العاشرة : الشك في أنّ ما بيده رابعة المغرب أو اُولى العشاء 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء التاسع:الصلاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4268


ــ[141]ــ

   [ 2143 ] المسألة العاشرة : إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أ نّه سلّم على الثلاث وهذه اُولى العشاء (1) فان كان بعد الركوع بطلت ((1)) ووجب عليه إعادة المغرب ، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة من قوله : «بحول الله» وللقيام وللتسبيحات احتياطاً ، وإن كان في وجوبها إشكال ، من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدخول في ركعة الاحتياط بالأصل ، فهو في حكم الشارع بمثابة العالم بعدم الإتيـان بصلاة الاحتياط ، ومثله محكوم بالإتيان بها ، وبذلك يحكم بصحّتها وتماميتها وكونها جابرة على تقدير الحاجة إليها ، ومعه يحرز الامتثال على كلّ حال . فلا حاجة إلى إعادة أصل الصلاة .

   ومنه يظهر الجواب عن العلم الإجمالي المزبور ، فانّه لا أثر له ، إذ ليس لنا شك في وجوب صلاة الاحتياط ، فانّه معلوم تفصيلاً ، وإنّما الشكّ في انطباقها على الموجود الخارجي من أجل احتمال اشتماله على زيادة الركعة والتكبيرة وكذا زيادة التشهّد والتسليم في الركعة الاُولى منها ، فاذا دفعنا احتمال هذه الزيادات بأصالة العدم حكم بالانطباق ، ومعه لم يبق مجال لاحتمال وجوب الإعادة أصلاً كما لا يخفى .

   (1) الشك المزبور قد يفرض قبل الدخول في الركوع ، واُخرى بعده .

   أمّا في الفرض الأوّل :  فالصحيح ما ذكره في المتن من جعلها من المغرب بمقتضى قاعدة الاشـتغال ، أو اسـتصحاب كونه في المغرب وعدم الدخول في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم بصحّة المغرب حينئذ ووجوب استئناف العشاء لا يخلو من وجه قويّ .

ــ[142]ــ

العشاء بعد وضوح عدم جريان قاعدة الفراغ للشكّ فيه ، ولا التجاوز لعدم إحراز الدخول في الغير المترتِّب المحقق للتجاوز عن المحل ، وعليه فيهدم القيام ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، وبذلك يقطع ببراءة الذمّة عن المغرب .

   ولا يجب عليه سجود السهو للزيادات الصادرة من قول : بحول الله ، والقيام والقراءة أو التسبيح ، وإن حكم في المتن بوجوبه احتياطاً واستشكل فيه أخيراً وذلك للشكّ في تحقّق الزيادة وحصولها في صلاة المغرب . ومن المعلوم أنّ قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب لا تثبت ذلك ، فيرجع حينئذ في نفي الوجوب إلى أصالة البراءة وإن قلنا بسجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة . وهذا كلّه ظاهر .

   إنّما الكلام في أ نّه هل يتعيّن عليه جعل الركعة من المغرب كما ذكرناه ، وهو الظاهر من المتن أيضاً ، أم أ نّه مخيّر بينه وبين جعلها عشاءً ولو رجاءً فيتمّها ثمّ يعيد الصلاتين معاً احتياطاً .

   قد يقال بالثاني ، نظراً إلى أنّ المصلّي حين الاشتغال بالركعة يعلم بكونه في صلاة صحيحة إمّا المغرب أو العشاء ، فيعلم بكونه مشمولاً حينئذ لدليل حرمة إبطال الفريضة ، وبما أنّ البناء على كلّ من الطرفين فيه احتمال الموافقة من جهة والمخالفة من جهة من غير ترجيح في البين ، فيتخيّر بين الأمرين بعد عدم التمكّن من تحصيل الموافقة القطعية في شيء منهما ، وإنّما هي احتمالية ، كالمخالفة من جهة العلم الإجمالي بحرمة إبطال واحدة منهما .

