الحيوانات المحرمة ، بل نقل في الجواهر عن بعضهم أن الانصراف كالعيان (2) ، وعليه ينحصر مدرك القول بنجاسة المني في هذه المسألة بما قدمناه من صحيحة محمد بن مسلم .

   وأمّا المسألة الثالثة : أعني نجاسة المني من الحيوانات المحللة التي لها نفس سائلة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 424 / أبواب النجاسات ب 16 ح 2 .

(2) الجواهر 5 : 290 .

ــ[415]ــ

فلا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة ، أمّا الأخبار المتقدمة في المسألة الاُولى فلانصرافها إلى مني الانسان كما مرّ ، وأمّا صحيحة محمد بن مسلم التي اعتمدنا عليها في المسألة الثانية ، فلاختصاصها بما إذا كان البول نجساً ، لأن معنى الأشدية أن المني يشترك مع البول في نجاسته إلاّ أن هذا أشدّ من ذاك ، وأبوال الحيوانات المحللة طاهرة فلا يكون المني منها نجساً .

   وقد يتوهّم : أن الأشدية بلحاظ نجاسة المني منها مع طهارة أبوالها . ويندفع : بأن الأشدية لو كان هو ذلك لوجب أن يقول : نجاسة المني أوسع من نجاسة البول لاختصاصها بما لايؤكل لحمه بخلاف نجاسة المني ، ولا يناسبه التعبير بالأشدية ، فان معناها كما عرفت هو اشتراك المني مع البول في نجاسته وكون أحدهما أشد من الثاني هذا .

   ثم لو قلنا بشمول إطلاق الصحيحة للمقام أعني مني الحيوانات المحللة فتعارضها موثقتان :

   إحداهما : موثقة عمار «كل ما اُكل لحمه لا بأس بما يخرج منه» (1) لأن إطلاقها يشمل المني أيضاً .

   وثانيتهما : موثقة ابن بكير حيث ورد في ذيلها «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز» (2) وعموم كل شيء يشمل المني أيضاً وبعد تساقطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة .

   نعم ، قد استشكلنا سابقاً في الموثقة الأخيرة بأنها ناظرة إلى بيان صحة الصلاة في أجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها مما لايؤكل لحمه لا من سائر الجهات ، وإلاّ فعموم كل شيء شامل للدم أيضاً ، مع أن الصلاة فيه باطلة لنجاسته . نعم ، تصح فيه أيضاً من حيث عدم كونه من أجزاء ما لايؤكل ، ولكن في الموثقة الاُولى غنى وكفاية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12 .

(2) الوسائل 4 : 345 / أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 ، وكذا 3 : 408 / أبواب النجاسات ب  9 ح  6 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net