   وعليه فحكم الماتن (قدس سره) بجعلها من المغرب ليس على وجه اللّزوم وإنّما هو إرشاد إلى ما به يتحقّق القطع بالخروج عن عهدة المغرب ، وإن تضمّن احتمال المخالفة لدليل حرمة القطع بالإضافة إلى العشاء ، لتطرّق هذا الاحتمال على كلّ حال كما عرفت ، وإلاّ فله جعلها عشاءً وتتميمها رجاءً ثمّ إعادة الصلاتين احتياطاً .

ــ[143]ــ

   ويرد عليه أوّلاً : ما أشرنا إليه في مطاوي الأبحاث السابقة (1) ، وسيجيء التعرّض له في بعض الفروع الآتية من أنّ حرمة قطع الفريضة على القول بها خاصّة بما إذا أمكن إتمامها والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، وإلاّ فلا دليل على حرمة القطع حينئذ بوجه ، ولا شك في عدم جواز الاجتزاء والاقتصار على إتمام العشاء في المقام ، لعدم إحراز نيّتها أوّلاً ، وعدم إحراز ترتّبها على المغرب ثانياً ، للشك في فراغ الذمّة عن تلك الفريضة حسب الفرض .

   وعليه فحرمة القطع بالإضافة إلى صلاة العشاء غير ثابتة جزماً ، بل هي خاصّة بصلاة المغرب ، حيث يمكن إتمامها والاجتزاء بها في مرحلة الامتثال . فليس لنا علم إجمالي بحرمة قطع إحدى الصلاتين ليجري التخيير بالتقرير المذكور .

   وثانياً : سلّمنا حرمة القطع على الإطلاق ، المستلزم للعلم الإجمالي المزبور إلاّ أنّ استصحاب بقائه في المغرب وعدم الإتيان بالجزء الأخير منها وعدم الدخول في العشاء حاكم عليه ورافع للترديد ، وكاشف عن حال الركعة التي بيده . وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي ، فيتعيّن عليه جعلها من المغرب ، ولا يسوغ البناء على العشاء ولو بعنوان الرجاء ، لاستلزامه القطع المحرّم ، غير الجاري في عكسه بحكم الاستصحاب كما عرفت . فالأظهر بناءً على حرمة القطع أنّ الحكم المذكور في المتن مبني على جهة اللّزوم ، دون الجواز والتخيير .

   وأمّا في الفرض الثاني أعني ما لو عرض الشك بعد الدخول في الركوع فقد حكم في المتن ببطلان صلاته ووجوب إعادة المغرب .

   أمّا الأوّل : فلعدم إمكان تتميمها لا عشاءً لعدم إحراز نيّتها ولا الترتيب المعتبر فيها ، ولا مغرباً إذ لا رابعة فيها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 18 : 210 .

ــ[144]ــ

   وأمّا الثاني : فلأ نّه مقتضى قاعدة الاشتغال ، للشكّ في الخروج عن عهدة التشهّد والتسليم ، بل الحكم عليهما بعدم الإتيان بمقتضى الأصل بعد عدم إمكان الرجوع والتدارك ، لفوات محلّه بالدخول في الركن .

   ولا مجال لإحرازهما لا بقاعدة الفراغ للشكّ في تحقّق الفراغ والخروج عن المغرب ، ولا بقاعدة التجاوز لعدم إحراز الدخول في الجزء المترتِّب ، لجواز أن يكون ما بيده رابعة المغرب . ومن المعلوم عدم الترتّب بين الركعة الزائدة الفاسدة وبين الأجزاء الأصلية ، فلا يمكن إحراز المغرب تامّة بوجه . فلا مناص من إعادتها بمقتضى قاعدة الاشتغال كما ذكرناه ، ثمّ الإتيان بالعشاء .

   أقول :  أمّا بطلان الصلاة التي بيده لعدم إمكان تصحيحها بوجه فممّا لا ينبغي الإشكال فيه كما ذكر . فلا مناص من استئناف العشاء .

   وأمّا وجوب إعادة المغرب فالمشهور وإن كان ذلك حيث حكموا ببطلانها بالتقريب المتقدّم ، إلاّ أنّ الأظهر جواز تصحيحها اسـتناداً إلى قاعدة الفراغ نظراً إلى أنّ الفراغ بعنوانه لم يرد في شيء من نصوص الباب (1) ليعترض بعدم إحرازه في المقام بعد احتمال أن يكون ما بيده رابعة المغرب ، المستلزم لعدم الإتيان بالتشهّد والتسليم ، فلم يتحقّق الفراغ .

 وإنّما الوارد فيها عنوان المضي كما في قوله (عليه السلام) : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضـه كما هو» (2) أو عنـوان التجاوز كما في النصـوص

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نعم ، ورد ذلك في صحيحة محمّد بن مسلم الوسائل 8 : 246 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 27 ح 2 إلاّ أ نّها لا تدلّ على اختصاص موضوع الحكم به ، لعدم التنافي بينها وبين ما دلّ على أنّ العبرة بمطلق المضي ، هذا أوّلاً . وثانياً : لا شبهة أنّ المراد الفراغ من الصلاة الأعم من الصحيحة والفاسدة ، وهو محرز في المقام بلا كلام .

(2) الوسائل 8 : 237 /  أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3 .

ــ[145]ــ

الاُخر (1) . وكما يصـدق المضي والتجاوز الّذي هو بمعـنى التعـدّي عن الشيء بالتسليم والخروج عن الصلاة كذلك يتحقّق بالدخول فيما لا يمكن معه التدارك على تقدير النقص إلاّ باعادة العمل .

   ولأجله ذكرنا في محلّه (2) أ نّه لو رأى نفسـه مرتكباً لشيء من المنافيات كالحدث والاستدبار وعندئذ شكّ في صحّة صلاته لأجل الشك في التسليم ، أو فيه وفي التشهّد ، بل ومع السجود فانّه يبني على الصحّة بقاعدة الفراغ ، باعتبار أنّ امتـناع التدارك يوجب صدق عنوان المضي حقيقة ، فانّه يقال حينئذ من غير أيّة عناية : إنّه قد مضت صلاته ـ  بالمعنى الأعم من الصحيحة والفاسدة  ـ وتجاوز وتعدّى عنها . فيحكم بصحّتها بمقتضى قوله (عليه السلام) : «فأمضه كما هو» إذ لا قصور في شمول إطلاق النصوص لهذه الصورة أيضاً كما لا يخفى .

   والمقام من هذا القبيل ، فانّ الدخول في الركوع الّذي هو ركن بمثابة ارتكاب المنافي ، المانع عن إمكان التدارك . فشكّه حينئذ في التشهّد والتسليم شكّ بعد مضي الصلاة ، فلا يعتنى به بمقتضى قاعدة الفراغ ، فانّ الفراغ بعـنوانه وإن لم يكن محرزاً إلاّ أ نّه لا اعتبار به كما عرفت ، بل المدار على عنوان المضي المأخوذ في لسان الأدلّة ، الّذي لا ينبغي التأمّل في صدقه وتحقّقه في المقام .

   ومن الغريب جدّاً أنّ شيخنا الاُسـتاذ (قدس سره) (3) مع التزامه بجريان قاعدة الفراغ في المثال المتقدّم ـ  أعني الشك في التسليم بعد ارتكاب المنافي  ـ وافق في الحكم باعادة المغرب في المقام ، فانكر جريان القاعدة هنا ، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين ، فانّ المستألتين من واد واحد . فان قلنا بجريانها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 469 /  أبواب الوضوء ب 42 ح 2 .

(2) شرح العروة 18 : 144 .

(3) كتاب الصلاة 3 : 136 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net